كتابات | آراء

القوة والمعرفة في معادلة الوجود

القوة والمعرفة في معادلة الوجود

حتى نعي المستوى الحضاري الجديد الذي وصل اليه البشر لابد أن نسلم بالحقيقة الجوهرية الثابتة التي ترى أن الفكرة الدينية فكرة ثابتة لا يمكنها التغير في بعديها العقائدي والاخلاقي

بقطعية النصوص , ولكن المشروع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي قابل للتحول والتبدل ويمكن ابتكاره وابداعه من تفاصيل الزمن الحضاري ولذلك فقضيتنا لا تنحصر في موضوع الدعوة وفرض ثقافتنا وعقائدنا على الآخر فقد حصرها النص الديني بالبلاغ  والبلاغ قابل للتحقق من خلال المشروع الاجتماعي والسياسي وشواهد التاريخ دالة على ذلك .
فتشذيب التراث من كل شوائبه التي فرضتها الضرورات التاريخية والسياسية هو البداية المثلى لصناعة مشروعنا السياسي الذي يتفاعل مع العالم من حولنا ليكون مؤثراً فيه لا متأثراً به , والآخر يخاف من المشروع السياسي المتجدد ولذلك سعى الى اغتيال رموز النقد والتنوير  واستمال العلماء اليه ومن رفض نالته يد الغدر ولو جال البصر في الزمن المتأخر منذ عقد الثمانينات لرأينا هذه السياسة بشكل جلي وواضح , لكنه لا يخاف الفكرة الدينية  بل تعامل معها بقدر من التفكيك والتشويه وشواهد ذلك كثيرة بدءاً من أفغانستان ولا نقول انتهاء بداعش فالقائمة ليست محددة بزمن .
لذلك نرى التأكيد على مبدأ التعايش , من خلال صيغة جامعة , فالتفرد أصبح مستحيلاً وهو محكوم بالنهايات التراجيدية وبدوائر الصراع .
وبالتأمل في الواقع نجد الحقائق التالية :
- التفرد – مستحيلا - ومن حق الكل أن يعبر عن وجوده .
- الشراكة الوطنية ضرورة وطنية لابد من تعريفها وتجديد أهدافها .
- المصالحة الوطنية - ولو حصل فيها غمط - ضرورة مرحلية حتى نجتاز عتبة التآمر وترتيب البيت من داخله .
- مراجعة الذات والبناء المؤسسي القادر على التفاعل مع المستويات الحضارية الجديدة , والقادر على صناعة مشروع سياسي مؤثر في النظام العالمي لا متأثر به  .
- تنمية الذات والاشتغال على تفجير طاقاتها , وتنمية حركة النقد وصناعة الرموز الثقافية الواعية القادرة على صناعة الابعاد الاستراتيجية .
- تنمية البعد الثقافي والاستفادة من توظيف كل الفنون لخدمة المشروع السياسي والاقتصادي كما دأبت بعض الدول كتركيا مثلا .
تلك التوجهات يجب أن تكون نصب أعيننا بعد أن تضع الحرب أوزارها , ونحن نتوقع أن يكون هناك توجها في المباحثات الجارية أو القادمة لخفض نسبة التوتر في الجبهات العسكرية والاشتغال على التدافع بعد أن بلغ المستعمر غايته من السيطرة على مصادر الطاقة والتحكم بخط الملاحة الدولي والسيطرة على منافذ الغذاء .
وخيار التفاوض خيار مطروح  , وطالما وهو نتيجة حتمية سواء حدث اليوم أو غدا فلابد من الاستعداد لما بعده , ولنا في تجارب التاريخ عظات وأمثلة يمكننا الاستفادة منها والبناء على نتائجها حتى يكون الوطن ما بعد العدوان أقوى وأشد عودا وأصلب .
ولا ينبغي لأدوات العدوان أن تشعر براحة الضمير بل لابد أن تعذبها الذنوب والخطايا من خلال تكثيف الاشتغال على الفنون وتوظيفها التوظيف الملائم حتى تبلغ غايتها ومقاصدها الوطنية وبحيث نأمن ثغرة العمالة .
كما أن كشف أثر الذنوب والخطايا المرتكبة في حق الوطن وحق المواطنين وحق السلم الاجتماعي من خلال تصحيح المفاهيم ومن خلال الوعظ ومن خلال بيان الصورة التي كانوا عليها من حيث الذل والغفلة  قد يترك أثرا نفسيا يفضي الى جلد الذات من خلاله تسعى الذات الى التطهر من خلال البوح وكشف المخطط والحقائق ويسعى الوطن الى توظيف ذلك في تحصين الهويات من الاختراق ويأمن النفاذ من خلالها لزرع الشقاق .
فالتفاوض – كما في صلح الحديبية – ليس اعتدادا بالقوة بل هو خيار السلام وبه ومن خلاله نستطيع تغيير المعادلات الكيمائية حتى تكون قادرة على انتاج عنصر جديد نحن نعرفه سلفا من حيث لا يدرك الخصم ذلك وبالتالي نفرض خياراتنا نحن كما ينبغي لها أن تكون ولنا في تجارب الامم عظة وعبر ومن خلال الوعي بتجارب الآخرين  نستطيع أن نجتاز العقبات .
 فالهند – وهي ذات تأثير ثقافي وحضاري علينا - نجحت في التعالي على الأجانب لا عبر هدايتهم الى الديانة أو الثقافة الهنديتين بل عن طريق التعامل مع تطلعاتهم بقدر رفيع من الاتزان ورباطة الجأش , فقد دأبت على التعامل مع المستويات الحضارية الجديدة وأذابتها في بوتقة الحياة الهندية دون خوف , فعظمة الهند تكمن في قدرتها على التحدي ضد أي تأثير غريب ولذلك فرضت تأثيرها وشروطها على النظام العالمي الجديد , وهي تجربة إنسانية فريدة يمكن الاستفادة منها , وإن كان لدينا أسس هذا النوع من التعايش تجسدت بذرته في "وثيقة المدينة " لكن الفكر العربي ظل محكوما بالنص , ولذلك تقيدت حركة تطور المجتمعات من خلال فقداننا للمعرفة .
فالمعرفة هي القدرة والقوة التي نستطيع أن نقود بها المجتمع إلى الخير أو إلى الشر , ونقص المعرفة لا يعني الهزيمة النفسية والاخلاقية والثقافية بل يعني قصورنا في التفكير وعدم قدرتنا على استغلال المعرفة التي تحيط بنا من كل صوب واتجاه بما يلبي حاجتنا في حياة كريمة ويوفر لنا الامن والاستقرار , وبالأمن والاستقرار نستطيع أن نصوغ رسالتنا إلى العالم وهي رساله قوامها العزة ومضمونها المحبة والسلام والخير العميم لكل بني البشر الذين تجمعنا بهم إخوة الدين , أو رابط الانسانية كما عبر عن ذلك كتاب الله في خطابه لسيد المرسلين عليه وعلى آله الصلاة والسلام حين قال: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وقال الإمام علي كرم الله وجهه (الناس اثنان :إما أخ لك في الدين ,أو مساو لك في الخلق).  
إن فقدان أدوات الحرب من معدات وآليات لا يعني تجرد الجماعات والكيانات - كما يدل التأريخ - من مقومات وجودها , ولكن فقدان المعرفة ,بما تمثله من قوة, هي التجرد الحقيقي من مصادر القوة , ولذلك نرى أن بقاء المشروع الثقافي رهن بحيوية المعرفة,  واستغلال المعرفة التي تحيط بنا ,هي الضمان الحقيقي من الفشل الذي يسعى العالم كله للوصول بنا إليه.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا