كتابات | آراء

ماكرون البغدادي وإمارة فرنسا

ماكرون البغدادي وإمارة فرنسا

متخطيّاً كلّ التقاليد والأعراف الدبلوماسية والبروتوكولات اطلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخطاب صيغت كلماته بأبجديّة العنصرية والإصرار على التحدّي والاستفزاز لكلّ مسلمي العالم، ذلك الخطاب المتدني الذي حوّل ماكرون من رئيس دولة كبرى إلى أمير جماعةٍ بغض النّظر عن هويّتها وحوّل فرنسا إلى إمارةٍ له جعلت كلّ الفرنسيين أهدافاً للمنتقمين

من خطابه النّاري الذي أساء لفرنسا وشعبها قبل أن يسيء للرسول والمسلمين بل أساء للإنسانيّة بأكملها من خلال قضيةٍ في منتهى الحساسيّة بدأت فصولها حين نشرت مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسيّة عام 2015م صوراً مسيئة للنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى أثرها تعرّضت المجلة لهجومٍ مسلّحٍ على مركزها في قلب العاصمة الفرنسية باريس في 7 يناير 2015 مما أدّى إلى مقتل 12 شخصاً وإصابة 11 آخرين، إضافة إلى اندلاع سلسلة من المواجهات مع المسلمين الفرنسيين وحركة رفض واحتجاج في كلّ العالم الإسلامي استنكاراً للإساءة لسيد المرسلين محمد صلوات ربي وسلامه عليه واحتجاجاً على نشر الصّور التي تمسّ رأس الإسلام وبالمقابل خرجت مسيرات ملايين الفرنسيين تحت عنوان (انا شارلي) دعماً للمجلة وتأييداً للاستمرار بنشر الصّور واستفزازاً لمشاعر الملايين من المسلمين في العالم حينها لم تتعظ فرنسا من الهجوم الذي جاء كردّة فعل على نشر الصور بل أصرّت على المضي بسياستها العنصريّة والتحريضيّة ضد الاسلام والمسلمين فأعادت المجلة منذ أيّام نشر الصور تزامنا مع محاكمة بعض المتهمين بالهجوم المسلّح عليها وقام معلم التاريخ صمويل باتي بنشر الصور أمام تلاميذه في إحدى مدارس العاصمة الفرنسية باريس ليأتي الردّ سريعاً من خلال قتله على يد عبدالله انزوروف، الشيشاني المولود في موسكو والبالغ من العمر 18 عاما بسبب عرضه للصّور المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحت عنوان حرّية الرأي والتّعبير ضمن سياسة تبناها رسميا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في كلمته التي ألقاها خلال دفن باتي.أطل ماكرون بخطابه الكريه والعدواني على الفرنسيين مدينا (الإرهاب الإسلامي) على حدّ وصفه- دان الإرهاب بلغةٍ حاقدةٍ تحريضيةٍ بغيضة  تستهدف رأس الإسلام واصله وبخطاب لا يتميّز عن خطاب من صنعتهم المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية. ولولا لغته الفرنسية في الخطاب لظننت بأنّ الذي يعتلي المنبر هو أبو بكر البغدادي في مسجد الموصل أو اعتقدت بأنّ رسالة تلفزيونية مباشرة  تبثّ لأبي مالك التلي بدا فيها ماكرون  كأمير من أمراء داعش الذين لا يتميّز عنهم سوى ببدلته الباريسية وربطة عنقه فالرئيس المتخم بتاريخ فرنسا الإجرامي والدّموي بحق الشّعوب العربية والإسلامية عامة وفي  الجزائر وطن المليون شهيد الذين قتلتهم فرنسا بأساليب إجراميّة ووحشيّة متعددة منها قطع رؤوسهم وإرسالها إلى باريس للاحتفاظ بها في متحف الجماجم ولا زالوا يحتفظون بها حتى اليوم أو من خلال رمي المواطنين الجزائريين من الطائرات أو سجنهم في آبار الماء أو إحراقهم وإلى ما هنالك من إبداع في الأساليب الإجرامية والإرهابيّة التي مارسها أحفاد ديغول وبالرّغم من ذلك لم يدرك ماكرون أن فاقد الشيء لا يعطيه وأنه لا يمكن لمن يتبنى الإرهاب الفكري والعنصرية وثقافة التحريض أن يحارب إرهاباً له عراقة تاريخية على امتداد قيام فرنسا التي تتباهى به كجزء من تاريخها وحاضرها وبإصرار. ولم يستوعب أن استفزاز المسلمين أو ايّة جهة دينيّةٍ والإساءة لرمز من رموزها ومقدّساتها هو فعل يستوجب الردّ بكلّ المعايير الإنسانيّة والأخلاقية والعلمانيّة بل يصبح الردّ واجباً مقدّساً على المستوى الديني ولاسيما الإسلامي.
ويمعن ماكرون في غيه بإعلانه عن عدم التخلي عن الرسوم الكاريكاتورية التي قتل بسبب نشرها باتي الذي وصفه بأنّه جسد القيم العلمانية والديمقراطية في الجمهورية الفرنسيّة التي لا زالت تحتجز في سجونها أكثر الناس ديمقراطية وعلمانيّة المعتقل اللّبناني جورج عبدالله وبالرّغم من ذلك يريد أن يعلّمنا ماكرون معنى الحرّية والديمقراطية التي لا يعرف منها إلا اسمها. وإزاء تلك الكلمة لأمير الظلام الباريسي وأمام هذا الإصرار على المضي بإهانة نبي الإسلام فإنّ ماكرون الذي يدّعي محاربة القوى الظلاميّة سيدخل فرنسا في نفقٍ مظلمٍ لا أفق له تجلت بداياتها امس في عملية طعن في مدينة نيس الفرنسية ادت الى قتل ثلاثة مواطنين فرنسيين.. تلك هي ثمار الخطاب التحريضي الذي استنهض المزيد من العنف وللرئيس ماكرون ان يعيد حساباته وان يتراجع عن فكرة اصراره على تبني نشر الرسوم المسيئة للرسول والاعتذار حقنا للدم ووأدا للفتنة التي ستزيد من وتيرة التطرف والعنف وسيكون ماكرون أمام معركةٍ خاسرةٍ سياسيّاً قد تطيح به دون رجعةٍ.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا