كتابات | آراء

بوح اليراع: جوانب الإبهار في عقود الإيجار

بوح اليراع: جوانب الإبهار في عقود الإيجار

منذ سنين عديدة ونحن نسمع عن إمكانية قيام الجهات ذات الاختصاص بإصدار قانون الإيجار الذي تؤمل شريحة مجتمعية يمنية كبيرة أنه سيحميها مما تتعرَّض له من الامتهان والعبث والاستهتار على أيدي بعض المُؤجرين الذين صاروا ينظرون إلى المستأجرين -وعلى وجه الخصوص الفقراء- كما لو كانوا عندهم مجرد أُجراء يُباع بكرامتهم ويُشترى.


عقود تأجير؟ أم صكوك استعباد؟
وإذا كان المؤجر في بلادنا ميَّالاً -بطبعه- إلى التجبُّر، فقد جنَّدت مكاتب العقارات نفسها لمساعدته على إشباع رغبته أكثر فأكثر، إذ ما أكثر ما يتفنَّن أصحاب هذه المكاتب -أثناء تحريرهم وثائق العقود- في وضع صيغٍ وبنود لا توجد لها نظائر بأي بلدٍ في الوجود، والملاحظ أن تلك المكاتب في تنافُس مستمر لاستحداث ما تتفتَّق عنه أذهانهم من الشروط المجحفة التي تُعطي المؤجر حوالى 11حقًّا أو أكثر وجُلَّها تنطوي -ضمنًا- على تعسُّفٍ غير مباشرٍ في حق المستأجر، ولا تمنح بنود تلك العقود -في مقابل ذلك- المستأجر أيَّ حقٍّ يُذكر، وكأن هذه المكاتب التي تخطب ودَّ المؤجر لا تعتبر المستأجر من جنس البشر، ومن البنود التي تتضمنها تلك العقود:
1- على الطرف الثاني -ويقصد به(المستأجر)- دفع الإيجار كل شهر مقدمًا، ولا يحِقُّ له تأخيره مهما كان عُذره.
2- على الطرف الثاني -ويقصد به(المستأجر)- إصلاح كل ما في العين المؤجرة من ضرر قبل تسليمها إلى الطرف الأول، ويقصد به(المؤجر).
3- على الطرف الثاني -ويقصد به(المستأجر)- تسديد فواتير المياه والكهرباء أولاً بأول وتسليم صورها -شهريًّا- إلى الطرف الأول.
4- لا يحِقِّ للطرف الثاني -ويقصد به (المستأجر)- تأجير العين المؤجرة من طرفٍ ثالث إلاَّ إذا حصل على موافقة كتابيَّة مشَوْهَدة من الطرف الأول-ويقصد به (المؤجر)-، إذ لا يكفي استناده إلى موافقة شفهيَّة، إذ من شأنها تحميله المسؤولية وتعريضه للمساءلة القانونية.
5- لا يحِقُّ للطرف الثاني -ويقصد به (المستأجر)- استحداث أيِّ شيءٍ في العين المؤجرة وإن كان مضطرًا إليه ما لم يحصل على إذنٍ كتابيٍّ من الطرف الأول عليه.
6- على الطرف الثاني -ويقصد به (المستأجر)- إذا أراد الخروج من العين المؤجرة إبلاغ الطرف الأول قبل شهرين على الأقل.
7- على الطرف الثاني -ويقصد به (المستأجر)- في حال خروجه أن يُزل أية استحداثات في العين المؤجرة وإن كانت استحداثات غير ضارة على حسابه ولا يشاركه الطرف الأول بأيِّ شيءٍ يُذكَر من أتعابه، ولا يحِقُّ للطرف الثاني إبقاءها، إلاَّ إذا أقتنع الطرف الأول أن مصلحة العين المؤجرة في بقائها.
إلى غير ذلك من الشروط المتسمة بالتحيُّز الشديد التي تثقل كواهل المستأجرين بكل تأكيد وتجعلهم لدى المؤجرين أشبه ما يكونون بالعبيد.
فأية عقود هذه المنطوية على الكثير من الإجحاف والمفتقرة -بالمرَّة- إلى الحدِّ الأدنى من معايير الإنصاف التي تقتضي التعامل مع المؤجر والمستأجر -باعتبارهما طرفي المعادلة التأجيريَّة- بما ينبغي من النديَّة؟

الدور الواجب على أصحاب المكاتب
ولأنَّ مكاتب العقارات قد أناطت بنفسها مهمة البحث عن العقارات التي يرغب أصحابها ببيعها والبحث عن الراغبين في شرائها ومن ثمَّ السعي في التوفيق بينهما حتى تتم عملية البيع والشراء، فتتقاضى -مقابل ما أولت تلك العملية التجارية من رعاية- ما تستنُّه من سعاية، ولأنها -أيضًا- تبذل جهودًا في البحث عن العقارات والمساكن الصالحة للتأجير أو الإيجار وعن الأشخاص الراغبين أو المضطرين في الاستئجار، فما أحرى تلك المكاتب بلعب أدوارٍ توفيقية بقدرٍ من النزاهة والحيادية والشفافيَّة، حتى تحيط عملية البيع والشراء بسياج الثقة والأمان الذي يضمن لها ما تصبو إليه من ديمومة كسب الرهان، وما أحراها في لعب الدور ذاته في قضية الإيجار حتى تُسهم في جعل التأجير والاستئجار قضية تشاركية مجتمعية تعود بالفائدة المعقولة على مالك العقار وتضمن للمستأجر -بالمقابل- الحدَّ المعقول من الشعور بالطمأنينة والاستقرار.
فهذه الخدمة وإن كانت مدفوعة الثمن، فهي -في حال اتسامها بالحيادية والنزاهة- تنطوي على معنى الاستشارة، والمستشار كما رُوي عن رسول الله -صلوات ربي وسلامه عليه- مؤتمن.
وعلى اعتبار أن المؤجر والمستأجر لدى هذه المكاتب مجرد زبائن أو عملاء، فينبغي عليها أن تعاملهما -بصرف النظر عن الفوارق المادية- سواءً بسواء وأن تعدل بينهما في ما أوكلاه إليها من إمرهما امتثالاً لقول الحق تبارك وتعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) المائدة الآية: (8).

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا