محليات

الشاعر/ عبدالرحمن مراد لـ « 26 سبتمبر » نحن في أشد الحاجة إلى تطوير أساليب تفكير العقل العربي

الشاعر/ عبدالرحمن مراد لـ « 26 سبتمبر » نحن في أشد الحاجة إلى تطوير أساليب تفكير العقل العربي

الشاعر عبد الرحمن مراد المثقف والأديب والناقد المعروف بنصوصه المفعمة بشعرية التاريخ والعابقة بالشجن والحب والجمال والخيال. عناوينه العميقة ودلالاته الرمزية التي ينبجس منها البيان والسحر..

وكتاباته النقدية الفلسفية في الأدب والثقافة والسياسة والمجتمع.. التي تنم عن مفكر وحكيم، ناقشنا بوحه وحاولنا استنطاق كوامنه لمعرفة المزيد عن هذا المبدع الجميل وعما يأمل.. تفاصيل أكثر عن قضايا الفكر والثقافة والأدب تضمنها الحوار الذي أ جرته "26سبتمبر" الى التفاصيل: -

حاوره/ يحيى اليازلي
 * بعيدا عن الرسميات واقترابا من الشاعر والاديب والكاتب عبدالرحمن مراد.. كيف تقرأ واقعنا الثقافي اليوم بعد كل هذا الانهيار والاضطراب الذي حدث على مدى عقد ونيف من الزمان؟
** الحقيقة الواقع الثقافي اليمني يمر بمرحلة ضبابية غير واضحة المعالم ولا الاهداف هو صدى لكل هذا التدمير الذي يحدث في حياتنا , فقد تركت الحروب والاضطرابات منذ عقد التسعينات الى اليوم جرحا غائرا وانقساما عميقا , وحياة ذات ابعاد انهزامية لا تنتصر للمفاهيم التي ترسخت في التصورات العامة , الواقع الثقافي ضحية واقع سياسي مارس التعسف فترك ذاتا غير سوية , لا غاية لها سوى الحصول على اسباب العيش الكريم وفي هذه الزاوية يصبح من الصعب أن يكون هناك تفكيرا نبيل.. حين تحاصر حياتك دائرة الاحتياجات اليومية للعيش بالضرورة ستكون واقعا تحت تأثير تلك الضرورات لذلك فمعظم النتاج الثقافي تقوده الضرورة الحياتية للإفراد أو الجماعات حتى المواقف تكون واقعة تحت ضغط المصلحة والضرورة اليومية , وحين تنظر للنتاج الثقافي تجده منساقا الى التماهي مع ما يوفر له شعورا بالقيمة وبالمعنى وبالحياة , لذلك تجد غالب النتاج الابداعي على مدى ثلاثة عقود من تاريخ اليمن على تضاد مع ما يبني , فهو يهدم لمجرد الهدم , ويقوم بتفكيك البنى العامة الثقافية والاجتماعية انتقاما من الواقع الثقافي والسياسي الذي يمارس التعسف والغبن على الفرد والجماعة .
* بالعودة الى جيل التسعينات من القرن الماضي هل تراه أحدث تحولا في المسار الثقافي؟
**جيل التسعينات من القرن الماضي وقع تحت هول الصدمة الحضارية الجديدة واشتغل تحت فلسفة الذات التي تقطع صلتها بالماضي وتحاول أن تبدع واقعها الحر والنبيل لكن الواقع خذلها فعاشت تيها وضياعا , فلسفة القطيعة مع الماضي أو مصطلح الأبوة الثقافية أفرغ الأشياء من محتواها وتبعا لذلك ضاعت الهوية الثقافية والسمة الغالبة وقد ترك ذلك ظلالا على المسار السياسي فاضطرب وحدث ما حدث من انهيارات في النظام العام والطبيعي وضاعت اليمن.. طوال عقود ثلاثة لم يبرز أحد كمثقف فرد وحر , وتموضعت الشللية والحزبية في مراكز مهمة فكانت تلغي كل ما هو حقيقي وتشيد كل ما هو هامشي الى درجة أن أصبح المثقف مبررا وتابعا أمينا للسياسي حتى وصل به الحال أن يؤجر فكره وقلمه للسياسي حتى يستطيع العيش وفق فقه الضرورة الذي ساد في تلك المرحلة الى يومنا المشهود .
* المثقف الديني برز في هذه المرحلة بشكل كبير اقصد في الفترة التي تحدثت عنها..  هل ترى أن بروزه كان ضرورة ؟
** المثقف الديني مثقف نصي وفقهي وظهوره كان حالة طبيعية بعد حركة القطيعة مع الماضي التي سادت في سماء المرحلة , فهو يبحث عن الأصول يقيس عليها مظاهر الحداثة التي بدأت تبرز في الخطاب الثقافي ,فالنص هو سلطة مرجعية للعقل الديني وللجماعات الدينية ولذلك تجدها على تضاد كامل مع مظاهر العصر وتطوراته, وثقافتها لا تتعدى تعطيل حركة التاريخ واعادته بكل تجلياته في الماضي , وقد عجز المثقف الديني في حل الكثير من الاشكالات المعاصرة فهو لم يفكر في مشروع بناء الدولة ,لذلك ظل المجتمع يتمحور في عمق الأزمات المعقدة ,ولم يستطع حل قضايا حقيقية ومعقدة ومتكاملة ومرتبطة ببعضها مثل فكرة الاستقلال ,وفكرة تطوير المجتمع ,وتحديث قانون حركة التغيير في الطبيعة والمجتمع.
فلا يمكن اختزال حركة الثقافة في المجتمعات إلى “نمطية مماثلة” كونها ليست جامدة أو ميكانيكية، وبالتالي فالتيار النظري والمنهجي الذي يعتمد مقاربة ثقافية دينامية، ينظر إلى الفرد بوصفه فاعلًا اجتماعيًا، يؤثر ويتأثر, وينفعل ويتفاعل، في بيئة اجتماعية وثقافية محددة، لتصبح التشكيلات الاجتماعية، كخيارات الولاء والانتماء، معطًى يشارك الأفراد في تكوينه.
ومع هذا التصور الدينامي للثقافة، تكون الهوية بحد ذاتها كجدل إنساني واجتماعي، وتكون في ضوء هذه المقاربة صيرورةً تكوّن نسقًا ذا معنى عند الفرد الذي يتفاعل مع آخرين، بالوقت نفسه الذي يتفاعل فيه مع النسق الرمزي بشقيه الموروث والسائد، حيث يتطورون معًا.
* في ظل هكذا واقع كيف يمكننا النهوض طالما ونحن نعيش عمق الأزمات البنيوية القاتلة ؟
** يمكننا النهوض من خلال عودة مادتي الفلسفة والمنطق الى مناهجنا الدراسية نحن في أشد الحاجة الى تطوير أساليب تفكير العقل العربي من خلال ممارسة النقد القائم على قواعد المنطق السليم وليس التسليم لآراء الفقهاء الذين اجتهدوا وفق معطيات زمنهم الذي عاشوه , فالتطوير والتجديد يتم من خلال نقد الفكر القديم والاتصال به لا من خلال القطيعة التي قال بها رواد الحداثة , فالرفض للقديم لا يعني أنه غير صالح للزمن المعاصر فالكثير من التراث الثقافي مهمل في حياتنا الثقافية خاصة في البعد الاخلاقي والقيمي , فالرافضون للتراث هم راضون بشكل غير واع لتراث أمم أخرى من باب التأثر بالثقافة الغالبة , نحن لا نحبذ الفصل الثقافي لأنه يشكل تيها وضياعا ولكن ندعو الى التطوير والتجديد باعتبارهما بناء على أسس الهوية الثقافية التي لابد أن نعيد الاعتبار لها ونعتز بها من حيث كونها منظومة معرفية وأخلاقية وايديولوجية دالة علينا وتشكل حالة امتلاء لنا حتى نترك أثرا محمودا في التاريخ كأمة ذات قيمة لا كأمة تابعة وذليلة .
* السياسة الثقافية الوطنية في اليمن هل تراها قادرة على الاستجابة لضرورات الواقع وملبية لطموحاته ؟
** للأسف ليس لدينا في اليمن سياسة ثقافية , يمكننا القول لدينا أيديولوجيات تتصارع , هذه الايديولوجيات تحاول أن تفرض نفسها ولا تراعي التنوع الثقافي لليمن , كل حزب في اليمن فرح بما يؤمن به ويرى نفسه الأصلح والأرشد , وهنا تكمن المشكلة , فالسياسة الثقافية لابد أن تكون صيغة جامعة للكل , هناك قضايا مشتركة يغفل عنها الواقع , فالحزب من حقه أن يشتغل على أيديولوجيته لكن في إطاره البيني وبقدر من الحرية للآخر لكن في القضايا المشتركة يجب أن يصطف الى جانبها , مثلا في موضوع البعد التاريخي هناك استهداف لليمن لا نرى الأمر يخص حزب أو جماعة بل يخص كل اليمن , وفي موضوع الأغنية التي يتنازعها الجوار يجب أن يصطف الكل بغض النظر عن الموقف النظري منها من قبل هذي الجماعة أو تلك , من المعيب أن يمتد الاستهداف الى البعد الحضاري والبيئي لليمن دون أن يسجل موقفا جامعا لكل المحسوبين بالانتماء الى اليمن , الموضوع هنا يمس اليمن ولابد أن يصطف الكل الى حقوق اليمن , اليمن يستهدف اليوم ليس عسكريا وحسب بل وتاريخيا وحضاريا وثقافيا هناك حركة تجزئة للهويات الكلية الجامعة , الآخر يرى أن استهدافه لتلك الهويات الكلية يمهد الطريق أمامه لفرض ثنائية الهيمنة والخضوع , وقد يحقق من خلال هذا الاشتغال المكثف غاياته التي عجز عنها في الجانب العسكري وعبر التاريخ كثيرة في الدلالة على ما نذهب اليه .
* هذا الرأي يقودنا الى فكرة التاريخ..  الكثير يرى أن التاريخ يعيد نفسه ويتكرر ؟
** التاريخ لا يعيد نفسه ولا يتكرر بل نحن من يعيده ويكرره , فالعقل العربي يقرأ التاريخ لأثبات الصراع وتعميقه , ولذلك تتكرر أحداثه وتتجدد في حياتنا , وهناك حلقات مفقودة في التاريخ لأن من يكتبه في الغالب يكون المنتصر وهذه اشكالية بنيوية عميقة أيضا أوقعتنا في عمق الأزمات المتكررة في حياتنا المعاصرة , التاريخ مادة يحب أن تكتب كما كانت في واقعها دون زيف أو تضليل , لكن في الواقع السياسي العربي يكتب التاريخ ليكون شاهدا أو مبررا لنظام أو سياسة بعينها , ولذلك لو تغوص في المتن الثقافي العربي تجده يتخذ من المادة التاريخية دليلا أو شاهدا , أما التدبر والتفكر في أحداثه وفي أخطائه فهذا أمر أبعد ما يكون في الكثير من ذلك الخطاب أو المتن الثقافي الذي نقرأه , وإذا بحثت في أسباب نهوض الأمم من حولنا تجد أنهم يشبعون التاريخ قراءة ونقدا وتحليلا حتى يتعلموا منه كيف يتجاوزون تلك الاخطاء التي وقعت في سياق احداثه ويتفرغون لبناء المستقبل وتحقيق النهضة لشعوبهم .
* هل نستطيع القول أن هذا التوجه وراء المحمولات الرمزية التاريخية في نصوصك الابداعية ؟
تستطيع أن تقول ذلك فانا اشتغل على مشروع ثقافي أرى التاريخ فيه حركة معيقة ومعطلة للنهضة , وقد ترك هذا الظلال في توجهي البردوني إذ أنه سبقني اليه لكن مع قدر من المغايرة , فالبردوني كان يرى في التاريخ استبصارا يرى فيه المستقبل من خلال أحداثه وقياسها على الحاضر وتوقع نتائجها في المستقبل ولذلك نرى من يقول بظاهرة التنبوء في شعر البردوني.               
*برأيك لماذا لم تكن النخبة المثقفة واحدة من خطوط الدفاع القوية في اليمن , وانما اندفعت الى الانقسام ؟
** هذا موضوع شائك في اعتقادي , ويعود في الأساس الى سوء العلاقة بين السياسي والمثقف , والى ضبابية الرؤية , والى التحيزات , والى الوضع الوجودي والمعيشي للمثقف , فحين يبدو كل شيء حولنا في الطبيعة كعنصر مهدد لنا, وفوضى , نشعر بحاجتنا الى اقصاء سمات الزوال والتنافر بين الكائنات, فنحن هنا خارج معادلة الفوضى ولا نشعر بالمعنى الحقيقي لوجودنا في طبيعة سماتها الفوضى والفناء لذلك فالموقف خاضع لمنابع الاستقرار النفسي والاجتماعي ,وعند هذه النقطة يحدث الانقسام أو تستطيع القول أنه حدث الانقسام بسبب التنافر وعدم التناغم , وعدم الاشتغال على المشترك الجامع بين كل الاطراف .
في اليمن لدينا اشكالية في فكرة الهوية الجامعة , فالتعدد الثقافي والعامل التاريخي يتحركان بفعالية كبيرة في حياتنا ومثل ذلك من القضايا الكبرى التي لم نستطع فض اشكالها حتى تتوحد الرؤية كما هو حاصل في مصر مثلا , فمصر رغم التعدد الثقافي والتنافر لكن في نهاية المطاف يلتقون عند مصر , في اليمن حدث كل هذا الدمار وكل هذا الاستهداف فوجدنا من ابناء جلدتنا من يصطف مع العدوان ويبارك تدمير بلاده وهي حالة يفترض بنا الوقوف أمامها بقدر من المسؤولية الاخلاقية والثقافية والوطنية ومعالجة بواعثها النفسية وتصحيح المسار الثقافي بشكل فاعل .
* ما الذي ميز الانتاج الثقافي والفني في زمن العدوان والحصار ؟
** اليوم – كأي زمن مشابه له من حيث عدم الاستقرار- يقوم الادب الشعبي بالترويج لمعجم لغوي بديل , هو في حقيقته يقتصر على التعبير عن آراء بسيطة وشائعة ومتداولة بين الناس .
فالاضطراب العام وعدم استقرار الحياة أفقد اللغة مصادرها في التعبير فأضحت عاجزة عن فهم طبيعة الحقيقة الخارجية فالأديب أو المثقف ينظر الى ما وراء الطبيعة لإيجاد منابع للاستقرار والايمان ولذلك أرى ان اللغة أخفقت في استيعاب التطورات المتحققة في حقول المعرفة .
ولذلك فالأعمال التي صدرت أو قل جل ما يصدر - حسب اطلاعي بحكم عملي الرسمي في هيئة الكتاب – تتمحور حول الذات في معادل موضوعي ونفسي لمقاومة الفناء وتأكيد والوجود , فالذات عجزت عن فهم طبيعة ما يحدث .
* نعود لفاعلية المثقف والاديب.. هل تظن أن دورهما تراجع بفعل الميديا الحديثة وبسبب تحول كثير من الناس الى صناع محتوى؟
** هناك تراجع نعم لكنه تراجع تراكمي بدأ من حين تفردت الرأسمالية بحكم العالم واستبدلت الصراع الثقافي الذي كان يحدث بين الشرق والغرب بصراع تقني وسيطرت على الموجهات من خلال التطبيقات ومن خلال البرامج الجماهيرية ذات التأثير والمتابعة الواسعة , التطبيقات اليوم تستبدل الكتاب وتستبدل الفكرة وتوفر الاحتياج النفسي والبيولوجي للجماعات والافراد وفي السياق نفسه تدر مالا وفيرا , فالعالم كله اليوم يتدفق مالا الى الخزانة الرأسمالية والخزانة الرأسمالية تحكم قبضتها على الموجه الثقافي والسياسي وتقدم محتوى يتسق وسياستها في تدمير القيم والمبادئ حتى تعمل على تعويم المصطلحات , فكل الذي يحدث اليوم طحالب ولنا أن نطوف في شبكة التواصل الاجتماعي لنكتشف مشاهيرهم وننظر في المحتوى الذي يقدم الموضوع شائك وبالغ الخطورة فدور المثقف الحقيقي والأديب لم يعد بالحال الذي كان عليه وقد ساهمنا بشكل أو بآخر الى تراجعه والانسياق وراء الموجة العالمية التي تروج لها النظم الرأسمالية , فالتطبيقات كالفيس بوك كان وراء موجة الربيع العربي التي ساهمت في التهيئة النفسية للشعوب في كسر الحواجز النفسية للمقدسات وهدم النظام العام والطبيعي للجماعات والافراد وللشعوب وهذا التيه الذي نعيشه بسبب ذلك التوجه ونظم العولمة الحديثة.
*  المثقف العربي من خلال متابعتك.. كيف وجدت تفاعله مع ما يحدث في اليمن؟
**  المثقف العربي الفرد والحر كان متعاطفا مع اليمن وقد سجل الكثير منهم مواقف مشرفة تنتصر للإنسان وللحرية وللسيادة والاستقلال في اليمن وقد أصدرنا عملا شعريا تحت عنوان "البرق اليماني..  مواقف شعرية عربية" عن طريق الهيئة العامة للكتاب ضمن سلسلة "أدباء ضد العدوان" التي توقفت بسبب عدم توفر الدعم اللازم لها .
ما قامت به دول العدوان في اليمن كان خارج منطق الاشياء وكل ضمير حي لا يمكنه الا الوقوف إجلالاً لصمود اليمن أمام ذلك الدمار والفناء الذي مارسته الترسانة العسكرية المعادية لليمن أرضا وانسانا وتاريخا وحضارة.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا