محليات

« 26سبتمبر » تعيد نشر حوار مع الاستاذ محسن العيني( الجزء الثاني )

« 26سبتمبر » تعيد نشر حوار مع الاستاذ محسن العيني( الجزء الثاني )

في الأمم المتحدة جمعني الرئيس احمد بن بلا بالأمير فيصل رئيس الوفد السعودي فقال لي اذا لم يكن هناك تدخل خارجي فلا يوجد سبب للخلاف
محسن احمد العيني- رحمه الله- شخصية يمنية وعربية سياسية غنية عن التعريف..

واجه اليتم وهو في سن السابعة بعد وفاة والده ووالدته وعاش في هذه السن طفولة بائسة مع إخوته.. وبعد انتقاله الى صنعاء والتحاقه بمكتب الأيتام للدراسة كتب عليه أن يمارس السياسة منذ وقت مبكر نظرا لما كانت اليمن تعيشه من أوضاع متخلفة وقد ساعده انتقاله للدراسة في لبنان ومصر وفرنسا ضمن بعثة الأربعين التي غادرت اليمن إلى بيروت عام 1947م ان يجد نفسه في قلب الأحداث ولا خيار له في خوضها أو البعد عنها وتجنبها.. مواطن وجد نفسه في مواقع مختلفة فحاول ان يكون صادقا ويقدم خير ما في نفسه.. وقد أكرمه الله بخلاف زملاؤه الذين ساروا في نفس الدرب الذي سار عليه من الاعتقال والسجن.. لا يصر على القول انه كان على صواب وان الآخرين هم المخطئون فذلك خداع للنفس كما يقول..في هذا الجزء يتحدث الأستاذ محسن العيني عن قيام ثورة 26سبتمبر وكيف علم بها وتعيينه وزيرا للخارجية وما أعقبها من خلافات أثرت على مسيرة الثورة .

ألتقاه في صنعاء:احمد ناصر الشريف
> بعد مقابلتكم لأنور السادات هل اتجهت الى نيويورك مباشرة؟
>> نعم.. وقد وصلت نيويورك في اليوم عينه الذي وصل فيه الرئيس الجزائري احمد بن بلا لتقديم الجزائر الى الأمم المتحدة في بداية عهد استقلالها الجديد.. وكانت مهمتنا صعبة لأن الوفد الملكي سبقنا وأحتل مقعد اليمن في الجمعية العمومية التي بدأت في منتصف ايلول.. سبتمبر أي قبل ثورتنا بعشرة ايام كما اننا بدون وفد دائم في نيويورك.. فقد كان وفد الجامعة العربية هو الذي يحمل اسم وفد اليمن وذلك ليتمتع بالحصانة الدبلوماسية.. وقد اعتذر لنا السيد عبدالخالق حسونة الأمين العام للجامعة العربية في أدب جم عن أي تعاون من ممثل الجامعة السفير كامل عبدالرحيم.. لأن عددا من الدول العربية لم تكن قد اعترفت بالنظام الجمهوري والأمين العام لا يريد ان يزج بجامعته في قضايا لا تزال محل خلاف ونزاع.

في الأمم المتحدة
> كيف تصرفت حينها؟
>> بادرت على الفور الى الاستعانة بالشبان اليمنيين الذين يدرسون او يعملون بالولايات المتحدة.. أمثال احمد قائد بركات واحمد عبده سعيد وعلي عبده سيف ويحيى جغمان- اصبح هؤلاء فيما بعد وزراء- وعمل معنا في تلك الفترة الدكتور عدنان ترسيسي والأخ مسلم شموط الذي كان يعمل قبل ذلك في مكتب الجامعة العربية بنيويورك.. وكان هؤلاء فريقا ممتازا ممتلئا حماسة ونشاطا واخلاصا.. وقد اجرينا اتصالات واسعة مع الجمعية العامة للأمم المتحدة ومع جميع وزراء الخارجية ورؤساء الوفود وشرحنا شفاها وفي بيانات ومذكرات ما عانته اليمن من ظلم وتخلف وعزلة وما قام به الشعب اليمني من نضال طوال ربع قرن حتى تمكن من اعلان الجمهورية وما ينتظرنا من اعمال ومشاق لنرفع مستوى المعيشة ونعيد بناء الدولة والحياة التي تتفق مع تطور العالم في النصف الأخير من القرن العشرين.. وقد بذل الرئيس بن بلا جهودا مشكورة مع عدد من رؤساء الدول والوفود التي كانت في نيويورك.

أول لقاء بالملك فيصل
> ذكرت في قصتك مع بناء الدولة الحديثة في اليمن ان الرئيس بن بلا جمعك بالأمير فيصل ابن عبدالعزيز الملك فيما بعد.. ماذا دار من حديث بينكم؟
>> الرئيس بن بلا دعاني إلى العشاء على مائدته الرئيسية وكان معنا الأمير فيصل الذي كان حينها رئيسا للوفد السعودي والدكتور محمود فوزي وزير خارجية مصر ورئيس وفدها.. وكان الملك فيصل الأمير حينئذ معتدلا ويفكر في حل للنزاع وإيقاف للتدخل.. وقال: اذا لم يكن هناك تدخل خارجي ولم يكن النظام الجديد معاديا للسعودية فلا يوجد سبب للخلاف.. ويعلل البعض تشدده بعد ذلك عندما عاد الى بلاده بتصريحات بعض المسؤولين في صنعاء وتحديهم.
> كيف استطعتم الحصول على الاعتراف بالنظام الجديد في اليمن وانتم في هذا الوضع المعقد؟
>> في نيويورك استطعنا الحصول على اعترافات الكثير من الدول وتركنا انطباعا جيدا في اوساط الأمم المتحدة وضيقنا الخناق على الوفد الامامي الذي لم تكن له قضية يستطيع الدفاع عنها رغم أن صنعاء قاطعتنا تماما..فلم تزودنا أي معلومات أو توجيهات والبرقيات النادرة التي وصلتنا كانت تعاليا وتجاهلا وتثبيطا.. ويوم الخميس الأول من تشرين الثاني.. نوفمبر1962م نشرت صحيفة: نيويورك تايمز.. خبرا من صنعاء يشير الى تسلم الرئيس عبدالله السلال رئاسة الجمهورية وتعيين الدكتور عبدالرحمن البيضاني نائبا لرئيس الجمهورية ونائبا للقائد العام للقوات المسلحة ووزيرا للخارجية وتعييني انا مندوبا دائما بالأمم المتحدة.
> كيف تعاملت مع هذا الخبر وأنت وزير الخارجية؟
>> أزعجني هذا الخبر لا لأنني أبعدت من منصب وزير الخارجية.. فمندوب بالأمم المتحدة في مثل تلك الظروف أفضل وأسهل.. ولكن لأن الطريقة والاسلوب اللذين تم بهما اختيار أول رئيس للجمهورية في اليمن لا يبشر بخير ولا يوحي أننا في طريقنا لإنشاء دولة نظام وقانون ولا اننا سنلتزم أي اسلوب ديمقراطي وشعبي.. فكما فوجئت بالخبر وأنا وزير الخارجية فوجئ به غيري ولماذا؟ وهل كنا سنتردد في الموافقة على اختيار السلال لرئاسة الجمهورية؟ هذا اولا.. وثانيا لأن الدكتور عبدالرحمن البيضاني تولى نيابة رئاسة الجمهورية والقيادة العامة للقوات المسلحة وهو ليس عسكريا اضافة الى وزارة الخارجية وقد دلت تصريحاته على تهور واندفاع وانفعال وعدم حكمة وتقدير للمسؤولية.. وثالثا لأنه ليس من اللائق ان يطلع وزير خارجية على اعفائه من عمله في صحيفة وهو في مهمة خارجية فهل استكثروا ابلاغي برقيا بهذا التغيير؟

فوضى وارتجال
> هل اهتزت احلامك حول ما كنت تتطلع اليه من بناء ليمن جديد؟
>> قد تكون ظروفهم ومتاعبهم الداخلية دفعتهم الى هذا التصرف.. ولكني اعترف بأن احلامي ببناء دولة اليمن الحديثة قد أهتزت.. وأن آمالي في تكوين الادارة العصرية التي نباهي بها الغير قد تزعزعت.. وأن في تصوراتي ان متاعب اليمن ليست الا عارضة واستثنائية قد ضعفت.. وان الفوضى والارتجال والتهور والطموحات والتنافس والتهافت هي التي تسيطر على مسرح الحياة السياسية  الجديدة في اليمن.. ولذلك فقد حزمت حقيبتي ودون استئذان من صنعاء وغادرت نيويورك الى القاهرة.. وفي مطارها رفضت دخول قاعة كبار المسافرين ووقفت بين المسافرين العاديين.. واعتذرت للمستقبلين والصحافيين ورفضت ركوب السيارة الرسمية وتوجهت بسيارة أجرة الى شقتي التي كانت تقيم فيها عائلتي منذ ما قبل الثورة.
> كيف تعاملت مع صنعاء رسميا؟
>> ارسلت تقريرا شاملا بكل اعمالي ومعه استقالتي النهائية من كل عمل واكدت رغبتي في العيش بعيدا عن كل مسؤولية كما كنت طالبا ونقابيا.. فهذه الأساليب الجديدة لا أستسيغها ولا ارضاها.. لم اكن منفعلا لما حل بي وحدي ولكني كنت مشفقا على الثورة واليمن.. اذ في الوقت عينه وصل الى القاهرة ابعادا عدد كبير من رجالات اليمن بينهم القاضي عبدالرحمن الارياني واللواء حمود الجائفي والشيخ محمد علي عثمان والشيخ يحيى منصور والسيد احمد المروني وغيرهم بحجة تقديم شكوى الى الجامعة العربية.. وقد حدث كل هذا التصدع في الصف الجمهوري في الوقت الذي يرص فيه الملكيون صفوفهم.
> هل بقيت بعد ذلك في القاهرة؟
>> لم أكد أمضي  في القاهرة يوما حتى جاءتني برقية الرئيس السلال يطلب مني سرعة العودة حالا الى الأمم المتحدة ومواصلة العمل ويحملني مسؤولية أي نجاح للملكيين في الأمم المتحدة.. ومن رئاسة الجمهورية بالقاهرة أكدوا ضرورة العودة فورا الى الأمم المتحدة.. فعدت الى نيويورك لأنغمس في عمل مضن واتصالات لا نهاية لها ومحاولات لكسب تأييد الوفود حتى يمكن استبعاد الوفد الملكي الذي لا يزال يمثل اليمن في الجمعية العمومية وفي جلسات لجانها المختلفة.. ومع اقتراب موعد نهاية الدورة السابعة عشرة كثفنا نشاطنا مع أعضاء لجنة اوراق الاعتماد.
> هل نجحتم في مساعيكم؟
>> بقينا طوال الدورة نعمل في أروقة الأمم المتحدة في اتصالات جانبية ومباشرة مع الوفود ومع الأمانة العامة.. ولكن خارج الاجتماعات الرسمية.. وفي 19 كانون الأول.. ديسمبر1962م وبعد اعتراف عدد كبير من الدول وبينها الولايات المتحدة بالنظام الجديد في صنعاء أقرت لجنة أوراق الاعتماد اعتبار الوفد الجمهوري ممثلا شرعيا لليمن.. ولما كان التقرير سيعرض على الجمعية العمومية في جلستها الختامية وفي ساعة متأخرة من الليل فقد أرسل لي السيد يوثانت الأمين العام للأمم المتحدة يرجو ألا نتعجل الدخول واحتلال كرسي اليمن خلال الجلسة باعتباره مشغولا حتى تلك اللحظة بالوفد الملكي وأن الوفد الجمهوري سيحتل مركزه بعد ألجلسة.. ولكني أجبت في اصرار أننا انتظرنا هذه اللحظة ثلاثة أشهر وأنه في اللحظة التي تقر الجمعية العمومية أوراق اعتماد الوفد الجمهوري سنتوجه فورا لاحتلال مقاعدنا.
وبالفعل ما أن نطق السيد محمد ظفرالله خان رئيس الجمعية العمومية لتلك الدورة ورئيس وفد باكستان أن وفد الجمهورية العربية اليمنية هو الممثل الشرعي لليمن حتى توجهنا وسط تصفيق حاد من معظم المندوبين الى مقعد اليمن بينما انسحب الوفد الملكي.. وما ان جلست حتى رفعت يدي طالبا الكلمة وقد ألقيت خطابا مؤثرا كنا أعددناه مسبقا باللغة الفرنسية وكان الخطاب الأول والأخير في تلك الدورة لوفدنا.. وفي أوائل كانون الثاني.. يناير 1963م قدمت أوراق اعتمادي الى يوثانت الأمين العام للأمم المتحدة مندوبا دائما وبدأت معه ومع مساعديه وكبار رجال الأمم المتحدة البحث في ما يمكن للمنظمة الدولية وقد أصبحت الجمهورية ممثلة فيها رسميا أن تفعله لايقاف الحرب ومنع التدخل الخارجي في شؤونها.. وفي أواخر نيسان..ابريل 1963م قدمت اوراق اعتمادي كأول سفير لليمن الى الرئيس جون كنيدي الى جانب عملي كمندوب دائم بالأمم المتحدة في نيويورك.. وبين نيويورك وواشطن حاولت في كل اتصالاتي أن أؤكد أن المشكلة التي تزداد تعقيدا في اليمن لن تجد حلا الا باعتراف بريطانيا والسعودية بالنظام الجمهوري وابعاد بيت حميد الدين من المناطق المجاورة وان هذا وحده هو الذي يؤمن الاستقرار ويحقق مصالح الجميع.

شبهة الانتماء الحزبي
> عينت مرة أخرى وزيرا للخارجية في حكومة الأستاذ احمد محمد نعمان عام 1965م ولكن الرئيس جمال عبدالناصر اعترض على وجودك فيها لماذا؟
>> بعد انتهاء اجتماعات رؤساء الحكومات العربية الذي عقد في القاهرة قام رئيس الوزراء الأستاذ احمد محمد نعمان ومعه العقيد محمد الرعيني وزير الحربية وأنا كوزير للخارجية بمقابلة الرئيس جمال عبدالناصر بمنزله في السادسة والنصف من مساء الأحد 30أيار مايو1965م لطرح عليه العديد من القضايا وقد أكد الرئيس المصري في هذا الاجتماع تأييده للحكومة اليمنية وسياستها وحريتها في العمل ولكنه أمتنع عن الاشارة الى التعاون معها او مساعدتها.. وعندما تكرر سؤال الجانب اليمني حول هذا الأمر كان رد الرئيس عبدالناصر بأنه لا يحيط بالتفاصيل وانه يفضل ان نجتمع بالسيد انور السادات وبحث الموضوع معه.. وظهر اليوم الثاني زرنا السيد انور السادات في مكتبه بمجلس الأمة وقد أستمر الاجتماع نحو خمس ساعات تحدث في معظمها السادات وشرح كيف اتصل بقضية اليمن.. ولم ينس السادات ان يقول لنا: ان ظروفنا هذه السنة لا تمكنا من تقديم أي مساعدة لكم.. وقال ان على الحكومة  الجديدة ان تتخلص ممن سماهم المشاغبين والمتهورين.. وقال ان هذه افكار شخصية لن أثيرها أمام الرئيس.. وكان هذا ردا على الأستاذ احمد محمد نعمان رئيس مجلس الوزراء الذي قال له: لقد جئنا اليك لتكون معينا لنا في حديثنا مع الرئيس.
وفي اليوم التالي الثلاثاء الأول من حزيران يونيو 1965م توجهنا في الثانية ظهرا الأستاذ نعمان ووزير الحربية محمد الرعيني وأنا كوزير للخارجية الى منزل الرئيس جمال عبدالناصر واجتمعنا مع سيادته والسيد انور السادات حتى الثانية بعد الظهر.. وكانت هذه أهم الجلسات واكثرها وضوحا وصراحة وقد بدأ الأستاذ نعمان الحديث وقال ما خلاصته: ياسيدي الرئيس لقد نقلنا الى سيادتكم والأخ انور أمس كل ما عندنا وهذه خطتنا امامكم ونرجو وأنتم شركاؤنا في المعركة ان تبينوا لنا رأيكم..هل توافقوننا؟.. وقد ابتسم الرئيس وركز نظراته نحوي كأنه يستحثني على الكلام فقلت في الواقع لم يعد هناك ما نقوله.. وانه لا نجاح الا بتعاون الجانبين تعاونا خالصا تاما لمصلحة الثورة والقضية العربية ولمصلحة البلدين.. وبدون التعاون تتعرض الثورة للفشل وتضيع التضحيات والجهود التي بذلتها الجمهورية العربية المتحدة واليمنيون.. وكان يستمع باهتمام.. وعندما انتهيت اعتدل في جلسته ونفخ سيجارته وقال: ما دمتم تريدون الصراحة فأحب ان اقول لكم أني لا يمكن ان اتعاون مع حكومة فيها بعثي واحد.. مش بس حتعاون معها بل سأحاربها وسأقاتلها وقال انا في حرب متواصلة مع البعثيين في غير اليمن ومن غير المعقول ان أسمح بحكومة فيها بعثي واحد في بلد لي فيه أكثر من خمسين الف عسكري.. هذا موضوع ينبغي أن يكون واضحا لكم تماما.. تشكلون وزارة فيها بعثيون ثم تنتظرون تعاوني معكم؟
> هل كنت أنت المعني بذلك؟
>> لقد ذكر اسمي قائلا: انا اتكلم بصراحة امام الأخ محسن العيني وأرجو ان لا يتأثر.. أنا اقدره وليس لدينا مأخذ عليه..القضية بالنسبة الينا قضية مبدأ..وأنتم لا ذنب لكم..وواصل الرئيس حديثه  في انفعال شديد وفي ذهولنا الأشد.. وأراد النعمان ان يتكلم فقاطعته باصرار وشجعني أنور السادات فقلت: ياسيدي الرئيس اني اشكركم جدا على هذا الحديث الصريح..وأؤكد لكم اني لم أتأثر بل على العكس أنا سعيد جدا لأن نعرف الحقيقة فبالصراحة وحدها يمكن مواجهة الأمور وأرجو ويبدو أني ألمقصود أن تعتبروا هذا الموضوع منتهيا مادام هو المشكلة الوحيدة.. انني أتنحى بكل بساطة وسأبقى هنا في القاهرة كما كنت طالبا أو نقابيا.. وحتى اذا لم ترحبوا بوجودي هنا سأسافر الى أي مكان آخر.
فالمهم هو الثورة والجمهورية وعدم ضياع التضحيات وانا اقول ان وجودي في الحكومة موضوع ثانوي.. وما دام هو المشكلة فلننته منها لتبحثوا في الموضوعات الأخرى التي لا خلاف عليها.

تعاطف الرئيس معي
> كيف تعامل الرئيس عبدالناصر مع ردك وتأكيد انسحابك من الحكومة؟
>> كرر الرئيس عواطفه نحوي وأن الموضوع ليس موضوعا شخصيا وان يكن الانطباع العام عني هو أنني بعثي..وأنه لهذا السبب تحدث بصراحة..وقال النعمان رئيس الوزراء: ياسيدي الرئيس.. من هم البعثيون؟ ليس في وزارتنا أي بعثي ووضعنا خطير والبلاد في حالة تستدعي الاهتمام البالغ وأنا مسؤول عن كل نشاط وأرجو أن لا تسمعوا الى المغرضين..فقال الرئيس في انفعال:يجب أن تفهموا أني لا أسمح مطلقا بأي تقول على الجمهورية العربية المتحدة.. احنا تعبنا وزهقنا.. انكم تظنون اننا متورطون أبدا أنتم المتورطون.. وانا اقدر انسحب في أي وقت ولا يهمني حاجة.. الاخوان يمكن بيخبوا عليكم وأنا اصارحكم ان عندي خطط وكلها جاهزة ومعدة للتنفيذ.. بل يمكنني الموافقة على مشروع الملك فيصل ويمكنني التفاهم معه.. وقد ذهلت لما سمعت فقلت: ياسيدي الرئيس لماذا هذا التشاؤم؟ ان النصر ممكن اذا تعاون اليمنيون والجمهورية العربية المتحدة تعاونا كاملا وأؤكد لكم ان الصورة التي نقلت اليكم لا تتفق مع الحقيقة وانها تشويه للواقع وتسيء الى الموقف دون مبرر.. وأثناء الحديث همس النعمان في أذن الرئيس طالبا أن يلتقيه منفردا فاتفقا على مساء اليوم عينه.
وفي المساء توجه الأستاذ النعمان الى منزل الرئيس جمال عبدالناصر عل أمل أنه سيجتمع به منفردا ولكن السيد انور السادات قد حضر وأقترح الرئيس أن يتوجها معا لزيارة المشير عبدالحكيم عامر في منزله وأوضح الرئيس أن موضوع اليمن لا يمكن بحثه الا بحضور المشير عامر والسيد أنور السادات.. وبعد سهرة مضنية أدرك النعمان تشدد القاهرة وتمسكها على الأقل بابعاد عدد من الوزراء وغيرهم من نواب الوزراء والموظفين الكبار.. ولم يكتفوا بهذا بل أشاروا الى العشرات من الشباب الذين يعملون في الاذاعة والصحافة وضرورة استبعادهم كطائشين ومتهورين والا فأين هو التعاون الذي تنشده الحكومة؟ وقد عدنا الى صنعاء والصورة في أذهاننا واضحة كالشمس.

انقلاب نوفمبر
> بعد الافراج عن المسؤولين اليمنيين المحتجزين بالقاهرة وبالتزامن مع انسحاب القوات المصرية من اليمن عقب اتفاق الخرطوم بين الملك فيصل وجمال عبدالناصر قمتم بانقلاب على الرئيس عبدالله السلال واعلنتم حركة 5نوفمبر عام 1967م التي اختير القاضي عبدالرحمن الارياني رئيسا للمجلس الجمهوري وتم تكليفك فيها بتشكيل الحكومة ما هي مبررات هذا الانقلاب؟
>> ألحق ان واحدا من الواصلين من القاهرة لم يكن يفكر في تصفية أي حساب مع المشير السلال ولا في احداث ارباك ولا في تعقيد لأي موقف.. كانت رغبة الجميع في التعاون المخلص قائمة بل لقد عرض الواصلون تفاديا لأي خلاف يضعف الصف الجمهوري اما التعاون الكامل اذا توافرت الثقة والاطمئنان لدى الرئيس السلال وصحبه.. واما استمرارهم في الانفراد بالسلطة على أن يبقى الآخرون في بيوتهم ويتعهدون الا يمارسوا أي نشاط معاد أو مضعف للوضع وعلى من يتولى السلطة أن يتحمل المسؤولية كاملة في الحفاظ على الثورة والنظام الجمهوري.
وكانت الاستعدادات على قدم وساق لسفر الرئيس السلال الى موسكو لحضور احتفالات العيد الخمسيني للثورة الاشتراكية.. وقد رأى الجميع أن الوقت غير مناسب لمغادرة البلاد وأن البقاء أوجب وقد بحثنا الموضوع مع سفير الاتحاد السوفيتي الذي كان موجودا في الحديدة.. فأبدى تفهمه واستحسانه لتأجيل السفر ولكن الرئيس السلال أصر على السفر ووعد بألا يتأخر كثيرا.. وعندها تم الاتفاق على ان يصدر قرارا جمهوريا بتشكيل مجلس استشاري مؤقت يدرس الوضع ويعد مشروع ميثاق وطني ويرسم الخطوط الرئيسية التي تلتقي عندها وتجمع عليها فئات الشعب.. وصدر عقب الاجتماع يوم الثلاثاء 31تشرين الأول اكتوبر 1967م بيان مهم ينهي البلبلة ويعلن حرص الجميع واصرارهم وتمسكهم بوحدة الصف الجمهوري وتعاونه.. وقد ترك للرئيس السلال اختيار اعضاء المجلس الاستشاري المؤقت باعتبار ان المجلس سيبدأ العمل فورا للدراسة والاعداد أثناء غياب الرئيس في الاتحاد السوفيتي.. وقد رؤى توجه الجميع من الحديدة الى صنعاء بعد انتهاء هذه الاجتماعات على ان يصل الرئيس السلال بالطائرة في اليوم التالي ويصدر القرار الجمهوري بتشكيل المجلس الاستشاري ويودعه الجميع.. وبهذا يبدو الصف الجمهوري متماسكا في مواجهة الهجمة العنيفة.. وقد وصلنا الى صنعاء في نحو مائة سيارة وكان الاستقبال حافلا والتفاؤل يغمر الجميع.
> ماذا تم بعد ذلك؟
>> في اليوم التالي ونحن نستعد لاستقبال الرئيس السلال سمعنا من الاذاعة انه غادر الحديدة بطائرة الرئاسة متوجها الى القاهرة في طريقه الى بغداد فالاتحاد السوفيتي.. هكذا خلافا لما تم الاتفاق عليه ودون ان يصدر القرار الجمهوري بتشكيل المجلس الاستشاري..وترددت شائعات بأنه كان يتوقع ان يساء استقبال العائدين الى صنعاء وان تحدث مصادمات.. وبمغادرة الرئيس بهذه الصورة ساد التوتر وكثرت التساؤلات والشائعات وكانت الإمدادات بالمال والسلاح والذخيرة والسيارات المسلحة تصل الى التجمعات الملكية لم تشهدها اليمن في أي مرحلة سابقة وكان ضباط الجيش والعاملون وبخاصة في الصاعقة والمظلات أول من نادى بضرورة الانقلاب واطاحة الرئيس السلال وحكومته.. وهذه حقيقة يعرفها كل من كان في صنعاء في تلك الأيام.. اما الجمهوريون العائدون من القاهرة ودمشق وبيروت والواصلون من خمر وسائر مناطق اليمن فلم يكن في ايديهم شيء.. كانوا معتقلين ومشردين ومسرحين من وحداتهم واعمالهم وكل ما كانوا يطمحون اليه هو العيش في وطنهم بكرامة او التعاون مع الوضع القائم اذا رغب في تعاونهم.
ولكن خروج الرئيس السلال واصرار ضباط الصاعقة والمظلات.. هذين العاملين بالذات كانا السبب الرئيسي والحاسم في حركة 5 نوفمبر 1967م وكل من يدعي غير هذا يجافي الحقيقة ويظلم التاريخ او يعرف ما لا يعرف.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا