الصفحة الإقتصادية

أكاديميون ومختصون لـ " 26 سبتمبر ": تحقق الاكتفاء الذاتي في خطوط إنتاج بذور البطاطس قفزة نوعية نحو الاستقلال الاقتصادي

أكاديميون ومختصون لـ " 26 سبتمبر ": تحقق الاكتفاء الذاتي في خطوط إنتاج بذور البطاطس قفزة نوعية نحو الاستقلال الاقتصادي

اتخذت إشكالية بذور البطاطس مسارات متعرجة انقسم فيها المزارعون إلى فريقي نقيض، فريق أيد الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس فيما أنتجت من بدائل، ويرى فيها الكفاية معتبرا ذلك خطوة على طريق التخلص من العبء الكبير الذي تلحقه فاتورة الاستيراد باقتصاد البلاد،

وقفزة نحو التحرر من هيمنة الشركات الاحتكارية العالمية، فيما اعتبر البعض البدائل، لا تصلح زراعتها لأكثر من موسم واحد فقط، ناهيك عن أنها تباع عليهم بأسعار لا تتيح للمزارع تحقيق العائد المجزي من محصولها، فضلا عن تعرضها للإصابة للأمراض والآفات مما يؤدي إلى وقوع خسائر فادحة.
"26 سبتمبر" تواصلت مع مزارعين من الاتجاهين، وعرضت ما توصلت إليه على مختصين في الجهات المعنية في وزارة الزراعة الري وكلية الزراعة والجمعيات التعاونية. وخرجت بالحصيلة التالية:

26 سبتمبر - يحيى الربيعي
في البداية، أكد الدكتور. منصور حسن محمد الضبيبي، أستاذ الأغذية والبيئة في كلية الزراعة بجامعة صنعاء، أن صدور قرار المجلس السياسي الأعلى أثار قلق شركات ومؤسسات القطاع الخاص المعتمدة في أنشطتها الاقتصادية على استيراد بذور الأساس وإكثارها لموسم أو موسمين لإنتاج البذور وبيعها على المزارعين المنتجين لبطاطس الأكل، معتبرا القلق، من وجهة نظره، ردة فعل متوقعة خصوصا وأن البعض رفض الدخول ضمن سلسلة الإنتاج الجديدة، وينظر إلى الشركة العامة كخصم لا يراعي مصالحهم.
وأوضح، في رد له على ذلك، أن الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس، رغم ظروف الحرب والعدوان والحصار، لم تكتف إدارة الشركة، بتجاوز مرحلة التعافي خلال الأعوام 2018 – 2019، بالوصول إلى مرحلة التعافي، وإنما استمرت في البحث عن حلول جذرية لمشكلة ارتفاع تكاليف الإنتاج عموما ومشكلة الاعتماد على البذور المستوردة من الشركات الهولندية على وجه الخصوص كمصدر اساسي لإنتاج البذور في اليمن واستمرت خلال أكثر من 45 عاما وبنسبة تصاعدية لمصلحة تلك الشركات الاحتكارية.
وأشار إلى أن إدارة الشركة، في ديسمبر 2019، وجدت مفتاح الحل في مخرجات ورشة عمل نفذتها وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والاصغر التابعة للصندوق الاجتماعي للتنمية بهدف التشبيك بين مختبر غراس لزراعة الأنسجة والشركات العاملة في مجال إنتاج بذور البطاطس.

مستوى الطموح
وبيَّن أن معظم كبار منتجي البذور حضروا الورشة، إلا أن إدارة الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس كانت الأكثر تفاعلا حين بادرت على الفور، بتشجيع ودعم كبير من قيادة الوزارة واللجنة الزراعية والسمكية العليا، إلى تأسيس أول خط لإنتاج الرتب العليا من بذور البطاطس بتقنية زراعة الانسجة، وتبنت برنامج لتكامل الأدوار وتظافر الجهود وخلق إطار ملائم للشراكة الفاعلة مع القطاع الخاص الوطني والاستفادة من الكوادر الوطنية المؤهلة.
واستطرد قائلا: إن نتيجة العمل الدؤوب والمخلص لإدارة الشركة وكوادرها الفنية ومعهم إدارة وكوادر مختبر غراس وفق خطط مدروسة واتباع القواعد الفنية والبروتوكولات المعتمدة دوليا في مجال إنتاج بذور الرتب العليا ظهرت بوادر النجاح المبشرة، حيث تمكنت الشركة من خلال خط الإنتاج الجديد من إنتاج أكثر من 3 ملايين درنة مع نهاية موسم العام 2022م، وبمعدلات إنتاج قياسية بلغت في المتوسط 40 طن للهكتار مقارنة بمعدل إنتاج 20 طن للهكتار للبذور المستوردة.
ويسترسل "تلك النتائج رفعت مستوى الطموح إلى إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال موسم 2023م وبالفعل استغنت الشركة عن استيراد البذور بشكل نهائي بعد أن كانت أكبر المستوردين لها، مشيرا إلى أن تميز البذور المحلية في الإنتاج كما ونوعا وبتكاليف إنتاج أقل من البذور المستوردة وفر كامل قيمة فاتورة الاستيراد التي كانت تذهب إلى خزائن الشركات الهولندية، وجنب اليمن مخاطر انتقال الأمراض الحجرية والخطيرة، فضلا عن مشكلات النقل وغيرها".
ويتوافق ما طرحه الدكتور الضبيبي مع مدير إدارة التطوير بالشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس، خالد الغولي في الإشارة إلى أن الشركة، تنفيذا لمبدأ تكامل الأدوار، عرضت على كبار الشركات والمؤسسة من منتجي البذور تغطية احتياجاتهم 50% من انتاجها، إلا أن بعض المنتجين رفض ذلك مطالبا بكامل الإنتاج، في حين تقبل البعض الآخر وأخذ احتياجاته من البذور كبديل عن البذور المستوردة لتغطية احتياجات عملائه واستمرارية النشاط.
ويؤكدان أن وضع المحصول مستقر بشكل كبير حيث أن المعروض حاليا أكبر من الطلب وسعر الكيلو البطاطس يتراوح ما بين 205 الى 300 ريال، وأن نسبة كبيرة من مزارعي البطاطس ضمن حزام مزارع البطاطس الممتد من يريم إلى عمران، يمتلكون بذور من الموسم السابق، مؤكدين أن الخصائص والمميزات المناخية والطبغرافية المساعدة على احتفاظ البذور بجودتها لعدة أجيال في هذه المناطق، كما أن مراكز الاكثار الحكومية والخاصة تتوفر لديها البذور بكميات كافيه. ويؤكدان "وبالتالي أي سماح باستيراد كميات أخرى من البطاطس سيتسبب في اختلال توازن السوق وسيكون المستوردين اول المتضررين من ذلك".

الدورة الزراعية
وفي رد له على قول البعض بأن الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس لا تنتج سوى 3 أصناف فقط (دايمنت، بنميرا، والصنف المحلي الجديد البراق) وأن بعض المزارعين يحتاجون للصنف "فابيولا"، تحديدا، كونه الصنف الأكثر تحمل للأمراض المنتشرة في المنطقة، أوضح الضبيبي، أن المشكلة الحقيقية التي تعاني المناطق الأكثر زراعة لمحصول البطاطس ومنها، على سبيل المثال، منطقة يريم، تتمثل في أن تربتها أصبحت مستوطنة لمعظم أمراض وآفات البطاطس نتيجة الزراعات المتتابعة لمحصول البطاطس ولسنوات عديدة، وعدم اتباع نظام الدورة الزراعية، وبالتالي ظهور أعراض الأمراض بمجرد توفر الظروف الجوية المناسبة، لأن المسبب المرضي متواجد بكثافة والعائل موجود، وبالتالي اكتمال أضلاع مثلت المرض بمجرد توفر الظروف الجوية.
مضيفا أن محصول البطاطس يعد من المحاصيل المجهدة للتربة، وبالتالي الزراعة المتكررة تتسبب في استنزاف مخزون التربة من العناصر الغذائية مما يجعل النباتات ضعيفة وغير قادرة على تحمل الأمراض، مبينا "وما زاد من تفاقم تلك المشكلة هو لجوء المزارعين إلى استعمال مخلفات مزارع الدواجن في التسميد دون أن تمر بالمعالجات الصحيحة وبالتالي إلحاق الضرر بمكونات وخصائص التربة وينعكس ذلك سلبا على الإنتاج".
ولفت إلى أن الصنف فابيولا ربما يكون مناسب لبعض المزارعين من حيث حجم الدرنات وتحمل بعض الأمراض إلا إنه سريع التلف وغير ملائم للخزن الطويل ولا يصلح لصناعة الشبس. مؤكدا أن خط إنتاج الرتب العليا قادر فنيا على إنتاجه، ولكن احترام الشركة لحقوق الملكية الفكرية للشركة الأم وحقوق وكيلها المحلي يحتم عليها عدم إنتاجه، ولأن الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس تطمح إلى ما هو أبعد من الاكتفاء الذاتي، وهو أن اليمن تستطيع أن تكون مركز إقليمي لإنتاج البذور وتغطية احتياجات عدد من الدول العربية والأفريقية، وهذا الطموح مشروع وممكن وسيفتح الآفاق واسعة امام الشركات الوطنية الخاصة للدخول في هذا المجال.

الحل الأفضل
وهذا هو السياق الذي يتفق فيه الدكتور علي حيدر رئيس جمعية يريم التعاونية الزراعية والمهندس يوسف صبرة مدير عام الإرشاد والإعلام الزراعي بوزارة الزراعي، والمهندس نصار مبخوت من الإرشاد المجتمعي بمؤسسة بنيان التنموية مع الدكتور الضبيبي، مضيفين على ذلك، أن بإمكان الشركة عمل حقول إيضاحية للبدائل في هذه المنطقة التي يشكو مزارعيها من عدم موائمة البدائل مع ظروف التربة، يتم فيها إشراك المزارعين بحيث يتم تدريبهم وإرشادهم بالطرق السليمة للعناية بالأصناف البدائل لإزالة ما يتولد لدى المزارعين من قلق نتيجة الانتقال إلى زارعة أصناف جديدة لم يتعودوا، وهو قلق مشروع يمكن تبديده وإثبات عكسه بالتجربة العملية من خلال إقامة الحقول الإرشادية أو الإيضاحية.
وكنموذج وطني للشراكة الفاعلة والمثمرة بين القطاع العام والخاص، يقدم الدكتور الضبيبي عدد من النصائح إلى القيادة الثورية والسياسية والجهات الحكومية المعنية بهذا القطاع، حيث يرى ضرورة أن تتزامن هذه التغيرات المتسارعة والواعدة في قطاع البطاطس في اليمن بسرعة قيام الدولة في إعداد حزمة التشريعات والضوابط والإجراءات والأدوات المنظمة والمرجعيات لحماية القطاع من جميع النواحي وبما يتفق مع البروتكولات الدولية المعتمدة ويراعي الواقع المحلي والتطلعات المستقبلية.

الإنجاز الأكبر
ويستدرك الضبيبي أن ما حققته الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس يعد إنجازا استثنائيا في ظروف استثنائية إلا أن الإنجاز الأكبر والأصعب يكمن في الحفاظ على هذا الإنجاز وتطويره، من خلال استيعاب كل الشركاء من القطاع الخاص والعمل ضمن معادلة الكل فائز وكسبان، وبالتالي هناك إمكانية لاستنساخ تجربة الشركة في خطوط إنتاج شركات ومؤسسات القطاع الخاص، بل إن ذلك من شأنه أن يشجع على خلق روح التنافس وتحسين بيئة الاستثمار والحفاظ على رأس المال الوطني وتوجيهه في الاستثمارات التي تعزز من اقتصاد الوطن وخصوصا في المجالات الزراعية الواعدة، وهنا يؤكد المهندس خالد الغولي أن الشركة وضعت إطارا ملائما للشراكة الفاعلة مع القطاع الخاص ولم تستبعد أحد إلا أن البعض لم يقتنع بمبدأ الشراكة كمسار يمكن من خلاله تصحيح مسار الاستثمار الداخلي.
داعيا القطاع الخاص، كمحرك أساس لعجلة التنمية والأكثر قدرة على التحرك والتطوير، إلى عدم التوقف عند الاستثمارات السهلة، والبدء في التخطيط لتوطين التقنيات الحديثة والاستثمار في موارد البلد المحلية وطاقاتها الفكرية والمهنية، والرقي إلى مصاف الشركات العالمية بجذور محلية وطنية قوية، مؤكدا أن الشركات المنتجة للبذور ليست من عالم آخر، وأن بإمكاننا التفوق في حال استفدنا من المميزات التنافسية المتاحة، منوها بعدم جدوى إضاعة الأموال والجهود الوقت في صراعات جانبية تضر بالمسار الوطني الذي يضع على عاتق الجميع التوجه الجاد نحو دعم المنتج الوطني للخروج من الارتهان للخارج وخصوصا فيما يتعلق بأمن الوطن الغذائي والعمل على توجيه كل الاستثمارات في تعزيز هذا التوجه.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا