الصفحة الإقتصادية

جبل راس.. صـناعـة شـريان الحياة

جبل راس.. صـناعـة شـريان الحياة

فرسان التنمية: المواطنون يطلقون مبادرات مجتمعية في مجال شق ورصف الطرقات بكلفة 200 مليون ريال
   بإطلالة بانورامية على ما حوله من المناطق التهامية وجزر البحر الأحمر، يتربع جبل راس مكانته في معالم جمال وسحر الطبيعة الجغرافية اليمنية..

وفي احدى قرى هذا الجبل الشامخ بشموخ ساكنيه البسطاء، حظيت بلحظة الجلوس إلى احدى نوافذ منازلها القروية الرائعة بفنها المعماري اليمني الأصيل والاستمتاع برؤية قطرات المطر، وهي تتساقط كحبات اللؤلؤ على أغصان الأشجار وأسطح وعرصات المنازل.. تخللها صوت رعد دوى في أرجاء الجبل، ثم اعقبته سيول جرت في السواقي ومن على أعقم المدرجات بحركة هادئة جلبت الفرحة إلى قلوب ونفوس الرعية والفلاحين، الذين تهللت ألسنتهم ورفعت أياديهم بآيات الحمد والشكر لله على ما أنعم به عليهم من نعمة الغيث.
ما أن توقفت زخات المطر، حتى تجلى سحر الأرض المخضرة وبان صفاء أحجارها النرجسي المرصع للألئ أجواء ما بعد المطر.. إنها لحظات رائعة خالجها صفاء جو والهواء النقي بنقاء قلوب ساكنيها العامرة بالألفة والتكافل في صناعة الحياة حفرا في الصخور.

يحيى الربيعي
جبل راس، سمى نسبة إلى موقعه في راس تهامة من جهة مناطقها الجبلية المطلة على السهل، ويرتفع عن سطح البحر بحوالي 2000متر، كما أنه اسم يطلق على إحدى مديريات محافظة الحديدة الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي منها. وهي مديرية جبل راس، التي تتكون من مناطق مترامية الأطراف معظمها جبال عالية، منها دباس الشهير بالعسل.
المديرية، يحدها من الشمال مديرية الجراحي التابعة للحديدة ومديرية وصاب السافل (محافظة ذمار)، ومن الجنوب مديرية فرع العدين (محافظة إب) ومديرية مقبنة (محافظة تعز، ومن الشرق مديريتا: فرع العدين وحزم العدين (محافظة إب)، ومن الغرب مديريتا: الجراحي وحيس (محافظة الحديدة).
مساحتها 410كم2، وتعداد سكانها 44.320 نسمة وفقا للتعداد السكاني لعام 2004م، ويعمل معظمهم في الزراعة وتربية المواشي والنحل ويتوزعون على 227قرية وتجمع سكاني جميعها مناطق جبلية وعرة المسالك مترامية الأطراف، وتشكل بمجموعها 19عزلة هي: (عزلة الاشاعر، الاقحوز، الخان، الدحابشة، العساكرة، الفارسي، الفواهة، القهراء، الكولة، المجارين، المحشور، المرير، الندافا، بني حاتم، جزء من مطاوفة سفلى، عزلة خنة، عزلة دباس، عزلة مطاوفة عليا).
أراضي مديرية جبل راس زراعية وخصبة، قابلة لزراعة جميع أنواع محاصيل الحبوب والبقوليات والخضروات والفواكه، ومرعى كثيف لتربية الثروة الحيوانية، والعسل، فهي مناطق كثيرة الأودية، التي من أهمها: وادي عسيق الهميلي عقاقه وكلها في منطقة الأشاعر ثم وادي المرير والفواهة، يقع شمال حيس ومآتيه من جبل دباس ويسقي أرض الكعدة بالخبت وينضم إليه وادي المرير ووادي النفسة أو الطفسة ويلتقيان في الجسر السطحي ويلتقي بهم وادي المخيريف ومآتيه من سفح جبل دباس الجنوبي) جنوب جبل راس ثم وادي كليب ووادي الضباب.
كما تحوي جبل رأس على فرص استثمارية كبيرة في مجال الصخور والتعدين، ذلك أن أغلب صخورها بركانية رخامية وصخور جرانيت كامل ومسافاتها بعشرات الكيلومترات. وتعد من أفضل انواع الجرانيت، وهي فرص استثمارية ضخمة تنتظر استغلالها بفتح أبواب الاستثمار من قبل الجهات المعنية في الدولة، وهي فرص، لاشك، ستخفض من قيمة فاتورة استيراد مادة الجرانيت من الصين وغيرها.

مجد سنعيده
وحسب الفارس التنموي، وأحد أبناء المديرية (حسين النميري)، اشتهرت جبل راس في السابق بزراعة أنواع الحبوب والفواكه والخضروات وكانت تغطي بمنتجاتها جزء كبير من احتياج السوق المحلي.
مشيرا إلى أن عزل الرأس الأربع العزل كانت الأكثر شهرة بزراعة أجود أنواع البن اليمني، الذي كان يصدر بكميات كبيرة عبر ميناء عدن إلى بريطانيا، ولكن في نهاية أيام الرئيس الراحل الشهيد إبراهيم الحمدي حصل في المنطقة جفاف دام لفترة طويلة، انقرضت على أثره زراعة البن في المنطقة، وتم استبداله بزراعة القات، كون أشجاره تتحمل فترة أطول مع الجفاف، ومردودها أسرع ومتعدد على عكس أشجار البن التي تتطلب وفرة مياه وخيرها موسمي.. وأضاف معللا "طبيعة العزل الأربع تفتقر لأي مخزون مائي، وكل اعتمادها على مياه الأمطار عدا عيون وآبار موسمية، وخزانات صغيرة تبنى إلى جوار المنازل وهي بالكاد تفي بأغراض الشرب والمتطلبات المنزلية"
وتابع "للأسف، طغى القات على الأراضي الزراعية بشكل شبه، ولم يتبق سوى القليل من الأراضي الصلبة. لكن لايزال الأمل يحذونا في استرجاع مجد المديرية في زراعة البن متى توفرت مصادر المياه الكافية، لأن البن- كما أسلفنا- يحتاج إلى مياه وفيرة".
متفائلا "على طريق تحقيق الأمل، بدأنا في إطلاق مبادرات الطرق، كخطوة أولى لتخفيف المعاناة في صعوبة نقل المياه إلى أغلب المناطق السكنية والأراضي الزراعية القابلة للاستصلاح الزراعي علاوة على تسهيل النقل التنقل بين القرى والعزل. وفي مرحلة قادمة، بعون الله، سنطلق مبادرات بناء سدود وحواجز وخزانات مائية".

المبادرة الأولى
وفي جولة توثيقية استطلاعية برفقة الفارس حسين ومجموعة من الشخصيات الاجتماعية والمواطنين، تمكنا من توثيق عدد 5 مبادرات مجتمعية في مجال الطرق، تمثلت المبادرة الأولى في استكمال الطريق الرئيسية من نهاية الأسفلت في منطقة الشجرة مرورا بالمظبية فالظهرة والمصلى وصولا إلى العساكرة.. وتتضمن أعمال المبادرة توسيع الطريق، وبناء جدران ساندة وعمل صبيات خرسانية مدعمة بالحديد المسلح كفرشة قبلية قادرة على تحمل صعود وايتات الماء الكبيرة وكل أنواع السيارات، وبنفس جودة الاسفلت بطول 2كم، وعرض 3,5م، وبكلفة تقديرية 110 ملايين ريال. المبادرة نفذ منها مرحلتين، الأولى بكلفة 17 مليون ريال، والثانية بـ 14 مليون ريال بمساهمات مجتمعية خالصة، وجاري التحشيد للمراحل المتبقية المقدرة كلفتها بـ 76مليون ريال، ومن المتوقع أن تخدم حوالي 6آلاف نسمة.

والمبادرة الثانية
كانت عبارة عن اصلاح طريق الحجينة- زينج- عزلة بني حاتم بطول 350م، وعرض 3,5م. قطع الكتل الصخرية وبناء جدران ساندة ورصف وصبيات عادية. بكلفة إجمالية تقدر بـ 15 مليوناً و200الف ريال، نفذت المرحلة الأولى منها بكلفة 5 ملايين و800 ألف ريال، فيما تقدر كلفة المراحل المتبقية بحوالي 9 ملايين و400 ألف ريال. وتخدم حوالي 1500 نسمة.

والمبادرة الثالثة
تركزت على إصلاح أجزاء في طريق قرية الحمرة-عزلة العساكر- بني حاتم بطول١٨٥م وعرض ٣.٥م. جدران ساندة ورصف وصبيات بكلفة إجمالية تقدر بـ ٧ ملايين و٩٨٧ ألف ريال، جاري تنفيذ المرحلة الأولى منها بكلفة مليونين و١٨٧ ألف ريال. وتقدر كلفة ما تبقى من مراحل استكمال بـ 5 ملايين و800ألف ريال، وتخدم ٧٥٠ نسمة.

المبادرة الرابعة
كانت عبارة عن إصلاح أجزاء في طريق قرية القاعدة- المغارب- الأحزوم- عزلة بني حاتم بطول ١١٩٠م وعرض ٣.٥م. بناء جدران ساندة ورصف وصبيات بكلفة إجمالية تقدر بـ ٧٤ مليون ريال. تم تنفيذ المرحلة الأولى منها بكلفة ٢٤ مليون ريال. وتخدم ٣٠٠٠ نسمة في 10 قرى.

والمبادرة الخامسة
يجري فيها العمل على استكمال شق طريق الغويل- بني حاتم بطول ٧٠٠متر بعرض ٣.٥ بكلفة اجمالية تقدر بـ ١٥ مليون ريال كمرحلة أولى. وتخدم ٥٠٠ نسمة في قريتين.

تخفيف المعاناة
عملية التوثيق تخلل رصد لانطباعات من وجدنا من رؤساء اللجان المجتمعية المشرفة المبادرات الأربع، وعدد من المواطنين، الذين اعتبروا مشاريع إصلاح الطرق من أهم المبادرات التي ستخدم شريحة كبيرة من المواطنين، مشيرين إلى أنها ستربط معظم القرى بالطريق الرئيسي، وتسهم في التخفيف من معاناة الأهالي في نقل أمتعتهم وإسعاف مرضاهم والاستفادة منها في جلب المياه للإسهام في زراعة المدرجات والأراضي المهملة نتيجة عدم وصول الطريق إليها.

حكاية تطوع
وعودة إلى الفارس النميري وبعض من رفقاء العمل الطوعي، وسرد لبعض من حكاية ما بعد دورة فرسان التنمية: "لقتنا من حولنا، فكان أكبر هم وأقسى معاناة للناس هي في عزل القمة، وأكبر ما هي المعاناة في الحصول على الماء، فالوايتات تصل إلى الشجرة سفال الوادي، ومنها تبدأ معاناة المسايبة بالدباب على رؤوس النساء واكتاف الرجال وظهور الحمير.
اجتمعت بزملائي الفرسان، وطرحت عليهم فكرة استكمال توسعة الطريق من الشجرة إلى قمة الجبل، وبناء جدران ساندة وعمل صبيات اسمنتية خرسانية، خمرت الفكرة وساندتها السلطة المحلية بالمديرية بقيادة مدير المديرية وباركتها قيادة المحافظة بالإشراف والدعم الفني والاستشارات الهندسية. انطلقنا لتنظيم الاجتماعات وتوعية الناس بما تعلمناه عن العمل الطوعي والمبادرات المجتمعية وعن أهمية التكافل المجتمعي والتعاون. فكانت استجابة الجميع قوية، ومنها انطلقت المبادرات الواحدة تلو الأخرى، وبدأت النطاق يتسع في على مستوى عزل وقرى المديرية".
وللنميري وزملائه قصة نجاح تمثلت في الآلية التي اتبعت في إدارة مساهمات الأهالي في المبادرات المجتمعية آنفة الذكر. وعنها يحكي لنا: "مع بدأ أولى المبادرات، انصدمنا بكيفية تعزيز ثقة الناس بمبدأ المبادرة، خاصة بعد أن ذاقوا مرارات التجارب السابقة مع الجمعيات والمساهمات التي ما تبدأ في جمع المساهمات حتى تتلاشي وتختفي.
فكرنا مليا، فكانت هداية الله، بأن نقوم بفتح حساب للمبادرة لدى صراف. ثم نفتح مجموعة واتس ونضع فيها رقم الحساب، ونبدأ نحشد المساهمات، على أن يقوم المساهم بإيداع مساهمته في الحساب لدى الصراف بنفسه.. على أن يتم تشكيل لجنة مجتمعية من رئيس ومجلس المستفيدين (مسؤول مالي وأمين مخازن ومشرف تنفيذي ومشرف ميداني)؛ المشرف الميداني فيها هو الفني المقيم في العمل، والمشرف التنفيذي بمثابة المهندس، ورئيس اللجنة هو المشرف على الكل. يقوم المشرف الميداني المقيم كل خميس برفع كشف بعدد العمال، ومع كل عامل حساب، كما يقوم برفع فواتير المشتريات إلى المجموعة. المجموعة فيها اللجنة وفيها المستفيدين والمساهمين وفيها الصراف. أول ما يرفع المشرف المقيم بكشف الحساب والفواتير إلى المجموعة، على طول المسؤول المالي يوجه الصراف بالصرف وفق الكشف والفواتير. وبهذه الطريقة اقفل باب الشبهات والشكوك".

وفي الأقحوز تجربة
الحراك المجتمعي في مسار إطلاق مبادرات الطرق كان في العزل الأربع المشكلة لرأس الجبل، أما الـ 14عزلة تهامية، فإنها أراضي زراعية تزدهر بزراعة الموز، وتعتبر دباس المحشور من أوسع الأراضي الزراعية التي يزرع فيها البصل والسمسم والذرة الشامية وبعضا من أنواع الفواكه والحبوب.
وعما إذا كان لفرسان التنمية من تحرك في مسار الثورة المائية والمبادرات الزراعية، استمعنا إلى حكاية تجربة خاضوها في الأقحوز، وهي منطقة ذات أراضي واسعة جدا كانت تزرع الفلفل والذرة الشامية، والزنجبيل والكركم والبقوليات والحبوب بأنواعهما.
وتابعوا "ولكن للأسف تعرضت للجفاف بسبب اهمال صيانة الحاجز المائي الموجود بالمنطقة والذي كان يغذي الاراضي باحتياجاتها من المياه. الحاجز سعته تصل إلى 5 ملايين لتر مكعب، يهرب الماء من أرضيته، وتحتاج صيانته إلى 1500 كيس أسمنت و15طن حديد للأرضية، وما يلزم من نيس وكري لعمل صبيات في أرضيته. بكلفة اجمالية تقدر بـ 20 مليون ريال".. ويقولون: اجتمعنا بالأهالي في منطقة الأقحوز، وتمت التوعية بأهمية المبادرات المجتمعية والعمل التعاوني وتشكيل الجمعيات التعاونية، كما تم عرض موجهات القيادة واستجابوا للفكرة، لكن الكلفة التي تحتاج الترميم تزيد عن 20 مليون، والمواطنون في المنطقة يعيشون تحت خط الفقر، وأغلب معيشتهم تعتمد على عوائد تربية المواشي والزراعة المطرية. وإلى اللحظة، نواجه صعوبة في توليد أي مبادرة في هذا المسار، فالصيانة تحتاج إلى إسناد قوي.
وأضافوا: لم نصب باليأس، فقد رفعنا بتقرير عن الزيارة إلى المحافظة ومشرف عام المحافظة ومدير المديرية وضحنا فيه واقع حال المشروع وما تتطلبه عملية الترميم، وما الجدوى الاقتصادية للمشروع. ذلك أن صيانة الحاجز كفيلة بتغذية الأراضي الزراعية في الأقحوز والمناطق المجاورة، وبالتالي توفير فرص إنتاج محلي كبيرة في مجال زراعة الحبوب والبقوليات والخضروات والفواكه، والتي ستسهم في خفض فاتورة الاستيراد بنسب كبيرة.

جمعية متعثرة
وقبل مغادرة المنطقة سألنا الفرسان عن خطوات تشكيل الجمعية التعاونية الزراعية في المديرية، فكان أن أكد النميري بأن المساهمات وصلت في عزلته (عزلة بني حكيم) فقط إلى مليون و600 ألف ريال، فيما وصلت في جميع العزل للمديرية الى 12 مليون ريال لكن للأسف ما زالت الجمعية محلك سر لم تراوح المرحلة التحضيرية".

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا