الصفحة الإقتصادية

الاقتصاد الوطني في 3000 يوم .. صمود ومقاومة

الاقتصاد الوطني في 3000 يوم .. صمود ومقاومة

رشيد الحداد/
عندما أعلن تحالف العدوان السعودي الأمريكي الحرب والحصار على الشعب اليمني صبيحة السادس والعشرين من مارس ٢٠١٥ ،

لم يكن يتوقع الكثير من المراقبين أن يصمد الاقتصاد اليمني ٣٠٠٠ يوم ، فالمؤشرات الاقتصادية حينها لم تكن مشجعة وكانت جميعها ضعيفة، كون الاقتصاد اليمني عاش حالة حرب غير معلنة منذ أواخر العام ٢٠١٠ ، وحتى أواخر العام ٢٠١٤ ، نتيجة حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي سادت تلك الفترة وأدت إلى تراجع أداء الاقتصاد بشكل كبير ، وبناء على تلك المؤشرات بنى العدو حساباته الاقتصادية  وعمل على استهداف الاقتصاد منذ اللحظات الأولى لعدوانه بطرق مختلفة ، وراهن كثيراً على الورقة الاقتصادية في أحداث انهيار في غضون أشهر محدودة ، لذلك شدد الحصار خلال العام الأول من العدوان ، وفي موازاة ذلك استهدف البنية التحتية للاقتصاد الوطني بشكل ممنهج ومرسوم مسبقاً ، فاستهدف المصانع والمعامل ومخازن الغذاء وطرقات الإمداد الرئيسة وأبراج ومحطات الكهرباء وأبراج الاتصالات  ، وحول الأسواق إلى أهداف مشروعة ليقتل المئات من الباعة والمستهلكين ، ولم يتوقف عند هذا الحد بل استهدف كرينات ميناء الحديدة في سبتمبر من نفس العام بسلسلة غارات إجرامية ليخرج الميناء عن ٨٠% من طاقته ، وفي مقابل ذلك فرض العديد من القيود التجارية والمالية على الحركة المالية بين البنوك اليمنية والبنوك الإقليمية والدولية ، واوقف حركة الصادرات اليمنية بشكل كلي ، وتعمد تجفيف كل مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة خلال العام الأول والثاني من العدوان والحصار بشكل خاص ، يضاف إلى ايعاز العدوان لأدواته في الداخل للقيام بحجز الكتلة النقدية بين المحافظات الجنوبية وفك الارتباط بالبنك المركزي في صنعاء ووقف توريد إيرادات النفط الغاز المنزلي من منشأة صافر النفطية ووقف السلطات المحلية في المحافظات المحتلة بوقف التعامل مع البنك ، ورغم إشادة البنك والصندوق الدوليين بالدور الإيجابي الذي لعبه البنك المركزي في صنعاء خلال العام الأول والثاني من العدوان ، الا أن الإجراءات التي اتخذها البنك وتمكن من خلالها في الدفاع عن القيمة الشرائية العملة الوطنية افشلت مخطط العدوان الاقتصادي ، فعمدت دول العدوان السعودي الأمريكي على التحريض على قيادة البنك ودور البنك ابتداء من يونيو ٢٠١٦ ، وحتى سبتمبر من نفس العام لينتهي الأمر بتنفيذ توجيهات أمريكية قضت بتشديد الحصار على صنعاء وشملت تشديد الحصار على ميناء الحديدة وسحب وظائف البنك إلى عدن ، وسحب السويفت الخاص بالبنك ، ومنح قيادة البنك في عدن الضوء الأخضر لإصدار نقدي فاق الاحتياج وتسبب بانهيار حاد لسعر صرف العملة الوطنية إلى مستويات كارثية انعكست بشكل سلبي على حياة اليمنيين ، وفاقمت الأوضاع الاقتصادية والإنسانية للملايين من اليمنيين .
وكوني عايشت هذه المرحلة بكل تفاصيلها ، فإني أرى أن التحديات والمخاطر التي واجهتها الاقتصاد اليمني خلال العامين الاولين للعدوان والحصار ، عززت صموده خلال السنوات الأخرى ، لأن اقتصاد هش كالاقتصاد اليمني لم يكن يملك أي عوامل قوة تمكنه من مواجهة العدوان والحرب الاقتصادية حينها ، ومع ذلك تجاوز مرحلة الصدمة وانتقل إلى مرحلة التماسك خلال الأعوام ٢٠١٧-٢٠٢٠ ، وخلال هذه الفترة التي ساد فيها انقسام مالي فقط بين صنعاء وعدن واستمر التعامل بعملة موحدة ، قدمت القيادة في صنعاء عدد من المبادرات الهادفة لتحييد الاقتصاد وتحييد السياسات المالية عن الصراع ، وترجمة ذلك في اتفاق" استوكهولم" أواخر العام ٢٠١٨ ، برعاية الأمم المتحدة ، لتقيم الحجة على الطرف الآخر ، وكشفت أن العبث بالملف الاقتصادي واستغلال الطرف الموالي لدول العدوان لوظائف البنك المركزي في طباعة العملة دون غطاء بشكل تضخمي عملاً عدائياً ممنهجاً ينفذ من تلك الأدوات بتوجيهات من دول العدوان ، لذلك لجأت صنعاء بعد رفض الطرف الموالي للعدوان تنفيذ الشق الاقتصادي من  اتفاق استكهولم والذي كان يلزمها وقف طباعة العملة وعدم تصدير كتلة ضخمة للسوق وصرف رواتب موظفي الدولة وكذلك للاتفاق على تمويل فاتورة الواردات من العملات الصعبة ، وتقييد عبث العدوان بصادرات و عائدات النفط والغاز اليمني ، وكان صنعاء حينها ترى بان تنفيذ الشق الاقتصادي من الاتفاق سيقود إلى تحييد البنك المركزي وتوحيد القنوات الايرادية ، وسيعزز بناء الثقة وقد يدفع نحو التوقيع على اتفاق سلام ينهي العدوان والحصار بعد سنوات من الحرب ، الا أن رهانات العدوان على الورقة الاقتصادية حالت دون ذلك ، وهو ما دفع بصنعاء إلى اتخاذ إجراءات أوقفت من خلالها محاولة تصدير ذلك الأثر التضخمي لطباعة العملة المفرط .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا