أخبار وتقارير

اليمن.. بين الوحدة السياسية والحق التاريخي !

اليمن.. بين الوحدة السياسية والحق التاريخي !

حينما أعلنت الوحدة بين شطري اليمن, تضمن أول بيان لأول رئيس وزراء لليمن الموحد حيدر أبو بكر العطاس الصادر في 20يونيو 1990م, إعلانا واضحا وصريحا في أن الجمهورية اليمنية الموحدة على استعداد لحل قضايا الحدود كافة برا وبحرا مع جيرانها على أساس الحقوق التاريخية والقانون الدولي.

واعتبر الشارع اليمني بيان العطاس حول موضوع الحدود, هو أهم حدث وقع في البلاد بعد إعلان الوحدة مباشرة, لأن رئيس الوزراء كان أول مسؤول يمني يُدلي بتصريح على هذا المستوى منذ توقيع معاهدة الطائف عام 1934م.

علي الشراعي
الوحدة السياسية
اليمن نظرا لطبيعة تضاريسه ومناطقه الجغرافية, يتعرض من حين إلى آخر للتفكك وانفصال بعض أطرافه مما يعود أساسا إلى ضعف حكومته المركزية, وليس إلى تعدد مناطقه الجغرافية. وسار تاريخ اليمن منذ أقدم العصور إلى التاريخ الحديث والمعاصر على هذا المنوال, أي بين المركزية والحكومة الموحدة أحيانا وبين التفكك وانفصال مناطقها وأطرافها أحيانا أخرى. ويتساوى في ذلك عسير ونجران شمالا أو عدن ولحج وحضرموت جنوبا. ولم تفقد هذه المناطق يمنيتها على طول التاريخ وإن اختلفت درجة علاقتها بالمركز بين تمرد وامتناع عن دفع خراجها أو زكاتها أو ضرائبها إلى المركز أو زيادة قوة عناصرها المحلية وإعلان الحكم الذاتي, أو إعلان استقلالها وانفصالها عن المركز. وهذه الأنواع الثلاثة من الخروج على السلطة المركزية لم تمنع تلك السلطة من أن تعود لتبسط نفوذها على تلك المناطق دون أن تشعر هذه الأخيرة بأن هناك احتلالا أو ضما بما تحمل هذه التعبيرات الحديثة من معنى وقد فهم العثمانيون أثناء حكمهم الأول لليمن (1538- 1635م) هذا المغزى في تاريخ اليمن, فحرصوا على أن يضعوا حاميات عسكرية في جيزان ونجران بنفس القدر من الحرص الذي أظهروه في عدن وحضرموت. ولا يتناقض هذا مع أن حكمهم في اليمن ظل قلقا غير مستقر وخاصة في عهد الولاة الضعاف ولكثرة الثورات ضدهم. أما في فترة القوة فكانوا ينظرون إلى اليمن كوحدة سياسية رغم اختلاف مناطقها الجغرافية.
وامتدت النظرة نفسها- إلى خريطة اليمن- إلى الدولة القاسمية التي ورثت الحكم العثماني عام 1635م الموافق 1045هـ, وليس غريبا أن يأتي أهالي جيزان إلى الإمام المنصور القاسم يشكون حاميتها العثمانية, فيعمل على إخراج الحامية من بلادهم قبل خروج العثمانيين كلية من اليمن بل واهتم القاسم ثم ابنه المؤيد محمد بإخضاع عسير ونجران إلى حكمهما قبل أن يكمل المؤيد إخراج العثمانيين من زبيد آخر مواقعهم بالبلاد. فالدولة القاسمية في بدايتها قد سيطرت على مناطق حدودها الشمالية قبل أن يتمكن المتوكل إسماعيل من إخضاع باقي جهات اليمن الجنوبية مثل لحج وعدن ويافع وحضرموت وغيرها تحت سيطرته ويوحد المناطق الجغرافية المتعددة لوحدة سياسية وحكومة مركزية واحدة.
ومما سبق فتلك الأمور تدل على شعور الحكومات القوية بيمنية تلك المناطق فضمتها إلى المركز, كما لم ترفض تلك المناطق الانضمام إلى المركز شعورا منها بيمنيتها أيضا طالما كان المركز قويا. مما يؤكد على الوحدة السياسية لليمن وحتى في مراحل تفتتها إلى مناطق تكاد تكون متشابهة في كل مرحله من تلك المراحل مما يدل على أثر العاملين الجغرافي والبشري في وقوع هذا التفتت. وبمعنى آخر ظهور طموحات شخصية تستغل ضعف حكومة المركز وتعتمد على إمكانيات تلك الوحدات الجغرافية.
وعلى ضوء هذا يمكن رفض الأقوال الذاهبة إلى أن عسير أو نجران قد مرا بكثير من مراحل الفراغ السياسي وأنهما بالتالي يصبحان لقمة سائغة لمن يضع يده عليهما, إذ أن هذا يدل على عدم إدراك طبيعة هذه المناطق أوفهم تاريخها. ويمكن ايضا رفض مبدأ أن انتشار مذهب معين أو عقيدة بذاتها بعض الوقت في إحدى المناطق إنما يؤدي إلى فصلها عن بلدها وضمها إلى سلطة خارجية أخرى حتى لو اعتنقت بعض القوى الداخلية بهذه المنطقة تلك المبادئ وطلبت مددا خارجيا لحمايتها. إذ أن التسليم بهذا المبدأ يؤدي إلى خلل في الموازين الدولية ومفاهيمها, ولأصبحت روسيا صاحبة حقوق أبدية في شرق أوروبا وشرق آسيا الشمالي. (مراحل العلاقات اليمنية- السعودية, الدكتور سيد مصطفي سالم).

الحق التاريخي
في بداية الحكم الإسلامي وبسبب سعة مساحة اليمن وصعوبة تضاريسها فقد قسمت اليمن إلى ثلاثة مخاليف هي صنعاء والجند وحضرموت, وأن كل مخلاف كان يقسم إلى عدد من الأقسام الإدارية الأصغر لإحكام السيطرة عليها, فإن هذا يفسر سبب إرسال العدد الكبير إليها من الولاة الأمويين والعباسيين, كما يفسر سبب كثرة الثورات والتمردات به, وظهور عدد من الدويلات سواء فوق الجبل أو في السهل. مما دفع الخليفة العباسي المأمون إلى إصدار أوامره إلى قائد حملته إلى اليمن ابن زياد والذي اسس مدينة زبيد لتكون مركزا لحكم اليمن ومن ثم اقام الدولة الزيادية وكان المخلاف السليماني لم يخرج عن محور فلك إمارة زبيد التابعة للخلافة العباسية. وفي عهد الدولة الصليحية التي امتد حكمها حينا إلى مكة المكرمة أصبح المخلاف السليماني جزءا من الدولة الصليحية. ومع ضعف الدولة الصليحية ودخولها في صراع مع الدولة النجاحية في زبيد وتأجيج الصراع وظهور كيانات عديدة في اليمن مما دفع احد أمراء المخلاف السليماني بالخليفة العباسي والذي طلب من صلاح الدين الايوبي أن يرسل حملة إلى اليمن والتي نظرت لليمن ككيان سياسي واحد من عسير حتي عدن وحضرموت وظفار. وحينما ورثت الدولة الرسولية الأيوبيين في اليمن, وكانت تلك الدولة من أقوى الدول اليمنية في التاريخ الإسلامي واطولها عمرا. وحرصت على أن تضم جميع أطراف اليمن إلى مركزها من المخلاف السليماني إلى حضرموت وظفار, كذلك مدت نفوذها أحيانا إلى مكة المكرمة, وإلى سواحل شرق أفريقيا إلى زيلع, وأقاموا علاقات اقتصادية مع الهند والصين وتبادلوا معها الوفود والهدايا.
وفي أوائل القرن التاسع الهجري آلت إمارة جازان من الأمراء (الغوانم) إلى أبناء عمومتهم الأمراء آل القطبي وكانت تلك الإمارة مرتبطة بالرسوليين ومن بعدهم- الدولة- الطاهريين حيث كان أميرها يبعث سنويا إلى حكومة زبيد بألف دينار. وحينما طمع شريف مكة محمد بن بركات في ضم تلك الإمارة إليه فهاجمها حتي أصبحت جازان خاوية على عروشها فبعث أميرها (أحمد بن دريب) ابنه المهدي إلى زبيد ليعاتب أميرها الطاهري على تخليه عنه. فقد كانت علاقة امير المخلاف السليماني بالدولة الطاهرية علاقة وثيقة الصلة عميقة الولاء, وفي ديوان (الجراح ابن شاجر) شاعر الأمير (المهدي بن أحمد) بالمخلاف السليماني قصائد متبادلة تدل على الولاء السياسي من الأمير للملك الطاهري. ورغم ذلك الولاء السياسي لأمير عسير لحكومة اليمن المركزية فقد قام المهدي بن أحمد أمير جيزان حينما شعر بأن الخراج المقرر على إمارته من قبل السلطان عامر بن عبدالوهاب الطاهري أرهقه يطمح إلى ربط علاقته بمصر وبادر إلى إنشاء علاقة سياسية ظاهرها التظلم من الخراج وقد يكون باطنها طموح هذا الأمير في المستقبل إلى أعظم من ذلك. فقد أرسل وفدا إلى السلطان الغوري بمصر عام 1509م. لذلك فأصحاب الإمارات أو مشايخ القبائل تكونت لهم طموحات شخصية ودوافع ذاتية يعملون على تحقيقها دون النظر إلى عواقبها من تدخلات خارجية تعرض وحدة اليمن السياسية والجغرافية إلى التمزق والتفكك والانقسام.

الوضع القانوني
ومع خروج العثمانيين من اليمن بما فيها عسير في 22 أكتوبر 1635م, وقنعوا ببقائهم في الحجاز حيث الأماكن الإسلامية المقدسة, غير أنهم ظلوا يدعون سيادتهم الاسمية على الأراضي اليمنية التي لم يعودوا إليها إلا في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي 1849م, عندما استنجد في أوائل القرن إمام اليمن المنصور علي بالباب العالي وبوالي مصر محمد علي باشا لإنقاذه من هجمات الوهابيين على بلاده مما جعل محمد علي باشا بناء على تكليف من السلطان العثماني يسيطر على عسير وتهامة... وكان يعنى ذلك عودة اليمن بما فيها عسير إلي حظيرة الدولة العثمانية. ومع ظهور الأدريسي في عسير عام 1908م ومحاربة حكومة صنعاء له معتبره عسير جزءاً من اليمن. كذلك رفضت الدولة العثمانية عقد صلح مع الادريسي مثلما عملت مع الإمام يحيى بصلح دعان عام 1911م, كون عسير جزءاً من صنعاء, وللتأكيد على ذلك فخلال الحرب العالمية الاولي (1914- 1918م) لم يحاول العثمانيون استماله الادريسى وهو اول حاكم عربي يتحالف مع الانجليز، (سياسة بريطانيا في عسير اثناء الحرب العالمية الأولي, دكتور فاروق عثمان أباظة).
وحينما بدأ التنازع بين حكومة صنعاء وابن سعود عام 1926م بسبب إعلان ابن سعود حمايته للإدريسي أوضحت إيطاليا خلال مباحثاتها مع ابن سعود للاعتراف به أن إعلان الحماية لم يغير من الوضع القانوني لعسير وأنها ستعترف به ملكا على الحجاز ونجد فقط, فأرسل ابن سعود في 6 ديسمبر 1927م إلى اللورد لويد خطاباً جاء فيه: (إن هذا المسلك يعد تعديا على حقوق بلده في شبه الجزيرة العربية وسلطتها القومية, وأن هذا الإجراء من جانب إيطاليا يقصد منه تقوية حليفها الإمام ضد الحكومة البريطانية في اتجاه حدوده المجاورة لأراضي الحكومة البريطانية- يقصد بها جنوب اليمن, وضد الملك ابن سعود صديق الحكومة البريطانية). (عسير في النزاع السعودي- اليمني, عبدالرحمن الوجيه).
لذلك فإن التعمد في خلق تاريخ خاص وسط الزخم الشديد من تاريخ اليمن لأي منطقة جغرافية من اليمن وخاصة الأطراف كأنه من يؤيد حفر قناة رفيعة عبر تلك المراحل التاريخية تحمل سمات مستقلة لكي تتضخم بعد ذلك وتتحول إلى مجرى عريض يقنع القارئ به هذا الإقليم ليس طرفا من أطراف اليمن مثل باقي الأطراف, وكأنه بذلك يريد أن يقيم (خلفية تاريخية) أو (حقاً تاريخياً) لذلك الإقليم اليمني.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا