أخبار وتقارير

الأفريكوم.. قيادة أمريكية لعسكرة القارة الافريقية

الأفريكوم.. قيادة أمريكية لعسكرة القارة الافريقية

علي الشراعي /

فاجأت دولة جنوب إفريقيا الأوساط بموقفها المعارض والصريح لأية عمليات عسكرية تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية للانتقام ضد ما تسميه الإرهاب, وكان مبررها في ذلك أن أية عملية عسكرية ضد جهة معينة لا تقوم على مجرد الظن

بل على الحجة الدامغة وأن الولايات المتحدة الأمريكية بتسرعها في اتهام العرب والمسلمين إنما تستعدي طائفة معينة من البشر، جاء ذلك خلال بيان مجلس وزراء الجنوب الافريقي في 17 سبتمبر 2001م, كما رفضت في عام 2008م نصب قواعد عسكرية أمريكية على أرضها أو على أي أرض إفريقية.

النظرية البحرية
تعتنق الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ عهد ثيودور روزفلت (1901- 1909م) مبدأ السيطرة على البحار ولقد اقتنع روزفلت بكتابات الفريد ماهان ونظريته بضرورة تقدم الولايات المتحدة الأمريكية نحو محيطات وبحار العالم ومضائقها اسوة ببريطانيا التي امتلكت العالم بامتلاكها اكبر الاساطيل البحرية ولقد كانت الأساطيل البريطانية من أسباب هزيمة نابليون الأول، ولإقناع ثيودور روزفلت والذي جاء للحكم بعد وليام ماكلني (1897- 1909م) بما طرحه الفرد ثايرماهان قام بحفر قناة بنما وتملكتها الولايات المتحدة الامريكية إلى أن قام الرئيس جيمي كارتر (1981- 1989م) بإعادتها لدولة بنما.
ومنذ خروج الولايات المتحدة الامريكية منتصرة من الحرب العالمية الثانية اصبحت في مقام منظم وضابط إيقاع العالم, ولرغبتها في ملئ فراغ القوة نتيجة خروج بريطانيا وفرنسا من المنطقة العربية وللوقوف في وجه الاتحاد السوفيتي الذي سعى لأثبات تفوق نظريته الماركسية على حساب نظرية الرأسمالية المتجسدة في وجود الولايات المتحدة الأمريكية وهكذا تصادم القطبان كان حتما, وكانت الحرب الكورية التي انتهت عام 1953م, والحرب الفيتنامية التي انتهت في 1974م, وأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962م, وحرب أفغانستان والتي بدأت مطلع الثمانينيات وانتهت عام 1989م, شواهد على الصراع السوفيتي- الأمريكي بحقبة ما سمى بالحرب الباردة، ولقد دخلت الصين ساحة الصراع في كل من الحرب الكورية وفيتنام, ولكن ليس بعلنية الاتحاد السوفيتي، وللصين حاليا مهتمة بالقارة الافريقية وبلدانها القريبة والمطلة على البحر الأحمر وكذلك البعيدة منه وخاصة جيبوتي القريبة من مضيق باب المندب حيث قامت الصين مؤخرا بتمويل مشاريع بنية تحتية في جيبوتي مما يشير إلى تطور كبير في العلاقات الجيبوتية- الصينية, بل أن الصين أنشأت لها قاعدة عسكرية في جيبوتي عام 2017م لتكون قاعدة عسكرية لوجستية أمداد وتزويد وجمع معلومات, إلى جانب القواعد العسكرية لكل من أمريكا وفرنسا والصين اليابان وغيرها من الدول الطامعة لأن يكون لها تواجد قرب مضيق باب المندب، كذلك يوجد للكيان الصهيوني قاعدة عسكرية في اريتيريا.

قيادة أفريكوم
عملت الولايات المتحدة الأمريكية على توثيق علاقاتها بدول القارة الإفريقية بعد نهاية الحرب الباردة, وتجلى ذلك واضحا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى القارة الإفريقية من منظور أمني ظهر ذلك في النهج العسكري الذي اتبعته واشنطن في تعاملها مع الدول الإفريقية من خلال سلسلة من البرامج والمساعدات العسكرية, وتم تأكيد هذا النهج العسكري أكثر بعد إنشاء قيادة الأفريكوم كقيادة خاصة بالقارة الإفريقية، وهذا يدل على محاولة امريكا لعسكرة القارة الإفريقية لأهميتها الاستراتيجية بالنسبة لمنظومة المصالح القومية الأمريكية.
لواشنطن تواجد عسكري في قاعدة ليمونير العسكرية في جيبوتي تتمركز فيها قوات أمريكية لها طبيعة استخبارية, أكثر منها قتالية, فهدفها جمع المعلومات بحسب زعمها عن المنظمات الارهابية التي تنشط على سواحل البحر الأحمر, ومنها المنظمات الارهابية في الصومال كتنظيم الشباب الصومالي، وأنشأت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة عسكرية للتعامل مع القارة الإفريقية وأطلق عليها الأفريكوم, وتتمركز هذه القوات في قاعدة ليمونير على الأراضي الجيبوتية, وتنشط قاعدة ليمونيه الأمريكية في جيبوتي في مجال العمل التطوعي والإنساني أيضا من اجل التواصل مع المجتمعات الجيبوتية والأفريقية, ولقد تأسست قاعدة ليمونير عام 2002م بعدد لا يتجاوز 900 جندي, وارتفع عدد جنودها ليصل إلى 4 آلاف جندي, وفي عام 2007م قررت الولايات المتحدة الامريكية انشاء قيادة عسكرية امريكية تهتم بشؤون القارة الأفريقية فتم إنشاء افريكوم – القيادة الأفريقية- وكان قرار إنشائها في عهد الرئيس الامريكي جورج بوش الابن (2001-2009م) وسكرتير دفاعه روبرت غيتس في 6 فبراير 2007م, وتم تعيين السفير (ماري كارلن) في قيادة الافريكوم وهو ليس بعسكري كدلالة على تعدد جوانب نشاطات الافريكوم، وباشرت الافريكوم عملها بشكل رسمي في الأول من اكتوبر 2008م، تمركزت افريكوم في شتوتغارت في ألمانيا, وتعد قاعدة ليمونه الأمريكية في جيبوتي مقراً لقوة العمل المشترك لأفريكوم, وتقوم القوات الأمريكية ضمن افريكوم بالتعاون مع قوات افريقية تابعة لجيوش عدة دول افريقية، كما أن البحرية غالبا ما تجري بعثات المراقبة في البحر الأحمر, كما تقوم هذه القوة بمهمات المشاركة في العمليات والتدريبات المشتركة لتمكن الدول الإقليمية بحسب ذريعة واشنطن من هزيمة تنظيم القاعدة والحركات المرتبطة بها، إن قوة العمل المشتركة للقرن الإفريقي تغطي الأراضي والفضاءات الجوية في كينيا والصومال والسودان وسيشل وأثيوبيا وأريتيريا وجيبوتي واليمن, فضلا عن المياه الساحلية للبحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي.
ورصدت آنذاك موازنة سنوية لأفريكوم بحوالي 90 مليون دولار و392 مليون دولار لمركز القيادة المكونة من حوالي 500 خبير في الاستخبارات والاتصالات والتحاليل والتقارير الاستشرافية, وخبراء من وزارة الخارجية والمالية والأمن والتجارة والطاقة والزراعة ومن مكتب التحقيقات الفيدرالي أف بي أي .وفي يوليو 2008م تمت أضخم مناورة عسكرية بمشاركة 21 دولة افريقية كما زار الجنرال وليام قائد الأفريكوم 30 دولة افريقية، لتلطيف الحضور العسكري الامريكي لكن هناك دول إفريقية منها جنوب إفريقيا رفضت قطعيا نصب قواعد عسكرية على أرضها أو على أي أرض إفريقية.

موقع جيبوتي
ترى الولايات المتحدة الامريكية أن موقع جيبوتي الاستراتيجي والملاصق لمضيق باب المندب, إضافة إلى توافر البنية التحتية المناسبة لعملياتها يجعلان منها مكانا مناسبا لتواجد قوات عسكرية امريكية تعمل انطلاقا من قاعدة عسكرية فيها، حيث يوجد في قاعدة ليمونيربجيبوتي طائرات الدرون والتي تستخدم لرصد تحركات التنظيمات الإرهابية في القارة الأفريقية- بحسب مزاعم أمريكا- ولقد رأت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جدوى كبيرة في استخدام المدرجات الجيبوتية لإقلاع وهبوط طائرات الدرون.. وللولايات المتحدة الأمريكية مكتب في سفارتها في بريطانيا يعرف بـ(Africa watch dog) مهمته متابعة التطورات السياسية في افريقيا, ويعمل في المكتب عناصر استخبارية وعناصر من جهاز الأمن القومي الأمريكي, إلى جانب موظفين تابعين للخارجية الأمريكية.

عسكرة إفريقيا
أما التصورات الإفريقية للقيادة الجديدة فكانت مختلفة فبعض الدول الإفريقية شعرت بالقلق من أن هذا التحرك يمثل جهد استعماري جديد للهيمنة على القارة عسكريا حيث أن العديد من الأفارقة نظروا إلى الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب بنوع من الشك بالنظر إلى العراق, فإن الأفارقة تخوفوا من إمكانية أن تكون الأفريكوم محاولة لتصدير السياسة الخارجية العسكرية الامريكية وعودة بيع الأسلحة كما كانت خلال فترة الحرب الباردة، كما تساءل البعض عما إذا كانت الأفريكوم جزءا من المسابقة الجديدة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين لفرض النفوذ في القارة الافريقية, ولذلك فإن بعض الحكومات الافريقية كان رد فعلها بتفاؤل وحذر..
فمن المؤكد أن أنشاء الأفريكوم كقيادة مسؤولة عن إفريقيا لوحدها, هو أكبر دليل على استمرار الولايات المتحدة في عسكرة علاقاتها مع القارة الإفريقية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م ومهما تعددت الشروحات الأمريكية حول طبيعة هذه القيادة وأهدافها إلا أن هناك العديد من الأهداف الكامنة وراء إنشاء هذه القيادة تخدم مصالح واهداف امريكا في القارة الإفريقية والوقوف ضد التواجد الصيني فيها والذي بدأ يظهر بقوة فللصين ما يقارب 800 شركة استثمارية في دولة افريقيا وخاصة الدول المطلة على البحر الأحمر واهمها السودان وجيبوتي.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا