أخبار وتقارير

الـ 30 من نوفمبر ودلالاته في التاريخ اليمني

الـ 30 من نوفمبر ودلالاته في التاريخ اليمني

  عند الحديث عن الأهمية التاريخية لثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة 1963م من قبل المؤرخين والباحثين وكثير من الأقلام التي دونت الكثير عن هذا الحدث التاريخي الهام في حياة الشعب اليمني ..

إنما يعود لما تمثله الثورة من أهمية في التاريخ اليمني المعاصر كتتويج لنضال منظم ومسلح ضد المستعمر لم يتوقف منذ الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن في 19 يناير 1839م وحتى نيل الاستقلال الوطني الناجز في 30 نوفمبر 1967م.
ويمكن القول أن أسلوب الكفاح المسلح والمنظم كان الميزة البارزة لهذه الثورة وهو الأسلوب الأمثل الذي توصلت إليه الحركات الوطنية اليمنية في نهاية الخمسينات ومطلع الستينات بعد أن أثبتت تجربة النضال السلمي عدم جدواها في القيام بمهام التحرر الوطني بسبب الطبيعة الاستعمارية للمستعمر البريطاني.

خالد الأشموري
ولأن النضال من أجل نيل الاستقلال وتقرير المصير لأي شعب من شعوب العالم حق مشروع كفلته الأعراف والقوانين الدولية فقد كان لليمنيين حق الخلاص من سيطرة الاحتلال البريطاني المغتصب لأرضه برغم عدم امتلاكه لوسائل المقاومة مقارنة بما يمتلكه المستعمر البغيض من أسلحة مختلفة مدمرة ولهذا صنفت ثورة 14 أكتوبر بالحدث الأبرز في تاريخ اليمن المعاصر بما حملته من مضامين ثورية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية حيث يعد هذا الزخم أحد العوامل الذاتية النابعة من وجدان كل يمني عانى من الكيان الاستعماري الأنجلو - سلاطيني والذي كان مكوناً من الإمارات والمشيخات والسلطنات .. هذا البعد الذي تمثل بتلاحم قوى الثورة والكفاح المسلح بقيادة الجبهة القومية وجبهة التحرير والتنظيم الشعبي وغيرها من القوى مثلت جميعها فصائل ثورية كانت لها قناعات وطنية بان المستعمر البريطاني الذي تمادئ في سياسته الاستعمارية القهرية والقمعية لحماية مصالحه يجب أن يرحل هو وكيانه المتمثل بالسلاطين والأمراء والشيوخ والعملاء التابعين الذين جعل منهم المستعمر كياناً مصطنعاً لحماية مصالحه وقاعدته العسكرية في شرق اليمن التي كانت حينها أكبر قاعدة عسكرية بريطانية في منطقة الشرق الأوسط متخذاً وعملائه كافة الوسائل والمحاولات والدسائس لقمع الثورة بعد أن شعر بتهديد وجوده العسكري والسياسي والاقتصادي.
فكان الفشل للمحتل الإنجليزي والنجاح لضربات الثوار الميامين الذين أنتشروا في كافة الجبهات العسكرية على مستوى المحافظات، مسنودين بدعم شعبي جماهيري وبكل وسائل المساعدة من الأكل والشراب والحماية وتقديم المعلومات عن مواقع تواجد الجنود الإنجليز، فيما تحولت المنازل والمديريات حاضنة للثوار، بالإضافة إلى نشر المطبوعات المتمثلة بالبيانات السياسية والعسكرية للجبهة القومية وجبهة التحرير.
لقد تجسدت أبعاد ثورة الـ 14 من أكتوبر 1963م من مايو 1963م حين جراء حوار جاد ومكثف في صنعاء بين حركة القوميين العرب وتنظيمات سياسية أخرى بينها تشكيل القبائل الذين كان لهم الدور البارز في الكفاح المسلح في جبهة ردفان بقيادة المناضل راجح غالب لبوزة – أستشهد فيها – حيث لعبت الجبهة دورا ًبارزاً مشهوداً في صمود واستمرار الثورة التي حاول المستعمر وإعلامه المعادي تصويرها وكأنها " تمرد قبلي" ، بل بداية إنطلاق الثورة – وهذا ما أكد عليه المناضل الراحل ناصر علوي السقاف- الذي كان حينها نائباً لقحطان محمد الشعبي – زعيم الجبهة القومية بقوله " أن يوم 14 أكتوبر 1963م لم يكن يوماً قد حدد سلفاً لتفجير الثورة، أو أنه يوم إعلانها ، لكن تفجير الثورة كان قد تم الاتفاق عليه بقيادة المناضل راجح غالب لبوزة الذي شكل برجاله الـ 100 مقاتل بداية بناء إنتشار الثورة على الصعيد الوطني".
إذن ثورة 14 أكتوبر سبقتها مقدمات كثيرة من الصعب التطرق إليها في مقال – ولسنا بصدد شرح وقائعها – إذ يمكننا هنا – الاقتباس مما جاء في الورقة البحثية للباحث محمد عباس الضالعي - المقدمة لندوة " الثورة اليمنية في مقاومة الاحتلال ونيل الاستقلال" في السطور التالية :
بعد تفجير الثورة في ردفان استمر أبناء ردفان يقاومون القوات البريطانية لمدة ثمانية أشهر دون أن تكون هناك أي جبهة قد تفجر القتال فيها، وبلغت الحملات العسكرية البريطانية خمس حملات على منطقة ردفان ومع الضغط الكبير الذي كان يشكله البريطانيون على جبهة ردفان كان في الوقت ذاته قد بلغ تنظيم الجبهة القومية ما يؤهله على فتح جبهات قتالية جديدة في المناطق الأخرى، حيث كانت قد توافدت قيادات الجبهة من جميع المناطق إلى تعز وهناك طلب منها إيفاد عدد من المقاتلين لتدريبهم في تعز، وبالفعل حضرت تلك المجاميع وتم تدريبها، وكانت هذه المجاميع من الضالع والمنطقة الوسطى ( أبين ) والشعيب وبيحان وحالمين وعدن والصبيحة والأزارق وبعد عودة المقاتلين إلى مناطقهم كانت أول جبهة يصلها الدعم هي جبهة الضالع، وقد حدد لها القيام بتنفيذ أول عملية على القاعدة العسكرية البريطانية في الضالع الساعة العاشرة مساء من يوم 23 يوليو 1964م وذلك بمناسبة العيد الثاني عشر لثورة 23 يوليو، إلا إنه لأسباب فنية تأخر موعد الهجوم إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل من صباح يوم 24/7/1964م ونفذ الهجوم فعلاً ، فكانت جبهة الضالع ثاني جبهة وهذا ما يؤكده الزعيم الراحل قحطان محمد الشعبي أثناء مقابلته للأمين العام للجامعة العربية الدكتور سيد نوفل في 29/7/1964م بمقر الجامعة العربية التي شرح له فيها تطورات الموقف في الجنوب اليمني لا سيما في جبهة القتال الجديدة التي فتحتها قوات الجبهة القومية في منطقة الضالع مبتدأه بهجوم مفاجئ وجريء على القاعدة الحربية البريطانية في الضالع تكبد فيها العدو خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد ، موضحاً ما تقوم به القوات البريطانية من حرب وحشية وصلت إلى درجة الإبادة في منطقة ردفان ، وكذلك استخدام القوات البريطانية سلاحها الجوي في محاولة فاشلة لإخماد ثورة التحرير في الجبهة الوسطى وخاصة دثينة وبهذا تكون المنطقة الوسطى ( دثينة ) هي ثالث جبهة قتال يتم افتتاحها من قبل الجبهة القومية بعد جبهة الضالع بوقت قصير جداً، وعلى وجه الدقة في 26/7/1964م.
وقد أكدت الأنباء حينها أن القوات البريطانية التي حاولت إخماد الثورة في المنطقة الوسطى عن طريق القصف الجوي منذ اللحظات الأولى لاندلاعها ، لكن أحدث هذا الإجراء رد عكسي، حيث أخذت تمتد الثورة من دثينة إلى منطقتي العربي والفضلي أما جبهة عدن فيقول المناضل الراحل محمد سعيد مصعبين " بأنه تم إدخال أول شحنة سلاح إلى عدن في 18/7/1964م أدخلت على سيارة لاندروفر ، لفتح جبهة عدن، وبالفعل فتحت جبهة عدن في 27/7/1964م بمناسبة العيد الثاني عشر لثورة 23 يوليو 1952م ، فكانت جبهة عدن هي رابع جبهة تفتح للكفاح المسلح".
في الثلث الأول من شهر سبتمبر 1964م فتحت جبهة جديدة للقتال ضد المستعمر في منطقة الحواشب وقد صرح بذلك السيد قحطان محمد الشعبي بقوله: ( أن الجبهة القومية تلقت برقية من قيادتها هناك بهذا الشأن ، وبفتح هذه الجبهة يكون القتال قد شمل خمس مناطق في ردفان والضالع والمنطقة الوسطى وعدن والحواشب)، كما ذكرت الجبهة القومية في بيان لها أنه في يوم 10 أكتوبر 1964م هاجم ثوار الجبهة القومية في الصبيحة ولحج القاعدة العسكرية البريطانية في العند وتم احراق مستودع للذخيرة وعدد من المخيمات وقتل ثلاثة وجرح خمسة وبذلك نجد أن منطقتي الصبيحة ولحج كانتا سادس وسابع جبهات القتال ضد المستعمر البريطاني.
وصرحت الجبهة القومية أنه في يوم 12 أكتوبر1964م هاجمت قواتها في حالمين والشعيب مواقع العدو واشتبكت معه في عدة معارك تكبد فيها العدو كثير من الخسائر في العتاد واستشهد من مناضليها أثنان وإحدى المناضلات وبهذا التصريح تكون جبهتا حالمين والشعيب هما ثامن وتاسع جبهات القتال ضد المستعمر البريطاني.
خلال النصف الثاني من عام 1964م كانت الجبهة القومية تصدر نشرة بعنوان (جريدة التحرير) وكانت هذه الجريدة تقدم رصداً لفعاليات معركة التحرير ضد الاستعمار البريطاني حيث نجد بأنه لا يمر يوماً واحداً دون حدوث مقاومة مسلحة ضد المستعمر في جبهة من جبهات القتال.
الجدير ذكره أن نجاحات الثورة خلال العام الأول من عمرها جعل القوى التي كانت تعارض أسلوب الكفاح المسح كوسيلة رئيسية لتحقيق الاستقلال تغير رأيها فتم تأسيس منظمة تحرير جنوب اليمن المحتل في الأول من أغسطس 1964م من خلال توحيد كل من حزب الشعب الاشتراكي وهيئة تحرير جنوب اليمن المحتل ورابطة أبناء الجنوب العربي وبعض الشخصيات المستقلة، فكان ذلك يشكل انتقال جوهري وإن كان محدوداً لقوى وطنية أعلنت ولو نظرياً عن تبنيها الكفاح المسلح.
في عام 1965م اكتسبت في أول الأمر إنتشار الثورة اليمنية ضد المستعمر البريطاني الصفة النوعية من خلال زيادة العمليات الفدائية ومستوى انتشارها لتشمل كل أرجاء الوطن بما فيها المستعمرة عدن، ويقول المناضل محمد سالم باسندوة " كانت حركة الكفاح المسلح عند حلول عام 1965م قد تصاعدت إلى درجة لم يكن من الممكن معها تجاهل تأثيرها حينذاك على الحياة العامة في الشطر الجنوبي المحتل من الإقليم اليمني.. حتى عدن نفسها كانت قد غدت هي الأخرى مسرحاً لنشاط فدائي جريء من حين لآخر .. ما أضطر السلطات البريطانية إلى فرض التجوال في حي كريتر على حين كانت المقاومة المسلحة في ردفان والضالع أيضاً قد تعاظمت بشكل ملحوظ مما حمل السلطات البريطانية على إرسال المزيد من قواتها إلى هناك".
ويقول المناضل عبد القوي مكاوي عن هذه الفترة " هاهي النتائج الأولية للثورة، والتي لم يكن قد مضى عليها أكثر من عام.. ففي إبريل من نفس العام ساد الرعب والفزع في صفوف القوات البريطانية في عدن ، حيث أن أكثر من 500 جندي بريطاني رفضوا أوامر قيادتهم بالخروج لأعمال الدورية فاضطرت القيادة البريطانية إلى اعتقالهم .. ويتمدد أثر مسلسل عمل الفدائيين ضد البريطانيين إلى داخل مجلس العموم البريطاني وذلك عندما وقف ( فرد ريك مولي ) وزير الجيش البريطاني أمام المجلس ليعترف وهو في حالة آسى بأن ثوار عدن يستخدمون الصواريخ ونيران الأسلحة الصغيرة في هجماتهم .. بل وكشف هذا المسؤول بيأس بأن المشكلة الرئيسية التي تواجه بريطانيا تكمن في عدم قدرتها على معرفة ما في أيدي الثوار من سلاح وهذا يعد اعترافاً ضمنياً من جانب بريطانيا بأنها لم تتمكن من الاستيلاء على ما في أيدي الثوار من سلاح، وكان ذلك في ربيع 1965م ).
بالفعل اتسع النضال التحرري للشعب في الجنوب اليمني المحتل ضد المستعمر في عام 1965م حتى وصلت العمليات العسكرية حسب الوثائق البريطانية (1372) عملية فكان لهذا النضال تأييد واسع لدى الرأي العام مما أجبر المستعمرين على الإقدام على تنازلات حيث أعلنت بريطانيا رسمياً بتاريخ 22 فبراير 1966م عن عزمها على منح الاستقلال للجنوب العربي عام 1968م كما قررت سحب قواتها قبل حلول هذ الموعد باعتبار أن بقاء القوات البريطانية لم يعد أمراً ممكناً.
أما عام 1966م فإنه بقدر ما شهد استمراراً لتواصل النضال ضد المستمر، فقد كان لقرار دمج الجبهة القومية ومنظمة التحرير في جبهة واحدة في 13 يناير 1966م وهي جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل أثر بالغ على حجم العمليات العسكرية ضد المستعمر حيث انخفضت العمليات العسكرية من (1372) عام 1965م إلى (868) عملية عام 1966م ويعود السبب في ذلك إلى الانشغال بالخلافات بين عناصر الجبهة القومية من جهة ومنظمة التحرير من جهة ثانية فاحتجاجاً على هذا الدمج أعلن جزء كبير من أعضاء الجبهة القومية عن وقف العمليات العسكرية، وفي هذا العام شهد إعلان إنفصال الجبهة القومية عن جبهة التحرير في شهر أكتوبر ثم أقر الإنفصال رسمياً في المؤتمر الثالث للجبهة القومية في شهر نوفمبر 1966م ورداً على هذا القرار قطعت القيادة العربية المصرية الدعم على الجبهة القومية، فكانت كل هذه عوامل أدت إلى انخفاض عدد العمليات العسكرية.
عام 1967م شهد تطورات متسارعة على الساحة الوطنية فجبهة التحرير بعد إعلان الجبهة القومية انفصالها عن جبهة التحرير أنشأت جناح عسكري لها سمي بالتنظيم الشعبي للقوى الثورية فلعب هذا التنظيم دوراً بارزاً في الكفاح المسلح خلال النصف الأول من عام 1967م وكانت هذه الفترة هي فترة الظهور القوي لجبهة التحرير على الساحة كما أن الجبهة القومية التي كانت تعاني في هذه الفترة ذاتها من أزمة عملت قواعدها وقيادتها على إثبات قدرتها ووجودها على الساحة من خلال تصعيد نشاطها العسكري ضد المستعمر فكان التنافس بين الجبهتين على أشده  تحاول كل جبهة إظهار قوتها شعبياً وعسكرياً من خلال الدعوة إلى المظاهرات والقيام بالعمليات العسكرية، لهذا ازدادت وتيرة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني حتى أنه وصل معدل العمليات العسكرية إلى (22) عملية في اليوم الواحد داخل المستعمرة عدن فقط ..ورغم إنتشار تنظيمات الثورة في بعض مناطق الجنوب منذ وقت مبكر لكنها لم تعمل على نقل القتال إليها لأسباب عديدة إلا أنها في عام 1967م عملت على البدء بنشاطها القتالي في تلك المناطق مثل حضرموت .. وكان أهم حدث لقوة انتشار الثورة في عام 1967م هي ملحمة 20 يونيو البطولية، والأسطورية .. هذه الملحمة التي استطاعت فيها الطلائع الثورية من الجيش والأمن وفدائي الجبهة القومية وجبهة التحرير الاستيلاء على قلب المستعمرة عدن وهي مدينة كريتر لمدة 15 يوماً فكانت هذه الملحمة بداية حقيقية لإبراز ضعف المستعمر وفضحه بأنه غير قادر على فرض سيطرته على الأرض وبالمقابل إبراز تعاظم قدرات الثورة على تحرير وطنها والتعجيل بيوم الجلاء، فبعد شهر تقريباً من سيطرة الثوار على مدينة كريتر بدأت الثورة تحرير المناطق الواحدة تلو الأخرى، لهذا لم يكن أمام القوى البريطانية من سبيل غير الإعلان عن الرحيل قبل الموعد المحدد من قبل وهو الثلث الأول من عام 1968م ليكون 30 نوفمبر عام 1967م هو يوم رحيل آخر جندي بريطاني من أرض اليمن الحبيبة.. يوم تحقيق الاستقلال الوطني الناجز الذي تم الوصول إليه بعد معركة نضالية استمرت أربع سنوات قدم فيها الشعب اليمني تضحيات بشرية ومادية ثمناً لحريته وكرامته.

قضية احتلال جنوب اليمن :
كانت قضية احتلال الجنوب اليمني محل خلاف ونزاعات سياسية وصراعات عسكرية بين البريطانيين والقوى الاستعمارية الأخرى عند احتلال عدن في 19 يناير 1839م من قبل الإنجليز من جهة وبين العرب والبريطانيين والغرب من جهة ثانية، وخاصة المصريين والحكومة المتوكلية في الشمال اليمني، ولكن قضية الجنوب لم تأخذ بعدها القومي إلا بعد تأسيس الجامعة العربية في 1945م عندما عرضت عليها وتحصلت على دعم وتأييد الدول العربية وإن كان ذلك الدعم محدوداً، لكون معظم الأقطار العربية كانت حينها ما تزال مستعمرة.

دور الجامعة العربية:
عند انفجار ثورة 14 أكتوبر 1963م ساندت الجامعة العربية هذه الثورة، وأصدرت في 19 مايو 1964م قراراً طالبت فيه الأقطار العربية تقديم الدعم والمساعدة بأسرع وقت للثورة في الجنوب اليمني، والقيام باتصالات مباشرة مع جميع الدول وخاصة الدول الأفريقية والآسيوية للإسهام الإيجابي في دعم الثورة مادياً وأدبياً والضغط على بريطانيا حتى تلتزم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بتصفية الاستعمار وإزالة قواعدها من الجنوب كما دعا القرار الأمين العام للجامعة العربية إلى الاتصال بجمعية الصليب الأحمر الدولية في جنيف لإرسال بعثة إلى الجنوب اليمني لتقديم المساعدة لضحايا العدوان البريطاني والتحقق من معاملة السلطات البريطانية للمعتقلين وفقاً لقواعد القانوني الدولي، وحقوق الإنسان كما دعا أجهزة الإعلام العربية إلى إطلاع الرأي العام العالمي على التسلط الاستعماري الذي تفرضه بريطانيا على الشعب العربي في الجنوب اليمني والفضائح التي تقترفها وما أدت إليه من تدمير للقرى وفتك بالمدنيين الآمنين كما أصدر مجلس الجامعة العربية قرار في 12/9/1966م استنكر فيه أعمال القصف والقتل والترويع والسجن التي يمارسها البريطانيون في المنطقة، وحث الأقطار العربية على تقديم العون العسكري والمادي والسياسي للثورة المسلحة.. وناشد القرار القوى الوطنية لتوحيد صفوفها ضد الوجود البريطاني، والتمسك بقرارات الأمم المتحدة.. وأصدر المجلس في 8/3/1967م قرار أدان فيه الاستعمار البريطاني .. وحمله مسؤولية اغتيال الوطنيين لخلق الشقاق بين صفوفهم، ودعا إلى مضاعفة النضال العربي في المنطقة ضد الاستعمار  وأعوانه، وأوصى الوفود العربية في الأمم المتحدة بالاستمرار في متابعة الخطوات الضرورية للتأكيد على استقلال الجنوب اليمني وانسحاب القوات البريطانية وتصفية القواعد العسكرية وممارسة الشعب العربي لحقه في تقرير مصيره وبذلك تكون قدمت الجامعة الدعم المادي للحركة الوطنية والدعم المعنوي في عرض ومساندة قضية الجنوب اليمني في المحافل العربية والدولية وبذلت جهوداً بناءة لتوحيد صفوف قوى النضال الوطني.

ب. في المحافل العربية والدولية:
كانت قضية الجنوب اليمني دون ريب حاضرة في كثير من المحافل العربية والدولية قبل قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م، إلا أن الوضع تغير بعد قيام الثورة من حيث المضمون والصدى الداخلي والخارجي للقضية.. وقد عرضت قضية الجنوب اليمني المحتل لأول مرة بعد الثورة في المؤتمر الثاني لرؤساء الدول غير المنحازة في القاهرة في أكتوبر 1964م ونددت قرارات هذا المؤتمر باستمرار بريطانيا رفضها لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وأيد المؤتمر كفاح الشعب العربي في الجنوب اليمني وحث على التنفيذ الفوري لقرارات الأمم المتحدة التي صدرت على أساس الرغبات التي عبر عنها الشعب في المنطقة.. كما دعيت الجبهة القومية للاشتراك في مؤتمر القارات الثلاث المنعقد في هافانا عاصمة كوبا سنة 1966م وناشد المؤتمر جميع الدول المتحررة، إرسال مساعدات مالية وعسكرية إلى الجبهة القومية لتستعين بها في نضالها ضد حرب الإبادة التي يشنها الاستعمار البريطاني في المنطقة، وحث المؤتمر في قراراته جميع منظمات الإغاثة الدولية على توفير المواد الغذائية والعقاقير الطبية والملابس للاجئين من ضحايا العمليات العسكرية البريطانية.
وعقد في دمشق في يناير كانون الثاني 1967م المؤتمر الثالث للاتحادات العمالية العالمية لنصرة الشعب العربي في عدن شاركت فيه أكثر من ( 53) منظمة عمالية عربية ودولية، وألقيت في هذا المؤتمر الكلمات المؤيدة لحق الشعب العربي في الجنوب اليمي في الحرية والاستقلال، كما قام المؤتمرون بمسيرة جماهيرية شاركت فيها المنظمات الشعبية في سوريا بمناسبة مرور 128 عاماً على احتلال بريطانيا لعدن وأصدر المؤتمر عدداً من القرارات أشارت إلى التعسف والاضطهاد الذي تمارسه بريطانيا ضد الشعب في الجنوب وعجز الأمم المتحدة في تنفيذ قراراتها وأكدت القرارات دعم القوى الوطنية ممثلة بجبهة التحرير والمؤتمر العالمي باعتبارهما الممثلين الحقيقيين للشعب، والاتصال بمكتب العمل الدولي وهيئة الأمم المتحدة ولجانها المختصة لشجب أعمال السلطات البريطانية المعادية للعمل النقابي والديمقراطي، وجاء في البيان الختامي الذي أصدره مجلس التضامن الآسيوي الأفريقي في شباط 1967م المنعقد في قبرص تأييد المجلس للكفاح المسلح الذي يخوضه شعب الجنوب اليمني ضد الاستعمار البريطاني وأستنكر الأعمال التعسفية التي يرتكبها الاستعمار البريطاني ضد أبناء الجنوب اليمني، وطالب بوقفها والإفراج عن المعتقلين السياسيين وإيقاف أعمال التعذيب الوحشية، وأكد على حق الشعب في التمتع بحريته الكاملة واستنكر المشاريع والمؤامرات الاستعمارية التي فرضها الاستعمار وفي مقدمتها أتحاد الجنوب العربي، وناشد المجلس جميع الدول المتحررة من الاستعمار والمنظمات الشعبية في آسيا وأفريقيا دعم ومساندة الكفاح المسلح لشعب الجنوب المحتل المتمثل في جبهة التحرير ماديا ومعنويا.
ان عرض قضية الجنوب اليمني في المؤتمرات العربية والدولية عرف العالم الخارجي بحقيقة الصراع الدائر في المنطقة، فلم تُعد القضية مسألة نزاع بين بريطانيا واليمن، بل أنها قضية شعب يريد التخلص من الاستعمار وينال حقوقه المشروعة، وقد تبنت الأقطار العربية ودول العالم الثالث هذه الحقوق، واعتبرت الحركة الوطنية طرفا أساسياً في القضية، وقدمت لها المعونة المادية والمعنوية، وتبنت مطالبها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما أعطى الحركة الوطنية زخما جديداً.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا