أخبار وتقارير

السعودية..  100 عام من خيانة القضية الفلسطينية!  (2)

السعودية.. 100 عام من خيانة القضية الفلسطينية! (2)

علي الشراعي/

كانت معاهدة عام 1915م ثمنا مسبقا لوقوف عبد العزيز آل سعود إلى جانب الانجليز في الحرب العالمية الاولى وطرد العثمانيين من الخليج وحماية ظهر القوات البريطانية اثناء زحفها على العراق .

كذلك كانت معاهدة جدة عام 1927 ثمنا لاحقا لقيام عبد العزيز بتنفيذ المخطط البريطاني في القضاء على حكم الملك حسين في الحجاز والتخلص من الوعود التي بذلها له الانجليز بأنشاء دولة عربية كبرى موحدة، واخلاء السبيل لهم للتصرف بفلسطين وفق وعودهم التي اعطوها للصهاينة، وابقاء العرب دولا صغيرة وامارات ممزقة حتى اليوم .

 فمعاهدة جدة ثمنا لمأساة اكبر مازال جرحها ينزف في كبد الامة العربية منذ أكثر من مائه عام  مأساة ساعد على خلقها وابقائها ابن سعود بخيانته هو ومن حكموا من بعده من اولاده إلى اليوم انها قضية العرب الأولى فلسطين والقدس الشريف .وما يحدث اليوم من عدوان على غزة منذ 45 يوما ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية ومحاولة تهجير سكان غزة ما هي الا  حربا و جريمة مؤجلة منذ مائه عام  تشهدها فلسطين اليوم بعدوان المحتل الصهيوني على غزة بشراكة امريكا والغرب وتواطؤ انظمة عربية على رأسهم آل سعود .

تقسيم فلسطين
يتحدث  جون سانت فيلبي  المستشار السياسي للملك عبد العزيز آل سعود بقوله : ( إن الملك عبد العزيز يعلن أن العرب سوف يخضعون لتقسيم فلسطين إذا فرضته بريطانيا العظمى وقد تقدمت لعبد العزيز باقتراح للموافقة بتسليم فلسطين كلها إلى اليهود مقابل استقلال البلاد العربية كلها وضمان إسكان أهلها الذين سيخرجون منها بطريقة كريمة ! والرجال الذين حوله كانوا لا يوافقون على آراء الملك بالنسبة لقضية فلسطين. فكان من رأي الملك أنه لا يرى في فلسطين ما يستحق أن يحمله على شل علاقته ببريطانيا وأمريكا .  ويبدو ان هذا الإعجاب كان متبادلا بين بريطانيا وأمريكا وبين الملك عبد العزيز في الفترة الأخيرة في حياته التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة وأنه قد حمله ونستون تشرشل زعيم بريطانيا على التفكير بأن يجعل من الملك السعودي زعيما لا ينازع للعالم العربي ).   
 ويضيف فليبي ( لقد أعلن الملك رأيه بصراحة بأن العرب لن يوافقوا على التقسيم أو يعترفوا بأي حق لليهود في فلسطين، ولكنهم سيذعنون إذا ما فرضت بريطانيا عليهم التقسيم ).
فالدور الذي كان يلعبه فيلبي علنا في قضية فلسطين حملت السيد موسى العلمي مندوب الهيئة العليا لفلسطين على تقديم احتجاج إلى الملك عبد العزيز، يذكر فيه ان تأييد فيلبي العلني لمشروع تقسيم فلسطين يمكن ان يفسر على انّه تعبير عن رأي الملك عبد العزيز  وترك لفيلبي ترويح الفكرة .
كذلك يشير فليبي أن عبد العزيز ابن سعود  تعهد للرئيس الأمريكي روزفلت ( أنه في حال تشريد عدد كبير من الفلسطينيين بعد إعلان إسرائيل في فلسطين: تشغيل قسم كبير من اللاجئين في شركة آرامكو وبعض الأعمال الأخرى وحفر آبار جوفية في صحراء "قرية" الواقعة بين الكويت "والسعودية" لمن يريد الاستيطان بالرغم من أنني لا أخفيكم مخاوفي من أن ينقل الفلسطينيون بذور الفتنة لرعايانا فيثيروا الرعية لكنه ما عندي لهم إلا السيف وأنا معكم في كل شيء إلى يوم القيامة ).
مما دفع  (جون فورستال) وزير الدّفاع في المؤتمر المشترك لرؤساء أركان الحرب المنعقد في ميامي 23 حزيران 1948م، أن يعلن : ( أن الدفاع عن المملكة العربية السعودية يدخل في نظام الدفاع عن العالم الحر).  

محطات من الخيانة
فالمخطط الذي رسمه الانكليز للملك عبد العزيز آل سعود ان يكون سيفهم المسلط على رؤوس الامارات والمشيخات وحتى الممالك التي لهم نفوذ عليها يهددونها به كلما عدت الحاجة كما فعلوا مع الشريف الادريسي في عسير والشريف حسين في الحجاز والملك يحيى في اليمن ومع الاردن والعراق والكويت وغيرها في فترات مختلفة وكان هذا المخطط يقتضي ان تظل الاراضي الخاضعة لابن سعود غير محددة حتّى يمكن تحريكه ضد أي بلد عربي يحاول التمرد على النفوذ البريطاني .
 فقد ذكر الزركلي في كتابه (شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز) ان ابن سعود ارسل للشريف عبد الله بن الحسين بتاريخ 14 اكتوبر 1916 رسالة جاء فيها : (ان كل إنسان فيه حمية ودين وعربية انّه يجتهد في جهاد الاتراك وحلفائهم، لان اليوم والله ما اخبر عدو للإسلام والعرب غيرهم ). ان ابن سعود لم ير في الانجليز عدوا للعرب والاسلام ، ولذلك لم يكن في نظره من عدو لهما سوى الاتراك وحدهم. هذا هو تقدير عبد العزيز الذي يدعي ان الإسلام دين دولته وان القرآن الكريم  دستورها، ثم يتحالف مع الانجليز ضد المقدسات والبلاد الإسلامية .
كذلك لم يتوان ابن سعود عن معارضة قيام وحدة عربية في أي شكل من أشكالها وكانت معارضته دائما مرتبطة بمعارضة بريطانيا لها ، وقد ذكر حافظ وهبة - سفير ابن سعود بلندن -  في كتابه (خمسون عاما في جزيرة العرب) ، انّه تلقى من الملك عبد العزيز برقية بطريق الشفرة الخاصة ما نصه ( إن نوري السعيد يريد الحاق سوريا وفلسطين بالعراق، وهذا يتوقف على الحكومة البريطانية، فإن كل أمر لا توافق عليه الحكومة البريطانية لا يتم. ونحن مستعدون ان نتعاون مع بريطانيا ونحافظ على مصالحها ).  فابن سعود يعارض ضم سوريا وفلسطين إلى العراق ويترك سوريا بيد الفرنسيين.. وفلسطين عرضة لاستيلاء اليهود عليها، ما دام الانجليز لهم مصلحة في عدم ضمها. واكثر من ذلك، يهتم بالتعاون مع بريطانيا ويحافظ على مصالحها.. بدلا من التعاون مع العراق لإنقاذ سوريا من الاستعمار الفرنسي، وانقاذ فلسطين من الاستيطان الصهيوني.
تحدث حاييم وايزمن اول رئيس وزراء للكيان الصهيوني في كتابه (التجربة والخطأ) فقال : (دخلت على المستر تشرشل فبادرني قائلا : اريد منك ان تعرف اني قد اعدت ترتيبا خاصا لا يمكنني ان اقدم على تنفيذه الا بعد ان تضع الحرب اوزارها بصورة نهائية فانا اريد ان اجعل من ابن سعود سيد الشرق الأوسط كافة .. ورئيس الرؤساء، بشرط واحد وهو ان يجري تسوية معكم، وسيترتب عليكم ان تحصلوا منه على احسن ما يمكنكم من الشروط.... )
ولكن انتهاء الحرب العالمية الثانية وبروز أمريكا كمنافس لبريطانيا في الشرق العربي، وسيطرتها الكلية على السعودية، ووجود منافس لابن سعود على الصفقة بأبخس الاثمان ، وقناعة المنافس بأن يكون ملكا على صحراء الاردن وجزء صغير من فلسطين . بدلا من ان يكون ابن سعود ـ الذي اصبحت تراهن عليه أمريكا ـ ملكا على العرب بأجمعهم ، كل ذلك قلب الخطة رأس على عقب.

عميل جديد
على ان أمريكا لم تنفض يدها من المشروع كله ، باعتبارها الوارث الطبيعي للاستعمار البريطاني فقد اخذت ـ وبعد عشرين عاما ـ تراهن على عميلها الجديد في البلاد العربية والاسلامية، وكان هذا العميل هو الملك  فيصل بن عبد العزيز الذي ورث بدوره مسيرة أبيه في خدمة الاستعمار، فأبرزته أمريكا على مسرح الاحداث، وقدمته كعامل مؤثر في اوضاع المنطقة العربية والاسلامية سواء على مستوى الحكومات الرجعية أو الانهزامية. وقد قدمت أمريكا لفيصل التأييد الكامل في شكل مخططات مرسومة للتآمر على القوى الوطنية والثورية، وفي شكل زيادة خيالية في انتاج البترول وتكثيف عائداته، ليعمل بها فيصل على شراء الضمائر وشل قدرات الامة العربية عن كفاح الاستعمار والصهيونية، ولتسليم اكبر ما يمكن تسليمه من الأرض العربية للصهيونية، وجر الدول العربية مرغمة ـ تحت اذلال الدولار ـ للمعسكر الامريكي.
ألم يصرح  الملك فيصل بقوله : ( إننا واليهود أبناء عم خلّص، ولن نرضى بقذفهم في البحر كما يقول البعض، بل نريد التعايش معهم بسلام ... إننا واليهود ننتمي إلى (سام) وتجمعنا السامية كما تعلمون إضافة إلى روابط قرابة الوطن، فبلادنا منبع اليهود الأول الذي منه انتشر اليهود إلى كافة أصقاع العالم )  تصريحات الملك فيصل  هذه نقلا عن ( الواشنطن بوست) في 17سبتمبر 1969 ونقلتها مجلة الحياة البيروتية أيضا .  

تصفية المقاومة
كان الملك فيصل صاحب الرسالة الشهيرة إلى الرئيس الأمريكي جونسون قبل نكسة 5 حزيران 1967م . يبعث برسالة تاريخية أخرى - اقل ما توصف بأنها رسالة خيانة للقضية الفلسطينية ولتصفية المقاومة – إلى الملك حسين , وقد بعث بها في تاريخ 3 يناير 1969م وتحمل رقم الوثيقة 412 من مجلس الوزراء السعودي جاء فيها : ( صاحب الجلالة الملك حسين بن طلال ملك المملكة الأردنية الهاشمية ، حفظه الله .  
يا صاحب الجلالة : سبق لي أن تحدثت لجلالتكم - كشقيق يسره ما يسركم ويضره ما يضركم – عن الحالة التي وصل إليها الأردن الشقيق ، بوجود ما يسمى  ( المقاومة الفلسطينية ) ، وأفصحت لجلالتكم عن يقيني القاطع أن هذه  ( المقاومة )  سوف تستغل ضدكم وتتحول من اسمها الظاهري ( مقاومة فلسطينية ) إلى  ( مقاومة ) ضدكم وضد شعبكم إن أنتم تهاونتم بترك حبالها على الغوارب .. والآن … وبعد أن أتضح لجلالتكم أمرها جليا، فإنه لا يسعني إلا أن أكرر نصحى للاستفادة من هذا الوقت السانح لجلالتكم بمبادرة القضاء المبرم على هذه  ( المقاومة ) فبادروا أيها الأخ العظيم قبل أن يحدث ما نتوقعه بين يوم و أخر ، وما نخشى عقباه باستبدال حكمكم لا قدر الله ، بحكم هذه (المقاومة الفلسطينية ) ، ومن ثم يأتي دورنا نحن ، حين يتحول الأردن من دولة شقيقة إلى وبال ثورة علينا ، فننشغل بمحاربة ثورتين شيوعيتين ، واحدة في جنوب مملكتنا والأخرى في شمالها ، حيث يصبح الأردن الشقيق كالجنوب المسمى باليمن الديمقراطي ، والذى لم نزل نتعاون و إياكم في مكافحة من أفسدوه. فإن لم يصبح الأردن دولة شيوعية بانتصار ( المقاومة ) لا قدر الله  ، فإنه سيصبح بالتأكيد ولا محالة دولة ناصرية أو بعثية أو قومية ، وكل هذه التسميات وإن اختلفت مجاريها ، فإنها تصب في قعر بؤرة واحدة ، هي بؤرة الهدم ضدنا ، وضد أصدقائنا الأمريكان والإنكليز وأنصار النظام الغربي .  لذلك فإنني أعرض مجددا على جلالتكم - كشقيق لكم – رأينا النهائي ورغبتنا الملحة ، بالقضاء على كل هذه الزمر المفسدة المجتمعة في الأردن باسم  ( مقاومة إسرائيل ) ، بينما- يشهد الله–  أن شر إسرائيل لا وجود له ، أمام شرور تلك الزمر المفسدة . وبهذه الرسالة ، ما أردنا إلا تكرار عرض خدماتنا لجلالتكم بتحمل كافة المصروفات ، وما ستتكلفونه  من مال وسلاح وذخيرة في سبيل مقاومة ( المقاومة) . وإلا فإنني وأسرتي الصديقة التي ترى في هذا الرأي ، وتقره كما تعلمون ، سننضم جميعا ضدكم ، لنشكل الطرف الأخر لمقاومتكم ومقاومة هذه ( المقاومة ) غير الشريفة..  لأننا بذلك لا ندافع عن كيانكم فقط، بل عن كياننا أيضاً.  
وبانتظار الرد من جلالتكم ، أدعو الله أن يحميكم من كل مكروه وأن يأخذ بيدنا لإحباط كل ما يحيط بنا من أخطار المفسدين الملحدين.  
أخوكم المخلص - فيصل بن عبد العزيز آل سعود - ملك المملكة العربية السعودية .

خيانة الإسلام
 إن سجل آل سعود في حرب الإسلام ، والتواطؤ مع أعدائه، وخيانة القضية الفلسطينية سجل طويل لا يسعنا في هذا المقام الإحاطة به . فالعلاقة مع الأمريكان لا يشك عاقل أنها علاقة عمالة وعبودية وانبطاح ويكفي أن الأمريكان هم الذين يرسمون سياسة المملكة بكاملها والعلاقات الخارجية . وصف مسؤول سعودي كبير في بيان ألقاه في الجلسة السادسة للجمعية العمومية للأمم المتحدة التي عقدت في عام 1974م علاقات الأخوة والمودة والنصرة والموالاة التي تربط دولته مع دول الكفر جميعا بأن مثل لهم بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصف حال المؤمنين بعضهم مع بعض فقال: ( إن عالم اليوم مجتمع واحد، وإذا كان لي أن أقتبس قول الرسول صلى الله عليه وسلم فإنني أستطيع أن أصف هذا المجتمع بالبنيان يشد بعضه بعضاً وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) أما الشعب الكشميري، والشعب الفلسطيني، والشعب العراقي، والشعب البوسنوي، والشعب الكوسوفوي، وغيرهم من شعوب المسلمين المذبوحة و المهانة والمضطهدة فليس جزءًا من هذا المجتمع، ولا يستحق أن يتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي ! وإلا فكم يبعد جيش آل سعود  عن حدود اليهود الصهاينة المغتصبين لفلسطين ؟! إنه قريب جدا فما باله لا يحرك ساكنا من أجل الأقصى الذي يتباكون عليه، ويذرفون دموع التماسيح من أجله، تمثيلا وضحكا على المساكين، أما الحرب  فالحرب الهجومية محرمة بشرع آل سعود بل أن قوانينهم التي وضعوها تنص انه  لا يجوز الدعاء بالهلاك على اليهود الصهاينة المجرمين مغتصبي فلسطين، فضلا عن السعي إلى إهلاكهم بالحرب والقتال !

التطبيع
إن الاندفاع الكبير تجاه مشروع الصلح مع اليهود المغتصبين في فلسطين حيث يفتخر بندر بن سلطان أن المملكة هي التي دفعت تكاليف مؤتمر (مدريد) كاملة وقبل ذلك تكفّلت المملكة خلال حرب الخليج الثانية 1919م بتقديم ثلاثة عشر مليار دولار للكيان الصهيوني مقابل إسكاتها عن ضرب العراق، ليس حرصاً على العراق وأهله المسلمين، ولكن حماية للتحالف الدولي الكافر من الانهيار بسبب الثورة الشعبية المتوقعة في تلك الحالة. كل ذلك فضلا عن الدعم الذي تحظى به مسيرة التطبيع مع العدو، دع عنك موافقة المملكة وتأييدها لكل القرارات الدولية التي أعطت الشرعية لاحتلال اليهود الصهاينة لفلسطين، وهذه كلها مما أُعلن وتداوله الإعلام، أما ما لم يُعلَن فطوام عظيمة تصل إلى حد التنسيق الأمني والعسكري، والتواطؤ
ضد الحركات التحررية  المقاومة وما حرب طوفان الاقصى اليوم 2023م إلا خير دليل على التواطؤ والخيانة والتآمر السعودي في محاولة لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على المقاومة الفلسطينية وتهجير سكان غزة تمهيدا لاستكمال التطبيع الكامل والشامل مع الكيان الصهيوني.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا