أخبار وتقارير

سقطرى .. صراع القوى بين الأمس واليوم (3)

سقطرى .. صراع القوى بين الأمس واليوم (3)

علي الشراعي/ 


إن موقع جزيرة في المحيط الهندي قد عزز موقعها التجاري الرابط بين دول شبه الجزيرة العربية وبلدان شمال أفريقيا مع بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا,

وجعل منها جزيرة تتوسط طرق الملاحة الدولية فيسهل رسو السفن في موانئها, لذلك تطمح القوى الدولية والإقليمية لاستغلال الجزيرة كقاعدة عسكرية واليمن ترى فيها عمقا استراتيجيا عندما تستهدف.

صراعات استعمارية
نظرا لأهمية جزيرة سقطرى كانت ولا تزال هدفا للأطماع الاستعمارية وصراعهم للسيطرة عليها عبر التاريخ، ففي عام 1934م قبل احتلال بريطانيا لعدن بخمس سنوات, حاول البريطانيون شراء جزيرة سقطرى من سلطان قبائل المهرة السلطان عمر بن سعيد وبعد أن قدمت له بريطانيا مبلغا قدره عشرة آلاف ريال فضيا مقابلها الا انه رفض المساومة مما دفع بالبريطانيين إلى إرسال قواتهم واحتلال الجزيرة، ففي يناير 1835م وصلت الحملة البريطانية المكونة من بعض السفن الحربية التابعة لشركة الهند الشرقية بقيادة كابتن لو إلى جزيرة سقطرى لاحتلالها بالقوة وبعد عشرة أيام من المعارك رفع العلم البريطاني بالقوة على أرض الجزيرة لكنهم خرجوا منها بعد عشرة أشهر، ليأتي الفرنسيون بعد خمس سنوات محاولين ايجاد قاعدة لهم في جزيرة سقطرى لتزويد السفن الفرنسية بالفحم إلا أن الإنجليز تدخلوا بأسطولهم الذي سيطر على المنطقة واحتلوا عدن 1939م وتحكموا في ممراتها فلم تستطع فرنسا أن تحقق أحلامها باحتلال جزيرة سقطرى.

روح المقاومة
ومع احتلال بريطانيا  لعدن  قبل السلطان علي بن عبدالله بن عفرار سلطان المهرة وسقطرى أن يوقع على معاهدة مع بريطانيا سنة 1876م تمكن بموجبها بريطانيا جعل جزيرة سقطرى وملحقاتها تحت حماية بريطانيا مقابل معونة نقدية مقدارها ثلاثة آلاف ريال ماريا تيريزا وثلاثمائة وستين ريالا في السنة، اذا وافق السلطان بموجبها على الا يبيع الجزيرة او يتنازل عنها لأية قوة اجنبية لقاء منحة سنوية من حكومة الهند البريطانية وبذلك أمنت لندن مصالحها بعقد المعاهدة حتى تضمن عدم سيطرة أية قوى اجنبية منافسة على الجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي الهام من جهة ومن اجل عدم وجودها في الجزر اليمنية بصورة خاصة ومنطقة البحر الأحمر بصورة عامة. ومما اجبر بريطانيا على تلك المعاهدة كانت روح المقاومة تستشرى بعد احتلال لعدن فرأت بريطانيا بذلك تهديدا لمصالحها في البحار الشرقية وفي القاعدة البريطانية على وجه الخصوص, فبدأت المفاوضات الخاصة بجزيرة سقطرى سنة 1876م حتى تم عقد معاهدة بين البريطانيين وسلطان المهرة اذا وافق السلطان بموجبها على الا يبيع الجزيرة او يتنازل عنها لأية قوة أجنبية لقاء منحة سنوية من حكومة الهند البريطانية وبذلك أمنت لندن مصالحها بعقد المعاهدة حتى تضمن عدم سيطرة اية قوى أجنبية منافسة على الجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي الهام من جهة ومن اجل عدم وجودها في الجزر اليمنية بصورة خاصة ومنطقة البحر الأحمر بصورة عامة.

احتلال سقطرى
وقد تمكنت بريطانيا للمرة الثانية بعد واحد وأربعين عاما من المحاولة الأولى من احتلال سقطرى ولكن ليس عبر القوة العسكرية بل كان  هذه المرة الاحتلال بالطريقة الدبلوماسية وهدفت بريطانيا لاحتلال جزيرة سقطرى للتصدي للجيش العثماني الذي أخذ يشق طريقه نحو البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي حيث قامت عدة قطع حربية عثمانية آنذاك بزيارة جزيرة سقطرى عدة مرات في تلك الفترة، كذلك صد محاولة فرنسية لشراء جزيرة سقطرى فقد قامت سفينتان حربيتان فرنسيتان بزيارة الجزيرة فظلت بريطانيا تراقب الوضع بقلق شديد، ثم بادرت إلى فرض معاهدة أخرى على سلطان المهرة وسقطرى سنة 1886م فرضت بريطانيا بموجبها الحماية على السلطنة العفرارية بأكملها، ورفع العلم البريطاني في جزيرة سقطرى هذه المرة دون مقاومة وأطلقت البحرية الملكية البريطانية واحدا وعشرين طلقة تحية للعلم.
وفي سنة 1954م وقع السلطان عيسى بن علي بن عفرار معاهدة استشارية مع بريطانيا نصت بموجبها تعيين مستشارا بريطانيا مقيما في السلطنة لدي السلطان ويوافق السلطان على قبول نصيحة المستشار البريطاني في جميع الأمور إلا فيما يخص الدين الإسلامي والتقاليد- وبذلك أصبحت بريطانيا ممسكة بزمام كل الأمور في المهرة وسقطرى- وهذا ما يحدث اليوم من قبل احتلال دول العدوان لجزيرة  سقطرى والمهرة وحضرموت وعدن من إحياء للسياسة الاستعمارية البريطانية وشراء عملاء من الحكام المحليين  ومازالت هذه السياسة الاستعمارية نراه  من خلال عدوان 2015م عبر عملائهم المحليين  في المحافظات الجنوبية المحتلة..  
وظلت السلطات البريطانية تسيطر على جزيرة سقطرى بحسب معاهدة 1954م وعززت وجودها ونفوذها فيها ونظرا لأهمية الجزيرة أقامت السلطات البريطانية فيها مطارا عسكريا وميناء ومنشآت أخرى تستخدم من قبلهم لتسهيل سياستهم في الجزيرة، واستمرت الجزيرة تحت الإشراف المباشر للإدارة البريطانية في عدن حتى جلاء المحتل البريطاني عنها في عام 1967م فأصبحت جزيرة سقطرى مع بقيه الجزر ومنها ميون تابعة لجمهورية اليمن الجنوبية آنذاك.

قوات روسية
يرجع اهتمام الروس بالجزر اليمنية وموانئ البحر الأحمر منذ وقت مبكر فمنذ أيام القيصر الروسي بطرس الأكبر (1682- 1725م) ففي وصيته المشهورة عام 1725م كتب بطرس يحث خليفته على التحرك جنوبا إلى القسطنطينية (مضيق البسفور) والخليج العربي والمحيط الهندي والهند وأن من يسيطر على تلك المناطق يحكم العالم, وهكذا عمل الروس بعد ثورة 1917م الشيوعية على مواصلة الامتداد جنوبا باتجاه البحار الدافئة.
وقامت السياسة الروسية على أساس التوغل البطيء والمنظم في الجزر اليمنية والبحر الأحمر بغية تحويله إلى طريق خاضع للسيطرة الروسية, حيث يبرز في إستراتيجيتها كأقصر وأسرع طريق بين البحر الأسود والمحيط الهندي الذي يحظى بأهمية من جانب الروس وبالذات المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وأهميته في الإستراتيجية الروسية من كونه نقطة اختناق تتحكم في الحركة عبر البحر الأحمر الذي يعد اقصر وأسرع طريق إلى المحيط الهندي فطريق البحر الأحمر يوفر حوالي 70% من طول الرحلة التي تستغرقها السفن الروسية في البحر الأسود إلى المحيط الهندي عن طريق رأس الرجاء الصالح.
وذلك سعى الروس للحفاظ على تواجد بحري مستمر في منطقة البحر الأحمر والمحيط الهندي من ضمنها الجزر اليمنية بهدف خلق حالة من التوازن مع التواجد الأمريكي ودعم قدراته على المشاركة المحلية بالمنطقة ثم استغلال هذه المشاكل لمصالحة، وذلك من خلال تأييد بعض الدول التي يمكن أن تحقق له مطالب واحتياجات وحداته البحرية في تسهيلات للعمل في المنطقة كان وجود السوفييت في الجزر اليمنية محدودا جدا حتى قيام الحرب العالمية الثانية التي انتهت بانتصار الحلفاء وانقسام العالم إلى معسكرين متنافسين سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا وأيديولوجيا حيث نشطت الدعاية الغربية محذرة من الامتداد الشيوعي إلى المنطقة داعية دولها إلى عدم إقامة علاقة مع الروس وبذلك ظلت البحرية السوفيتية تعاني من عقدة التطويق الذي فرضته عليها الأساطيل الغربية.
الأمر الذي دفعها إلى البدء في وضع المخططات اللازمة لتحديث البحرية الروسية وبناء قوى بحرية كبيرة تتناسب مع المهام التي تلقى على عاتقها والذي يحتم الوضع الاستراتيجي التواجد فيها بشرط استخدام جزيرة سقطرى وإنشاء مطار فوق أراضي الجزيرة حيث تواجد اكثر من 2000 عسكري روسي باعتبارها مفتاحا لمضيق باب المندب ونقطة الوصل بين اليمن والسواحل الأفريقية فضلا عن ان الروس كانوا أكثر حرصا على ضمان مصالحهم الإستراتيجية في المنطقة.

محاربة أمريكا
نجح الروس في تحقيق الإستراتيجية في الجزر اليمنية ومنها سقطرى واتسع مجال التعاون اليمني- الروسي في اثر استقلال الشطر الجنوبي من اليمن 1967م وحصولهم على إقامة قاعدة عسكرية ومستودعات للذخيرة في جزيرة سقطرى واتخذت السفن الروسية من ميناء عدن قاعدة رئيسية للتزويد بالوقود فضلا عن تزويد قواعده البرية والجوية في المكلا وسقطرى وعدن.
تهدف الإستراتيجية الروسية وإلى اليوم تجاه الجزر اليمنية عامة وجزيرة سقطرى خاصة إلى محاربة النفوذ الأمريكي في المنطقة وإيجاد مواطئ قدم لأساطيلها البحرية في منطقة تعد أهم المناطق البحرية في العالم التي يمر عبرها النفط إلى أوروبا وأمريكا وما يشكله هذا التواجد من تهديد لمصالح الغرب، وكذلك الاستفادة من الثروات البحرية الموجودة في الجزيرة حيث تصنف أنها أغنى مناطق الاسمال في العالم، واليوم لا تختلف الإستراتيجية الروسية عن إستراتيجية الاتحاد السوفيتي سابقا  تجاه جزيرة سقطرى وأهميتها لموسكو.

نظريات متعددة
سقطرى جزيرة ذات موقع جغرافي جزري مفتوح بين خليج عدن والبحر العربي ولهذا النمط من المواقع مزايا اقتصادية وعسكرية وسياسية . وفي إطار النظريات الجيوبوليتيكية جاء الاهتمام بجزيرة سقطرى بوصفها تقع في نهاية الهلال الداخلي من جهة الشرق أي قلب جزيرة العالم بين القارات الثلاث القديمة وبحسب هذا يكون موقعها الجغرافي ذا أهمية إستراتيجية كبيرة بسبب تحكمه في الطرق المائية التي تربط بين تلك القارات, ودخلت جزيرة سقطرى في اهتمام هذه النظريات لأن من يسيطر على هذه الجزيرة يستطيع التحكم بالمحيط الهندي وبحسب هذا يمكنه أن يطوق منطقة الشرق الأوسط من الجنوب  وسيعطيها عمقا استراتيجيا في الدفاع أثناء الحرب فجعلها قاعدة عسكرية متقدمة لدرء الخطر القادم من القواعد الأجنبية التي تقع في قلب المحيط الهندي.
فجزيرة سقطرى تتصل بالبحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي وهذا يجعل منها ملتقي للتجارة والملاحة بين قارات العالم القديم ويقدر طول ساحلها نحو 354كم وأقصى امتداد لها من الشرق إلى الغرب نحو 135كم وأقصى امتداد لها من الشمال إلى الجنوب نحو 42 كم.
فموقعها الجغرافي الذي تحتله جزيرة سقطرى يمتلك خصائص جيوبوليتيكية  في جعله محط أنظار العالم عموما ولا سيما القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية- وما نشهده اليوم من تحرك أمريكي عسكري في البحر الأحمر إلا في ظل السيطرة على الطرق الملاحية والمضايق البحرية لحماية مصالحها والوقوف في وجه أي قوى أخرى إقليمية او دولية تخشى ان تنافسها او تستحوذ على جزيرة سقطرى- هذا كله يجعل الجزيرة تمارس دورا فاعلا ومؤثرا في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي الإسلامي.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا