كتابات | آراء

بوح اليراع: دعم المدخلية الفظيع لمسار التطبيع

بوح اليراع: دعم المدخلية الفظيع لمسار التطبيع

لم تكن الأنظمة العربية المستبدة بدعًا في شرعنة ما تمارسه في حق شعوبها من ممارسات قمعية من خلال ما ينتجه علماء السلاطين -تجنيًّا على صحيح الدين- من فتاوى يفوح منها نتن البهتان والزور

لاحتواء مضامينها كل معاني الغيِّ والجور، وقد كانت تلك الفتاوى الظالمة المُشرعنة لجرائم الأنظمة الحاكمة منوطة -إلى ما قبل استقدام نظام آل سعود للأمريكان بذريعة تحرير الكويت- في عددٍ محدود من الأدعياء الذين يُطلَق عليهم مُسمى "علماء".
أما بعد ذلك الحادث الذي جرَّ على الأمة الكثير من الكوارث فقد عمِد نظام السعودية والإمارات -والأنظمة التي حاكت معهما الكثير من المؤامرات تحت يافطة "تحالفات" إلى تأسيس تيار بأكمله يُعرف بـ"تيار الجامية" نسبة إلى مؤسسه الأثيوبي (محمد الجامي)، أو بـ"تيار المداخلة" نسبةً إلى تلميذه (ربيع المدخلي) اللذين نالا من التمويل والرعاية والاهتمام ما مكنهما -في غضون أعوام- من تجييش لفيف من المتدينين العوام الذين لا همَّ لهم سوى التفاني التام في التعتيم على جرائم الحكام وتبرير كل ما يُمارسونه من سلوك هدام حتى تلك التي تصب في اتجاه استئصال شأفة الإسلام.

نشأة استخباراتية وطبيعة عمل أمنية
إنَّ حاجة نظام السعودية وسواه من الأنظمة القمعية إلى سرعة تشكُّل هذا التيار وإلى قدرته على الانتشار في عددٍ من الأقطار في فترة قياسية قد حمل تلك الأنظمة على توجيه أجهزتها الاستخباراتية إلى احتواء رموز التيار وإطلاعهم على ما تقتضيه طبيعة عملهم من الأسرار، ومنحهم الصلاحيات المالية والإدارية التي تُسهم في تحقيق مستوى كبير من الجماهيرية التي تهيئ لهم المناخات لخوض ما تنيطه بهم الأنظمة الجبرية من معارك فكرية، فما أكثر ما يذهب المحللون -في معرض تفسير علاقة هذا التيار بالنظام السعودي القائمة على مطلق الولاء- إلى أنه نشأ وترعرع في "دهاليز وغرف المخابرات السعودية إبان حرب الخليج الأولى"، وقس على ذلك في سائر الدول التي تشارك السعودية كل ما تكشف في سياساتها من تحوُّل وتترسَّم خُطاها التصهيُنيَّة أولاً بأول.
ومثلما كانت نشأة الجامية المدخلية -كما بينَّا- استخباراتية بدرجة أساسية، فقد أنيطت بها -إلى جانب المهمة الإفتائية ذات المغازي السياسية- مهمة أمنية تجسُّسيَّة تتمثل في رصد تحركات ونتائج أية مناقشات أو مشادات كلامية لكل منتمٍ إلى ما يخالفهم من التيارات الإسلامية، فضلاً عن تفننهم المنقطع النظير في رفع التقارير التي لا تتعدى كونها نوعًا من الافتراء والتزوير، ولعل أبرز مثال للسير في هذا المنوال ذلك التقرير المعنون: “التنظيم السري العالمي بين التخطيط والتطبيق في المملكة العربية السعودية” الذي رُفع للسلطة الحاكمة -في تسعينيات القرن الماضي- ممهورًا بتوقيع ربيع المدخلي وترجم ما يكنه هو وأنصاره لمخالفي تيارهم من أحقادٍ بشكلٍ واضحٍ وجلي.

محاولة تهيئة الشعوب للقبول بالتطبيع
لم يقف بهذا التيار الجدير بالاحتقار الافتاء بوجوب الخنوع لولي الأمر حتى وإن عُرِفَ عنه اقتراف جُرْمَيْ(الزنا وشُرب الخمر) على غرار ما تقيأ المدخلي عبدالعزيز الريس في السعودية من فتوى قال فيها: «طاعة الحاكم واجبة، ولو شرب الخمر علنًا ولو ظهر على التلفاز يزني لمدة نصف ساعة، لا يجب نصحه أو انتقاده علانية» تلك الفتوى التي عُززت -في أغسطس 2018م من الإمارات- من المدعو "محمد بن غيت" -وهو من رموز المداخلة- بفتوى مماثلة، بل لقد تجاوز بهذا التيار مروقُه عن مضمون كتاب الله ومضمون سنة نبيه المختار إلى الإفتاء -وبما يكشف خُبث طوايا رموزه الفُجَّار- بضرورة انصياع البلدان العربية الإسلامية لمغتصبي بلدانهم ومحتلي أوطانهم من الكُفَّار، ومن تلك الفتاوى ما صرح به المدعو عبدالمحسن العبيكان عبر  قناة mbc من فتوى شهيرة تنصّ على "أنَّ   (بول بريمر) الذي فرضه (جورج بوش الابن) على الشعب العراقي -منتصف العقد قبل الماضي- راعيًا لمصالح الغزو الأمريكي هو وليّ أمر شرعيّ تجب طاعته".
وإذا جاز لنا أخذنا ما يبديه هذا التيار من انحيازٍ جنوني إلى الأنظمة المهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وبمجمل ما صدر عن رموزه من فتاوى توجب طاعة من تعتبرهم أولياء أمر حتى من المحتلين الكفار تتجلى حقيقة الدور العمالي المنوط بهذا التيار منذ نشأته والمتمثل في تهيئة وضع مجتمعي عربي أكثر قابلية لما تُبديه أنظمة الخزان النفطي الخليجي من تسابُقٍ مجنون على تطبيع العلاقات مع "آل صهيون".
وإذا كان رموز هذا التيار لا يزالون يتحفظون إلى حدِّ الآن -بسبب حسابات خاصة بهم- عن التصريح بفتاوى تدَّعي وجوب طاعة الشعب الفلسطيني لسلطات ذلك الكيان، فإن موقفهم من الفصائل الفلسطينية المقاومة يعكس رغبتهم الجامحة في البوح بتلك الفتوى مباشرةً وعلى الهوى، وليس أدل على ذلك ممَّا يكنون لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" من عداءٍ فَجّ ونعت عناصرها -على لسان المدخلي محمد سعيد رسلان- بـ"الخوارج".

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا