كتابات | آراء

بوح اليراع: نقطة نظام تربوية ضد الأخطاء الإدارية والتجاوزات الأسرية

بوح اليراع: نقطة نظام تربوية ضد الأخطاء الإدارية والتجاوزات الأسرية

قبل الخوض في نقطة النظام، أنوه إلى أنني كنت أعتبر المعلم هو حجر الزاوية في العملية التعليمية، وأنه وحدَهُ سبب تدهورها بهذه الحدَّة،

لأكتشفَ -بعد التحاقي واستمراري في السلك التربوي "من 1996 إلى 2005" لما يقرب من عقد زمني- أن العملية التعليمية منظومة تربوية مجتمعية كبيرة تشترك في إنجاحها أو إفشالها أطراف كثرة، يأتي في مقدمة تلك الأطراف الطرفان الآتيان:
1 - الوزارة المختصة وقطاعاتها ومكاتبها:
وأعني بها وزارة التربية والتعليم التي ترتكب -بالإضافة إلى عدم عدالة التوزيع بين الحواضر والأرياف- أخطاءً تتنافى مع ما يناسب مجتمعنا من أعراف ومن شأنها وضع العملية التعليمية (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ)، أستشهد منها -في ضوء معايشتي ومشاهداتي- بما يأتي:
أ - تثبيت مدرسات شابات في مدارس البنين: ففي رحلتي التربوية لاحظت إرسال مدرسات حديثات التوظيف "أي في سن الشباب" إلى مدارس بنين لا يخلو فصل من فصولها -بفعل تكرر عملية الرسوب- من طلاب بالغين سن الشباب، فيترتب على هذا الإجراء الإداري الخاطئ انصراف تركيز بعض هؤلاء الطلاب البالغين سن الشباب عن الاستيعاب لا سيما إن كان ذلك البعض من الصنف المستهتر إلى شيء آخر، وبدلا من محاولة الاستفادة من المدرسة، يحاول التلميح لها -من وقت إلى آخر- بالوقوع في حبها ولفت نظرها، وبحكم قرب سنها -إلى حد ما- من سنه ربما انساقت وراء تلميحاته، فانشغلت عن أداء رسالتها التربوية الإنسانية هذا من ناحية، وربما وقعت ضحية فكرة شيطانية من ناحية ثانية.
والأخطر أن تتعرض لما هو أدهى من هذا وأمر، فقد شهدتُ عام 2002 في إحدى مدارس العاصمة الأساسية واقعةً ملخصها (أنَّ أحد الطلاب -وكان قد تشرف به سجن المباحث الجنائية على ذمة قضايا أخلاقية- هاجم مُدرِّستَه -وهي تشرح الدرس- بنية الاغتصاب، لولا أن خلصها من بين مخالبه الخيرون من الطلاب).
ب - تثبيت مدرسين شباب في مدارس البنات: وهو من الأخطاء الجسام ويتطابق مع الخطإ السابق تطابقًا شبه تام، فإرسال مدرس شاب -لا سيما إذا كان ما يزال من شريحة العزَّاب- إلى ثانوية بنات معظم طالباتها في سن الزواج أشبه ما يكون بوضع الزيت بجوار النار.
فليس لنا أن نتوقع من الشاب الذي وجد نفسه -مع كثرة العوائق التي تحول دون تحقيق ما يبتغيه من الوصال بالحلال- بين مئات وربما آلاف الطالبات الشابات إلا يطيش بصره بمجرد وقوعه على ما يحيطه من أمواج ذلك التجمع الأنثوي القريب من سن الزواج، فلا يلبث أن يسعى للَفت انتباه من أمكن آملا أن تكون فتاة أحلامه منهن، وبدورهن ربما وجد العشرات -بسبب ندرة الرجال في مدرستهن-يتسابقنَ على التقرب منه، على أمل أن يصبح -في قادم الأيام- هو فارس الأحلام.
لكن لا يستبعد أن يتطور ذلك التفكير البريء شيئًا فشيئًا -بفعل كيد الشيطان الذي لا يختلي رجل بامرأة إلا كان ثالثهما- إلى الوقوع -والعياذ بالله- في المعصية أو على الأقل في شبهةٍ مخزية، وما أكثر ما تحدث -في هذه الأجواء الملتهبة- الكثير من الشبه.
2 - أولياء الأمور وخاصة المصابون بالغرور:
فمع إدراك معظم الآباء أن مصلحة العملية التربوية تقتضي حل أية إشكالية باللجوء إلى الإدارة المدرسية، وفي أسوأ الحالات باللجوء إلى الأجهزة الأمنية، فإن بعض الآباء أو الأخوة الذين يؤمنون أنهم فوق القانون لا يكاد الواحد منهم يسمع من ابنه أو ابنته أو من أخيه أو أخته شكوى حقيقية أو كيدية ضد مُدرِّسته أو مدرسه حتى ينطلق إلى المدرسة ليفترسه.
ومن ناحية أخرى لا يكاد آخرون يسمعون أصغر وشاية إفك عن ارتباط مدرس ما بطالبة أو بطالبات بعلاقة مشبوهة حتى يطلقون عليه الحكم القطعي البات، ثم لا يلبثون أن يتخطوا الحرم المدرسي ويهاجموه كما لو كانوا جهة قضائية ومخوَّل لهم أن يعدموه، مع أن الموضوع في فحواه لا يتجاوز حالة الاشتباه.
فقد روى لي زميل ثقة تفاصيل حادثة حدثت في حرم إحدى مدارس المنطقة مختصر هذه الحادثة المروعة (أنَّ عددًا مسلحًا من أولياء الأمور الأغرار يتقدمهم أحد المتنفذين الصغار اقتحموا حرم إحدى ثانويات البنات في رابعة النهار وصعدوا إلى الدور الثالث، واقتحموا أحد الفصول الدراسية -دون أن يضعوا للإدارة المدرسية أدنى اعتبار- وانتزعوا المدرس من داخله وهو يؤدي درسه وفاجأوه بضربٍ عنيفٍ محيطين الطالبات بجو رعبٍ مخيف، ودحرجوه من سلالم الدور الثالث على رأسه.
وبعد أن وصلوا به إلى الساحة افترشوه على الأرض وانهالوا عليه ضربًا بالطول والعرض، وحين سمع موظفو المدرسة ومدرسوها ومدرساتها والمارة القريبون من بوابتها صخب أصواتهم المفزعة وهمَّ بعضهم بالتحرك جهتهم وجهته لنجدته أطلقوا زخات من الأعيرة النارية كوسيلة تحذيرية، ثم بعد ذلك أخذوه إلى قسم الشرطة مغمى عليه في محاولة أثبات شبهة لا أخلاقية نسبت إليه وربما افتُريت عليه).
ومع أن ارتكاب هذا الجرم مبنيٌّ على أساس من الظن والاشتباه، فقد ينجم عنه من النتائج ما لا تحمد عقباه، فالمدرس الضحية يُعالج سكرات الموت بأحد المستشفيات في غرفة العناية المركزة، وهو أقرب للممات منه إلى الحياة إلا أن يمن الله عليه بمعجزة.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا