البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية (107)

وكيفما كان الأمر فقد أنضم الإمام أحمد إلى الاتحاد الثلاثي المكون من مصر وسوريا واليمن عام 1958م لكنه حُل في آخر1961م

بسبب هجومه على الاشتراكية وفي هذا الاثناء اشتد المرض به فذهب إلى روما للعلاج وبعد عودته أطلق عليه النار في مستشفى الحديدة , لكنه نجا , وظل متأثراً بجراحه حتى وفاته في 19سبتمبر 1962م وتولى بعده ابنه البدر لكنه لم يستمر في الحكم الا سبوعاً واحداً إذ قامت ثورة سبتمبر في 26منه ، أما بريطانيا فقد ظلت تعمل على انشاء دولة في الجنوب اليمني تحت اسم اتحاد إمارات الجنوب العربي أملاً في ضمها إلى الكومنولث البريطاني كما ظل تحايلها في الاحتفاظ بجزيرة كمران جزر الفنارات .
وفي العهد الجمهوري واصلت الجمهورية العربية اليمنية الاهتمام بجزرها وقد شهد عام 1962م أحداثاً هامة في جنوب حوض البحر الأحمر ففي هذا العام قامت ثورة سبتمبر في اليمن وفي نفس العام أصدر الإمبراطور هيلاسلاسي قراره بإلغاء النظام الفيدرالي الخاص بإرتيريا , وبضمها تماماً إلى اثيوبيا وعدها إحدى محافظات الإمبراطورية الإثيوبية فبدأ عندئذ الكفاح المسلح لنيل الاستقلال التام الذي استمر إلى عام 1993م وانشغل الشمال في توطيد أركان نظامه الجمهوري , وكما أنشغل جنوبه في الكفاح المسلح حتى نال استقلاله عام 1967,  واما بريطانيا فقد ظلت ترعى مصالحها في الجزر اليمنية , فسعت في عام 1961م على جمع عدد من الدول ذات الاهتمامات البحرية في البحر الأحمر وكانت بريطانيا تدير شئون هذه الفنارات بإشراف مصلحة التجارة والصناعة كما نجحت عام 1962م وضمت هذه الاتفاقية كل من الدنمارك وجمهورية المانيا الاتحادية وإيطاليا وهولندا وليبريا والنرويج والسويد والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، كما انضمت اليها فيما بعد كل من باكستان والاتحاد السوفيتي والجمهورية العربية المتحدة مصر ولم تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ  إلا في 28أكتوبر 1966م ظلت مصلحة التجارة والصناعة البريطانية خلال تلك المدة هي التي تشرف على فنارتي جزيرة أبو علي وجزيرة جبل الطير لأهميتهما في نظر بريطانيا حينذاك وذلك عن طريق موظف مسؤول عن صيانة فنارات البحر الأحمر تابع للإدارة المحلية بعدن .
 وقرب نهاية 1967م كان من المحتمل منح جنوب اليمن الاستقلال وهذا لا يساعد من وجهة النظر البريطانية على تشغيل الفنارات لمدة أطول وبعد مشاورات طويلة للبحث عن بدائل محتملة قررت مصلحة التجارة والصناعة بموافقة وزارة الخارجية أن تضع المادة الثانية من تلك الاتفاقية لعام 1962م موضع التنفيذ ودخلت في مفاوضات مع شركة مافون أندرايز الاثيوبية من أجل تشغيل وصيانة تلك الفنارات من مكانها في أسمره ومصوع وفي ديسمبر 1967م أبحرت سفينة لهذه الشركة من مصوع لأول رحلة  لها  ومنذ ذلك الوقت عدت شركة سافون رايز الوكيل المحلي لمصلحة التجارة والصناعة البريطانية بالرغم من أن الاتفاقية عام 1962م بين تلك الأطراف لم تكن قد وصلت نهايتها فيما ينص توزيع التكاليف   وكان على تلك الشركة أن تقدم تقريراً شهرياً عن كل أعمالها بالنسبة للفنارين ومن يقوم بتشغيلها الى مصلحة التجارة والصناعة البريطانية بالرغم من غلق قناة السويس حينذاك وهبوط عدد السفن المستفيدة من الفنارتين فإنها ظلتا تعملان كالعادة من أجل سلامة الإبحار في البحر الأحمر ورغم أن اليمن بشطريها حينذاك كانت مشغولة بأوضاعها الداخلية فقد ظلت ترنو بنظرها إلى ما كان يحدث في البحر الأحمر من أحداث فقد تلقت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية مذكرة من وزارة خارجية  اليمن الجنوبية الشعبية بشأن زيارة بعثة عسكرية اسرائيلية لجزيرة هليب حالب  التابعة لأثيوبيا بغرض استئجارها واستخدامها لأهداف عسكرية كما تضمنت المذكرة أيضاً الإشارة الى المساعي الأمريكية في الضغط على اثيوبيا في إقامة قاعدة جوية أمريكية في جزيرة دهلك القريبة من ميناء مصوع وفي نفس الشهر أرسلت دولة الكويت إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية مذكرة أخرى حول الموضوع ذاته وأن الزوارق الإسرائيلية تتجول أمام الساحل الأثيوبي وأن اسرائيل تقوم بتدريب القوات الإثيوبية , كما  تقوم بإرسال الأثيوبيين للتدريب بها وأشارت المذكرة أيضاً إلى وجود تحركات مشبوهة تقوم بها قطع بحرية مجهولة على السواحل اليمنية واعدت الأمانة العامة مذكرة تشمل ذلك كله للعرض على مجلس الجامعة فعرض الموضوع في جلستي المجلس 57 ، 58 واتخذ الأعضاء القرارات اللازمة مثل الاتصال بأثيوبيا ومراقبة النشاط الإسرائيلي.
ولم يكن اهتمام جامعة الدول العربية حينذاك بالبحر الأحمر وجزره سوى اهتمام بخطر التوسع الإسرائيلي العسكري في الجزر الأثيوبية الإرتيرية وهي دهلك وحالب مما يهدد سلامة الملاحة في البحر الأحمر ولا يمس الجزر اليمنية من أي جانب من الجوانب كما ردد البعض فيما بعد .  يتبع بإذن الله .