كتابات | آراء

البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية ( 99)

البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية ( 99)

وكانت خطواتها الثانية الضغط على إسماعيل لسحب قواته من هذه المناطق وأستجاب إسماعيل لضغط بريطانيا وأمر بسحب القوات من تلك المنا طق

وعقدت بين الطرفين اتفاقية 7سبتمبر 1877م ذات البنود الخمسة فقط التي تقضي باعتراف بريطانيا بسلطان الحكومة المصرية على مناطق الصومال إلى رأس حافون جنوباً فقط وتعهد الخديوي بعدم التنازل لأية دولة أجنبية عن أية منطقة من هذه البلاد مع إعطاء بريطانيا الحق في تعيين قناصلها في جميع الموانئ والجهات في المنطقة الخاضعة لسيطرته .
ولم يفت بريطانيا توثيق رسالتها الإنسانية في هذه الاتفاقية القصيرة وغير الشرعية فقد ألزمت الخديوي بمنع تجارة الرقيق في الموانئ الخاضعة لها وبأنه يسمح لسفنها بمراقبة هذا المنع سواء في الموانئ أوفي السفن المشبوهة بقيامها بهذه التجارة أو غير المشبوهة ولم يكن إسماعيل يملك إلا الرضوخ نظراً لأنه كان قد وصل حينذاك إلى قمة الإرتباك المالي والسياسي نتيجة إسرافه وحكمه الفردي الذي أفقدته عرشه بعد عامين فقط  1879م من عقد هذه الاتفاقية وأفقد مصر استقلالها أيضاً بعد قليل في عام 1882م وقد حققت بريطانيا الكثير من الأهداف من وراء هذه الاتفاقية فقد أصبح لها الحق في التدخل في الشئون الداخلية لتلك المناطق باسم مراقبة تجارة الرقيق وفي نفس الوقت ضمنت عدم وقوع الأراضي المتبقية تحت سلطة الخديوي في أيدي أوروبية معادية وتناست بريطانيا الحق الشرعي الذي كانت تدعي أنها تحافظ عليه للسلطة العثمانية فقد استغلت ضعف إسماعيل وأجبرته على إتفاق معها دون الرجوع إلى السلطان العثماني باعتبار أن إسماعيل كان والياً عثمانياً وأخيراً فقد أستولت بريطانيا بعد ذلك على ما أخلاه إسماعيل وكونت منها مستعمرات كينيا وأرضت ألمانيا التي أعلنت وحدتها عام 1870م بجزء منها وعرف (بتنحانيقا) واصبح فيها بعد أن ضمن مستعمرة الصومال الإيطالي ويلاحظ أنه كان من أكبر أخطاء الخديوي إسماعيل هو تعيينه عدداً كبيراً من الأجانب في وظائف عليا في المناطق الإفريقية بحجة كسب صداقة دولهم غير أن الكثير منهم كان يعمل لحساب حكوماتهم وخاصة البريطانيين وكان من أبرز هؤلاء صمويل بيكر حاكم المديرية الاستوائية وغردون حاكم عام السودان وكانت الحكومة البريطانية هي التي ترشح هؤلاء بل و تضغط لتعيينهم ومن المعروف أن سياسة غوردون في السودان كانت من العوامل الهامة في إشعال ثورة المهدي التي بدأت هناك في عام 1881م ولاشك أن أرتباك احول مصر , ثم قيام ثورة عرابي وهزيمته أمام قوات الاحتلال البريطاني في عام 1882م كان قد أنعكس على الحكومة الضعيفة في الخرطوم فلم تستطع مواجهة ثورة المهدي وكانت النتيجة الطبيعية لهذا كله أن تجبر بريطانيا حكومة مصر على إخلاء السودان فترفض حكومة شريف باشا هذا الطلب بحجة أن الخديوي توفيق حينذاك لا يملك حق التنازل عن أي جزء من أراضيه طبقاً للفرمان السلطاني غير أن بريطانيا كانت جاهزة واستغلت الفرصة لتضرب ضربة جديدة في حوض البحر الأحمر وخاصة الجزء الافريقي تحقق فكرة الشريان الحيوي ولتضع الممر تحت حمايتها وسيطرتها فقد أرسل وزير الخارجية البريطاني جرانفل برقية إلى اللورد كرومر المندوب السامي والحاكم الفعلي في مصر يصر فيها على إخلاء السودان وأرفقها برسالة سرية إلى كرومر جاء فيها " طالما كان الاحتلال قائماً وجب أن تكون نصائح حكومة جلالة الملكة مطاعة في المسائل التي تمس مصر وسلامتها وعلى الوزراء والحكام تنفيذ النصيحة أو الاستقالة من مناصبهم وترى الحكومة البريطانية إمكان الاهتداء إلى المصريين ينفذون أوامر الخديوي تحت إرشاد بريطانيا وأستقالت حكومة شريف باشا عندئذ ورفض رياض باشا تشكيل الوزارة وقبلها على الفور نوبار باشا في يناير 1884م على أساس إخلاء السودان مع الاحتفاظ بميناء سواكن كما طلبت بريطانيا أما عودة الحكم المشترك الإنجليزي المصري إلى السودان..  ثم انفراد بريطانيا بالحكم فيه فهذه قصة طويلة أخرى لامجال لها هنا .
 ويهمنا أن نتابع السياسة القذرة التي كانت تتخذها بريطانيا بذكاء خطوة خطوة لنعرف الطرق الملتوية التي كانت تتخذها لتحقيق أهدافها البعيدة والقريبة كلما سنحت لها الفرصة لتضرب ضربتها القاضية .
غير أن ما يهمنا هنا هو الاشارة إلى نفس مدة الإخلاء فقد طلبت وزارة الخارجية البريطانية من سفيرها في الإستانه إبلاغ الحكومة العثمانية بأن بلاده قد قررت اتخاذ بعض الترتيبات التي تراها ضرورية في المنطقة الممتدة من يلع جنوباً حتى رأس حا فون للمحافظة على الأمن ورعاية المصالح البريطانية الخاصة في بربرة التي تمد عدن بحاجاتها السيا سية وذلك بمجرد انسحاب المصريين من هذه الجهات .
وكان المكلف بتنفيذ الانسحاب أحد باشوات مصر العارفين بتلك المنطقة الذي عزله غوردون من قبل فتم الانسحاب في أواخر 1884م تحت إشراف الميجر هنتز الذي كلفه وزير الخارجية البريطاني بأن ينتهز فرصة الانسحاب من زيلع وبربرة وهرر لعقد اتفاقيات مع زعماء هذه الجهات لصالح بريطانيا على أن لا تعرقل هذه الاتفاقيات امتداد التوسع الإيطالي من " عصب " إلى الداخل وقد احتجت الحكومة العثمانية على بلاغ السفير البريطاني هذا ولكن دون جدوى فقد انطلقت بريطانيا من هذه الخطوة إلى تأسيس مستعمرة الصومال البريطاني غير مبالية  بالاحتجاج العثماني . يتبع العدد القادم بمشيئة الله

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا