كتابات | آراء

اليمن.. لعبة الدم والموت إلى أين؟!.. (99)

اليمن.. لعبة الدم والموت إلى أين؟!.. (99)

وفي سياق تتبعنا الراصد لمجريات الأمور, المتعلقة بلعبة الدم والموت الخطرة والقاتلة التي يمارسها اليمنيون منذ أمد بعيد,

ولا يزالون يمارسونها ويمضون فيها قُدماً بوتيرة عالية وحماس لا يعرف الفتُور, وغباء وطيش وعناد مُستفحل, مع تغييب مُتعمد أو مفروض لمنطق العقل والوعي, لايزال الحديث لشاعرنا البردوني, مُتشعباً وذو شجون عن ما يتصل بهذا الجزء أو المساحة السوداوية المضطربة من تاريخ اليمن قديمة وحديثه, ويظل رأي مُتنبي اليمن عن ما آلت إليه الأوضاع والإضطراب والصراعات والحروب التي تشب لظاها هنا بين فترة وأخرى, هو الرأي الأنسب والأكثر سداداً ومنطقية وصواباً.
ولا يوجد من الشعراء والمفكرين من يُضاهي البردوني في نضجه وتميزه وتفرده في إبداعه ونبوءاته وآراءه الثاقبة في ما حدث ويحدث, إنهُ يختلف عن الجميع وما يصدر عنه يأتي متطابقاً مع الواقع والحقيقة ومع الحاضر والماضي والمستقبل.
بل إن البردوني قد وُفق كثيراً في كل ماتناولهُ شاعراً ومُفكراً وأديباً وكاتباً ومُحللاً استراتيجياً عن الشأن اليمني ومساراته وأبعاده ومآلاته في الماضي والحاضر والمستقبل, وجاء هذا المُبدع العظيم بما عجز غيره من الأطناب والأنداد والأقران عن المجيء به ليبقى بذلك نسيج وحده وفريد عصره وزمانه والوحيد الذي كان يرى مالايراه غيره برغم فقدانهُ نعمة البصر.
وفي إحدى روائعه الشعرية ذات الصلة بما تقدم ذكره يواصل البردوني توجيه السؤال والخطاب هنا لمن يعنيه ذلك ويقول مُخاطباً سام بن نوح الذي قيل أنه مُؤسس وباني مدينة صنعاء بعد طوفان عهد نبي الله نوح عليه السلام :
يا سامُ قُم لترى صنعاءَ منهكةً
طغى عليها الفتى الملعونُ والعِللُ.
تدورُ حولَ مفاهيمٍ مُزيفةٍ
كما تَدورُ على العصّارةِ الإبلُ.
يا سامُ قُم لِتَرى صنعاءَ مُوجَعةً
تُبدِي الدموعَ، فَتُبدي صَمتَها الدولُ.
يا سامُ قُم لترى صنعاءَ، إِنَّ بها
قوماً يزيدون جوعاً كلما أكلوا.
ذئبٌ تَذمَّر مِن ظُلم الحياةِ، ومن
جَورِ القويِّ وفي أنيابهِ حَملُ.
لا شأنَ لي بعليٍّ أو معاويةً
ولا بمن رفضوا حكماً ومَن قبِلوا.
أتى لِيُشبعَ جُوعِي ثم أشبعني
مَوتاً، وها أنذا في القبر احتفلُ.
أتى يُضمّد جرحي ثم وسَّعَهُ
نجاسةٍ بلعابِ الكلب تَغتَسِلُ.
تقولُ صنعا بأن الحظَّ يكرهُها
وإن دَنَت مِن سبيلٍ أغلِقت سُبلُ.
قالت لنا: ذاك ربي، ذاك أكبرُهُم
جهلاً بهم، ثم تابَت بعدما أفلوا.
المشتري بائعٌ، والأرضُ واقفةٌ
قل لي لمن تنشد الأشعارَ يا زُحلُ؟.
هم يَكذبون عليها كلما نَطَقوا:
نحن العروبةُ يا صنعا.. ونَحن أُولُو.
سنَقتل الظلمَ غدراً لا مقارعةً
وحين تؤمِنُ صَنعا تَكفُرُ الحِيلُ.
وحين تَسمعُ ما قالوه يُخجلها
سَماعُهُ، والذي قالُوهُ ما خَجلوا.
يا سامُ قُم لِترى صنعاءَ أغنيةً
بغى على لحنِها التقليدُ والمللُ.
كانت تفوحُ بطِيبٍ ثم حوّلها
إلى دُخَانٍ، وأضحى يُضرَبُ المَثلُ.
الداءُ من جهةٍ، والفقرُ من جهةٍ
والشَّرُّ مُنفَتحٌ، والخيرُ مُنقَفِلُ.
ما للظفائر يا بلقيسُ تأكلها
نارٌ بها هذه من تلك تشتعلُ.
عودي كما كنت أُمّاً كي أعودَ أباً
منك البخور ومني البنُّ والعسلُ.
يا مَن يُعلمني نحواً وتَوريةً
تعال أخبِرْكَ ماذا يَصنع البَدلُ.
لا تَحسبِ الأرضَ عن إنجابِها عَقِرت
مِن كُلِّ صَخرٍ سَيأتي لِلفِدا جَبَلُ.
فالغصنُ يُنبتُ غصناً حين نَقطعه
والليلُ يُنجبُ صبحاً حين يَكتملُ.
سَتمطر الأرضُ يَوماً رغم شِحّتِها
ومِن بطونِ المآسي يُولَدُ الأملُ!.
والبردوني رحمه الله كفارس شجاع ونبيل من فرسان القلم, كانت لهُ هُنا على مدى سنوات طويلة من حياته التي حفلت بالعطاء الفكري والشعري والأدبي صولات وجولات في مُقارعة ومُنازلة الطغاة والبغاة في ساحة وميدان الكلمة, وكان كراراً عليهم غير فرار, وكانت قصائده وكلماته أشد عليهم من وقع المدافع ولعلعلة الرصاص والصواريخ المدمرة بل والصواعق المُرسلة التي كانت تنزل على أم رؤوسهم وتنسفهم نسفاً.
وفي قصيدة رائعة تُعد من أروع وأبلغ قصائده العصماء, يمضي البردوني شجاعاً في النيل ممن طغى وتجبر ويخاطب لصوص الشعب والوطن بكلام قوي صريح لا يخشى به لومة لائم, ويستهل خطابه, الموجه لطاغية طغى هنا لأمد بالتساؤل قائلاً:
لماذا ليْ الجوع والقصف لك
يُناشدني, الجوع أنْ, أسألكْ؟.
وأغرسُ حقليْ, فتجنيهِ أنْتَ
وتُسكر, مِنْ, عرقي, منجلك.
لماذا وفي قبضتيك الكنُوز
تمدُ إلى لقمتي, أنملك ؟.
وتقتاتُ جوعي وتُدعى النزيه
وهل أصبح, اللص يوماً مَلَكْ؟.

.......يتبع.......

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا