محليات

منظمات المجتمع المدني والدور المفقود في تحقيق التنمية المستدامة في اليمن !!

منظمات المجتمع المدني والدور المفقود في تحقيق التنمية المستدامة في اليمن !!

في اليمن والحمدلله- الذي لا يحمد على مكروه سواه- قرابة 14 ألف منظمة مجتمع مدني مسجلة رسميا لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل..

حسب التصريحات المعلنة حتى مطلع العام 2015م.. وربما زاد العدد أكثر خلال السنوات الخمس الماضية!!.
والسؤال الذي يفرض نفسه: ماذا قدم هذا الكم المهول من منظمات المجتمع المدني المحلية من مشاريع تنموية على ارض الواقع؟!.. وأين دورها الخدمي والإنساني الذي يفترض ان تقدمه اليوم في ظل استمرار العدوان والحصار على بلادنا ؟!.. ومن ثم ما هو الدور المرتجى والذي يفترض ان تلعبه مستقبلا في إعادة الاعمار والبناء والتنمية المستدامة؟!.
وقبل الإجابة على هذه التساؤلات..يتوجب القول أن المجتمع المدني يعرف -عالميا - وبشكل مبسط بأنه "المساحة التي تقع خارج الأسرة والدولة والسوق.. ويتم إنشاؤها من خلال الاجراءات الفردية والجماعية والمنظمات والمؤسسات لتعزيز المصالح المشتركة"..
وعلى المستوى المحلي.. وقانونيا فإنه ينظم عمل المجتمع المدني القانون رقم (1) لسنة 2001م بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية.. ولائحته التنفيذية الصادرة في 2004م.. وهو بحسب خبراء ومختصين سياق قانوني يعد من القوانين الاكثر تمكينا في شبه الجزيرة العربية.. ويحكم هذا الاطار القانوني عمل النقابات والمؤسسات والجمعيات والتعاونيات.. الى جانب الإشراف والرقابة من قبل الوزارات المعنية كالشؤون الاجتماعية والعمل والادارة المحلية وغيرها كل فيما يخصه.
ولعل نشوء المجتمع المدني في بلادنا بهذا الكم الهائل من منظمات وجمعيات.. دون الكيف.. إذ ان لا اثر ملموس لها على الواقع كما أن دور معظمها -إن لم يكن جميعها- غائب أو مغيب فعلاً على أحسن ظن وتقدير.. مرده الى عدة أسباب أبرزها "هوشلية" مجتمعنا القبلي حتى في مبادراته الايجابية المتمثلة في الترابط القبلي والتكافل الاجتماعي والعمل الجماعي وصولا الى العطاء الخيري، جميعها ساعدت على تشكيل وتعزيز الأنشطة المدنية..كما لعبت أيضاً تطلعات شرائح مختلفة من المجتمع للمشاركة السياسية دوراً بارزاً في ظهور المجتمع المدني.. الى جانب ما قامت به الاحزاب السياسية طيلة السنوات الماضية من عمر التعددية وتحديدا بعد عام 90 من إنشاء وتفريخ والاستيلاء كذلك على عدد غير قليل من المنظمات والجمعيات التي كانت تستخدم كغطاء فقط وبشكل مسيس للوصول الى الشارع والكسب الانتخابي والتكسب المالي خصوصاً في تعاملاتها الخارجية مع المنظمات الدولية وغيرها من الجهات ليس إلا..
ولا يفوتني الاعتراف هنا بأن المشكلة الرئيسية كانت مع النظام.. أقصد النظام السابق أو بمعنى اصح كانت المشكلة فيه لأنه تعمد عدم احترام القانون وعدم بناء دولة مؤسسات، بقدر ما اعتمد اساليب المحاباة والوساطة والمحسوبية في كل شيء.. ولهذا تعمم الفساد وأصبح ثقافة يومية معاشة.
فكان من أوجه ذلك الفساد ان تعددت الأحزاب السياسية وتنوعت وصارت بالكم وليس الكيف اكبر من الوطن بما فيه ومن عليه..ولم تكن المشكلة في كثرة الأحزاب وتنوع أيديولوجياتها وإنما في فشل برامجها وغياب دورها الوطني أيضاً، حيث اعتمدت المكايدات السياسية والمناكفات الحزبية طريقا لتحقيق مصالح حزبية ذاتية وآنية ومنافع شخصية ضيقة للقائمين عليها وعلى حساب المصلحة العامة للوطن ومواطنيه..
وتساوى في ذلك الحزب الحاكم وشركائه وأحزاب المعارضة التي انضوت تحت مسمى "اللقاء المشترك"- المشتت في حقيقته- وحلفائهم أو من إليهم من احزاب كان يقال عنها أحزاب "في شقة" أي ان قياداتها وأعضاءها لا يتجاوز عددهم بضعة أنفار ويمكن تحميلهم في تاكسي..
وجه آخر من وجوه الفساد وتمثل في ظهور وسائل اعلام او صحف رؤساء تحريرها ليسوا إعلاميين في الأساس وكانت معظمها تصدر من شنطة على الرصيف لا مقر ولا موظفين ولا مؤسسة إعلامية وعمل مؤسسي أصلاً ورغم ذلك منحت تراخيص لمزاولة المهنة!!.
وبالمثل.. اقصد بذات الطريقة انتشرت جمعيات ومنظمات مجتمع مدني بعضها انتماؤها سياسي ونشاطها مسيس.. والبعض الاخر تركزت انشطتها في العمل الخيري الموسمي.. وهناك من كانت تقوم باستغلال صفتها لتحقيق مكاسب شخصية للقائمين عليها مع انها اعلنت في برنامجها الاساسي ولائحتها التنظيمية الداخلية بانها مؤسسات لا تهدف الى الربح.. بقدر ما ستساهم في التنمية وتسعى لتعزيز جهود الحكومة في مختلف الأصعدة.
وهكذا عرفت واشتهرت عدة منظمات بأسمائها فقط اما دورها فكان لا يتعدى الظهور الاعلامي في الجانب الدعائي والحملات الاعلانية التي غالبا ما تقيم الارض ولا تقعدها بعد تنفيذها لمشاريع أقل ما توصف بأنها تافهة غير ذات جدوى بعضها مشهود و لا يتعدى مد منزل اسرة فقيرة بقصبة صرف صحي..او توزيع مشمع خبز وشوية منظفات وإذا زاد كرمها فبسلال غذائية ربما غير صالحة للاستخدام الآدمي او بالمساهمة بمبلغ رمزي وهبوه لتزويج احد العاطلين عن العمل بدلا عن توفير فرصة عمل له او صرف كرسي لمعاق بدلا عن المبادرة بعلاجه او اشرطة وقارورة دواء غالبا ما تكون منتهية الصلاحية او من الاصناف الرديئة الصنع أو المزورة والمهربة والمجهولة بلد المنشأ والتي للأسف تزيد اصحاب الامراض المستعصية مرضا على مرض كما يقولون.. وما زاد فهو عبارة عن فعاليات ندوات وورش.. او غير او.
وبخلاف جملة الاتهامات الموجهة لغالبية منظمات وجمعيات المجتمع المدني.. والتي عادة ما يتناقلها رجل الشارع البسيط -وقد اشرنا الى بعضها سلفا -فان من الإنصاف أيضاً- ولو بمجرد الإشارة في هذه العجالة- الإقرار بوجود عدد- ولو قليل -من المنظمات والجمعيات الفاعلة والمحترمة.. ولكنها للأسف واجهت- ولا تزال تواجه حتى الان- الكثير من الصعوبات، خصوصا هذه الايام في ظل استمرار العدوان والحصار وانعدام الدعم المقدم لها من الحكومة عبر وزارتي المالية والشؤون الاجتماعية والعمل.. وفشل تواصلها مع المانحين او لنقل صعوبة إيجاد شراكات بين المنظمات الدولية (وكالات الامم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية) وبين الكيانات المحلية بما فيها المنظمات الحكومية وشبه الحكومية.. وخصوصا بعد الكشف مؤخراً عن تورط بعض المنظمات الدولية وقيامها بأعمال مشبوهة استخباراتية وعسكرية بعيداً عن الجانب الإنساني..
هذا الأمر هو ما جعل القيادة السياسية تولي هذا الجانب عناية خاصة.. وفرض أيضاً على حكومة الإنقاذ الوطني ان تقلل نوعا ما من اهمية الدور الذي يفترض ان يلعبه المجتمع المدني بمنظماته وجمعياته، على اعتبار انه من الممكن وفي ظل الظروف والأوضاع الراهنة التلاعب بتلك المنظمات والجمعيات في سياق مسيس للغاية..
لكن.. الحقيقة التي يتوجب تسليط الضوء عليها هي ان استمرار العدوان وجرائمه وغاراته.. والحصار وإغلاق المطارات والموانئ تواصل عمليات احتجاز سفن المشتقات النفطية والغاز.. والحرب الاقتصادية بدءاً بنقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن وتعقيد عملية التحويلات المصرفية وتقلب اسعار الصرف وتدهور قيمة الريال وشحة العملة الصعبة في السوق والبنوك وقلة الأعمال وتوقف رواتب الموظفين.. جميعها عوامل عطلت ليس فقط جهود منظمات المجتمع المدني، بل ايضا وقبل ذلك جهود حكومة الانقاذ في تأمين ابسط الخدمات الحكومية العادية للمواطنين.
وبالتالي فقد انعكست آثارها على الفضاء المدني في جميع أنحاء البلاد، حيث تضررت مختلف مظاهر الحياة المدنية وبشدة.. ولهذا فان الحاجة ملحة -اليوم أكثر من أي وقت مضى- لاعادة النظر في وضع ما تبقى من منظمات وجمعيات المجتمع المدني المحلية وتمكينها من لعب دورها الوطني المنشود وذلك بهدف تعزيز جهود الحكومة أولاً: في ظل الأوضاع الراهنة.. وثانياً: لخدمة أبناء شعبنا في ظل ظروفهم المعيشية الصعبة من خلال مساهمتها في جهود الاستجابة الإنسانية.. وثالثاً.. ورابعاً.. وخامساً: للقيام بواجبها تجاه النهوض بالوطن وتنميته واستقراره..
وفي المقدمة ينبغي تفعيل دور اكبر منظمة جماهيرية داخل البلاد وهو الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن الذي يعد بمثابة اكبر من اي حزب ويمثل النقابيين والعمال في مختلف اجهزة ومؤسسات الدولة ومختلف مواقع ومرافق العمل والانتاج على امتداد الساحة المحلية وهو لسان حال جميع العمال من رئيس الجمهورية وحتى اصغر موظف وعامل.. والذي حسب معلوماتي توقف نشاطه وأغلق أبوابه منذ 2015م وحتى الآن..
ناهيك عن ضرورة تفعيل اية جمعية وان كانت صغيرة او أية منظمة مهما كان اسمها.. فجميعها تمثل المجتمع المدني الذي يرفع شعار البناء و التنمية المستدامة.. وسيكون له الدور الأبرز في المرحلة المقبلة وتحديداً حينما تتحول اليمن كلها الى (ورشة عمل كبرى) تحت عنوان "إعادة الاعمار والبناء والتنمية المستدامة" وذلك بعد توقف العدوان والحصار والذي حتما سيكون ولو بعد حين.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا