أخبار وتقارير

الغزو الفكري وواجب التصدي له

الغزو الفكري وواجب التصدي له

العلامة: عدنان أحمد الجنيد /


  • في عالمٍ تحكمه المادّة، بسيطرة كبرى شركات وأخابيط الاقتصاد العالمي، المملوكة لعبّاد المال والسيطرة، كان لابد من أن تضيع كل المبادئ والأخلاق،

كي تستمر شركاتهم، وتجري أنهار أرباحهم، ولو على أنهار من دماء الأبرياء حول العالم، ولذلك عمل هؤلاء الأساطين على ضمان استمرارية تدفق المال إلى خزائنهم، من خلال إغراق الشعوب في طوفان من الفتن والحروب وضياع الأخلاق وانتكاسة الفطرة وموت الضمير، ولكي يصلوا إلى تحقيق ذلك، قاموا بتتبّع الغرائز البشرية، وعملوا على حَثّ سُعارِها، وتأجيج نيرانها، وذلك ببث الصور والأفلام التي تركز على حيوانية الإنسان، وتجعلها وكأنها مركز كل الاهتمامات، لتميت بقية ما خلقه الله في الإنسان، من عقل وفكر وروح، وتقتل فيه الطموح، لكي يظل تابعاً مستلباً، لا إرادة له ولا كيان، ولا فكرَ ولا بيان، ساعدها على ذلك انتشار الإنترنت، وكذلك القنوات الفضائية التي لا تجد فيها سوى الأفلام الماجنة والمسلسلات الغرامية والإعلانات التجارية.
  • لقد أبعدت تلك القوى الاقتصادية والسياسية البشر عن واقعهم، وخلقت لهم واقعاً بديلاً، هو عبارة عن سبيل الضلال والضياع.. أبعدتهم عن دينهم ووطنيتهم ومبادئهم وأخلاقهم، وجعلتهم ينظرون إلى كل ما سلبوه منهم على أنه الرجعية والتخلف، بينما هي توغل في إدخالهم أعمق وأعمق في التخلف والجهل والرجعية الحقيقية..
تتوههم عن منهجهم وأخلاقهم ليظلوا عبارة عن أصفار، تضاف إليهم باعتبارهم الرقم الوحيد في هذا العصر، الرقم الصعب الذي لا يجوز تجاوزه.
  • ولذلك تراها في كل بقعة من الأرض تفتعل الحروب، وترتكب المجازر، وتؤلب الأخ ضد أخيه، والجار ضد جاره.. تشعل النيران في كل بقعة من الأرض بالأسلحة التي خرجت من مصانعها، لتبقي المجتمعات المقتولة بأسلحتها تحت سيطرتها السياسية وهيمنتها الاقتصادية، فجميع بلدان العالم تقريباً، تنظر إليهم كسوق استهلاكية لمنتجاتها، ومن هذه المنتجات أيضاً منتجات العهر والخلاعة والتهتك، والترويج لها عبر المسلسلات والأفلام التي تبدو للجاهل عادية، بينما تحمل تلميحات كثيرة للانفلات، مضاف إليها نكهة الحرية.
  • لقد صارت المجتمعات الإنسانية بالفعل عبارة عن غابات، فلم نعد نسمع تعاطفاً إنسانياً في بلدٍ ما مع قضية تمس إخوتهم في بلد آخر، ترى الصهاينة يضربون النساء ويقتلون الأطفال ويعتقلون أبناء فلسطين، والشعوب العربية نائمة، ولا حياة لمن تنادي.. وكذلك ترى العدوان بأوجهه المختلفة من أمريكي أو أعرابي أو عربي، يقتلون الرجال والنساء والأطفال، في اليمن وسوريا ولبنان وليبيا وتونس وغيرها.. ولا حياة لمن تنادي، وذلك كله من تأثير الغزو الفكري الذي نتكلم عنه، الذي سلب من المجتمعات مسألة التماس مع قضاياها المصيرية، والذي يأتي بعدة صور، أبرزها الحرب الناعمة التي تستهدف الأخلاق..
  • بالإضافة إلى الغزو الفكري الذي يستهدف الأخلاق، هناك الغزو الفكري الذي يستهدف العقول، ابتداءً بالسيطرة على مناهج التعليم في المدارس والجامعات، مروراً بتزييف حقائق الأحداث وتشويه صور النخب الفاعلة المدافعة عن معتقداتها وشعوبها، وانتهاءً بشغل حيز الاهتمام لدى الأفراد بالتشويق والإثارة في أفلام السينما، والأفلام الوثائقية الزائفة، التي تهتم بسفاسف الأمور التي لا ترقى إلى مستوى الاهتمام، فتجعل منها شيئاً عظيماً وهي لا شيء، أو تنوي من خلالها إعادة صياغة تاريخ الحروب والأحداث وفق صياغة سادة الهيمنة العالمية، بقيادة أمريكا «الشيطان الأكبر»، وتخطيط وتوجيه سدنة الشيطان «الماسونية والصهيونية».
  • رغم كل ما سبق، رغم كل هذا المكر، وهذا الدهاء، وهذا الشر الذي انتشر على الأرض كلها، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، فلا بأس بمحاربته..
  • إن كل هذا الذي صنعوه بنا لا يمكن أن يدفعنا إلى الاستسلام، فسبيل الخلاص واحد، وهو استرجاع كل ما سلبوه منا وتفعيله والتمسك به، من خلال:
- عودتنا إلى ديننا من منبعه الأساس (القرآن الكريم)، والعمل بمقتضاه.
- ومولاة آل بيت رسوله، الذين هم مصابيحه والدعاة به، ولن يتم ذلك بين ليلة وضحاها.
- لا بد من عمل تغيير جذري في كل ما هو مطروح أمامنا.
  • إنها ثورة.. ثورة ثقافية قرآنية، فلا بد من:
- تطوير المناهج بواسطة أحكم علمائنا.
- تفعيل المراكز الصيفية، وكذلك الدورات الثقافية، وتطوير أهدافها ورؤاها ومناهجها وأساليب التثقيف فيها.
- استبدال وسائل الترفيه القذر بالترفيه الإيجابي النظيف، فالإنسان يحتاج إلى الترفيه ليغسل أدران الحياة..
- ثم لا بد أن ترتقي وسائل إعلامنا إلى المستوى المكافئ لوسائل إعلام الأعداء، من حيث قوة الإعداد، وغزارة المعلومات، ومواكبة الأحداث، والقدرة على التصدي للشائعات، ولن يكون ذلك إلا باستجلاب واستكتاب كل الخبراء في مجالاتهم المتعددة، وأن لا تخضع مسألة الانتقائية إلى المعرفة والشهرة، بل إلى العلم والخِبرة في تناول تلك المسائل الحادّة، والتصدي لها بحكمة وخبرة وحزمٍ أيضاً، قبل أن تتنامى، فيُسَلِّمُ الجمهور بمشروعيتها أو ضآلة خطرها، بناءً على الصمت عنها، أو تناولها بمستوىً ركيكٍ، قد يوحي بتمريرها أو رضا السلطات عنها..
  • ختاماً: لنعد جميعاً إلى ديننا، إلى قرآننا، إلى نبينا وآله الهداة الأطهار، الذين أوصانا هو صل الله عليه وآله وسلم بالتمسك بهم، وهنا مربط الفرس -كما يقال- فرسول الله قد دلنا على سبيل نجاتنا من الضلال، وهو لا ينطق عن الهوى، وهو الهادي لنا بإذن ربه جل وعلا، فلا يأس ولا إحباط ولا قنوط، فنحن راجعون راجعون أمة قوية مؤمنة واحدة..
  ولنتذكر دوماً قول رسولنا الكريم عليه وعلى آله أزكى الصلوات والتسليم: (تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي آل بيتي)..
وفي هذا الحديث الدواء الشافي، والزاد الكافي، لمواجهة كل أمراض العصر الحسية والمعنوية، بل وكل عصر.. وصدق رسول الله، وكذب من يقول بغير هداه.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا