أخبار وتقارير

الشهادة.. مسار عطاء لا ينضب وبأثمان الدنيا لا يقاس

الشهادة.. مسار عطاء لا ينضب وبأثمان الدنيا لا يقاس

الإنسان عندما يقدم لمجتمعه وأمته خدمة، لابد أن قيمة ومكانة ذلك الإنسان تتناسب مع ما يقدمه،

فأهل الصناعات وأهل الاختراعات وغيرهم ممن يقدموا خدمة لمجتمعاتهم، لهم قيمة وأثر فيها، لكن عند النظر إلى ما يقدمه الشهيد الذي يجود بروحه وبحياته بقياس المقارنة مع ما يقدمه الجميع في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية، لا شك أن ما يقدمه فائق على ما يقدمه الجميع، ويبدو ذلك واضحا فيما أعطاه القرآن الكريم للشهيد من مكانة وديمومة: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
وهي الحياة التي نلاحظ معها سمو وعلو ما يتركه الشهداء في ذاكرة الشعوب من الاهتمام بهم دون غيرهم، وهذا يكشف عن عظم ما قدموا لتلك الشعوب فهم قد جادوا بأغلى ما يملكون وهي أرواحهم، فكان لتضحياتهم مخرجات ظاهرة على كل جوانب الحياة المادية والمعنوية، فأرواحهم الزكية هي من نفخت في أجساد الشعوب قيم ومبادئ الحرية، وأنبتت في نفوسهم حب الشموخ والعزة، وبأرواحهم ينجلي الظلم والقهر والفساد ويتحقق العدل والانصاف، وتترسخ مبادئ وقيم الهدى التي تمثل القيم المطلقة التي شرعها الله تعالى. وهذا الأثر الايجابي للشهيد الذي حققه بتضحيته أضاء للأمة دربها وأنار لها طريقها، ولا شك أن من يثبت هذه القيم ويرسخها في الأمة لابد أن يحظى منها بأعظم اهتمام وتقدير واقتداء.
وفي الآيات القرآنية عن الشهيد تتجلى الدلالة على بقاء الروح حية بالمعنى المجازي في بقاء الاسم وخلود الأثر والأعمال في ذاكرة الشعوب بما قدم روحه فداء من أجل تحقيقه من إنجاز مادي أو تحفيز معنوي ناهيك عن ثبوت حقيقة أن الشهداء عند ربهم يرزقون، وأنهم يسعدون بما تحدثت الآيات به من سرور في نواح مختلفة، وأنهم فرحون بما آتاهم الله، وهذا ما لا يمكن أن ينسجم بالفطرة فيكون مخالفا لها مع بقية الخدام للبشرية من المبدعين والمخترعين والمجتهدين في مجالات الحياة المختلفة، فهم يقبضون ثمن ما يقدمون في الحياة الدنيا من منجزات وهم بأرواحهم آمنون، وبالتالي لا يمكن أن تقاس خدماتهم اعتبارا بتضحية من يجود بنفسه لا يرجو ثوابا من ذلك إلا أن يسعد الناس من بعده.. وعليه كان لابد أن تكون له حياة الخلد حياة حقيقية في ميزان من قدم روحه في سبيله، وحياة اعتبارية في ذاكرة ووجدان من حصدوا ثمار تلك التضحية عزة وكرامة وشجاعة وإقداما.
ومن هنا كانت الشهادة.. مسار عطاء لا ينضب كي يقاس بميزان الأجور الآنية، فالأمة الحية تقدس الشهيد والشهادة وتعتبرها قيمة إنسانية وثقافة إلهية تفهم أن الموت قتلا في سبيل الله هو الحياة وأن الحياة من دون ثقافة الشهادة هي الموت المحتوم ذلا وهونا واستجداء. وقد تجلت هذه الحقيقة بقول الإمام الحسين (عليه السلام): (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما).
في ذات المضمار وفي منحنيات نفس المسار المقدس ترجل الفارس التنموي عن صهوة جواده لترتقي روحه الطاهرة عنان السماء ملتحقةً بكوكبة من سبقوه من الشهداء الأبرار في مختلف جبهات الجهاد وخدمة المستضعفين.. أنه الشهيد التنموي "عمر يحيى علي ملاح"، المدير التنفيذي لجمعية مستبأ التعاونية.
فقد مضى الشهيد بمنهجية التنمية على هدى الله ليبني مجتمعا قادرا على إنتاج لقمة عيشه من عرق جبنيه وفي تراب البلدة الطيبة الواعدة بكل خير.. مضى بشموخ حسيني تحركه أنفة العزة والكرامة، فعمل على حلحلة المعوقات باستكشاف الفرص المتاحة والممكنة في المجتمعات المحليات في بيئته (مديرية مستيأ- حجة).. فعل العمل الطوعي المجتمعي التعاوني وطوره، أحدث في النفوس رغبة نحو السمو.. وحرك الأيدي نحو إيجاد نهضة زراعية حقيقية تعمل على تحسين واقع الناس.
وبروح استشعار المسؤولية خرج الشهيد عقب اجتماعه بعدد من المزارعين ناقشوا فيه مشاريع الزراعة التعاقدية ودورها في خفض فاتورة الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتي.. وفي منتصف طريق عودته عبر أحد الوديان.. هناك فاجأه السيل حين قطع عليه الطريق ومنع عنه العودة واحجمه عن التقدم ليرتقي شهيداً.. بعد أن أمضى حياته فروسية وجهاداً؛ وهو يسعى إلى توعية الناس بأهمية أن تكون لهم بصمات في واقع الإنتاج الزراعي والصناعي تحررهم من عبودية الاتكال على الخارج واستجداء أن يعطيه ما هم قادرون على إنتاجه وصناعته.
هنا نتساءل بعزة: أليس الشهيد هو أرقى مثال يجب أن نقتدي به وهو أرقى مثال منظور على استشعار المسؤولية؟
ولما لا يكون هو الأرقي، بل والأجدر بأن يقتدي الناس به في آخر نداء له فيهم يدعوهم: "بداعي الأخوة والقبيلة والغيرة والفزعة والجايش للتحرك الجاد والصادق للنزول الميداني وبذل الجهود في فتح الخطوط التي جرفتها السيول ومساعدة المجتمع والأهالي في عزلة الشرق الأوسط"، مؤكدا "الكل معني بمساعدة الناس عبر المبادرات المجتمعية، لن ننتظر السلطة المحلية حتى تأتينا بالإسعافات، فليست هي المسؤولة وحدها، وانما نحن جميعا معنيون بالتحرك في هذه الأعمال الإنسانية كفرض عين لا فرض كفاية على كل قادر، وإنما يتوجب علينا جميعا أن نتحرك وأن نهب وألا ننتظر من أحد أن يأتي ليصلح لنا طرقاتنا.. سنبادر نحن أولا "ونتحرك فاليد الواحدة لا تصفق".
فإلى جنة الخلد أيتها النفس الزكية المطمئنة بعظيم عطاء الله، وإنا، بعون الله، على دربك سائرون يا شهيد.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا