الأخبار

مختارات من كتاب.. " تقسيم اليمن بصمات بريطانية" -3

 26سبتمبرنت / خالد الأشموري -

حدود محمية عدن:

تقرير سري ثالث يعود لضابط المخابرات السياسي والعسكري الكولونيل واهوب وهو بعنوان – حدود محمية عدن – ويتضمن في البداية لمحة تاريخية عن الصراع مفادها أن الأتراك بعد عودتهم إلى اليمن تقدموا مع القبائل اليمنية إلى الجنوب وتم منعهم وعقد اتفاقية حدود معهم من نقطة باب المندب الشيخ سعيد حتى قعطبة ثم صوب الصحراء بحيث يمنعهم كذلك من دخول بيحان وحضرموت ثم بعد ذلك قام واهوب بتحديد المشكلة الكبيرة بالنسبة لبريطانيا والتي تتمثل في تحرك الإمام يحيى ومطالبته بكل المناطق اليمنية ثم عمل على وضع مقترحات لمواجهة هذه المشكلة

مختارات من كتاب.. " تقسيم اليمن بصمات بريطانية" -3

فأشار إلى أن وضع عدن لا يمكن فصله أو فصلها كمنطقة عن بقية المناطق ولهذا فإن الحدود الحالية غير مرضية للجانب البريطاني لأنها تتجاهل الاعتبارات العسكرية تماماً وتحرم البريطانيين من امتلاك الأراضي الخصبة في المرتفعات ويرى أن احتلال تعز يضع بريطانيا في موقع مناسب استراتيجيا وسياسياً ويحقق هدفها في تأمين عدن بشكل كامل ولهذا لا سبيل لتحقيق المصلحة البريطانية دون ذلك.

ثم يتحدث عن ضرورة احتلال منطقة ماوية ويتطرق إلى ذلك بالقول أن تغيير الموقف كلياً يفرض على بريطانيا السيطرة على منطقة ماوية فذلك سيغير الموقف كلياً لصالح البريطانيين إذ يمكنهم إقامة مراكز أمامية حصينة في جو صحي بحيث

يمكن تغطية كل المنافذ المؤدية إلى عدن من الناحية الشمالية الشرقية ويتحدث عن ضرورة تعزيز الموقف بالضالع باستعادة احتلالها وأن وجود حامية في الضالع لن تؤثر كثيراً فيمكن الزحف إلى عدن من وادي تبيان بلحج وعلى ضوء ذلك لا بد من منطقة حاجزة وقبل ذلك لا بد من تغيير خط الحدود ليضمن السيطرة على المرتفعات المحيطة بعدن والمنافذ والممرات الواصلة بين عدن وبين المرتفعات ، وقال إن الخطر سيبدأ عندما يحتل الإمام ماوية وتعز ولا بد من ترتيبات سياسية وعسكرية لتنفيذ الخطة ونصح في ختام تقريره بالقول: لا بد من احتلال ميناء الحديدة المنفذ الطبيعي لحراز وريمة ومدن تهامة الأخرى فهناك قوى أوربية تبدي إهتمامها بميناء الحديدة وعلينا ألا نتجاهل مسؤولياتنا في حماية (السيطرة على  تلك المناطق لتأمين وجودنا في عدن والبحر الأحمر) وكان تقرير الكولونيل واهوب السري يتضمن خطة تقوم على نظرة عسكرية بحثة تقوم على السيطرة على أجزاء من تعز وتحديداً منطقة ماوية ونلاحظ كذلك أن لدى واهوب في تقريره أو خطته أن ماوية وتعز أفضل بكثير من الضالع ونلاحظ كذلك تكرار الحديث عن الطقس والجو الصحي مرده أن البريطانيين وقتها كانوا يطمعون في السيطرة على مناطق المرتفعات على الأقل للتمتع بالجو الصحي وأن لديه نظرة للحدود على أن تضم ماوية والحديدة  لمحمية عدن ويكون بينهما اتصال بري.

وبالمجمل فإن الخطط الثلاث أو التصورات الثلاثة تركز على أن الإمام يحيى يشكل خطراً على البريطانيين ويجب منع الدولة اليمنية المستقلة وقتها من الوصول إلى أي من الساحلين الغربي أو الجنوبي من خلال إقامة طوق يتمثل بالإمارة الإدريسية وبالمحمية الجديدة من عدن حتى الحديدة وكذلك دعم المحميات جنوباً ومساومة الإمام بالساحل الغربي فإما أن يكون صديقاً فيعترف بشرعية الاحتلال لـ عدن أو أن يكون عدواً فيخسر الحديدة ومنع قوات الإمام من الوصول إلى مناطق شرقية مثل بيحان لأن ذلك سيؤدي إلى محاصرة بريطانيا في عدن من الشمال ومن الشرق ، وأثناء ثورة الحجاز المدعومة من بريطانيا ضد الأتراك قالت التقارير البريطانية إن تأثير الإمام أصبح أضعف مما كان عليه لأنه لم يعد له منفذ بحري ولا يسيطر على الساحل ووجدنا كذلك ما يشبه ( التشجيع البريطاني) للإدريسي للوصول إلى مناطق حجة لتعزيز موقفه منها على سبيل المثال مناطق حجور.

ماذا نفذت بريطانيا؟

إحتلال الحديدة والهدف لم يكن فقط مساومة الإمام والدخول معه في صفقة بل كان إنشاء مستعمرة تمتد من الحديدة حتى عدن بإتصال بري وقد بحثنا عن تفاصيل إحتلال الحديدة " في عدة مراجع يمنية وعربية وأجنبية" فوجدنا أن هناك من أشار إلى أن القوات البريطانية فور احتلال المدينة باشرت تنفيذ إجراءات تكرر بها ما فعلته بعدن بعد احتلالها مثل استمالة المشايخ واستقطابهم والأخطر من ذلك الشروع في إنشاء ما يشبه الحاجز الذي يطوق المدينة من شمالها وشرقها وجنوبها بالأسلاك الشائكة وكأنها بالفعل مستعمرة وتم تنفيذ إجراءات تضمن عدم توسع الإمام وتضمن كذلك عدم تضخم قوته وقامت بريطانيا فور احتلال الحديدة بتعيين قنصل فيها كحاكم ، وكانت قدرات القنصل الأول ضعيفة فاستبدل بآخر ثم تم تعيين ثالث خلال سنة واحدة وجرت متغيرات في المنطقة مثل ثورات في العراق ومصر وحينها بدأت الحكومة البريطانية تدرس مقترحات للتعامل مع المنطقة بشكل كامل وكانت معظم الرؤى تفيد بضرورة التخفيف ومنح بعض البلدان " استقلال شكلي " أي تغيير صيغة الاحتلال، كانتداب مع بعض الصلاحيات .

بعد ذلك اعتمد البريطانيون استراتيجية عسكرية تقوم على القوات الجوية لتخفيف الخسائر وهذا تطلب تقليص عدد القوات على الأرض، أما السودان فهي أيضاً شهدت توتراً وعلى ما يبدو أن ذلك حال دون تجهيز قوات لأحتلال الساحل الغربي ، وفي الحديدة حاولت بريطانيا تنظيم استفتاء لأبناء المدينة ليختاروا أي حكومة يرغبوا بالانضمام إليها، وأمام كل ذلك قررت بريطانيا تسليم المدينة للإدريسي ضمن إستراتيجية منع الإمام من التوسع وبعد ذلك قال جاكوب أن الحديدة لم تكن من أملاكنا حتى نمنحها للغير إذ أن الحديدة هي الميناء الطبيعي لصنعاء، غير أن الحقد البريطاني أتضح أكثر من خلال تدمير ميناء الحديدة حتى لا يستطيع استقبال السفن الكبيرة إضافة إلى استهداف ميناء المخا والحاق أضرار كبيرة به وكل ذلك من أجل منع صنعاء من استغلال وتشغيل تلك الموانئ.

احتلال تعز:

استدعى الموقف العسكري في 1916م تقديم مقترحات أولاً فيما يتعلق بالمعركة في لحج ولهذا يتحدث والتون عن ذلك ثم يقيم الموقف عسكرياً ومدى خطورة ذلك على الوجود البريطاني في عدن ثم يقدم مقترحاته بشأن رؤية اليمن ما بعد الحرب وكانت التقارير الثلاثة إضافة إلى أسئلة حول مدى نوايا القيادة البريطانية في احتلال اليمن بأكمله وهذه التساؤلات أثارها الضابط جاكوب ثم أجاب عليها بأن الإمام يشكل خطراً أمام ذلك لاعتقاده بأن اليمن بمعناها الواسع كانت ملك اجداده، وعندما أبلغت بريطانيا الإمام يحيى بعد ضرب الشيخ سعيد بأنها لا تنوي التوسع في الأراضي اليمنية وتطلب إشتراكه إلى جانبها رفض ذلك لعلمه بأن وراء هذه الدعوة أهدافاً، ونوايا أخرى ،ولهذا يقول يجب العودة إلى الحدود القديمة لاستعادة بريطانيا لهيبتها أمام العرب وحينما تفعل ذلك يمكن أن تتفاوض مع الإمام يحيى وجهاً لوجه وقال يمكن مد نفوذ بريطانيا إلى تعز دون احتلالها بشكل مباشر ووضع قادة موالين هناك، لكن في ذات الوقت يؤكد جاكوب على ضرورة احتلال الحديدة التي تشكل مع عدن والمكلا موانئ هامة تحقق المصالح البريطانية في التحكم بمداخل الإمدادات إلى الداخل من هذه الموانئ .

كان هناك تركيز على تعز نظراً لموقعها المهم بالنسبة للبحر الأحمر وباب المندب، بل وحتى عدن وخليجها فتعز تمثل الزاوية الجنوبية الغربية لليمن ويجب تهيئتها لتصبح محمية بريطانية أو على الأقل ضمان السيطرة عليها بشكل غير مباشر من خلال تعيين حكام عليها يدينون بالولاء للبريطانيين ويشكلون حائط صد ضد أي محاولات توسعية من قبل صنعاء وإذا كانت القيادة البريطانية ترى تأجيل ذلك المقترح يمكن ضمان السيطرة على باب المندب من خلال التوسع عسكرياً إلى منطقة الشيخ سعيد وبناء قاعدة عسكرية عليها وعلى حكومة الهند الأختيار وبشأن لحج كان هناك خيارات منها احتلال الضالع لكن والتون يطلب من قيادته الدراسة العميقة لمشروع احتلال تعز وعلى ما يبدو أنه حاول أن يلفت أنظار القيادات العسكرية إلى أهمية تعز فراح يقلل من أهمية الضالع استراتيجياً رغم أنها قد تكون مناسبة للدفاع عن عدن من جهة معينة غير أن احتلال تعز يحقق أهدافاً استراتيجية متعددة لا تقتصر على عدن، بل والبحر وباب المندب ولهذا يقول والتون: أما احتلال تعز فيمكن دراسته بشكل أعمق باعتبار أن ذلك يحتاج إلى قوة عسكرية بريطانية وقد يؤدي إلى نشوب النزاع مع الإمام وهنا يمكن الاستعانة بالإدريسي نظير منحه الساحل الممتد من اللحية حتى رأس الكثيب ولا يكتفي والتون بالحديث عن أهمية تعز الإستراتيجية بالمعنى العسكري ، بل تحدث عن أهميتها اقتصادياً وكذلك كمنتجع سياحي للجنود البريطانيين فتعز بأكملها يمكن تحويلها عسكرياً إلى قاعدة تدريب بمعنى استقبال المجندين البريطانيين من مختلف المحميات والدول والمناطق بما في ذلك المرتزقة والحاقهم بالمعسكرات التدريبية ثم إعادة توزيعهم على مناطق بريطانيا في آسيا وأفريقيا وهذه النظرة تضع في الاعتبار أهمية الموقع الجغرافي لليمن عموماً ولتعز خصوصاً بقربها من البحر عبر المخا ومن باب المندب ومن عدن نفسها بحيث يمكن وبسهولة استقبال المجندين والمرتزقة عبر السفن ومن ثم تهم عبر ذات السفن، أما اقتصادياً ، فتعز بسواحلها وجبالها يمكن الاستثمار فيها لا سيما إذا تم تهيئة المجال من خلال طرق المواصلات كمد سكة حديد تربط مستعمرة الحديدة عدن أو مستعمرة الركن الجنوبي الغربي لليمن وحتى يؤكد والتون على أهمية طرحه نجده يرفق تقريره السري برسالة أو بمذكرة الكولونيل واهوب وكذلك مذكرة هارولد جاكوب المساعد للمقيم في عدن ونجد أن هناك ما يشبه الاتفاق بشأن أهمية تعز لتحقيق عدة أهدف منها تأمين عدن بشكل كامل ويقدم واهوب مقترحات للقيادة العسكرية حول الخطوات الواجب اتباعها لتنفيذ الخطة كالبدء في احتلال تعز ثم الحديدة وكان البريطانيون وقتها يرسلون اتباعهم منهم متخصصون في دراسة المجتمعات المحلية بعناوين منها التجارة والسياحة لا سيما إلى تعز وعلى ما يبدو أن هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية والموقع المهم قد دفعت القيادة البريطانية في عدن إلى التفكير بضرورة تحويلها إلى قاعدة تتصدى لأي هجمات من الشمال اليمني نحو عدن أو المحميات وذلك لن يحدث إلا من خلال تعيين حكام موالين مع إذكاء الخلافات المذهبية بين أبناء تعز الشافعية وصنعاء الزيدية إضافة إلى اختيار عناوين أخرى تذكي ذلك الصراع وتؤججه.

بريطانيا والجزر:

للجزر اليمنية أهمية حيوية فيما يتعلق بموقعها البحري فمنها جزر تهيمن على مسارات الملاحة أو خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر وعلى مدخل باب المندب , ولهذا ظلت الجزر محل صراع دولي ولا تزال ... ويمكن اختصار طبيعة السياسة البريطانية تجاه الجزر من خلال تأكيد الهيمنة البريطانية على الجزر من سقطرى حتى كمران وجزر فرسان ففي أوقات السلم تحرص بريطانيا على التواجد العسكري في ميون في باب المندب وكمران باعتبارها كانت محجراً صحياً للحجيج وقريبة من الحديدة وفي أوقات الحرب نجد القوات البريطانية تسارع إلى احتلال أربع جزر حاكمة ( كمران ـ حنيش ـ زقر ـ جبل الطير ) وكانت السيطرة على كمران مقدمة للسيطرة على الحديدة لاتخاذها قاعدة وظلت كمران وجزر فرسان محل خلاف بريطاني – إيطالي خلال العقود الأولى للقرن العشرين ولم تتنازل عنها بريطانيا   حيث ظلت تدعي أحقيتها في تلك الجزر لاسيما فرسان لتواجد النفط فيها وكان من أهم أسباب عدم تواجد القوات البريطانية في بعض الجزر في فترتي الحرب والسلم هو صعوبة العيش فيها.

 الإمارة الشافعية :

لطالما لعب البريطانيون بورقة وجود أكثر من مذهب في اليمن لا سيما الزيدي والشافعي وقد اتضح الأمر لليمنيين خلال حرب 1928م عندما كانت الطائرات البريطانية تسقط منشورات  تتضمن رسائل تعمل على إثارة الخلافات المذهبية بين اليمنيين غير أن القصف الجوي وقتها لم يفرق بين زيدي وشافعي ومع ذلك ظلت هذه الورقة هي الأكثر إثارة بالنسبة للبريطانيين لإستخدامها وقت الحاجة ومن ضمن التصورات البريطانية القائمة على الجانب المذهبي ما يتعلق بالإمارة الشافعية المشروع القائم على الادعاء البريطاني بأن المناطق الشافعية تفضل النفوذ البريطاني على سيطرة الأئمة وكان هناك رأي حظي بموافقة القيادة البريطانية يقوم على تشكيل ولايات متحدة جنوب الجزيرة العربية لكل ولاية حاكم مستقل وتتبع روحياً خليفة عربي في مكة وهذا الرأي كان لجاكوب, وتم تكليف الملك حسين بتنفيذ المشروع فقد كان هو الخليفة المرشح للولايات العربية الجنوبية من لحج حتى حضرموت والمهرة وتسمى هذه المناطق أو تتحد تحت مسمى الإمارة الشافعية وكان ذلك ضمن المشاريع البريطانية القائمة على دعم الشافعية وضمن مخطط محاصرة الزيدية وتم العثور على وثائق المشروع في أرشيف الملك حسين بعد فراره من الحجاز وعلى ما يبدو أن هذا المشروع كان ضمن تداولات القيادات البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى ومصدره الرئيسي يعود إلى محاولة بريطانيا دفع العرب لحرب العثمانيين تحت زعامة واحدة غير أن هذا المشروع تعرض للتعديل ليصل الأمر بالبريطانيين، إلى تقسيم المقسم استناداً إلى التنوع المذهبي وتحويل ذلك التنوع من عامل تكامل وتعاضد إلى عامل فرقة ونزاع وصراع وكل ذلك يقوم على دراسات متخصصة للمجتمعات العربية ونختصر هذا المشروع بالتطرق أولاً إلى حدود الإمارة من نقيل سمارة إلى بيت الفقية إلى المخا إلى بلاد الحواشب وأما مواد مشروع المعاهدة فأبرزها ما يلي :

أن تشكل إمارة شافعية تكون مدينة تعز عاصمة لها وتؤلف من الأقضية والنواحي التي كانت تابعة في زمن الحكومة التركية ومربوطة (مرتبطة) بتعز وتضم كذلك يافع العليا ويافع السفلى والضالع وفبيلة علوي والصبيحة وتتبع سلطنتي لحج وحضرموت وإمارة أبين وشقرة وإمارة العوالق وما جاورها من الإمارات والمشيخات في جميع أمورها السياسية ومعاملاتها هذه الإمارة بدلاً من الحكومة الحامية (يقصد البريطانية) وتقسم تلك المناطق بين إمارتي لحج وحضرموت فيما بعد والإمارة الجديدة وتكون إمارتا لحج وحضرموت تابعتين للإمارة الجديدة وتتفق الإمارة مع إمارة الادريسي . 

ومن خلال ما سبق فإن الرؤية البريطانية لليمن حتى عشرينات القرن الماضي تتمثل في:

1-   إمارة الإدريسي ( عسير وجيزان حتى الحديدة ) .

2-   الإمارة الشافعية ( تعز والمخا وإب وحتى لحج جنوباً وبيحان شرقاً).

3-   تضم الإمارة الشافعية وبما يشبه الاتحاد الفيدرالي كلاً من سلطنة لحج وسلطنات حضرموت.

4-   عدن تابعة لبريطانيا .

5-   صنعاء وصعدة وعمران .. الخ للإمام يحيى ( دولة بدون منفذ بحري).

 

لماذا فشل المشروع؟

كان اليمنيون رغم اختلافهم المذهبي أكثر حرصاً على وحدة نسيجهم الاجتماعي ولهذا نجد أن بعض المؤرخين أشاروا إلى أن " كافة اليمنيين توحدوا ضد الاستعمار وقتها وأحبطت القبائل الشافعية مخطط التقسيم البريطاني" وقبل ذلك كانت بريطانيا قد منحت هذا المشروع للشريف حسين الذي سبق وأن وعدته بأن يكون ملكاً على العرب جميعاً ثم قالت ملكاً على الجزيرة العربية ثم تراجعت إلى الحجاز فقط وكان المشروع يتمثل في بناء حكومات إقليمية وهو الزعيم الروحي لهذا الحكومات والمناطق وقد عاد المشروع من جديد في خمسينيات القرن الماضي والمجال لا يسعفنا للتطرق لذلك، لكن بلغ الأمر إلى مواجهات عسكرية بين الطرفين بسبب ذلك " لماذا كان الإمام أحمد حريصاً على أن يدير أمور الدولة من تعز فكان معظم سنوات حكمه في تعز ولم يستقر في صنعاء؟" وكان من أسباب بقاء الإمام أحمد في تعز إفشال هذا المشروع فيما إبنه البدر ظل متنقلاً بين الحديدة وصنعاء لضمان السيطرة على كل الدولة, ومن خلال ما سبق نستطيع القول أن الخطوط العامة للسياسة البريطانية في اليمن تقوم على :

1-   السيطرة على السواحل الجنوبية والغربية من خلال توزيعه على ثلاث جهات من ميدي حتى رأس الكثيب شمال الحديدة (إدريسي - سعودي) ومن الحديدة حتى المكلا (بريطاني) والمهرة مع أجزاء من حضرموت (للسعودية) كما سنعرف لاحقاً.

2-   إنشاء مكون وما يشبه المستعمرة على الركن الجنوبي من اليمن يمتد من الحديدة حتى عدن مع تأمين هذا المكون بالسيطرة على تعز.

3-   محاصرة أي مشروع وطني يمني في المناطق الجبلية من خلال تشكيل حزام معاد له بل والقضاء على أي مشروع وطني يمني من أي منطقة كانت شمالية أو جنوبية.

4-   منع أي قوة يمنية مستقلة من الوصول إلى أي من السواحل الغربية أو الجنوبية والعمل على أن تكون تعز منطقة معادية للشمال نظراً لكثافتها البشرية وحضورها المعنوي لا سيما في المجال الثقافي.

5-   محاصرة الشمال وإثارة الاضطرابات فيه.

ولو أردنا أن نقرأ الحاضر مما نشاهده ونعايشه في واقعنا الراهن، فإن المعطيات السابقة والمخططات البريطانية التي فشلت في الماضي ربما يجري أحياؤها اليوم باستخدام القوة العسكرية والأدوات المحلية الداخلية إضافة إلى السياسات الإعلامية التضليلية ومحاولة تفريق اليمنيين على أسس مناطقية ومذهبية للتعجيل في تنفيذ تلك المخططات وللأسف أن هناك من اليمنيين من ينخرط في تنفيذ تلك المشاريع التقسيمية دون أن يكون قد أمتلك خلفية معرفية تؤهله لقراءة حقيقة ما يجري اليوم وأهدافه وأبعاده.

معلومات عن القبائل:

كان هناك تركيز بريطاني على القبائل اليمنية لدرجة أن المعلومات لدى القيادة البريطانية لا تقتصر على أسماء القبائل ومشايخها ومستوى نفوذها، بل وقدرة كل قبيلة على الحشد العسكري من أفراد وأسلحة ولهذا نجد أن البريطانيين يضعون في اعتبارهم قبائل حاشد وبكيل وقبائل الجوف ومارب والبيضاء وغيرها من القبائل اليمنية ويضعون لكل قبيلة طرقاً وأساليب معينة للتعامل معها بغية تحقيق أهدافهم ، ومن الملفت أن قبائل من إب كان بعض قادتها يتواصلون بالبريطانيين للحصول على أسلحة مقابل محاربة العثمانيين أو الإمام يحيى وكانت بريطانيا تستجيب لبعض تلك المطالب ثم توقفت عن ذلك وكلما وصلت إليها وفود قبلية كان الضباط البريطانيون يردون بأننا أعطيناكم سلاحاً قبل عدة أسابيع أو مصارحة تلك الوفود بعدد قطع الأسلحة الموجودة في القبيلة مع أثارة تساؤلات حول أسباب عدم استخدام تلك الأسلحة في تنفيذ وعودها إضافة إلى أن هناك زعماء قبليين كانوا يحصلون على دعم بريطاني ثم يخبرون الإمام بحقيقة هذا الدعم والبعض منهم كان يحصل على الدعم ثم يصطنع اعذاراً لتبرير تهربه من تنفيذ ما كلف به ونتيجة لكل ذلك نجد أن البريطانيين يشككون بأية عروض تقدم إليهم من قبل تلك القبائل فيتجه الضباط البريطانيون إلى الطلب من تلك القبائل أثبات قدرتها على المواجهة واشعال فتيل الأزمات لا سيما ضد الإمام يحيى وسيكون ذلك دليلاً على مصداقية التوجه وحينها ستقدم بريطانيا السلاح والمال وكانت بريطانيا تشكك في أية مؤامرة ضد الإمام ولم تستجب لدعوات البعض للحصول على المال والسلاح حتى تظهر بوادر نجاح أي تحرك لهم ويقول نائب الملك في رده على رسالة المقيم: أن من حسن السياسة ترك هؤلاء يتصارعون في اليمن الإمام والمتآمرين ضده ثم الإعتراف بالفئة الغالبة وهو ذاته رأي المندوب السامي في القاهرة وحينها كانت القيادات العسكرية البريطانية تستند إلى معلومات الأستخبارات فقد تمكنت وزارة الحربية من توثيق معلومات دقيقة عن وضع اليمن المستقل تحت حكم الإمام يحيى لا سيما القبائل ومدى الجاهزية الحربية لها حيث قدرت في تلك الفترة بأربعين ألف مقاتل وكان هناك تحريك لكل قبيلة أو شيخ قبيلة أبدى تعاونه مع البريطانيين مثل قبيلة الزرانيق التي كانت مستعدة للتحرك صوب زبيد والإدريسي الذي تكفل باللحية والساحل من شمال الحديدة حتى جيزان وكان هناك تواصل بريطاني حتى مع مشايخ وشخصيات في عمق الداخل اليمني فهناك شخصية وردت في الوثائق باسم – بونيام – وهذا الشخص تعهد للبريطانيين الأستيلاء على مناخة ذات الموقع المهم في التحكم بالطريق بين صنعاء والحديدة وكانت التوقعات البريطانية وقتها أنه في حال تمت السيطرة على مناخة فبإمكان القوات البريطانية وقتها احتلال الحديدة وحينها اعتمد البريطانيون على دفع الأموال للمشايخ حتى في عمق الداخل أو المناطق المجاورة للسهول الساحلية كمنطقة جبل رأس فشيخها محمد حسن بن سنان بعث برسالة شكر للمقيم السياسي في عدن على منحته المالية دون سابق اتفاق بينهما ودون مقابل مع أمله أن يقدم المساعدة ضد العثمانيين من موقعه في جبل رأس وفي الوقت الذي حاولت فيه استقطاب المشايخ في مناطق الإمام والعثمانيين حرصت على التأكد من ولاء المشايخ والسلاطين في المحميات فدفعتهم إلى اتخاذ مواقف عملية من ضمنها الحشد للحرب مع اخضاعهم للمراقبة لا سيما تحركاتهم واتصالاتهم.

الحدود المستقبلية:

في أواخر عام 1917م كتب هارولد جاكوب تقريراً عن الحدود المستقبلية لبريطانيا في اليمن وتضمنت ضرورة إدخال الحديدة والمخا ضمن النفوذ البريطاني المباشر وأن على بريطانيا احباط طموحات الإدريسي والإمام بشان الحديدة وقال في تقريره: إن اليمنيين المرتزقة يستخدمون مثلاً " ناركم ولا جنة الترك – ولهذا تعاونهم مع البريطانيين ليس حباً، بل بغضاً في العثمانيين، وأعاد التذكير بمشروعه بشكل كامل بما في ذلك مد سكة الحديد وبناء مدرسة لأبناء السلاطين ، وكانت تلك الأفكار نابعة من دراسة للمجتمع اليمني حيث كان الضباط البريطانيون يخضعون لدورات للتعرف على كافة المعلومات المتعلقة بالشعوب العربية والإسلامية فمما قيل عن جاكوب أنه كان صاحب خبرة طويلة في شؤون جنوب غربي الجزيرة العربية وكانت الحكومة البريطانية تدرك أهميته فقد عينته ضابط اتصال بشأن عدن واليمن وكانت أفكاره تقوم على ضرورة تغيير الواقع بمعاهدات جديدة والتعامل مع العرب بمعرفة مسبقة لحياتهم وطبيعتهم وكان يتحدث العربية ويورد الأمثال الشعبية العربية المتداولة التي تكون بمثابة خلاصة أو صدى لوضع سياسي أو اجتماعي معين وفي مارس 1918م كتب المقيم في عدن رسالة للإمام ضمنها رسالة من المقيم السياسي في القاهرة ريجنالد ويجنت تضمنت التأكيد أن بريطانيا مستعدة لضمان استقلال اليمن على النحو الذي ضمن فيه الاستقلال للإدريسي على أراضيه وتزويده بالمعدات الحربية لقتال العثمانيين وترك مصير أسرى الحرب العثمانيين لرغبة الإمام وتزويده بالمال له ولقبائله على أن يدفع للقبائل عن طريقه وليس مباشرة عن طريق الإنجليز وفتح بعض الموانئ العائدة للإمام في حال قيامه بالثورة.. وبشأن المعاهدات مع السلاطين ترى بريطانيا استثناءها من المفاوضات الدائرة حالياً وبشان الإدريسي فإن بريطانيا ملتزمة بالمعاهدة معه .. ورد الإمام بأن على بريطانيا الوفاء بالتعهدات الجارية بينها وبين أسلافه وأوضح أن مطالبه تنحصر في المحافظة على نظام حكم أسلافه بالطريقة المتبعة دون المبالغة في المطالب الأخرى، أما الإدريسي فهو دخيل على البلاد.

 

تقييمات
(0)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا