الأخبار

جرس السلام ... ثالوث للوصاية والهيمنة والسيطرة !

26 سبتمبرنت: علي الشراعي..

 من القراءة التاريخية للعلاقات اليمنية – السعودية يتضح أن السعودية كانت وما تزال تتعامل مع اليمن دائما تعامل التابع في الوقت الذي كان تبعيتها للغرب وأمريكا تدفعها لأن تقوم بدور المهيمن على المصير اليمني تحقيقا لمصالحها لاقتصادية ومصالح الغرب وهو ضمان تدفق النفط السعودي – الخليجي إلى أسواقه في العالم .

جرس السلام ... ثالوث للوصاية والهيمنة والسيطرة !

وكان الدور السعودي ومازال دور الغني الطامع تجاه الجار اليمن المستقل وغير الخاضع حيث يستمر السعي لإضعافه كي لا يسترد سيادته على أرضه ولا يسيطر على مقدراته الاقتصادية ولا يتحكم بقراره السياسي .والتي تعتقد أن اليمن الموحد يهددها وبالتالي فهي بحكم تبعيتها الغربية – الأمريكية تسدي خدمة كبرى إلى تلك المصالح بواسطة ضبطها للأمور في اليمن والهيمنة على مقدراته.

 

عقيدة التكفير

 

تاريخيا منذ قيام الدولة السعودية الأولي بمنتصف القرن الثامن عشر بتحالف سياسي – ديني بين ابن عبدالوهاب و ابن سعود وفي سبيل نشر الدعوة الوهابية استخدموا سلاحين خطيرين فالسلاح الأول كان الدعوة نفسها ( الدين ) فقد استغلوا مبدأ تكفير كل من لا يدخل في طاعتهم ويعتنق دعوتهم وبما أن الإسلام يحرم على المسلم قتل أخيه المسلم  لجأ الوهابيون إلى التكفير ليحل لهم بعد ذلك الهجوم واستباحة الأموال والنفوس طالما أصبحوا كفار . أما السلاح الثاني فكان العنف والقوة العسكرية التي استخدموها بكل قسوتها في كل منطقة أرادوا ضمها إلى حدود نفوذهم. فقد احتلوا تهامة والمرتفعات الجبلية كمدينة حجة ووصلوا إلى عدن وحضرموت مستغلين الصراع الداخلي على السلطة في اليمن وضعف حكام صنعاء وخروج جنوب اليمن عن السلطة المركزية بصنعاء بالرغم من محاولات الإمام المتوكل أحمد (1809ـ 1816م ) التصدي لهم .

طرق التدخل

كانت إحدى الطرق التي تدخلت بها السعودية بشؤون اليمن وربما أسهلها بحكم تركيبة اليمن القبلية الاجتماعية ـ الاقتصادية التسلل إلى القبائل اليمنية عبر تقوية بعضها على البعض الآخر لإضعاف الدولة المركزية وقد لجأت السعودية في تعاملها مع بعض القبائل اليمنية إلى عدة أساليب منها منح الجنسية السعودية لبعض القبائل القاطنة على الحدود المتاخمة لهم  واستمالة بعض القبائل بواسطة المال والسلاح وعرقلة عملية التنقيب عن النفط في الأراضي اليمنية المتاخمة للسعودية كالجوف وحضرموت وتشجيع تهريب السلع والعملة إلى اليمن عبر الأراضي السعودية . وقد أدت هذه الأساليب إلى تعزيز الدور السياسي لبعض الزعامات القبلية في اليمن والذي بدوره قد ساعد على تحقيق أهداف بعض مطامع السعودية في اليمن .

الأبواب المفتوحة

ونموذجا من صور تلك التدخلات ففي عام 1970م اعترفت السعودية بالجمهورية العربية اليمنية بعد ثمان سنوات من حربها للنظام الجمهوري وخشية من ان يشكل اليمن المستقر والقوى تهديدا للهيمنة السعودية فعمدت إلى الأوساط التقليدية والدينية في اليمن الشمالي وعلى وجه الخصوص على مشايخ القبائل وكانت السعودية وبمساعدتها لهم تأمل في تحقيق مأربها المتمثلة في إبادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ووضع كل شبة الجزيرة العربية تحت سيطرتها وبالتالي تحويلها إلى حصن للرجعية العربية . وبعد ان أعلنت حكومة الجمهورية العربية اليمنية عن انتهاجها لسياسة الأبواب المفتوحة الرامية إلى تحسين علاقاتها مع الغرب قدمت البلدان الغربية والبلدان العربية بما في ذلك الصناديق الدولية والعربية جملة من القروض لليمن ومع ذلك اتضح أن الدعم المالي الذي حصلت اليمن ليس كافيا وكان الأمل والرجاء أن تقدم السعودية المساعدات غير أنها أعلنت عن استعدادها لتمويل البرامج اليمنية على أن تقوم اليمن بمقابل ذلك بتوسيع العمليات العسكرية المفتوحة ضد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية . وفي عام 1972م وبسبب التدخلات السعودية بشؤون اليمن تسببت باشتعال حرب بين الشطرين ومع مطلع عام 1973م بدأت حملة اعتقالات واسعة ضد الشخصيات ذي النزعات التقدمية وعلى الخصوص في أوساط الضباط ووفقا لما أوردته صحيفة الثورة قامت لجنة خاصة اشترك فيها ضباط سعوديون بعقد اجتماعات اسبوعية وقامت هذه اللجنة بإحالة الضباط إلى الخدمة المدنية بحجة خرقهم للنظام العسكري وعدم   إذعانهم للأوامر وجرى اعتقال نحو 700 ضابط وعامل دونما مصوغ قانوني.

انقلاب يونيو

وبتسلم الحمدي للسلطة في 13 يونيو1974 م نهض الجيش كقوة سياسية مركزية ومؤثرة ومتميزة عن غيرها بصلابتها وقوة هيكلها التنظيمي ورغم ذلك لم تكن القوات المسلحة تمثل كيانا واحدا وتؤمن بعقيدة عسكرية واحدة فكانت القوات المسلحة تتكون من ثلاثة اقسام القوات النظامية وقوات الاحتياط والجيش الشعبي أي الوحدات القبلية والتي كانت تتبع مشايخ القبائل الذين كان اغلبهم يدين بالولاء للسعودية مقابل دعمها لهم بالمال والسلاح لتحقيق اهدافها في اليمن . واهتم الحمدي قبل كل شيء بتأمين وحماية البلاد من التدخل الخارجي . ومباشرة وبعد انقلاب 13 يونيو توجه وزير الدولة لشؤون الوحدة اليمنية إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ومن ثم أعلن رئيس اليمن الجنوبية بأن الانقلاب في اليمن الشمالي من شؤون البلاد الداخلية ويجب على الدول العربية عدم التدخل في شؤون اليمن الداخلية. وفي 21 يونيو كلف مجلس القيادة محسن العيني بتشكيل الحكومة وأعلن العيني بأن حكومته ستحافظ على علاقتها مع البلدان الشقيقة والصديقة وعلى الأخص مع تلك البلدان التي قدمت المساعدة عبر سنوات عدة للجمهورية العربية اليمنية وبالدرجة الأولي مع السعودية.

انتقاص للسيادة 

ومع بداية عام 1975م تمكن الحمدي من خلق علاقات مع البلدان العربية وغيرها من البلدان الشرقية بعد ان حصل منها على المساعدات الضرورية على شكل قروض وصفقات أسلحة للجيش اليمني غير ان هذا لم يكن يبعث الارتياح لدى السعودية فطالبت بتضييق علاقات اليمن الاقتصادية والعسكرية مع تلك البلدان وتوجه إلى صنعاء وفدان سعوديان الوفد الأول لبحث مسألة تزويد الجيش اليمني بالأسلحة الحديثة والوفد الثاني لتنظيم قضية المساعدات الاقتصادية ودار الحديث عن إنشاء المشروعات الهيكلية وبناء مصافي النفط واستنادا لما تناقلته وكالات الأنباء أخذت هذه المسألة طابعا حادا ومن غير المستبعد أن تكون هذه القضية من الأسباب التي ادت إلى استقالة حكومة العيني .فعندما  اكتشفت رواسب النفط في البحر الأحمر بالقرب من سواحل الجمهورية العربية اليمنية وكحماية لنهج البلاد الاقتصادي المستقل أعلن  رئيس الوزراء محسن العيني عن نوايا إنشاء شركة النفط الوطنية  فتقدمت السعودية باقتراح مضاد يقضي بإنشاء شركة نفط سعودية – يمنية شمالية مشتركة بحيث يكون للسعودية في الواقع على هذه الشركة السلطة المطلقة وقوبل هذا الاقتراح بالرفض من قبل محسن العيني وبهذا كتبت مجلة الحرية بأن العيني (كمناوئ مشهور للاحتكارات السعودية في اليمن حاول إقامة علاقات مع البلدان العربية الأخرى بهدف أن لا يقع اليمن نهائيا تحت النفوذ السعودي ) . 

وعلى مدى النصف الأول من عام 1976م أجرى الحمدي عدة تغييرات في الحكومة وفي أجهزة الوزارات والقوات المسلحة وذلك بإزاحة الشخصيات المرتبطة بالقبائل من مناصبها كما اتخذ الخطوات اللازمة لتنفيذ المنجزات والتحولات الاجتماعية والاقتصادية المضمونة النجاح وقوبلت هذه الإجراءات بالدعم الواسع من قبل المواطنين. وقدمت الدول العربية وبالذات النفطية المساعدات كما حصلت اليمن على مساعدات المنظمات الدولية والشركات الأوروبية الغربية إذ كانت قد اطمأنت إلى قدرة الحمدي على خلق الاستقرار في اليمن الشمالي وراهنت تلك المنظمات على تعزيز وتقوية سلطة الحمدي. وفيما يخص السعودية واصلت التمسك بسياستها المعتادة حيث ربطت بين الدعم التي تقدمه والممارسة السياسة لقيادة اليمن الشمالي وبقدر ما كانت الممارسات السياسية تتفق وتلبي المصالح السعودية بقدر ما كانت الرياض تمنح وتدعم حكومة صنعاء وهذا النهج يناقض بشكل صارخ مع سياسة الاستقلال الوطني التي أعلنها الحمدي. 

جرس السلام

منذ استلام الجيش للسلطة  برزت وبشكل كبير حتمية وضرورة تقوية الجيش وضعت قيادة الجيش برنامج لإعادة بناء الجيش جذريا وإعادة تسليحه ووضعت السعودية نصب عينها مسألة إخضاع هذه العملية لرقابتها رامية من وراء ذلك ربط جيش اليمن الشمالي بالأسلحة الغربية وفي نهاية إبريل 1976م نشرت الأنباء والصحف الأمريكية أخبارا مفادها بأن السعودية قدمت 139 مليون دولارا مقابل تمويل صفقة  أسلحة لليمن الشمالي ومن الطبيعي أن لا يكون هذا بدون شروط سياسية  فكان ذلك هو اتفاق (جرس السلام ) بين اليمن و السعودية  وقع في العام 1976م من الجانب اليمني الرئيس إبراهيم الحمدي ومن الجانب السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز  وكانت مدة هذا الاتفاق خمس سنوات وكان ينص على أن يقوم اليمن بموجبه بالتخلي عن التسليح السوفيتي والخبراء السوفيت مقابل ان تقوم السعودية بتسليح الجيش في الشطر الشمالي من اليمن بسلاح غربي واستبدال الخبراء السوفيت بخبراء أمريكيين ومن دول إسلامية مثل باكستان والأردن . فترتب على ذلك الاتفاق استياء سوفيتي  مما فعله معهم إبراهيم الحمدي حين أعاد  في عام 1976م صفقة دبابات وطائرات سوفيتية وصلت إلى ميناء الحديدة تحت تأثير اتفاق جرس السلام الذي كان قد عقده مع السعودية .

الحقيقة المنسية !

 في مطلع عام 1995م حينما انفجرت مشكلة الحدود اليمنية – السعودية جاء تصريح نائب رئيس الوزراء اليمني عبدالوهاب الأنسي آنذاك الذي قال فيه : ( إن أسلوب إخوانا في المملكة العربية السعودية معروف إنهم يحبون أرض غيرهم كثيرا وموقفهم من جيرانهم ربما ليس مرضيا في كل الأحوال ) ليؤكد على أن عين السعودية على أراضي الغير ليس لأن عشب الجيران أكثر اخضرارا أو رمالهم أكثر نفطا (وهي الدولة التي ليست في حاجة إلى الخضرة أو إلى النفط ) بل لأن تاريخها برمته قام دائما على التطلع إلى ما وراء الحدود .

 

تقييمات
(1)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا