أخبار |

الأطماع الاستعمارية في اليمن والبحر الأحمر وجزره اليمنية (3)

الأطماع الاستعمارية في اليمن والبحر الأحمر وجزره اليمنية (3)

قراءة من كتاب البنيان المرصوص الجزء2لمؤلفه العميد د\حسن حسين الرصابي .

قبل أن نقرأ واقعنا اليوم ونحن نكتب بالتضحيات والبطولات تاريخ من النضال والكفاح والمواجهة التاريخية مع طاغوت العصر وتحالفه لأهمية هذه المنطقة الحساسة التي يقف عليها الاقتصاديات الدولية من حيث نهما للطاقة والتجارة البينية بين دول المعمورة  والاحتياج الآمن لانسياب الطاقة والأمن  والاستقرار للمنطقة والابتعاد عن الاضطراب غير المحسوب نرى كل ذلك التدافع نحو المنطقة لفرض وجود ولفرض إرادة وعسكرة البحار لخدمة أجندة صهيونية.

وهذا ما جعل اليمن محط الأطماع والتنازع , بل تتسرب كل وكالات الاستخبارات الدولية الى معظم بلدان المنطقة تحت مختلف الأغطية نشاط شركات ,وخدمات وغيرها .. وهي في ذات الوقت أ ذرع خطيرة يوكل اليها في كثير من الأحيان صناعة أزمات وإدارتها , وزرع شقاق ونزاع في أكثر من بلد من أجل ضمان السيطرة الدولية المتعددة ولهذا فان ما نراه اليوم من متغيرات عاصفة ومن تحركات البوارج واساطيل الدول  النافذة عالمياً  يأتي ليؤكد أن كل عمل مشبوه , كل إخلال في الاستقرار أ وفي السلام الاجتماعي أوفي تغذية الصراعات والاقتتالات , أوفي شن حروب عدائية مدمرة كما هو الحاصل باليمن الحبيب..

إذ أمتد ت الاطماع الدولية وفرض مراكز نفوذ وهيمنة استكباريه لدول استعمارية عظمى .. وهذه الحركة الاستعمارية لها جذورها في العصور القديمة وفي العصر الحديث , وفي الحاضر المعاصر الذي ابتليت به الأمة .. وتدفع ثمنه باهظاً من أمنها واستقرارها ومن قوافل الضحايا والشهداء الذين روت دمائم الأرض وغيرة لون الماء .. ومن المهم ان نستعرض شيئاَ من ذلك الاستعمار ومن ذلك المخطط الاستعماري ..

لنكون جميعاً على بينة وبصيرة مما يحاك لامتنا وارضنا وأوطاننا العربية والإسلامية وخاصة يمننا الغالي ولوعدنا إلى قراءة وثائق التاريخ لأشارت إلى ان الاهتمام البريطاني باليمن  يعود الى بدايات القرن السابع عشر في إطار  المنافسة الاوروبية على التجارة وتحديداً المنافسة البريطانية البرتغالية والهولندية ,الألمانية..

عندما بدأت شركة الهند الشرقية في ارسال اول وكاله تجارية في العام 1659م إلى مدينة المخا حينها احتكرت بريطانيا الجزء الأكبر من تجارة اليمن الخارجية وبالذات تجارة البن والجلود..

وفي مطلع القرن الثامن عشر تسلل التجار الفرنسيون الى سواحل اليمن واحتدمت المنافسة بين الإنجليز والفرنسيين والهولنديين ..

وما بين عامي  1720م - 1750 م اتسعت التجارة الاوروبية في المنطقة ومنها اليمن .. لتختزل بعد سنوات على البريطانيين والفرنسيين . وتواصلت التنافسات بين البريطانيين والفرنسيين عندما أقدمت فرنسا على احتلال مصر عام 1798م حينها تطورت المنافسة لتصل الى ميدان المواصلات وتأمينها .. لان غزو نابليون بونابرت أصاب بريطانيا بالذعر ,خاصة بعد تكشف لها ان نابليون كان يضع الهند في حساباته الاستعمارية فسارعت بريطانيا إلى إرسال قوة حربية الى الساحل الشرقي  من مصر , وكذلك فرض سيطرة عسكرية على مركز استراتيجي في البحر الأحمر    " جزيرة ميون " ليتسنى لها مراقبة حركة السفن الفرنسية ومواجهتها .

وكانت الاستجابة لمصالحها تتم بسرعة إذ بادرة الى ايجاد موطئ قدم لها في الجزء الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية .. ففي عام 1799م أحتلت بريطانيا جزيرة ميون ولكنها سرعان ما انسحبت منها بسبب قلة المياه , وكذا عدم استطاعة المدافع التي بحوزة الحملة السيطرة على مضيق باب المندب ..

وتحت ضغط الاحتياج البريطاني الى ميناء عدن ذهبت بريطانيا الى السلطان   العبد لي سلطان لحج الذي كان يسيطر على ميناء عدن لتوقع معه اول معاهدة تجارية لضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة , وتصاعد الاهتمام البريطاني بعدن ومينائها بعد نشوب الحرب البريطانية الأمريكية بين عام  1812م  _ 1814م , ولاسيما بعد تمكن التجار الأمريكان من احتكار الجزء الأكبر من تجارة البن في المخا واصبحوا يهددون المصالح البريطانية تهديداً مباشراً في المنطقة اليمنية..

ثم ما لبثت بريطانيا أن اتجهت بثقلها لإيجاد قاعدة  استناد تساعدها في تسهيل حركتها التجارية واستخدام الملاحة في البحر الأحمر بدلاً من طريق رأس الرجاء الصالح , وخاصة بعد اكتشاف البخار الذي أنعش المطامع البريطانية في السيطرة على ميناء عدن لاستخدامه كمحطة لتموين سفنها بالفحم .. لذلك استأجر البريطانيون في عام 1829م ساحة في منطقة صيرة ثم ما لبثوا أن تركوها واتجهوا المكلا وإلى المخا كمحطتين مستقلتين وتلا ذلك تسلم القبطان هنس أمراً بالاتجاه إلى المهرة من اجل شراء جزيرة سقطرى لتكون محطة التموين ولكن هنس لم يوفق .. وعاد من جديد الى عدن وكتب هنس حينها الى حكومته: ان هذا المر فاء العظيم يمتلك من القدرات والإمكانات مالا يملكه ميناء آخر في الجزيرة العربية .. ان ازدهاره لاشك سيقضي على ميناء المخا وبقية موانئ البحر الأحمر..

لتبدأ بهذا الاهتمام مرحلة جديدة من الاستعمار وبدأت بريطانيا تفرض سيطرتها المباشرة في العام 1839م  باقتحام عدن وفرض السيطرة الاستعمارية على عدن .. وبالتوازي جاء تحرك الأتراك إلى تهامة وخاصة بعد أن اجبرت جيوش محمد علي على  الانسحاب من الجزيرة العربية ..

 وساحل تهامة لتشهد المنطقة صراعاً على النفوذ على الهيمنة والسيطرة على الموانئ اليمنية وموانئ المنطقة .. ولتبقى المنطقة بؤرة صراع خفي وظاهر بين الأتراك وبين الإنجليز ألقت بظلالها على اليمن لفترات طويلة.

وفي هذا الإطار .. نواصل الإشارة إلى جملة من القضايا التي تهم الساحل الغربي لليمن والأطماع الأجنبية فيه ..

وتواصل تلك الأطماع حتى الوقت الراهن .. والملفت للانتباه أن نفس الذرائع التي كانت تساق في تلك الفترة السابقة , وأعيد انتاجها من جديد , لجأ اليها المستعمرون الجدد , متبعين ذات الذرائع السابقة.. وحينها في تلك الفترة.. وفي إطار المنافسة الأوروبية قامت حكومة بومبي ببث أخبار وشائعات مغرضة ونشاطات موجهة , مدعية أن حاكم اللحية الشريف حمود قدباع جزيرة كمران للسيد محمد السقاف الذي كان حليفاً للفرنسيين من اجل اقامة مؤسسة تجارية فرنسية في هذه الجزيرة وكان هدف حكومة بومبي من هذه الشائعة من ان تتحرك حكومة التاج البريطانية لتفرض سيطرتها على جزيرة كمران .. وبالطبع سارع القنصل البريطاني في المخا إلى مقابلة الشريف حمود للتأكد من صحة هذه المعلومات .. بل زاد أن قام بعد بزيارة الشريف حمود على زيارة جزيرة كمران ..

ووصفها بأنها أفضل ما رأى في البحر الأحمر بعد عدن وأنها أنسب مكان لا قامة مستوطنة بريطانية عليها .. وفي إطار الأطماع البريطانية في البحر الأحمر وفي كمران لجأ ت شركة بومبي بإيعاز بريطاني رسمي إلى كيل سيل من التهم  على السقاف الذي كان يملك أسطولاً من السفن التجارية متهمة إياه بالعمالة للفرنسيين وانه يقيم تحصينات عسكرية للفرنسيين في الجزيرة ,بل أتهمته بانه استولى وقرصن سفينة أمريكية ونهب ما احتوته من سلع ومنتجات ثم قام بإحراقها خدمة للفرنسيين برغم براءة السقاف من تلك التهم الكيدية. ولم تكتف شركة بومبي بذلك بل ارسلت طرادين وعدة سفن حربية بريطانية اتجهت إلى ابي عريش للضغط على الشريف حمود يفسخ الصفقة وإبطالها مع السقاف وعدم السماح له ببنا مستوطنة فرنسية في الجزيرة .. وضاعف من هذا الموقف المتصلب والعنجهي أن هدد مندوب الشركة بان بريطانيا سوف تضطر لفرض سيطرتها على كمران والاحتفاظ بها .

بهذه الضغوط تمكنت بريطانيا من إزاحة فرنسا وضمنت عدم تعاون اهالي الساحل الغربي معها . وفرضت السيطرة  البريطانية على كل الساحل الغربي من خلال قاعدتها في عدن بعد ان احتلتها في عام 1839م  بحسب ما يؤكده المؤرخ سيد مصطفى سالم الذي قال :

هكذا كانت بريطانيا وشركتها تبحر في تلفيق التهم لمن تريد لتغطية  أهدافها ومصالحها الخاصة كما كانت  دائماً ترفع شعارات براقة مختارة عند كل مناسبة مثل محاربة القرصنة كما فعلت مع السقاف حتى تبرر موقفها أمام السلطة العثمانية وغيرها . وبعد ذلك أصبحت عدن بعد احتلا لها بؤرة ومركزاً لرسم السياسة البريطانية على الساحل الشرقي الإفريقي والساحل الغربي للبحر الأحمر.

وفي التاريخ الحديث وصل العثمانيون إلى اليمن في النصف الأول من القرن السادس عشر تحت ذريعة إغلاق البحر الأحمر أمام الخطر البرتغالي فتحول البحر الأحمر إلى بحيرة عثمانية واقاموا جمرك "إسلكله"  في جزيرة زقر كما أقاموا جمارك في بقية الموانئ اليمنية من جيزان شمالاً حتى قشن جنوباً ..وكان أيضاً لمحمد علي باشا اطماع في اليمن عندما وصل الى المخا  ظلت قواته هناك لاحتكار تجارة البن في المخا . . ومكث  محمد علي باشا هناك حتى أجبر على الانسحاب عند عقد معاهدة لندن عام 1840م ..

وتصل الأمور الى اشتداد التنافس الدولي حول جزر البحر الأحمر ومعظمها جزر يمنية وكانت السطلة العثمانية قد عملت على تجديد وتحسين نظام الفنارات في الساحل اليمني واختارت ميناء المخا وجزيرة  ابو علي , وجزيرة الزبير , وجزيرة جبل الطير.. وبالمقابل تحركت اطماع ايطاليا من خلال حاكم أرتيريا الإيطالي    فرونيانمارثين 1897م , 1907م الذي تطلع الى احتلال جزر زقر, وحنيش , وتعمد زيارة سواحل جزر زقر , وحنيش بنفسه .. وكتب الى حكومته :

أن على ايطاليا أن تعد العدة لترث بعض ممتلكات السلطنة العثمانية , تكون على أهبة الاستعداد للانقضاض  على جزر زقر وحنيش عندما تتولى ألمانيا على جزر فرسان .. وعندما عملت ايطاليا على جس نبض بريطانيا ورغبة ايطاليا للسيطرة على زقر وحنيش  سارعت بريطانيا للرد على إيطاليا وقالت : بان الادميرالية البريطانية في البحر الأحمر لا تنظر بعين الارتياح الى استيلاء ايطاليا على جزر حنيش وزقر.. ووسط ازدحام الأطماع الأجنبية في المنطقة تأتي المانيا التي بدأت تبدي اهتماماً واضحاَ بالبحر الأحمر وبجزره , وتحت ذريعة بناء محطة لتزويد سفنها بالفحم .. وكانت وكالات رويترز قد نشرت خبراً في 17 سبتمبر 1900م  مفاده أن السلطان العثماني منح المانيا امتيازاً لثلاثين سنة لا قامة محطة فحم في جزيرة عقبان .. وقد وصلت سفينة المانية من لشبونة الى جزيرة كمران .. وانزلت خمسين طناً من الفحم .. وبعد شد وجذب حصلت المانيا من الأتراك العثمانيين على امتياز بناء مخزن للفحم في جزيرة كومة بسعة عشرة الاف طن..

 وبقراءة تاريخية لتلك الفترة , تتضح أن الأطماع الأوروبية في اليمن والبحر الأحمر وبالجزر اليمنية قد وصل حد الصفاقة فقد كانوا يتصرفون وكأنها ملكية خاصة بهم .. ولم يضعوا اي اعتبار لشعوب منطقة البحر الأحمر .. وهذه واحدة من الدروس التي ينبغي على الأجيال أن تستوعبها جيداً وأن تستفيد منها  في حاضرها ومستقبلها. نتابع القراءة من كتاب البنيان المرصوص الجزء الثاني بإذنه تعالى.  

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا