أخبار |

البحر الأحمر واطماع المستعمرين (2)

البحر الأحمر واطماع المستعمرين (2)

 القراءة من كتاب البنيان المرصوص الجزء الثاني لمؤلفه العميد القاضي حسن حسين الرصابي ..نواصل في هذا الفصل سرد التاريخ الموجز عن أطماع المستعمرين القدامى والجدد الذين يتجرعون اليوم في الساحل الغربي على ايدي رجال اليمن الأشاوس مرارات الهزائم والمواجهة القوية .

دعونا نقرأ ما تيسر من تاريخ هذه المنطقة وكم سيكون مثمراً ومفيدً لو أطلعنا الأجيال الجديدة ..والأجيال القادمة على تاريخ تلك التدخلات , وتاريخ الغزوات التي كسرها شعبنا ولسوف يكسر هذه الهجمات الجديدة والمغامرات بإذن لله تعالى

ولوعدنا قليلاً إلى عهود تاريخية مضت وأعدنا قراءة شذرات من تلك الأحداث لقالت لنا الكثير و لكشفت لنا أن الأطماع  قديمة ,وأن حسابات الأمس مازالت تجدد ثوبها اليوم وتطل على هذه الأرض المباركة بذات الشحنات وتلك الملامح والأطماع البغيضة .. ولقد كنا وسنظل الشعب القوي الصلب الذي لا يقبل  الضيم , وينبذ الهيمنة والوصاية , ويقاوم الغزو والاحتلال وكل محاولات فرض السيطرة على أرضنا وعلى قرارنا وعلى أرادتنا.. 

وتخبرنا أحداث التاريخ أن الرومان كانت لهم أطماع في البحر الأحمر وفي الساحل الغربي لليمن فقد عمل الرومان على مد نفوذهم البحري الى ميناء  أدو ليس  وهو ميناء زولاُ بالقرب من مصوع .. وهو الميناء  الرئيسي لدولة أكسوم على الضفة الأخرى المقابلة للساحل الغربي اليمني .. ولكن أكسوم داهنت الرومان ,ولم تجرؤ على تحدي النفوذ الروماني ,وعمدت إلى بناء شراكة اقتصادية ومصالح مع الرومان  حتى لا ينفرط عقدها وتنهار دولتها..

ولذا فقد امتد نفوذ الرومان إلى ميناء را تيا في جنوب الصومال اليوم ..

ورغم إن هذه المنطقة البحرية كانت تحت النفوذ المباشر للدولة السبئية – الحميرية, وها جر اليها عدد كبير من اليمنيين الذين اختلطوا بأهل المنطقة ..

وعمروا الأرض  وأسهموا في أنعاش الأوضاع الاقتصادية  والتجارية فيها , إلا أن الرومان لم يسمحوا لهذه الدولة  بإقامة أي سيادة مباشرة لها على الساحل الأفريقي ألمواجه لباب المندب , وفي سعي مخطط من الرومان الفرض كامل السيطرة وحتى لا يترك فرصة لعرقلة نفوذهم البحري في البحر الأحمر..

لم تقتصر الأطماع في الساحل الغربي لليمن , وفي البحر الأحمر تحديداً جنوبه باب المندب على الرومان , بل امتدت سلسلة الأطماع إلى القرن السادس عشر إلى أوروبا التي بدأت تشهد حينها حركة الاكتشافات الجغرافية حينذاك عندما تمكن البرتغاليون من الوصول إلى المحيط الهندي بهدف الاستحواذ على تجارة الشرق ,والعمل على تحويل هذه التجارة عن البحر الأحمر .. أما هدفها الآخر فقد تمثل في الوصول إلى مملكة القديس يوحنا  أي الحبشة لعقد تحالف معهم .. وكان الهدف الرئيسي هو ضرب اقتصاد وتجارة اليمنيين الذين كانوا يسيطرون على حركة التجارة عبر المجرى  الملاحي البحر الأحمر , ويقيمون شراكة وتعاون مع مملكة الأنباط على الطرف الآخر الشمالي للبحر الأحمر ..

ولذا جاء تحرك البوكيرك قائد الاسطول البرتغالي للسيطرة على عدن مفتاح البحر الأحمر الجنوبي , وقد وصل إليها بحملة كبيرة مكونة من عشرين سفينة في مارس العام 1513م وفي عمل عدائي قام بنهب كل ما كانت تحمله السفن التي كانت ترسو في مينا عدن ,وبادر إلى إحراقها وإغراقها .. وكانت المدينة والحامية المدافعة عنها قد اتخذت قراراً بأن تواجهه على الأرض نظراً لتفوق البرتغاليين في تقنية سفنهم وامتلاكهم المدافع الحديثة في ذلك الوقت..

ولقد استعصت مدينة عدن على الرضوخ للبوكيرك فأتجه إلى جزيرة كمران بعد أن هاجم الموانئ اليمنية واحرق واغرق ما فيها من سفن ..

وفي كمران أقام شهرين , وأرسل منها بسفينتين حربيتين إلى زيلع فقامتا بظرب وإحراق السفن فيها..

ثم ما لبث أن عاد إلى عدن وعمل على توجيه حمم مدافعه إلى المدينة وإلى الميناء مدة خمسة عشر يوماً متكاملة , ولكن المدينة لم ترضخ له واستعصت عليه .. فشعر بالخيبة , فهرول بأسطوله متجهاً إلى الهند وفي طريقه هاجم الموانئ على طول البحر العربي واحرق واغرق السفن الراسية بعد أن نهب ما فيها دون مقاومة تذكر ماعدا مينا الشحر فقد قاومت حاميتها ببسالة وتصدوا لا سطول البوكيرك ..

وبعد وفاة البوكيرك أرسل البرتغاليون حملتين إلى البحر الأحمر .. وكانت الأولى في عام 1517م اتجهت إلى ميناء جده ووجهوا ضربات مدافعهم إليه ,ولكن المماليك الذين كانوا يرابطون فيه تمكنوا من امتصاص تلك الضربات بفضل التحصينات الدفاعية التي أقاموها هناك ..

وتمكن المماليك من مهاجمة السفن البرتغالية التي كانت قد اتجهت إلى اللحية للحصول على الماء والطعام وفرضت سيطرتها على أحدا السفن البرتغالية..

أما الحملة البرتغالية الثانية فقد اتجهت في عام 1541م إلى أقصى شمال البحر الأحمر إلى ميناء الطور عند الطرف الجنوبي لشبه جزيرة سيناء..

 أما الأطماع البريطانية بالساحل الغربي لليمن وبالموانئ اليمنية فنعود إلى بداية القرن السابع عشر عندما بداء اهتمامها كجزء من المنافسة التجارية الأوربية وخاصة مع البرتغاليين والهولنديين ففي عام 1609م  بدأت شركة الهند الشرقية في إرسال أول وكالة تجارية بريطانية إلى المخا وتمكن البريطانيون من احتكار القسم الأكبر من تجارة اليمن الخارجية وتحديداً تجارة البن وتولوا تسويقه عالمياً .. وتلا ذلك ظهور التجار الفرنسيين على سواحل اليمن في بداية القرن الثامن عشر ,والذين بدأوا في منافسة التجار البريطانيين والهولنديين وبلغت ذروة التجارة الأوروبية في اليمن بين عامي 1720م - 1750 م  ثم انحصرت أخيراً بين البريطانيين والفرنسيين  وبالطبع أن محاولات فرض السيطرة العسكرية لم تكن بعيدة عن السير بالتوازي  مع السيطرة التجارية التي رافقت التواجد البريطاني الفرنسي في هذه المنطقة..

واستمرت الأطماع الاستعمارية في أرض اليمن في القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر, والتاسع عشر, والعشرين وحتى اليوم.

قبل أن ننطلق إلى دراسة التدخلات الأجنبية الجديدة التي نشهد تصاعدها موء خراً ..

على مدى حقب تاريخية مضت ظل الساحل الغربي لليمن والساحل الشرقي للبر الأفريقي مهوى الأطماع الأجنبية ..

ومثلما هو نعمة للتواصل مع الشعوب والأمم ومع النطاقات الجغرافية الإقليمية  والعالمية ,فانه كان وما يزال  منفذ للتنازع والصراع الدولي ..

نحن هنا نعيد قراءة الأمس مع الحاضر اليوم مع ما نشهده  من عدوان ومن أطماع دولية في منطقتنا .. اليمن لم ولن نقبل إلا أن تكون كامل السيادة الوطنية وستظل تقاوم وتتصدى للتدخلات الأجنبية وهذه سمة السياسة في الثقافة اليمنية..

وما يعترك  اليوم في الساحل الغربي لليمن ,والتحشيد الأجنبي هو امتداد لأطماع الأمس ولاستراتيجيات المستعمرين القدامى الذين تد ثروا اليوم  بلبوس حاضر وبمنهاج مخا ثل أسموه حارس الازدهار..

 

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا