الصفحة الإقتصادية

الاكتفاء الذاتي يواجه حرباً غير معلنة !

الاكتفاء الذاتي يواجه حرباً غير معلنة !

السماح بإدخال بذور البطاطس بعد منع استيرادها طعنة في ظهر الاكتفاء الذاتي
 لم تعد مواجهة الكارثة الإنسانية والمجاعة التي تفتك بأبناء الشعب اليمني سبيلا لمواجهتها، مع استمرار تواطؤ الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء التابع لها في تقليل المساعدات الإنسانية للفقراء والنازحين،

من أجل تحقيق انتصارات سياسية لصالح قوى تحالف العدوان، سبيلا إلا التوجه الجاد نحو الزراعة وتحقيق الامن الغذائي والاكتفاء الذاتي، الذي هو مبدأ أساسي لثورة الـ21 من سبتمبر المباركة، ليكون الاكتفاء الذاتي انطلاقة حقيقية نحو الحرية والاستقلال، ومطلب جوهري وضعته على عاتقها للتخلص من الوصاية والإملاءات الخارجية، وصولا لاستقلال القرار السياسي للشعب اليمني.

ذمار-  تحقيق: فهد عبدالعزيز
في خطابات متعددة ومحاضرات توعوية مختلفة، دعا قائد الثورة السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، إلى مضاعفة الزراعة، معتبرا اياها العمود الفقري للاقتصاد الوطني، من اجل الوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتقوية الإنتاج المحلي في شتى المجالات، حاثا الجميع دون استثناء من مؤسسات رسمية وتجار ورؤوس أموال، والمواطنين معا على التوسع في مختلف الأنشطة الزراعية الإنتاجية الداخلية، وجعلها عنصرا من عناصر القوة والحرية والكرامة والاستقلال الذاتي، حتى لا يصبح الغذاء ورقة ضغط على الشعب، والا يبقى مسحوقا من خلال الأزمات التي يصطنعها الأعداء.

إعاقة الجهود الوطنية
خلال الأشهر الماضية، وبعد أن تمكنت بلادنا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال العسكري عبر التصنيع الحربي المتنوع من القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير التي وصلت إلى مديات ما بعد الأراضي الفلسطينية المحتلة، استبشرنا خيرا بإعلان وزارة الزراعة والري الاكتفاء الذاتي في نوفمبر الماضي، الذي قضى بمنع استيراد بذور البطاطس من الخارج، معتمدة على الإنتاج المحلي من البذور والأصناف ذات الجودة العالية في الإنتاج لأكثر من 14 صنفا من البذور، حققت بنجاحات استثنائية خلال سنوات الحرب والحصار المفروض على بلادنا.

لوبي الاستيراد
إعلان الاكتفاء الذاتي لم يرق لـ(لوبي) الاستيراد الذي ينبهر بكل ما هو منتج أجنبي "أشقر" سواء من الملابس الرديئة، إلى بذور البطاطس غير المأمونة التي لا تخضع للمواصفات ومعايير الجودة، لتكبد المزارعين خسائر فادحة في الجهد واستنزاف المياه بالإضافة إلى أنها عديمة الجدوى والإنتاج، وتخلف اضرارا وبائية على التربة والمحاصيل الأخرى، بهدف إعاقة الجهود الوطنية الاستراتيجية، ليبقى باب الاستيراد مفتوحا بما يخدم مصالح وتوجهات شخصية، يترتب عليها نتائج عكسية على الأمنين الغذائي والقومي اليمني في آن واحد، كما حصل بعد إعلان الاكتفاء الذاتي بأيام قليلة لا تتجاوز فترة الأسبوعين، ليتم إدخال آلاف الاطنان من بذور البطاطس القادمة من ألمانيا وهولندا عبر الأراضي السعودية وميناء عدن، وسط شكوك بمدى جودة ومأمونية تلك الشحنة.
حيث كشفت وثيقة صادرة عن وزارة الزراعة والري بتاريخ  10 ديسمبر الجاري، سمحت بإدخال كمية تزيد عن 3 آلاف و900 طن لعدد 23 نوعا من البذور صدرتها 9 شركات أجنبية، وفق ما تداولته وسائل إعلام محلية، فقد سمحت الوزارة لشركة محلية لاستيراد الكمية، ليتم السماح بإدخال قرابة 5616 طنا من البذور الهولندية والألمانية وفق تصاريح الاستيراد التي صدرت بيوم واحد، بعد قرار اكتفاء الوزارة بصورة مفاجئة.

يد تحمي ويد تبني
وبعد أن تمكنت بلادنا تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال العسكري والتصنيع الحربي من الصواريخ الباليستية الاستراتيجية، ودخول سلاح الجو المسير الذي يصل على مديات بعيدة جدا ودخولها معركة السيادة الوطنية، تبقى الجبهة الزراعية هي محور الارتكاز الأكثر أهمية في تحقيق الاكتفاء الذاتي الزراعي  من خلال ترجمة مشروع يد تحمي ويد تبني"، الذي اطلقه الرئيس الشهيد صالح الصماد، بعد أن أصبحت اليد التي تحمي قوية غير قابلة للكسر، التي يجب أن تكون يد البناء موازية للحماية.

تناقضات الواقع
الدعوات إلى سد الفجوة الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي طيلة السنوات الماضية من بعض الجهات المعنية، أصبحت مفروغة من محتواها الأساسي لتصبح مجرد مصطلحات للاستهلاك الإعلامي، بينما الواقع يثبت تناقضه مع إعلان الاكتفاء الذاتي، ومخالفتها لكافة التوجهات الهادفة إلى خفض فاتورة الاستيراد لبذور البطاطس التي تقدر بأكثر من 10 ملايين دولار سنويا.
ولكن لن يتحقق ذلك الا بتوجيه الشركات المحلية المستوردة إلى خلق شراكة استراتيجية يكون القطاع الخاص رائد النهضة الحقيقية بدل الاستنزاف المهول للعملة الصعبة نحو الخارج، وتوجيه تلك الأموال نحو الإنتاج المحلي، عبر إيقاظ الشركات المحلية التي تصر على الاستيراد والعمل على تحريرها وفك ارتباطها من استمرارية مصالح الشركات الخارجية على حساب المنتج المحلي، وذلك بسن القوانين التي تحدد فترة أنشطتها الخارجية، وتوجهها نحو الارتباط بالمصالح الوطنية لأبناء الشعب.

مؤامرات سابقة
المؤامرة على اعاقة نجاح القطاع الزراعي لاتزال ممتدة منذ العقود الماضية، التي تحولت على اثرها اليمن إلى مستوردة للغذاء، بحسب تصريحات سابقة لنائب وزير الزراعة والري، الدكتور رضوان الرباعي، الذي اشار إلى أن فاتورة استيراد المنتجات الزراعية وصلت إلى خمسة مليارات دولار سنويا، بسبب اتباع سياسات البنك الدولي التي فرضت على اليمن، مطالبا الشعب اليمني بالعودة إلى الزراعة المحلية، واحياء العمل بالقطاع الزراعي والعمل على مضاعفة الإنتاج ورفع كفاءة الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والإدارة المتكاملة التي يمتلكها المزارع اليمني.

اصناف ضارة
مزارعو البطاطس "المحصول الغذائي الثالث" الذي يعتمد عليه أبناء الشعب اليمني وبشكل أساسي خلال السنوات الماضية من الحرب والحصار، وجدوا أنفسهم في فخ البذور المهربة وغير المأمونة، الذي يستخدم التجار وسائل وأساليب متعددة ومتنوعة لا هم لهم سوى الأضرار بالإنتاج الزراعي المحلي، في حرب غير معلنة على التوجهات الوطنية الراهنة.. يقول أحد مزارعي البطاطس بذمار، هلال  العكيمي، في حديث لـ"26سبتمبر": إن  دخول البذور المستوردة غير المطابقة للمواصفات، أحبطت جهود الكثير من المزارعين خلال الفترة الماضية، وتركت آثارا سلبية على توجهاتهم كونهم مبتدئين نتيجة الخسائر الفادحة الذي تعرضوا لها جراء الإنتاج القليل واستهلاك بعض الأصناف للكثير من المياه".
وأضاف العكيمي " لم يكن خطرها واضرارها نفسي ومادي على المزارع، بل أسهمت بنقل وإدخال الآفات النباتية الجديدة منن الأعشاب الضارة، ليتجه المزارع إلى استخدام مبيدات لمكافحة تلك الآفات، ضاعف من المخاطر البيئية والصحية، وارتفاع تكاليف الإنتاج".
وتابع العكيمي في سياق حديثه، أن المزارعين أصبحوا يثقوا بالبذور والأصناف المحلية المنتجة عبر شركة بذور البطاطس، التي عملت خلال السنوات الأخيرة على توفير البذور بكميات كبيرة، بعدما كان المزارع يبحث عن وساطات للحصول على بذور الشركة.
وطالب العكيمي، المزارعين بالتحري في شراء بذور البطاطس المأمونة، ومن الجهات الرسمية التي اثبتت جودتها وانتاجيتها الوفيرة، حتى لا يكونوا ضحية البذور المقلدة ذات الكروت والأكياس التعريفية المزورة، لأن خطورتها وخيمة على جهودهم واموالهم واوقاتهم، تجنبا الوقوع في الخسائر الأكيدة، مع ضعف الرقابة من الجهات المعنية على الأصناف الواردة إلى البلد.

معوقات الأمن الغذائي
ويشاركه الرأي المزارع، محمد صالح حسن، أن امراض البذور المستوردة منها المهربة، أصبحت مصدر قلق للمزارعين افقدتهم مواسم الحصاد التي كانوا يعولون عليها في استرجاع خسائرهم في الديزل والجهد وغيرها، نتيجة البذور غير المأمونة والملوثة بالفطريات والبكتيريا، بحسب إفادة المهندسين خلال السنوات الماضية.
وبين أن ادخال بذور البطاطس غير المأمونة التي تحمل الأمراض البكتيرية والفيروسية والآفات الحشرية، يترتب عليها نتائج وانعكاسات خطيرة وكارثية على المزارع والتربة والمحاصيل الزراعية الأخرى من الصعب مكافحتها والسيطرة عليها بعد انتشارها من حقل إلى حقل، لتمثل أكبر عائق يستهدف الأمن الغذائي لأبناء الشعب اليمني.

تحديث القوانين
وطالب المحامي والقانوني محمد حسن الديلمي، بتحديث القوانين التي يجب أن تواكب الحاضر وتفكر بالمستقبل لتسهم في التنمية الاقتصادية بطريقة استراتيجية، تصبح ملزمة للشركات المستوردة سواء في القطاع الزراعي او الدوائي وغيرها من القطاعات بالتوجه نحو الإنتاج المحلي، وصولا للاكتفاء الذاتي، حتى لا تكون بلادنا دولة مستهلكة قائمة على الاستيراد الخارجي، كما هو الحال في استيراد "الملاخيخ" الأعواد الخشبية التي تستخدم لنظافة الأسنان، وهذا معيب في حقنا كيمنيين.
وأشار الديلمي إلى خطورة ما أثير في وسائل الإعلام المحلية مؤخرا حول صفقة السماح بإدخال "بذور البطاطس" المستوردة، بعد إعلان الاكتفاء الذاتي من قبل الوزارة، تتحمل تباعتها القانونية كل من سمح بدخولها دون اخضاعها للفحص والتأكد من مدى سلامتها ومطابقتها للمعايير والمواصفات الوطنية وملائمتها للزراعة المحلية دون أن تصبح مهددة للإنتاج المحلي، لاسيما ونحن نواجه حربا غير أخلاقية من قبل دول تحالف العدوان على بلادنا، التي لا يستبعد تركيز جهودها على الإضرار بالجانب الزراعي وإعاقة التوجهات الجادة لعدم تحقيق ذلك.
وشدد الديلمي على أهمية توعية المزارعين الذي لابد أن يسهم الإعلام الزراعي بالدور الكبير في الترويج للبذور المنتجة محليا، الأكثر جودة وانتاجية والأقل جهدا واستهلاكا للمياه، التي لا بد أن يكون حضورها منافساً وبأسعار أقل من البذور المستوردة، مشيدا بالمستوى الذي وصلت إليه منتجات الشركة العامة إنتاج بذور البطاطس التي استطاعت أن تتجاوز التحديات وتقهر المستحيل، وتحقق الاكتفاء الذاتي خلال سنوات الحرب والحصار.

نجاحات استثنائية
وجعلت الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس من مضاعفة الإنتاج المحلي، جزء من معركة تحقيق الأمن الغذائي وصولا للاكتفاء الذاتي في الوقت الراهن، بعد أن تعرضت خلال العقود الماضية لحربٍ اقتصادية غير معلنة من الشركات الأجنبية وبمساعدة مثيلاتها المحلية بهدف إغراق السوق المحلية بمختلف الأصناف المستوردة وبأسعار أقل من التكلفة ليتسنى لها إعاقة أي نجاحات في تحقيق الاكتفاء الذاتي، لتبقى البلاد سوقا مفتوحة للبذور الرديئة التي لا تناسب أحيانا المناخ والتربة الزراعية في مختلف المحافظات اليمنية.
في غضون سنوات وجيزة من الحرب والحصار المفروض على بلادنا، توفرت الإرادة والإدارة الوطنية لشركة بذور البطاطس القادمة من صلب ثورة 21 سبتمبر، استطاعت دون الإملاءات الخارجية، أن تحقق الاكتفاء الذاتي دون أن تحققه طيلة الثلاثة العقود الماضية من تقليل فاتورة الاستيراد لأكثر من 1900 طن كمتوسط سنوي، بقرابة مليوني دولار، وإنتاجها 15 صنفا من بذور البطاطس، والاستغناء عن الاستيراد وتوفيرها البذور المحلية لكافة المزارعين، بعد أن تجاوز الإنتاج المحلي للهكتار الواحد متوسط الإنتاج العالمي في بعض الحقول بالحد الأدنى بين 40- 70 طنا للهكتار الواحد، بمساحة تقدر 130 هكتاراً للإنتاج الحقلي، بالإضافة إلى 20 هكتاراً لبرامج التطوير التي تبنتها الشركة في إضافة نوعية ولأول مرة بزراعة 34 بيتاً إنتاجياً ليصل معدل الإنتاج الحقلي لأكثر من 25 ألف طن من البذور في قفزة زراعية هي الأولى من نوعها منذ تأسيس الشركة، بهدف التعامل مع الحقول المكشوفة من الجيل السادس فقط.

تقدم كبير
وأعتبر محافظ محافظة ذمار، الأستاذ محمد ناصر البخيتي، أن ما حققته شركة إنتاج بذور البطاطس، من إنتاج أصناف جديدة من البذور تقدماً كبيراً للجبهة الزراعية في ظل الحصار المفروض على بلادنا، تسجل باسم اليمن، التي ستكون من الدول القليلة في الشرق الأوسط التي تستخدم الزراعة النسيجية، أحد أهم خطوات البناء الزراعي في تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.
تساؤل !
أين يكمن دور الجهات المعنية من المافيا التي توجه طعناتها المسمومة للإنتاج المحلي في محاولة منها لإفشال التوجهات الراهنة لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، لصالح مشاريع واجندات مجهولة، تحت مسميات لا يدركها الا من يستطيع فك شفرات "لوبي" الاستيراد الذي ينخر في الجبهة الزراعية والاقتصادية.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا