ما الذي أصاب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي؟
مع ارتفاع التضخم لمستويات غير مسبوقة عقب نشوب الحرب الأوكرانية، بدأ الفيدرالي الأمريكي في تشديد السياسة النقدية في مارس 2022م، من خلال رفع أسعار الفائدة بشكل متتالٍ،
إلى جانب تخفيض الميزانية العمومية، وإنهاء برنامج شراء الأصول ومنذ ذلك الحين قام الفيدرالي برفع أسعار الفائدة ست مرات على التوالي بنسب مختلفة، وهذا الرفع المتتالي أودى بخسائر كبيرة عليه، لارتفاع الأعباء المالية قيمة الإيرادات التي يتحصلها، من محفظة الأوراق المالية، وتوضح عدد من التقارير أن تحويلات الأرباح التابعة للخزانة الأمريكية، أصبحت بالسالب ووصلت بالسالب إلى 2.9 مليار دولار، في الخامس من أكتوبر الماضي، وهذا يؤكد أن إذا ما استمر ارتفاع سعر الفائدة، ستتزايد الخسائر، ولذلك ستتوقف التحويلات، المالية للخزانة الأمريكية، وهذا سيؤدي إلى اتكاء الاقتصاد الأمريكي، لإنشاء الأصول المؤجلة.
أثناء جائحة كورونا سياسة مختلفة
لقد لجأ الفيدرالي الأمريكي إلى سياسة ناجعة أثناء جائحة كورونا، فهو لم يزد من سعر الفائدة، بل عمل على شراء الأصول وتطبيق برنامج لشرائها؛ بهدف تعزيز السيولة في الأسواق، ودعم الائتمان، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حجم محفظة الأوراق المالية التي يمتلكها الاحتياطي الفيدرالي والتي تضم سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري ضمن حساب السوق المفتوح، بأكثر من الضعف خلال عامين لتبلغ حوالي 8.5 تريليون دولار في مارس 2022م، مقارنة بأقل من 4تريليونات دولار في مارس 2020م، في الوقت الذي ارتفع فيه تحويل الاحتياطي الفيدرالي جميع دخله الصافي لخزانة الولايات المتحدة، ونتيجة لتوسع إيرادات الفائدة من محفظة الأوراق المالية الخاصة بالفيدرالي خلال فترة الجائحة، وتجاوزها مدفوعات الفائدة، ارتفع دخل الاحتياطي الفيدرالي، ومن ثم زادت التحويلات إلى وزارة الخزانة الأمريكية، من حوالي 55 مليار دولار عام 2019م إلى 108 مليارات دولار عام 2021م، لكن مع الحرب الروسية الأوكرانية فالأمر مختلف وعكسي، أي أن التضخم كان بشكل مهول إلى جانب رفع سعر الفائدة بشكل كبير، وهذا ما سيؤثر سلباً على المركز المالي للاحتياطي الفيدرالي على عدد من الجوانب، كانخفاض قيمة محفظة الأوراق المالية، التي تأثرت قيمتها السوقية من سندات الخزانة والأوراق المالية تبعا للتغيرات في أسعار الفائدة بطريقة عكسية ارتفاعا، أي أن ارتفاع سعر الفائدة يؤدي إلى تراجع في القيمة السوقية للمحفظة.
قلة في إيرادات الفوائد للأوراق المالية
أيضا تراجع في إيرادات الفوائد من الأوراق المالية، عند تزامن ارتفاع أسعار الفائدة، مع تقليص حجم الميزانية العمومية، المتضخمة أصلا، وهذا ما سيُسهم بشكل غير مباشر في ارتفاع خسائر الفيدرالي الأمريكي، وإزاء ذلك، تشير التوقعات إلى تراجع حجم محفظة الأوراق المالية التي يمتلكها الفيدرالي إلى 6.3 تريليون دولار عام 2024م، مقارنة بحوالي 8.3 تريليون دولار في 2 نوفمبر 2022م، إلى جانب تسبب ارتفاع أسعار الفائدة في تحول محفظة الأوراق المالية الخاصة بالفيدرالي الأمريكي إلى وضع خسارة غير محققة، وصلت إلى 330 مليار دولار، أو حوالي 4% من القيمة الاسمية للمحفظة، وذلك في مارس 2022م، بينما بلغت مكاسب المحفظة غير المحققة حوالي 400 مليار دولار في عام 2020م، ونحو 128 مليار دولار عام 2021م، ومع الارتفاع في أسعار الفائدة المتتالي هذا العام، من المتوقع أن ترتفع الخسائر غير المحققة لتبلغ نحو 670 مليار دولار، أو حوالي 8% من القيمة الاسمية للمحفظة، لتنخفض بعد ذلك تدريجيا.
خسائر تشغيلية
ولا يمكننا أن نغفل الخسائر التشغيلية، للاحتياطي الفدرالي التي ارتفعت لأن مدفوعات الفائدة دائما ما تكون على التزامات الاحتياطي الأمريكي، كاتفاقيات إعادة الشراء العكسي، واحتياطيات المصارف، التي أصبحت تتجاوز إيرادات الفائدة من محفظة الأوراق المالية التي يمتلكها، والتي تبلغ حوالي 8.3 تريليون دولار، ولذا يتوقع مصرف باركليز أن تصل الخسائر التي يحققها الاحتياطي الفيدرالي؛ نتيجة تجاوز مدفوعات الفائدة لإيراداتها، إلى 60 مليار دولار عام 2023م، و15 مليار دولار في عام 2024م، وإذا ما تحقق عجزا، في صافي الادخار، ستتوقف التحويلات إلى وزارة الخزانة الأمريكية مؤقتا، ليكبر العجز المالي، وقد تصل التحويلات إلى صفر حتى 2025م بسبب استمرار رفع سعر الفائدة، إذا فالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بات على وشك السقوط، حتى سعر الفائدة لم يعد يسعفه.
لكن سيظل السؤال التالي دون إجابة لماذا في حالة الحرب بين موسكو وكييف، لجأ الفيدرالي الأمريكي إلى الاستمرار في رفع الفائدة للتغلب على التضخم، عوضا عن شرائه الأصول وتطبيق برنامج لشرائها؛ بهدف تعزيز السيولة في الأسواق، ودعم الائتمان؟