الصفحة الإقتصادية

الاستثمار الزراعي خطوة رئيسية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي

الاستثمار الزراعي خطوة رئيسية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي

الاكتفاء الذاتي من الحبوب يعني استقلال القرار السياسي وتحسن الاقتصاد وتراجع مؤشرات الفقر والبطالة
تعيش الدول الأوروبية وبريطانيا موجة جفاف شديدة لأول مرة منذ عقود زمنية طويلة،

تسببت يتصاعد الحرائق في الغابات جراء ارتفاع درجات الحرارة إلى أعلى مستوياتها، وبالمثل تعاني الجفاف الحاد بريطانيا، وغرب امريكا واجزاء واسعة من دول القرن الافريقي من شمال اثيوبيا وحتى شمال كينيا  ، وتشير العديد من التقارير الدولية ان الجفاف اصبح يهدد العالم اليوم، وفق ما تشير إليه التقارير والدراسات المناخية، بينما نعم الله ورحمته في هذا البلد بالأمطار الغزيرة متواصلة منذ اسابيع، وهذه نعمة من الله الذي أكرمنا بهذا الغيث المدرار، وعلينا أن نستغل هذا النعمة ونوظفها التوظيف الأمثل في رفع معدلات الإنتاج الزراعي وتحصين البلد من ازمات الغذاء العالمية المتوقعة أكانت الناتجة عن الاضطرابات السياسية واستمرار الحرب الروسية - الأوكرانية وان كان هناك انفراج فيما يخص تصدير القمح الأوكراني للأسواق العالمية بكميات تجارية كبيرة، لكن أصبح الجفاف اليوم مهدداً اخر سينجم عنه انخفاض معدلات الإنتاج العالمية من القمح والحبوب، وسينعكس بشكل سلبي على استقرار اسعار الغذاء في الأسواق الدولية وكل الدول التي تعتمد على الاستيراد لتغطية الفجوة بين الإنتاج المحلي والاحتياج من الغذاء سوف تتأثر بأزمة الغذاء المتوقعة.
وبما أن الله الكريم الرحيم العظيم قد اكرم هذا البلد بهذه الأمطار التي هطلت بغير موسمها بكميات كبيرة ، بعد موجة جفاف لو استمرت لعام أو عامين في ظل ما تعانيه اليمن من انقسام سياسي وصراع اقتصادي وعدوان وحصار  لهلك الحرث والنسل ، فأمام اليمنيين اليوم فرصة ثمينة ولديهم أكثر من دافع للتوجه الجاد والجماعي نحو الزراعة بمختلف أصنافها وخاصة الحبوب بأنواعها أكانت الذرة الرفيعة أو السامية أو الدخن أو الغرب أو " القمح "، فاليمن يمتلك مقومات زراعية عالية والدراسات التي أعدت حول زراعة القمح تفيد بأن اليمن زرع "البر "قبل امريكا ، وحتى أواخر الثمانينات من القرن الماضي كان الاكتفاء الذاتي في شمال اليمن أمناً ، واليوم يغطي احتياجاته الأساسية من القمح بأكثر من 90% على مصادر خارجية ، وبفاتورة باهظة ، قبل أربعة أعوام لم يتجاوز انتاج اليمن من القمح سوى 4.5% من احتياجاته، فالقمح كان يزرع دون توقف في عدد من مناطق الجمهورية ولكن بكميات محدودة كون الدولة لم يكن الاكتفاء الذاتي من أولوياتها ، بل وصل بها الحال إلى دعم القمح الأمريكي والاسترالي والكندي بمليارات الدولارات ووضعت دعم واردات الغذاء في قائمة السلع المدعومة منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي  حتى العام 1997، فرضت تداعيات حرب صيف 1994 ، على الدولة أن تتراجع عن دعم القمح المستورد بعد أن تصاعد العجز العام في الموازنة ووصلت إلى حد العجز عن الاستمرار في دعم القمح الأمريكي بعدما وصلت فاتورة الدعم إلى مستويات كبيرة ولو كان لديها رؤية كان الأولى بالدعم أن يوجه نحو التنمية الزراعية ورفع معدل الإنتاج الوطني من القمح والحبوب .
وحتى لا نغرق في الماضي القريب الذي لو كان إيجابياً لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه ، علينا أن نهتم في حاضرنا ونتفادى الأخطاء ونصحح المسار بالعودة إلى الأرض والفلاحة لتأمين الغذاء على مستوى الأسرة والدولة، فالنتائج الأولية لزراعة القمح في محافظة الجوف إيجابية ومؤشرات تحقيق اليمن اكتفاء ذاتياً من الحبوب وخاصة الذرة ومن ثم مادة القمح التي أصبحت سلعة استراتيجية خاصة ممكنة ، ولعل والجدوى الاقتصادية لإنتاج القمح حتى الآن مشجعة للقطاع الخاص فعليه التوجه نحو الاستثمار الزراعي في إنتاج القمح في الجوف أو تهامة أو ذمار أو ابين أو حضرموت .
علينا ان نوظف كل الإمكانيات من مراكز بحوث زراعية وأدوات انتاج حديثة وارشاد زراعي يضاف إلى توفير الأسمدة وتقليل تكلفة الإنتاج الزراعي، وان نتجه نحو ثورة زراعية يشارك فيها الجميع الدولة والمجتمع لكي نحقق اكتفاء ذاتي من الغذاء كون مشكلة النقص الحاد في الإنتاج الزراعي وخاصة الحبوب اصبح اليوم من اهم القضايا الاستراتيجية والحيوية ذات الابعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية في اليمن، نظرا للزيادة السكانية والتي فاقت الزيادة في إنتاج السلع الغذائية الرئيسية متسببة باتساع حجم الفجوة الغذائية ، وتحقيق الاكتفاء الذاتي يبداً من تامين الاسرة غذائيها من خلال توجهها نحو الاهتمام بالزراعة ، على مدى العقود الماضية او القرون الماضية لم يكن اليمنيين يستوردون الغذاء من الخارج ليسدو الفجوة بين الإنتاج والاحتياج ، بل كان لهم اهتمام خاص بالزراعة يبدأ من حصاد المياه من خلال تشييد البرك والسدود لتغذية المياه الجوفية من الامطار وتغذية الغيول والينابيع  التي كانت تظل طيلة العام ، ولا ينتهي بزرع البذور بل بالاهتمام بالأرض والعناية بها وصولاً إلى مرحلة الإنتاج وما بعد الإنتاج ، وحتى اليوم لا تزال مخازن الحبوب ومدافنها تتواجد في كل المنازل القديمة لتؤكد بان الزراعة وإنتاج الغذاء كان ثقافة وسلوك حميد نفتقده اليوم ونتمنى ان نحييه .
أن حل مشكلة الغذاء كما يتوقع البعض ليس في ارتفاع الإنتاج العالمي للحبوب او القمح الذي يحتل المرتبة الأولى من بين أهم ثلاثين سلعة مستوردة في اليمن، وتجاوز الطلب المحلي عليه ما يقارب الـ 3.5 مليون طن متري سنوياً وبتكلفة تجاوزت مليار ونصف الدولار حسب آخر التوقعات وخاصة في ظل الازمة الروسية ـ الأوكرانية، ومشكله الغذاء لا تنحصر في ارتفاع أسعاره الذي يستنزف النقد الأجنبي، بل مشكلة الامن الغذائي في هذا البلد مشكلة مركبة لها علاقة بالسيادة الوطنية والاستقلال السياسي والاقتصادي في ظل الهيمنة الدولية واستخدام أمريكا والغرب للغذاء كسلاح ضد الشعوب والدول ، لذلك الاكتفاء الذاتي من الحبوب يعني استقلال القرار السياسي وتحسن الاقتصاد وتراجع مؤشرات الفقر والبطالة ، فالتوجه نحو الاكتفاء الذاتي من الغذاء يحقق الأمن الغذائي  للبلد والامن الاقتصادي والاجتماعي ويحصن البلد من الاثار والتداعيات الناتجة عن الصراعات الدولية .
وعلى سبيل المثال كانت روسيا التي تخوض حرباٌ تشارك فيها دول الاتحاد الأوروبي وامريكا وبريطانيا ، ورغم قيام تلك الدول بإقرار سلسلة طويلة من الإجراءات الاقتصادية العقابية على روسيا ووضعت المزيد من القيود على صادراتها النفطية وحاولت خنقها اقتصادياً ، إلا انها فشلت ، وسر تفوق روسيا هنا الاكتفاء الذاتي من الغذاء والوقود ، بل أدت تلك القيود الغربية التي فرضت على موسكو لازمة غذاء عالمية على خلفية توقف صادرات القمح الروسية للأسواق الدولية خاصة وان صادرات قمح روسيا وأوكرانيا تمثل معاً حوالي 30٪ من القمح المعروض للبيع في السوق العالمية ، وفيما أوقفت الحرب هذه الصادرات فأن كان ولايزال يستخدم من قبل دول الاستكبار  كسلاح ضغط لترويض وكسر إرادة الشعوب والدول لمقاومة الهيمنة والاستعباد منذ القدم، ومن الأمثلة في تاريخنا الحصار الغذائي للعراق من قبل أمريكا وحلفائها لأكثر من عقد " قبل احتلاله في 2003 "،والحصار المطبق على اليمن .
لو نظرنا إلى سر تفوق روسيا العسكري لوجدنا ان تماسكها الداخلي ناتج عن اكتفائها الذاتي ، ولكن روسيا حتى وقت قريب كانت تستورد معظم غذائها وخاصة القمح من أمريكا ، وبفعل الاكتفاء الذاتي الذي جرى في عهد الرئيس الحالي بوتين ، تحولت روسيا من دولة فاشلة  تعتمد على القمح الأميركي لتغذية شعبها إلى أكبر مُصدِّر للقمح في العالم، بل تجاوز إنتاجها ما ينتجه الغرب من القمح ، فالتجربة الروسية في تحقيق الاكتفاء الذاتي تجربة ملهمة لمن أراد ان يستفيد منها ، وبدايتها كانت عام 2000 ، حينما تولى فلاديمير بوتين سدة الحكم ، ووجد حكومته تستورد نصف احتياجاتها الغذائية من أمريكا ، فقرر تغيير واقع التبعية والاعتماد على الغرب بالسعي للاكتفاء الذاتي وتحرير السيادة الغذائية، وبعد سنتين فقط من توجه بوتين نحو رفع معدلات الإنتاج الزراعي بهدف الوصول للاكتفاء الذاتي تضاعف إنتاج القمح 3 مرات، وبعد خمس سنوات فقط احتلت روسيا قائمة مصدري القمح ، وفي 2010 تضاعف الإنتاج ليصل إلى 60 مليون طن في إطار المرحلة الثالثة من خطته، وفي 2016 احتفل بوتين بتحقيق الرقم واحد على مستوى العالم في تصدير القمح بعد أن صدر أكثر من 41 مليون طن ، وقال عبارته الشهيرة "أصبحنا رقماً واحداً، لقد هزمنا الولايات المتحدة وكندا".، ومنذ ذلك الحين حافظت روسيا على صدارتها وتحولت إلى مرحلة استغلال القمح للهيمنة والتوسع، فحمت  نفسها من السقوط في أيدي أعدائها مرة أخرى ، وساهمت بكسر  احتكار أمريكا بيع القمح في السوق العالمي ، وساهم دخولها السوق كمصدر بارتفاع العرض من القمح وبالتالي تراجعت الأسعار دولياً .
لذلك فهناك فرصة سانحة لتحقيق امن غذائي في اليمن وهناك ارادة سياسية مساندة وهناك تحديات تفرض.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا