قراءة في فقاعة انهيار العملة المطبوعة في المحافظات المحتلة
الفقاعة الاقتصادية ظاهرة اقتصادية نمت في الاقتصاديات المضطربة، وتكون نتيجة مقصودة في بعض الأحيان كونها مرتبطة بالمضاربة بالأسعار ورفع سعر سلعة او عملة او منتج إلى اعلى المستوى حتى يصل الى مرحلة التدخل او الخطر الكبير،
ومن ثم يتم التدخل من مؤسسة ما او دولة ما او حكومة ما، ليتم الانتقال الى مرحلة انفجار الفقاعة المفتعلة، فيحدث هبوط حاد ومفاجئ في السعر ، وهو ما ستشهده العملات المطبوعة خلال قادم الأيام ، كون الارتفاع في الدولار كان وهميا ونتيجة مضاربة مفتعلة ولم يكن مسبباً بعوامل موضوعية وانما كان مدفوعاً من قبل جهات او اطراف العدوان ، ولذلك سيحدث انخفاض وهمي ولكن لن يصمد ولن يوقف انهيار العملة غير القانونية .
ولذلك لا استبعد ان تنفجر فقاعة انهيار سعر صرف العملة المطبوعة وارتفاع سعر العملات الأجنبية في الأسواق الخارجة عن سيطرة حكومة صنعاء ويتم تخفيض مدعوم بوديعة سعودية سبق للرياض ان وافقت عليها في أكتوبر الماضي واشترطت تشكيل حكومة اتفاق الرياض، ولعل مؤشرات الاتفاق السعودي الاماراتي على إنهاء أزمات الموالين لهما من المرتزقة والعملاء في المحافظات الجنوبية وفرض تشكيل حكومة المناصفة بين الموالين للرياض وابوظبي لدليل على هذا التوجه ..
لن تجدي نفعاً أي وديعة سعودية جديدة وعدت الرياض بها مطلع اكتوبر الماضي، واشترطت سرعة تشكيل حكومة مناصفة بين قوى الارتزاق وفق اتفاق الرياض الموقع بين الطرفين مطلع نوفمبر 2019، مقابل تقديمها ثلاثة مليارات دولار، ورغم أن الوديعة المتوقعة قد تسهم مؤقتاً بارتفاع سعر صرف العملة المطبوعة مقابل العملات الأجنبية، ولكن دائماً المهدئات لا تحل المشاكل من جذورها بقدر ما تخفف من الألم مؤقتاً، فجلب الودائع دون حلول حقيقية على ارض الواقع سيرفع معدل الدين العام وسيدفع بالعملة مستقبلاً نحو الانهيار الحاد ، والحل باستعادة الإيرادات النفطية وغير النفطية المنهوبة في المحافظات الجنوبية ووقف عمليات تهريب العملات الصعبة للخارج من قبل قيادات عسكرية وسياسية وتجار الازمات والحروب في تلك المحافظات ، ووقف تحويل عشرات الملايين من الدولارات لحكومة الفنادق ، فما تسحبه تلك الحكومة من السوق المحلي شهرياً يتجاوز 90 مليون دولار وبمعدل تراكمي سنوي 1,1 مليار دولار ، يضاف إلى أن ما يمارسه مرتزقة العدوان من تهريب منظم للعملات الصعبة لشراء الفلل والشقق الضخمة في عدد من الدول العربية والأجنبية يعد عاملاً من عوامل استنزاف العملات الأجنبية من السوق المحلي ونقلها للخارج ، ولذلك لم يعد الوضع الاقتصادي والمعيشي اليوم في المحافظات المحتلة يستدعي الإصرار على المكابرة ، فالعودة إلى الصواب والدخول في مشاورات جادة لإنهاء الانقسام المالي والنقدي بين صنعاء وعدن ، وتعمل على توحيد السياسات المالية والنقدية ، وتحييد البنك المركزي اليمني كمؤسسة مالية مركزية وسيادية ، والاتفاق على آلية لتوحيد القنوات الايرادية من إيرادات ضريبية وجمركية ورسوم حكومية وايرادات النفط والغاز الذي يمثل المصدر الثاني من مصادر الدخل الوطني للعملات الصعبة والمصدر الأول من مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة ، يضاف إلى أن تحييد البنك وتوحيد قنواته الايرادية سيمثل خطوة هامة من خطوات السلام ، وسيشجع الاستثمارات المحلية والدولية على العودة مرة أخرى ، وسيوقف التلاعب بالمساعدات المالية التي تقدمها الدول المانحة وستسهم جميعها مع تحويلات المغتربين وايرادات النفط والصادرات الأخرى في تكوين احتياطي نقدي جديد للبنك المركزي ، لكي يقوم بدوره في تغطية الاحتياجات الأساسية للبلد من سلع ومنتجات ، ولا ننسى إن الانقسام المالي بين صنعاء وعدن ، كان احد أسباب بقاء سياسة الباب المفتوح المعتمدة قبل العدوان والحصار في الاستيراد ، فضرورات الواقع بحاجة اليوم إلى اتخاذ سياسة موحدة في كل ما سيسهم في خفض فاتورة الاستيراد، ومنها تقليص الواردات ورفع الصادرات وهو ما سيسهم في خفض الطلب على العملات الصعبة ، وسينعكس على سعر صرف العملة الوطنية بالاستقرار والثبات في السوق امام العملات الأخرى .
فهناك أكثر من مبادرة قدمت من قبل قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي أواخر العام 2018، بهذا الشأن، وكانت مبادرة مسؤولة ومهمة وهادفة، كونها دعت الى تحييد البنك ووضعه تحت إدارة مجلس إدارة وطني محايد، وتوحيد قنوات الإيرادات العامة وتحسين مستوى الإيرادات، واستخدام تلك الإيرادات في صرف رواتب موظفي الدولة وتغطية واردات البلد بالعملة الصعبة والحفاظ على سعر العملة ، واشترط عدم استخدام ا من تلك الإيرادات لتمويل الصراعات والحروب من أي طرف ، هذا المبادرة بحد ذاتها ، فضحت طرف العدوان ووضعتهم في زاوية ضيقة ، ولو كان فيهم رجلاً رشيداً او مسؤولاً لالتقط هذه المبادرة واعلن تجاوبه معها وتأييده لها .
لكن تجربة أربع سنوات من نقل وظائف البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، أكدت للجميع بان الهدف لم يكن اقتصادياً بقدر ما كان عسكرياً بامتياز، وأن القرار كان جزءاً من حرب اقتصادية شاملة تقف ورائها أمريكا ، واطلقها وزير الخارجية الامريكي السابق جون كيري ، عشية اجتماع الرباعية الدولية في مدينة جدة السعودية اواخر اغسطس 2016م والذي هدد باتخاذ إجراءات اقتصادية قاسية ضد صنعاء ان لم توافق على الاستسلام وليس السلام ، ونقلها السفير الامريكي السابق ماثيلو تيلر إلى مشاورات الكويت أواخر الشهر نفسه ، وخلال اجتماع وفد صنعاء المفاوض مع سفراء الدول العشر ،هدد ماثيلو بالحرف الواحد ضرب العملة وتحويلها إلى أوراق لا تساوي قيمة الحبر الذي تحمله ،ولكن دارت الأيام وكشفت ان الحسابات الامريكية كانت خاطئة وغير واقعية ، وارتدت سلباً على حياة الملايين اليمنيين في الجنوب والمحافظات الاخرى ، فحكومة الفار هادي نقلت وظائف البنك من صنعاء ولم تتمكن من إدارة البنك ولا تفعيل وظائفه باستثناء توظيف بعض الوظائف كطباعة العملة ، وتم تجاهل الغطاء النقدي وقامت تلك الحكومة تحت ذريعة ازمة نقدية بطباعة 1,7 تريليون ريال ، ومع ذلك لم تستطع إدارة تلك الكتلة النقدية الكبيرة والضخمة ، واصبح اليوم فرع البنك في عدن يعاني من ازمة سيولة نقدية ويقترض من الصرافين ، كما فشل في التحكم بتلك الكتلة الكبيرة من الأموال المطبوعة فأصبحت اليوم خارج القنوات المصرفية وتتواجد في الأسواق السوداء ، فاربع سنوات مضت من عمر الصراع والانقسام المالي ،كانت لها تداعيات كارثية على الاقتصاد اليمني بشكل عام ، وعلى الوضع الاقتصادي والمعيشي خارج نطاق سيطرة حكومة الفار هادي الشكلية بشكل خاص .
ورغم فداحة تداعيات قرار نقل وظائف البنك الذي يعد واحداً من اسوأ القرارات ، نظراً لتداعياته الكارثية ، لكن لم يتحمل مسؤولو ما تسمى بحكومة هادي تداعياته ولاتبعات تحويل الاقتصاد الى ورقة من أوراق الحرب التي يستخدمها تحالف العدوان ضد الشعب اليمني ، كونهم يتقاضون رواتب مغرية بالدولار والريال السعودي ، ويعيشون في حالة رخاء كبير خارج البلاد ، لذلك يكفي استهداف ما تبقى من استقرار معيشي واقتصادي ويكفي مقامرة بحياة الملايين من اليمنيين، فالتقارير المحلية والدولية تتحدث عن كارثة إنسانية تلوح في الأفق ، وقدرات اليمنيين على تحمل المزيد من الصدمات المعيشية استنفذت خلال ست سنوات ، ونطاق صبر الشعب على أولئك المرتزقة في مختلف المحافظات وتحديداً المحتلة انتهى ، وردة الفعل الشعبية الغاضبة التي نراها اليوم في المحافظات المحتلة بداية لإعصار شعبي غاضب سيقتلع المرتزقة والطغاة والمحتلين من جذروهم، واي ثورة قادمة لن تكون ثورة من آجل البقاء ، بل ثورة خلاص من كل الأسباب التي أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية في هذا البلد .