الصفحة الإقتصادية

الاقتصاد اليمني يتجاوز الصدمة بعد ست سنوات من الصمود

الاقتصاد اليمني يتجاوز الصدمة بعد ست سنوات من الصمود

حسابات العدو الاقتصادية اصطدمت بتماسك الشعب مع القيادة
الاقتصاد اليمني تكيف مع الواقع فانخفضت فاتورة الواردات إلى أكثر من 50%
على مدى السنوات الست الماضية من عمر العدوان والحصار، أمعن العدوان في  استهداف  الاقتصاد الوطني بصورة مباشرة وغير مباشرة،

مستهدفاً البنية التحتية وحركة الواردات والصادرات، وتعمد  تجفيف مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة، وبعد موجة من العنف الموجة ضد القطاعات الاقتصادية والإنتاجية في مختلف المحافظات، شددت دول العدوان الحصار على الموانئ، واستهدفت كافة القطاعات التي لها علاقة بالاستقرار المعيشي  للمواطن اليمني، فحولت  البنك المركزي والعملة الوطنية إلى ساحة حرب جديدة  آواخر العام 2016، بعد فشل توقعاتها السابقة في إيصال الاقتصاد اليمني الى حافة الانهيار في غضون اشهر وإماتة الشعب اليمني جوعاً، لكن رهانها على  الحصار والحرب الاقتصادية فشل في تحقيق تلك الأهداف، فالاقتصاد رغم الاضرار والخسائر الجسيمة التي تكبدها خلال سنوات العدوان والحصار، تماسك وصمد  امام كافة مخططات العدوان ومؤامراته، واسقط كل الرهانات خلال ست سنوات .
العدوان الذي  اعتمد على العديد من المؤشرات الاقتصادية المتدنية التي عانى منها كتراجع معدلات الإنتاج وتراجع الاحتياطات النقدية للبنك المركزي، وارتفاع فاتورة الواردات من السلع والاحتياجات من الخارج مقابل تواضع مستوى الدخل الوطني من العملات الاجنبية، وارتفاع معدلات عجز الموازنة العامة للدولة قبل العدوان مقابل ارتفاع النفقات، وغيرها من مؤشرات تمثل نقاط ضعف حقيقة عانى منها الاقتصاد الوطني بسبب اختلال هيكلي للاقتصاد  .
لكن حسابات العدو الاقتصادية،  ومحاولته بالحرب والحصار  إيصال البلد إلى حالة انهيار شامل، اصطدمت بتماسك الاقتصاد غير المنظم لسنوات  .
المفاجأة التي أربكت حسابات العدوان خلال الاشهر الاولى، تمكن  الاقتصاد اليمني  الذي يصنف كاقتصاد هش بين اقتصاديات دول المنطقة، تمكن من امتصاص الصدمة الأولى والحادة التي تعرض لها نتيجة الاستهداف المباشر الذي طال مختلف قطاعاته خلال العامين الأول والثاني من العدوان، وذلك لا يعود الى امتلاكه قاعدة إنتاجية قوية وموارد بديلة لتعويض ما فقدة نتيجة العدوان والحصار من مصادر دخل بل تكيف مع الواقع فانخفضت فاتورة الواردات خلال العامين الاول والثاني للعدوان اكثر من 50% عما كانت عليه قبل العدوان، يضاف إلى أن الاقتصاديات الهشة غير المنضمة كمجال الاقتصاد اليمني تعد من الاقتصاديات الأكثر تكيفاً مع الصدمات، بعكس الاقتصاد السعودي الذي يتأثر بشكل حساس ويهتز بمجرد تعرض احد المنشآت التابعة لارامكو محلياٍ ودوليا، تقارير رسمية صادرة عن وزارة التخطيط بصنعاء، اكدت ان  الاعمال العدوانية المباشرة وغير المباشرة التي نفذها  تحالف العدوان وتركزت باستهداف  القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة،  أدت إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بـ 30,5% بالسالب خلال العام 2015، وارتفعت إلى 40,6% بالسالب آواخر العام 2016، بعد نقل وظائف البنك المركزي من صنعاء إلى مدينة عدن آواخر سبتمبر من نفس العام، واستمرت حالة الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي خلال العامين 2017 ـ 2018 بنسبة 46,5% بالسالب و47,2% بالسالب مقارنه بالعام 2014، نتيجة قيام حكومة الفار هادي بطباعة كميات كبيرة من العملة دون غطاء أدى إلى اهتزاز ما تبقى من ثقة للعملة الوطنية لدى المستثمرين والمواطنين، لكن موقف الاقتصاد اليمني تحسن  خلال العامين الماضين نتيجة تنفيذ برامج الإنعاش والتعافي الاقتصادي من جانب، وكذلك وقف التعامل بالعملة المطبوعة الذي حجم هامش تداول تلك العملة في منطقة جغرافية محدودة في جنوب البلاد، فخلال العام 2019، حقق الاقتصاد اليمني اول تعافي بنسبة 1,6% مقارنة مع العام 2018، هذا التحول الاقتصادي الذي جاء نتيجة نمو القطاعات الإنتاجية من 28,1% إلى 31,7% في العام نفسه وان كان متواضعاً نسبياً ، إلا أن انتقال الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من المؤشرات السلبية للمؤشرات الإيجابية يعد تحولاً في مسار الاقتصاد اليمني في احلك مرحلة تاريخية مر بها منذ اكثر من 50 عاماً، ويؤكد تجاوزه الصدمات الاقتصادية الناتجة عن العدوان والحصار إلى مرحلة التعافي، ويعد احد ابرز صور صمود الاقتصاد اليمني في وجه المؤامرة السعودية والأمريكية التي تعرض لها خلال سنوات العدوان الماضية .
الخسائر بالارقام
على مدى الست سنوات الماضية من عمر العدوان والحصار ارتفع الفاقد في قيمة انتاج المجتمع من السلع والخدمات في الناتج المحلي الإجمالي من 49 مليار دولار آواخر العام 2016، وتفيد نشرة التطورات الاجتماعية والاقتصادية الصادرة عن وزارة التخطيط بصنعاء منتصف العام المنصرم، إلى إن الخسائر التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المحتسبة بصورة أولية تصل  نحو 93,4مليار دولار آواخر العام 2019، ووفقاً للتوقعات الاقتصادية فان هذه الخسائر تجاوزت الـ 100 مليار دولار آواخر العام الماضي، ووفقا لتقارير رسمية فإن تكلفة الفرصة الضائعة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مرشحة للارتفاع إلى اكثر من 140 مليار دولار آواخر العام 2022م، اللافت في الأمر أن هذه الخسائر لا تدخل ضمنها الخسائر والأضرار المادية البشرية والتدمير الذي لحق بالبنى التحتية والمنشآت الانتاجية والخدمية وتعطيل كثير من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، إضافة إلى تداعيات العدوان الكارثية متمثلة بصورة خاصة في الأزمات الحادة في السيولة النقدية وفي المشتقات النفطية والكهرباء والغذاء والمياه والنقل والتعليم والرعاية الصحية وغيرها. ونتيجة لذلك انخفض نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من 1191 دولار آواخر العام 2014، إلى نحو 364 دولاراً) بسعر الصرف الموازي ( عام 2019، وبمعدل تغير تراكمي بالسالب  69,6%
و تشير البيانات إلى أن العام 2019 م شهد استمرار تدني مستوى اجمالي الإيرادات والمنح، والتي بلغت اقل من ربع مستواها في العام 2014 م، جراء تراجعها بشكل متسلسل في الأعوام 2015 م و 2016 م و 2017 م بمعدلات 52.2  % و 17.6 % و4.1 % على التوالي، ورغم تحقيقها معدلاً ايجابياً بسيطاً في العام 2018، غير انها تراجعت خلال العام 2019 بنسبة  40.5 %، وذلك بسبب التراجع في كافة بنود ومصادر الإيرادات العامة والتي تمثل عائدات النفط والغاز احد اهم الموارد الرئيسية للموازنة العامة للدولة،  وقد استهدف تحالف العدوان الايرادات النفطية واوقف عملية الانتاج والتصدير.خلال العامين الأول والثاني  والتي كانت تساهم بـ 45% من إجمالي الإيرادات والمنح، وتغطي 40 % من النفقات العامة للعام 2014، قبل ان يسيطر على حقول النفط والغاز على تلك الموارد ويتقاسمها مع ادواته في المحافظات الجنوبية وفي محافظة مارب .
تقشف إجباري في النفقات
تشير التقارير الرسمية لوزارة المالية في صنعاء، إلى أن النفقات العامة التي تأثرت بتراجع الإيرادات العامة للدولة التي تعرضت لعملية استهداف ممنهجة بفعل قيام دول العدوان وأدواتها في الداخل بتجفيف مصادر الدخل الوطني المحلي والخارجي على حكومة صنعاء، تراجعت من 1939مليار ريال عام 2015، إلى 1672 عام 2016، وانخفضت بعد نقل وظائف البنك المركزي من صنعاء إلى عدن إلى 1273 مليار ريال أواخر العام 2017، وفي العام 2018م سجلت النفقات العامة 1388 ملياراً مقابل 1175.3مليار ريال عام 2019. بما نسبته 44.7% فقط من مستواها عام 2014، والتي بلغت 2630 مليار ريال، بسبب تدهور الإيرادات العامة وتضاؤل فرص التمويل، الأمر الذي أضعف من قدرات المالية العامة عن الاستمرار بالمستوى السابق من الإنفاق، ولذلك لم يكن هناك أي خيار أمام الحكومة في صنعاء غير التقشف الحاد خلال السنوات الماضية، بعد تعطيل إيرادات النفط على تقليص نفقات التشغيل وتأجيل صرف الكثير من المستحقات للموظفين كـ "العلاوات، والتسويات، والالتزامات للموردين والمقاولين، وتوقيف النفقات الاستثمارية والرأسمالية ونفقات الرعاية الاجتماعية، تلاها تعليق خدمة الدين العام الخارجي من أبريل 2016م، وتوقف صرف المرتبات والاجور للموظفين...الخ، سبتمبر 2016م، وعدم انتظام صرفها في العام 2017م، مما فاقم من الاوضاع المعيشية للطبقات المتوسطة والفقيرة و المستحقة للإعانات من السكان.
ترتب عن ذلك تناقص مستوى النفقات بصورة متسلسلة بمعدلات بلغت 26.3% و13.7% و23.9%، في  الاعوام 2015 و 2016 و 2017، على التوالي، أما الارتفاع البسيط الذي يقدر بنحو 9% في العام 2018م، مقارنة بعام 2017م، فكان بسبب الزيادة المستمرة في نفقات مدفوعات الفائدة جراء تراكم الدين العام المحلي، إلى جانب زيادة محدودة في النفقات على السلع والخدمات بهدف المحافظة على استمرار تقديمها بنفس مستوياتها في العام 2017م، وأي ارتفاع أسعار السلع إلى جانب تحسين بعض الخدمات، بينما أستمر التراجع في نفقات المرتبات والأجور، واستمرار توقف البرنامج الاستثماري، ونفقات الرعاية الاجتماعية. في حين تراجع إجمالي النفقات في العام 2019م، بسبب تر اجع مدفوعات الفوائد، وخاصة على الفائدة المدفوعة للبنك المركزي، مقابل رصيد حساب الحكومة المدين، اما بقية البنود فقد حققت زيادة مقارنة بالعام 2018م.
ونتيجة لتراجع الإيرادات بالتزامن مع ارتفاع النفقات، ارتفع معدل عجز الموازنة العامة للدولة كنتيجة حتمية لانهيار الايرادات العامة جراء تداعيات العدوان والحصار على اليمن، ولذلك توسعت فجوة الموازنة إلى درجة عدم كفاية المصادر المتاحة لتمويلها، وهو ما جعل الحكومة تلجأ إلى تعليق وتأجيل الكثير من النفقات بما فيها المرتبات والاجور وخدمة الدين العام المحلي والخارجي وغيره، ولذا فقد اتسمت فترة الخمس السنوات الماضية بعجز مرتفع وغير مسبوق تجاوز الحدود الآمنة المتعارف عليها دولياً، وترتب على استمرار ارتفاع عجز الموازنة العامة في العام 2019م، الى تراكم الدين العام المحلي من 3 تريليون و180 مليار ريال عام 2014م، والذي كان يشكل مانسبته 158.1% من إجمالي الايرادات الذاتية وحوالي 44.5%، من الناتج المحلي الاجمالي إلى 6 تريليون و342 مليار ريال بما نسبته 100.4% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019م، الامر الذي  رفع تكاليف خدمة الدين العام الداخلي، حيث بلغت نسبة  مدفوعات الفوائد في العام 2019م حوالي 99.1% من إجمالي الايرادات، و 46.7% من اجمالي النفقات، ولذلك تم اللجوء في بعض الأحيان إلى تمويل عجز الموازنة عبر الاقتراض المباشر من البنك المركزي اليمني .
تلك التداعيات اضافة إلى تراجع سعر صرف العملة الوطنية امام العملات الاجنبية ارتفعت معدلات التضخم لأسعار المواد الغذائية والاساسية والخدمات ، ووفقا للتقارير الرسمية فقد تعرض المواطن اليمني  لموجات تضخم حادة خلال الست سنوات الماضية من عمر العدوان والحصار، حيث بلغ معدل التضخم التراكمي في أسعار الغذاء  145% نهاية أغسطس 2020 مقارنة بديسمبر 2014م مقابل ارتفاع التضخم في المحافظات الجنوبية والشرقية الخارجة عن سيطرة صنعاء إلى اكثر من 200% ولايزال غير مستقر في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار في تلك المحافظات الى اكثر من 900 ريال بنسبة ارتفاع تصل 300% مقابل ارتفاع في صنعاء لا يتجاوز الـ 600 للدولار مقابل العملة القانونية التي ارتفعت الى 140 % ،  وفي أجور النقل بلغ التضخم بمعدل 145 %، وفي اسعار الصحة والخدمات الصحية والادوية بمعدل تضخم تراكمي بلغ نحو 139.7%، وفي اسعار  الكهرباء والغاز والوقود بمعدل 138.7% ولذلك تسبب العدوان والحصار خلال السنوات الماضية بحرمان اليمنيين من فرصة التمتع بالانخفاضات العالمية للوقود والغذاء، وساهم استقرار أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية بعدم ارتفاع معدلات التضخم إلى أعلى مستوى نتيجة الارتفاعات العالمية، ووفقا للمؤشرات فقد ارتفع  التضخم التراكمي إلى نهاية ديسمبر 2018 بزيادة  127 نقطة مئوية عن 2015، مقارنة مع زيادة 15 نقطة مئوية عامي 2019 و2020، ويعود حدوث انخفاض نسبي في معدل التضخم في أسعار المستهلك نهاية الفترة من 48 % ديسمبر 2018 إلى 8% ديسمبر 2019، لينخفض إلى 6 %، نهاية أغسطس 2020، يرجع بالأساس الى اتخاذ حكومة الإنقاذ إجراءات وقائية صارمة للحد من التضخم وارتفاع الأسعار من أهمها صدور منع التعامل بالعملة  الجديدة المطبوعة بصورة غير قانونية من قبل حكومة هادي، وتجريم التعامل بها، في  عام 2019م، ولذلك جنبت حكومة الإنقاذ الوطني الاقتصاد الوطني في مناطق سيطرتها المخاطر التضخمية الناتجة عن قيام حكومة هادي بطباعة قرابة 1,8 تريليون ريال من العملة دون غطاء .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا