أخبار وتقارير

إحياء الاتفاق النووي بين التفاؤل وخيبة الآمال

إحياء الاتفاق النووي بين التفاؤل وخيبة الآمال

عودة أطراف إحياء الاتفاق النووي إلى طاولة المفاوضات في فيينا بعد فترة انقطاع منذ  يونيو الماضي التي خاضت فيها هذه الأطراف ست جولات من المباحثات لكنها لم تتوصل إلى نتائج مرجوة لحل الأزمة،

وطي صفحة هذا الملف بشكل نهائي، إذ تتشبث الولايات المتحدة الأمريكية في إبقاء جزء من العقوبات ضمن اشتراطاتها لإعادة إحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه في العام 2018، وهو ما يعقد مسار الاتفاق السياسي لحل الأزمة في ظل غياب المرونة السياسية، وتصلب الإدارة الامريكية في المواقف التصعيدية للأزمة وإذكاء التوتر في التراشق السياسي والتلويح باستخدام الخيار العسكري، ثم تتناقض مع ذلك وتعلن بأن الهدف المفضل لديها هو العمل الدبلوماسي الذي يقلل من عدم الاستقرار واحتمال الإخطاء في الحسابات الناجمين عن الاعتماد على آليات الاحتواء.
خلال فترة ترشحه للرئاسة الأمريكية طرح جو بايدن استراتيجية تقييد برنامج إيران النووي من جزأين تنص هذه الاستراتيجية في جزئها الأول: على أن تقترح إدارة بايدن العودة إلى الامتثال المتبادل للاتفاق النووي المبرم عام 2015. وهو الاتفاق الذي انتهكته الولايات المتحدة بالانسحاب عنه في عام 2018 أما في الجزء الثاني :  أن تباشر واشنطن بمفاوضات جديدة مع طهران بشأن اتفاق أقوى وأطول يحل محل الاتفاق الأصلي. وساد الافتراض على نطاق واسع بأن الخطوة الأولى ستكون الجزء الأسهل في العملية، لمزيد من الضغط الأقصى بالعقوبات ويعني ذلك نفس النهج الذي اتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب. وبالرغم من فشل هذه السياسة في كسب تأييد شركاء الولايات المتحدة، فإنها أدت إلى الأضرار الكبيرة بالاقتصاد الإيراني وتدهوره المتسارع.
بيد أن الأحداث اللاحقة أثبتت أن هذه الخيارات المفرطة في التفاؤل عقدت مناخات التقارب، وعطلت مسار المفاوضات على الرغم من مطالبة برفع العقوبات ليس بشكل جزئي، وإنما بصورة كاملة أي أكثر مما نصت عليه "خطة العمل الشاملة المشتركة" بتخفيف العقوبات وهو ما لم تقبل به إيران، ولا بالضغوطات الأمريكية بأن تتخلى إيران عن برنامجها النووي.
وبموازة ذلك فإن الولايات المتحدة لا ترى في البدائل التي يعرضها حلفاؤها في المنطقة أي إغراء يمنعها عن ذلك، كما تبدو عند كل منعطف في الصراع يفتح الباب نحو خطر التصعيد واستعجال تجاوز مخاطره بتراجعات، ولا تجرؤ على المضي قدما نحو تسويات الملفات المأزومة من دون زج الأمن الإسرائيلي في دفتر شروط هذه التسويات، وربط الاتفاق بالعديد من الملفات في المنطقة للمساومة على ما يمكن أن تخرج به الولايات المتحدة من مكاسب في خلط الأوراق

فرص الحلول
المقاربة المنطقية التي يجب أن تسعى إليها واشنطن للاستجابة للتحديات التي يفرضها مأزق الاتفاق النووي أن تقوم بعملية الفصل بين استعدادها للعودة للاتفاق، والطلبات الإضافية التي تطال الملفات الإقليمية، أملا بأن يسرع هذا الخيار فرص الحلول للاتفاق بصورة تقترب من الشروط الإيرانية في الاستجابة لرفع العقوبات بصورة كاملة، بدلا من المراوحة، أو التفكير باللجوء للخيارات البديلة الوهمية بضم القدرات الأمريكية تحت عباءة الجيش الإسرائيلي للتلويح بعمل عسكري ضد إيران لإجبارها على القبول بالشروط الأمريكية، وربط ذلك بالمساومة مع قضايا ملفات المنطقة أملا بأن تشكل شبكة أمان افتراضية لتغطية الانسحاب الأمريكي من مناطق التوترات، وتسريع التفاهمات، رهانا على خلق تبريد متوسط المدى يبعد خطر الانفجار الإقليمي ما أمكن، ويطمئن الحلفاء في حال وقوعه إلى إلتزام واشنطن معهم، في ظل تقديرات خبراء أمريكيين تقول إن واشنطن تقنع نفسها بحل وهمي، فهي ترغب بالانسحاب وقلقة من الانفجار وقدماها عالقتان ولا تبدو المناخات مساعدة لإطالة وجودها.
وفي مقابل هذه التلكؤات تقول الخارجية الإيرانية "إما أن يتم الاتفاق على كل شيء، وإما أن لا يتم الاتفاق على شيء". ويبدو أن إيران استوعبت الدرس بشكل جيد، وبما يكفي من الخسارة الكبيرة لعشرات المليارات نتيجة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق في العام 2018، ولا تريد الدخول من جديد في اتفاق لا تضمن نهايته، وهذا ما يجعل إيران تتمسك بمسألة توفير ضمانات الاتفاق من الولايات المتحدة حتى لا يتكرر حدوث ذلك مرة أخرى، إذا نجحت المحادثات لأحيائها.

العودة إلى الاتفاق
عودة الولايات المتحدة إلى طاولة فيينا ليس مجرد رغبة من عدمها، بل غدت ملزمة لضمان أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم مهما حاولت الإدارة الأمريكية إيجاد الذرائع في تضليل الرأي العام والتهويل من أخطار البرنامج النووي الإيراني وما إن أعلنت إيران عن نيتها العودة إلى طاولة فيينا حتى بادرت أمريكا بسلسلة من الاستفزازات الميدانية في البحر والبر والجو، وتكثيف الأعمال المخابراتية والحروب السيبرانية على المنشآت النووية الإيرانية وعلى بقية المراكز الحيوية ذات التأثير الاقتصادي لمحاولة عزل إيران عن جوارها الإقليمي، وغيرها من الأزمات لتعطيل المفاوضات، ذلك لأنها تعتبر منطقة الشرق الأوسط منطقة حصرية لنفوذها ونفوذ إسرائيل، أو كما سماها هتلر "منطقة حيوية". ومن يحاول التغلغل إليها فهو يعتدي على المصالح الأمريكية ويهدّد أمن إسرائيل وهيمنتها بالوكالة، وبالتالي عليه أن يراعي هذا المبدأ. هذا هو الموقف الاستراتيجيّ الموجه لإيران وسوريا وحزب الله وحتى لتركيا.
وضمن هذه السياسة الاستراتيجية تتخندق إسرائيل وتحاول تكريس نفسها بالدولة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط في إطار استراتيجية التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي على بقية جيوش المنطقة، وهو السلاح الذي تعتبره بمثابة الردع في أية حرب شاملة، ولن تسمح بأي تفوق ينافس تفوقها، أو يؤثر على وجودها وتوسعها ومشروعها السياسي في التطبيع مع العرب، وايجاد تحالفات عسكرية جديدة، تهيأ أرضيته على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والعسكرية تحت قيادة الكيان الصهيوني.
ومن هنا تحاول إسرائيل استهداف البرنامج النووي الإيراني وتدميره خوفاً من وقوف إيران أمام المشاريع الاستعمارية وامتداد نفوذها في المنطقة لتعطيل مشاريع التطبيع على حساب القضية الفلسطينية.

منع أي تفوق
الأمثلة كثيرة على إصرار الكيان الصهيوني منع أي تفوق في بناء القدرات العسكرية للجيوش العربية، ومثال ذلك عندما قام سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير مفاعل تموز العراقي في 7 حزيران 1981م والذي كانت تخشى تل أبيب من أن يُحول العراق إلى دولة نووية منافسة لإسرائيل في المنطقة.
وعلى ذات السياق تحاول الولايات المتحدة استخدام الدعاية الإعلامية في توجيه الرسائل للتأثير على الرأي العام الاقليمي والدولي إلى الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني على الأمن والسّلم الدوليين، بينما إسرائيل لا تمثل هذه الخطورة، وهناك بون شاسع بين دولة لا تمتلك أسلحة نووية - حتى الآن - وبين إسرائيل المحسوبة من الدول النووية في التصنيف العالمي.
ومن أجل ذلك قامت إسرائيل بعدة خطوات في هذا الاتجاه كقيامها بالتخريب المتعمد للمنشآت النووية الإيرانية وقصف منشآت نووية قريبة من مفاعل بوشهر النووي، وإصابته بأعطال أدت إلى إيقافه عن العمل كما حدث في يونيو 2021م، فضلا عن إعدام وتصفية العلماء النوويين الإيرانيين والأكاديميين داخل وخارج إيران، وأيضا العلماء العرب وهم كثر. كما سعت إسرائيل جاهدة في عهد ترامب لإحباط البرنامج النووي الإيراني الذي وقعته إدارة أوباما في سنة 2015م، لتُقلص أيران بموجبه من أنشطتها النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها تدريجياً، إلاَ أن ترامب وبضغط إسرائيلي في عهد نتنياهو انسحب من هذا الاتفاق النووي بشكل أحادي الجانب وفرض عقوبات قاسية على إيران.
فالكيان الصهيوني يعمل  ولايزال من أجل إيقاف برنامج إيران النووي، وراح يهول للإدارة الأمريكية بأن إيران على وشك صنع القنبلة النووية بعقول وخبرات إيرانية، واحتمال أن تنقل هذه التجربة الناجحة إلى دول حليفة لها في المنطقة، أو لمنظمات ودول تعادي إسرائيل، والتي لطالما هددت بتنفيذ ضربات جوية عسكرية والدخول في حرب إن لزم الأمر مع طهران مثلما ذكر ذلك عدد من كبار المسؤولين في تل أبيب من بينهم نفتالي بينت رئيس الوزراء الصهيوني، ومستشار الأمن القومي إيال هولاتا الذي حمّل في لقاء مع نظيره الأمريكي جيك سوليفان إيران مسؤولية الهجوم على ناقلة نفط في بحر العرب التي يمتلكها رجل أعمال إسرائيلي،   
واعتبارها من أهم التحديات الاستراتيجية في المنطقة. وبالتالي فامتلاك إيران للسّلاح النووي يعد صفعة موجعة وفشلاً استخباريا ودبلوماسيا وعسكريا كبيرا لإسرائيل التي تحتكر حق امتلاك السلاح النووي، وهذا في اعتقاد الكثير من الخبراء العسكريين سيغير المعادلات الاستراتيجية وموازين القوى في المنطقة بحيث لا تصبح إسرائيل مهددة لعوامل الاستقرار في المنطقة.

الإجماع الصهيوني
وإلى ذلك مازلت الإدارة الأمريكية تتجاوب مع مطلب الإجماع الصهيوني بعدم العودة إلى الاتفاق وتعمل عناصر الحزب الجمهوري اليمينية المتطرفة جاهدة في الكونجرس لمنع بايدن من الاستجابة لمتطلبات العودة إلى الاتفاق النووي، ومنع رفع العقوبات -كلها- عن إيران،  إلا بما يتفق مع ضمان الهيمنة الامريكية - الإسرائيلية في الشرق الأوسط، وهذا هو جوهر مقولة "ضمان أمن إسرائيل" لأن ضمان أمنها لا يتم إلا بضمان سيطرتها وهيمنتها على الشرق الأوسط كمنطقة نفوذ،  أو منطقة حيوية لأمريكا   و"إسرائيل".
ومن هنا نستنتج في خلاصة هذا التحليل بحسب الرؤية الاسرائيلية بعدم عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق مع إيران، لأن عودة الاستقرار في الشرق الأوسط ستقرب الأنظمة العربية وشعوبها من بعضها البعض، في مناخات آمنة للانتعاش والازدهار الحضاري في مشاريع الاستثمارات والبنية الاقتصادية والتنموية والتطور العلمي والتكنولوجي والتبادل مع العالم الخارجي، وتصبح السوق العربية مفتوحة للتنافس الحر أمام كل دول العالم، وإذا كان هناك من تقارب في الاتفاق وهذا يعني أن يحقق مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل، وبغير ذلك سيبقى الاتفاق في حالة الجمود والمراوحة.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا