أخبار وتقارير

رسائل قمة الأسد وبوتين

رسائل قمة الأسد وبوتين

زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى العاصمة الروسية موسكو برفقة وفد رفيع المستوى يوم الاثنين 13 سبتمبر حملت في توقيتها الكثير من الدلالات وفي مضمونها العديد من الرسائل

لمسائل هامة بخصوص الأزمة السورية لمناقشتها مع الحليف الروسي بعد موجة من الأحداث العاصفة التي شهدها الإقليم عموما والساحة السورية على السواء لا سيما بعد الانسحاب الأمريكي "المهين " من أفغانستان. ذلك الانسحاب يكشف أن هناك تبدلات استراتيجية في إيجاد تحالفات جديدة مع دول الاتحاد الأوروبي لفكفكة الاتحاد الأوربي لمصلحة الولايات المتحدة التي تعلو حلفائها.
ولعل التحالف الجديد مع بريطانيا واستراليا حول صفقات الغواصات النووية ومخطط انتشارها على المحيط الهندي والهادي والمضائق البحرية يكشف بجلاء أن هنالك استراتيجيات جديدة في الحروب التي تعتمد على الغواصات النووية والطيران المسير والحروب السيبرانية.
ذلك هو المشروع الامبريالي الجديد للولايات المتحدة لتهديد الصين وروسيا لكن المشهد على القمة كما هو على السفح معقدا للغاية، ولا شيء يشبه ما كان عليه الحال بالنسبة للولايات المتحدة في 2001 م، ولم يعد هناك ما يجمع العالم تحت شعار "كلنا أمريكا " أو "من لم يكن معنا فهو ضدنا " رداً على قيام تنظيم "القاعدة" بأكبر عملية إرهابية على تفجير برجي التجارة العالمي، وما يبدو اليوم في كل هذه التبدلات أشبه برمال متحركة، إذ ليس هناك ثابت في "لعبة الأمم" وليس هناك مبدأ ميكانيكيا اسمه: كل فشل لطرف هو نجاح لطرف آخر، أو كل خسارة للاعب هي ربح للاعب آخر، ومن هنا بدأ الاتحاد الأوروبي يستشعر حجم الأخطار في اختراقات الولايات المتحدة للاتحاد الأوروبي اقتصاديا، وهناك دول في الاتحاد تتماهى معها على شراء طيرانها، والتعامل مع شركاتها ومشاريعها الاستثمارية بمليارات الدولارات في حين لا يوجد هذا القاسم بين دول الاتحاد وما حدث مع أستراليا لشراء الغواصات النووية من بريطانيا وأمريكا بدلا من فرنسا خير دليل، وكذلك صفقات أسلحة الطيران الامريكي لبلجيكا .
الانسحاب من أفغانستان بداية الرحيل الأول وسيلي نهاية هذا العام الانسحاب من العراق وإن كانت بوادره التدريجية قد بدأت من الآن، وسيتزامن ذلك الانسحاب من سوريا، ويتكهن مراقبون أن تشمل خطوات الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط ولعل قمة الرئيسين الروسي والسوري هي خطوة في طريق جنيف بين موسكو وواشنطن.
قمة موسكو تأتي في وقت يشهد فيه الملف السوري تحركاً في مختلف الاتجاهات سواء الميدانية أو السياسية، إذ أن تزامن هذه القمة يأتي بعد أيام من اتفاق درعا في الجنوب السوري والذي رعته موسكو ودعمت فيه النظام إلى جانب التصعيد الروسي في إدلب وشن غارات جوية على جبل الزاوية.
وعلى الصعيد السياسي فإن لقاء القمة جاء عقب زيارة المبعوث الأممي "غير بيدرسون " إلى دمشق ولقائه وزير خارجية النظام فيصل المقداد وهي زيارة طال انتظارها وجرت بضغط من الروس، وفي الوقت ذاته فإن انعقاد القمة جاء متزامنا قبل ساعات من لقاء مبعوث الرئيس الأمريكي ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي بريت ماكغوركن، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنيف في جنيف لمناقشة الملف السوري وطرح أوراق جديدة على الطاولة.
وخلال لقاء الأسد مع بوتين تحدث الأخير عن نقطتين أساسيتين: النقطة الأولى تتعلق بضرورة تنشيط الحوار مع الخصوم السياسيين حسب وصف بوتين، والمقصود هنا ضمان دفع عمل اللجنة الدستورية، إذ أن موسكو تريد من الحكومة السورية إبداء قدر كاف من المرونة والإيجابية مع هذا الاستحقاق، لأن موسكو تريد أن توظف ذلك في نقاشاتها مع الجانب الأمريكي.
أما النقطة الثانية حول مسألة “الوجود الأجنبي في سورية، والحديث هنا يخص بالدرجة الأولى التواجد الأمريكي في شمال شرق سورية، إضافة إلى تلميحه للتواجد التركي على خلفية تفاقم التباين بين موقفي موسكو وأنقرة حول التطورات في إدلب”.
واعتبر محللون متخصصون بالشأن الروسي أن موسكو باتت تملك خطة عرضتها على رأس النظام، وهذه الخطة هي محطة بحث أساسي في الاجتماعات القادمة بين المبعوث الروسي والأمريكي، وربما تتضمن تخفيف بعض العقوبات عن النظام السوري مقابل خطوات معينة يقوم بها لإبعاد الجانب الإيراني من الحدود الجنوبية من منطقة درعا ضمن إطار التزام كلا من موسكو وواشنطن بأولوية أمن الكيان الصهيوني في هذه المنطقة، وأنه يمكن أن تكون هناك بوادر خطة جديدة للتحرك الأردني بتنسيق مع واشنطن وإسرائيل وروسيا من أجل تخفيف جزئي للعقوبات عن النظام في المجال الطبي والإنساني وإعادة الاعمار مقابل ليونة للنظام في الملف السياسي ما يمكن أن يمهد لعودة النظام إلى الجامعة العربية، ومحاولة روسيا لإعادة تعويم النظام، وهذه المرة من بوابات إقليمية وعن طريق التخفيف من المعاناة الإنسانية في سورية، واستفادة الأطراف الإقليمية عبر مشروع خط الغاز وفتح المعابر الحدودية.
تبدو القمة ذات أهمية بالغة لنقل رسالة واضحة وجها لوجه بأن موسكو تسير في ترتيبات، وهي بالفعل تسعى بحسب المصادر الإعلامية إلى نقل نقاشاتها مع الجانب الأمريكي إلى مستوى التفاهمات على قضايا محددة، والمقصود بالقضايا المحددة ليست مبادرة روسية أمريكية -أردنية، لكن هناك على الأقل تفاهم مشترك روسي- أردني بأن المدخل الإنساني هو عنوان مهم للتأثير والحديث مع الجانب الأمريكي خصوصا على صعيد محاولة الحصول على استثناءات لقانون قيصر الظالم، لتخفيف المعاناة الإنسانية للشعب السوري .
وتأمل روسيا بفتح النقاشات مع الجانب الأمريكي على تفاهمات أوسع لبلورة آلية جديدة في التعامل مع التسوية السياسية في سورية لاحقاً، والمدخل الروسي ينطلق من أن اللجنة الدستورية هي المدخل الصحيح لتطبيق قرار 2245.
واعتبر محللون أن روسيا تحاول التوصل إلى تفاهمات مع الجانب الأمريكي على القضايا التي يمكن التوصل إليها مبدئياً، وترك المسائل الأكثر خلافية إلى مراحل مقبلة، وكل ذلك يتزامن مع الحراك السياسي مع الجانب التركي في إدلب وانتهاء بالتسوية في درعا كلها عوامل تستدعي التنسيق بين موسكو ودمشق، واتخاذ ترتيبات لحلحلة الأزمة مع الأطراف الدولية والاقليمية التي تتطلب تحريك حالة الجمود مع أطراف العملية السياسية في الداخل السوري من أجل التوصل إلى توافقات بين السوريين.
إلى ذلك تصدرت ورقة الإرهاب المدعومة دوليا وإقليميا حديث الرئيسين وأعرب الأسد عن امتنانه لنظيره الروسي لحجم الدعم العسكري الروسي لاستعادة كافة الأراضي التي خسرها تقريبا أمام الفصائل الإرهابية المسلحة بمختلف تياراتها وفصائلها التي سعت إلى الإطاحة بالنظام خلال الحرب التي اندلعت بعد احتجاجات 2011 م. وأصبح النظام السوري يسيطر على أكثر من 90 % من أراضي البلاد كما قال بوتين، بيد أن الوقائع الميدانية تشير في نظر محللين إلى أن القوات السورية تسيطر عملياً على نحو نصف مساحة سورية البالغة نحو 180 ألف كيلومتر مربع، وتسيطر "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة على أكثر من ربع مساحة سورية، بينما تسيطر الجماعات الإرهابية أو ما تعرف بفصائل المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، على جانب كبير من الشمال السوري، إذ يعتقد هؤلاء أن الرئيس الروسي أطلق رقماً تقديرياً لا أكثر حول المساحة التي تسيطر عليها قوات النظام، مضيفين: أنه يقصد أن منطقة شرقي نهر الفرات تحت سيطرة الأسد لأنها عملياً ليست كذلك.
على الجانب الآخر يتوقع محللون أن تحدث هناك خطوة متقدمة لحلحلة الأزمة وإعادة تطبيع الأوضاع من خلال التفاهمات المشتركة وتوفير مناخاتها للتسوية الشاملة لاسيما بعد زيارة الأسد إلى العاصمة الروسية موسكو، لكن كل ذلك يبقى مشروطا بالالتزام بتنفيذ الاتفاقات، وانسحاب القوات الأجنبية، وإخلاء تواجد الجماعات الإرهابية من الأراضي السورية وهي ما ستحددها إيقاعات الأيام المقبلة.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا