أخبار وتقارير

أزمة المليء الثاني لسد النهضة هل ما يزال الخيار العسكري مطروحاً

أزمة المليء الثاني لسد النهضة هل ما يزال الخيار العسكري مطروحاً

تثير الخطوة الثانية لملء سد النهضة الإثيوبي مخاوف كبيرة لدى مصر والسودان بسبب تداعياتها السلبية على حصتهما من مياه النيل الحيوية للبلدين ولم تسفر محادثات البلدين مع إثيوبيا

حتى الآن عن اتفاق لتقاسم المياه منذ انشاء سد النهضة على النيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية الإثيوبية عام 2011 م الذي تقدر تكلفته الفعلية بحوالي 4.6 مليار دولار.
وعند اكتمال عمليات الإنشاء سيكون أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية بطاقة توليد تصل إلى 6 آلاف ميغاوات وتخشى مصر والسودان بشكل كبير من تراجع حصتهما من مياه النيل على ضوء ضخامة المياه اللازمة لتعبئة البحيرة الاصطناعية المتشكلة بمساحة 246 كيلومترا مربعا وتتسع لأكثر من 74 مليار متر مكعب من المياه.
وفي الوقت الذي تصر فيه اثيوبيا في البدء بالمرحلة الثانية لملء سد النهضة بالرغم عدم التوصل لاتفاق ملزم مع دولتي المصب حول قواعد الملء والتشغيل وحصص المياه تتزايد المخاوف حول الخطوة الثانية لدى القاهرة والخرطوم من عملية ملء السد للحفاظ على أمنهما المائي وسط هذا التهديد.
فيما يبدو أمام البلدين العربيين نافذة خيارات ضيقة تتراوح بين استمرار الرهان على الديبلوماسية أو اللجوء إلى مجلس الأمن خاصة وأن سد النهضة قد أصبح حقيقة واقعة نجحت أديس أبابا في تأمين تمويله واستكمال بنائه بشكل شبه كامل في معركة شاقة استمرت قرابة عقد كامل من الزمان.
ومع ذلك تسير الأمور الخاصة بمفاوضات سد النهضة إلى مزيد من التعقد والتأزم وخصوصا بعد التحول المفاجئ في الموقف السوداني والقبول –المبدئي باتفاق ينص على موافقة الخرطوم على ملء السد وفق الخطة الزمنية المقررة سلفًا والتي تقضي ببدء الملء الثاني في يوليو.
وكانت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي قد أعلنت أن بلادها تلقت من الكونغو مقترح اتفاق مرحلي تدعمه الأمم المتحدة والولايات المتحدة لتعبئة سد النهضة وأنها قبلت بشروط مبدأ الاتفاق المرحلي بشأن سد النهضة وأن حكومتها اشترطت أن تكون مدة الاتفاق 6 أشهر وأن يكون توافقيًّا وبضمانات دولية".

الخيار العسكري
تأتي الخطوة السودانية بعد التصريحات الاستفزازية التي أطلقها  مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي الذي قال فيها إن مصر والسودان لن تستطيعا تدمير السد باللجوء للخيار العسكري وأضاف أن بلاده مستعدة للسيناريو العسكري حال اللجوء إليه مؤكدًا أن هذا الخيار سينتهي بصورة رسمية بنهاية الملء الثاني مضيفًا أنه "سيأتي الجميع لبحث مقترحات تقسيم المياه وحينها ستحمي مصر والسودان السد لأن تدميره سيتسبب في طوفان يقذف بمصر والسودان إلى البحر المتوسط" وفق تصريحاته لقناة "روسيا اليوم"
تبدو الموافقة السودانية على الملء الثاني -أيًّا كانت الشروط والتي لم يتم الاتفاق بشأنها مع القاهرة قد جاءت بعد مساعي دولتَي المصب لتدويل القضية من خلال الرسائل المرسلة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة هذا الملف ما قد يتسبب في إرباك الحسابات المصرية برمتها ويزيد من تأزيم موقفها في هذا الماراثون الممتد لأكثر من 10 سنوات.
وقال العضو السابق في الفريق الممثل للسودان في مفاوضات سد النهضة أحمد المفتي إن "السودان وافق على الاتفاق المرحلي بعد مراعاة عدة شروط وهي: وجود ضمانات سياسية وقانونية مباشرة من المجتمع الدولي وأن يستمر الالتزام الجزئي من قبل إثيوبيا حتى الوصول لاتفاق شامل وقانوني ملزم" وأضاف المفتي أن من بين الشروط " ألا يشمل الاتفاق الجزئي اتفاق تقاسم المياه بجانب وضع مدى زمني للتوصل إلى اتفاق شامل حول أزمة السد لا يتعدى 6 أشهر والتوقيع على كل ما تم الاتفاق عليه في الفترة السابقة" موضحًا أن مصر "ستكون جزءًا من المبادرة الإثيوبية والتفاوض حول الملء الثاني والتشغيل لسد النهضة".
 فيما أكدت الخارجية المصرية على التمسك بموقفها بشأن رفض أي محاولة لفرض الأمر الواقع بالقوة مشددة على ضرورة تدشين اتفاق شامل يضمن حقوق مصر المائية قبل إبداء أي موافقة أولية بخصوص عملية الملء الثاني المقرر له بعد أيام.
وكان وزير الخارجية المصرية سامح شكري قد عبّر عن استنكاره لتصريحات مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية والتي وصفها بـ"الادعاءات" التي تستهدف "التهرب والتنصل من الالتزامات" مؤكدًا أن بلاده لديها "القدرة على الدفاع عن مصالح شعبها".

نبرة التحدي
ومع كل هذا التصعيد فإن إثيوبيا أبحرت في أحلامها على ضفاف النهر الأزرق تنسج طموحها المرصع بالوصول بأثيوبيا إلى الحياة المعاصرة وهي اليوم تشارف تحقيق هذا الحلم لكن اثيوبيا ليست وحدها بل تساعدها في ذلك دولا وشركات أجنبية جلها تتسابق حول مصالحها على حوض النيل ومنطقة القرن الأفريقي.
ولعل هذا النجاح هو ما يجعل إثيوبيا توجه خطابا شديد اللهجة بنبرة التحدي لمصر والسودان ومرة أخرى تبعث وزارة الموارد المائية الأثيوبية الثلاثاء الماضي (6 يوليو 2021 م) اخطارا رسميا لجمهورية مصر العربية ببدء الملء الثاني لسد النهضة. ويرى خبراء أن المرحلة الثانية في ظل الجفاف سينعكس بكارثة إنسانية واقتصادية على دولتي المصب (السودان ومصر) وقد تكون سببا في اندلاع حرب إقليمية كما يذهب إليه بعض المحللين.
وردا على الخطاب الاثيوبي أعلن الدكتور محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري تلقيه خطاباً رسمياً من نظيره الإثيوبي يفيد ببدء إثيوبيا عملية الملء للعام الثاني لسد النهضة الأمر الذي رفضه الوزير المصري عبر خطاب رسمي لنظيره الأثيوبي معتبرا أن هذا الإقدام يعد خرقاً صريحاً وخطيراً لإتفاق إعلان المبادئ كما أنه يعد انتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية التي تحكم المشروعات المقامة على الأحواض المشتركة للأنهار الدولية بما فيها نهر النيل الذي تنظم استغلال موارده اتفاقيات ومواثيق تلزم اثيوبيا باحترام حقوق مصر ومصالحها المائية وتمنع الاضرار بها.

فارق كبير
الإعلان الأثيوبي استبق جلسة لمجلس الأمن التي كان من المقرر أن تنعقد الأسبوع المقبل لمناقشة موضوع اتفاق سد النهضة ومنع أثيوبيا من التقدم في مشروعها الذي تعتبره حيويا سيشكل فارقا كبيرا للاقتصاد الأثيوبي غير أن رئيس مجلس الأمن "نيكولا دو ريفيير" أدلى الخميس الماضي بتصريحات استفزت القاهرة والخرطوم بالقول: إن المجلس ليس لديه الكثير الذي يمكنه القيام به في أزمة سد النهضة بين السودان ومصر وإثيوبيا.
وأضاف دي رفيير رئيس المجلس لشهر يوليو أنه ليس لدينا سوى جمع الأطراف معا للتعبير عن مخاوفهم ثم تشجيعهم للعودة إلى المفاوضات للوصول إلى حل وفقا لما نقلته وكالة “رويترز”.
تصريح دي ريفيير يؤكد ما ذهب إليه محللون سياسيون حيث أكدوا أن الإدارة الأمريكية تميل إلى الجانب الأثيوبي وتدعمه بإيعاز إسرائيلي لا سيما وقد بدا مدى نفوذ الجانب الإسرائيلي في هذا الملف بتصريحات أطلقها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو خلال زيارته لأديس أبابا حيث قال بوضوح: إن “إسرائيل” ستساعد إثيوبيا في تحسين وزيادة حصتها من مياه النيل وستدعم قطاعها الزراعي.
وأكد محللون على أن إسرائيل تسعى لضرب عصفورين بحجر واحد الأول الحصول على مياه شرب من مياه النيل بعد فشلها في محاولات سابقة للضغط على الحكومات المصرية لتنفيذ مشاريع لنقل مياه النيل إلى الأراضي الفلسطينية عبر سيناء والثاني إدخال الجيش المصري في حرب استنزافية تستفيد منها إسرائيل بالقضاء على واحد من أقوى الجيوش العربية بعد أن فككت ودمرت الجيوش العربية القوية المحيطة بها والمهددة لها.
وإلى ذلك لم تسفر المحادثات بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا عن أي تقدم حول الخلاف على زمن ملء سد النهضة للمرحلة الثانية وهو ما قد ينعكس بتأثيراته السلبية على مصر والسودان بشأن نقص توزيع حصص مياه النيل.
ويتعاظم منسوب هذا القلق المصري - السوداني ليس فقط من احتمال نقص المياه المتدفقة نحوهما وتأثر حصتهما المائية نتيجة الملء السريع للسد كما تريده إثيوبيا في فترة وجيزة لا تتعدى الثلاث السنوات بينما كانت  ترى مصر أن ذلك سيستغرق من 15-10 عاما.

التعدي على السيادة
أصبح مشروع سد النهضة الإثيوبي منذ تأسيسه في العام 2011م مثار خلاف لم ينته منذ تسع سنوات من المفاوضات والمحادثات ومحاولات الوساطة إلا أن الخلافات لا زالت قائمة بين مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة والجدول الزمني لملء السد مع اتهامات المتبادلة بالتعدي على السيادة وتهديد حياة الملايين.
كانت أبرز المحطات الخلافية التي حدثت في يوليو 2019 م عندما أظهرت صور الأقمار الصناعية من شركة "ماكسار تكنولوجي" ومقرها الولايات المتحدة أن المياه تتجمع في خزان سد النهضة ما دفع المسؤولين المصريين لطلب توضيح عاجل كما أعلن السودان المجاور انخفاض منسوب المياه على طول النهر.
ويبدو أن الأمطار الغزيرة هي التي ملأت الخزان لكن تصريحات إثيوبيا المتكررة حول نيتها ملء السد سواء كان هناك اتفاق أم لا قد أثارت قلق مصر والسودان إذ يخشى البلدان أن يؤثر ملء السد بوتيرة سريعة تأثيراً عميقاً على إمدادات المياه لديهما.
وتعمقت الخلافات بين الدول الثلاث في ظل غياب الرؤى العادلة في التوصل لاتفاق حول كيفية المضي قدما في المشروع مع انهيار دورة أخرى من المحادثات بينهم.

تأثير ملء السد
كانت المحادثات تدور حول الجدول الزمني وسرعة ملء السد وكيفية تخفيف أثر الجفاف واقترحت إثيوبيا في البداية ملء السد خلال 3 أعوام بينما تريد مصر فترة من 10 إلى 15 عاما.
وأوضحت الباحثة حفصة حلاوة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن لـCNN إنه كان هناك اتفاق شفهي بملء السد خلال 8 أعوام إلا أن مصر تخشى من تأثير ملء السد بوتيرة سريعة على نقص حصتها من مياه النيل.
ورأت الباحثة حلاوة إن "نقطة الخلاف تكمن فيما سيحدث في المستقبل" وقالت إن "إثيوبيا تنظر للمفاوضات على أنها مسار للاتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة بدلا من كونها قضية أمن مائي واتفاق حول حصص المياه كما تنظر إليها مصر. وهذا هو الخلاف الأساسي من الناحية القانونية والتقنية".
وقال وزير الري المصري السابق محمد عبدالعاطي في تصريحات لـ BBC عام 2018 إن انخفاض 2% من مياه النيل سيؤدي إلى خسارة 200 ألف فدان زراعي وحوالي مليون وظيفة ولكن يبقى التأثير المحدد للسد على تدفقات المياه غير معروف.
لقد فشلت الدول الثلاث في الاتفاق على الجهة التي ستجري الدراسات البيئية والصلاحيات التي ستُمنح للباحثين وإلى أي مدى ستكون النتائج ملزمة وتأتي بعد ذلك مسألة ما قد يحدث حال ضرب الجفاف المنطقة لفترات طويلة.
بينما يقول وليام ديفيدسون إن إثيوبيا تريد أن يتحمل كل طرف مسؤولية تخفيف آثار الجفاف لديه مثل أن تستخدم مصر احتياطاتها من المياه في السد العالي وأضاف أن "إثيوبيا تريد أيضا معالجة المشكلات عندما تطرأ دون الالتزام باتفاقيات مسبقة مثل الإفراج عن كميات محددة من المياه باتجاه المصب من الخزان خلال فترات الجفاف".

اتفاقيات من الحقبة الاستعمارية
أعطت الاتفاقيات الموقعة في عامي 1929 و1959 كلا من مصر والسودان حصة الأسد في مياه النيل بينما ترفض إثيوبيا تلك الاتفاقيات باعتبارها اتفاقيات من الحقبة الاستعمارية ولجأت إلى توقيع اتفاقا في العام 2010 مع 6 دول في حوض النيل لسحب البساط من مصر والسودان ضد قيام مشروعات على النيل.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد اعترف في الأمم المتحدة في  العام2019م بالحق التاريخي لإثيوبيا فقال : "نعترف بحق إثيوبيا في التنمية ولكن مياه النيل مسألة حياة وبقاء بالنسبة لمصر".
وفي أوائل العام 2020م اعتمد السيسي على الوساطة الأمريكية أملا في الوصول لاتفاق لكن إثيوبيا انسحبت من المحادثات زاعمةً بأن الاتفاق الذي طرحته واشنطن تضمن مقترحات لصالح القاهرة بشأن تخفيف الجفاف.
وذكرت دراسة لمجموعة الأزمات الدولية أن "أديس أبابا اعترضت على أن الاتفاق سيلزمها بتصريف مياه الخزان لمستوى غير مقبول في حال حدوث جفاف ممتد ويلزمها قانونياً بعدم ملء السد دون الوصول لاتفاق".
وقال السفير الإثيوبي لدى الولايات المتحدة فيتسوم أريغا إن بلاده "لن تمضي على أي اتفاق يجعلها تتخلى عن حقها في استخدام مياه النيل".
وكان الاتحاد الأفريقي قد قام في يونيو 2020 م بمحاولة أخرى لجمع الدول الثلاث على طاولة المفاوضات لكن دون جدوى.

إجراءات تدريجية
وصفت مصر الموقف الإثيوبي بـ"المتعنت" في المفاوضات المتعلقة بسد النهضة الذي تشيده أديس أبابا على مجرى النيل الأزرق - الرافد الأساسي لنهر النيل ودعت جامعة الدول العربية مجلس الأمن الدولي لمناقشة أزمة سد النهضة.
وفي اجتماع غير عادي لوزارء الخارجية العرب في  15 يونيو 2021 م في العاصمة القطرية الدوحة أعلنت الجامعة أنها قد تتخذ "إجراءات تدريجية" لدعم موقف مصر والسودان في خلافهما مع إثيوبيا بشأن السد لكن إثيوبيا رفضت موقف الجامعة ووصفته بـ"غير العادل" مجددة رفضها تدويل الأزمة.
كما صدر بيان مشترك في التاسع من يونيو 2021م عن اجتماع وزراء الخارجية والري في مصر والسودان حول سد النهضة قال فيه مسؤولو البلدين إن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإثيوبي.
وبعد جولات عديدة من المفاوضات غير المثمرة على مدى سنوات هل أمام مصر بديل آخر غير التفاوض؟ وهل ما يزال الخيار العسكري مطروحا؟
يرى مسؤولون في مصر والسودان أن "النبرة" الإثيوبية تبدو متحدية للبلدين إذ أكدت أديس أبابا مرارا مضيها قدما في الملء الثاني للسد بحلول موسم الفيضان المتوقع في يوليو2021م بصرف النظر عن التوصل لاتفاق مع مصر والسودان من عدمه.

التلويح بالخيار العسكري
 كانت مصر قد أجرت عدة مناورات عسكرية مشتركة مع السودان حمل آخرها اسم "حماة النيل" نهاية مايو 2020 م. فهل يمهد ذلك لتحرك عسكري مرتقب؟
يقول العميد خالد عكاشة مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إن مصر والسودان أعلنا مرارا انتهاجهما العمل الدبلوماسي والسياسي لحل الأزمة ولا يزالان متمسكان به رغم مواجهة إخفاقات متتالية وإفشال متعمد من جانب إثيوبيا.
لكن بيان الخارجية المصرية الأخير وما جاء على ألسنة المسؤولين عن هذا الملف يجعل كل السيناريوهات مطروحة على الطاولة أمام مصر والسودان للدفاع عن حقوقهما المشروعة وإتقاء وقوع أضرار جسيمة عليهما جراء السد حسب عكاشة وفي المقابل يستبعد باحثون متخصصون في الشؤون الأفريقية لجوء مصر للحل العسكري.
كما يرى مراقبون أن أي ضربة عسكرية مصرية محتملة للسد يجب أن تحظى أولا بموافقة أمريكية الأمر الذي بدا يلوح في الأفق في أكتوبر من العام الماضي 2020 م حين حذر الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب الإثيوبيين من أن "مصر قد ينتهي بها الأمر إلى تفجير السد" بينما لا يبدو الأمر كذلك مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي فرض عقوبات على أديس أبابا ليس بسبب سد النهضة وإنما بسبب فظاعات ارتكبت في إقليم تيجراي الإثيوبي.

استمرار المفاوضات
في النهاية يرجح محللون أن تستمر مصر والسودان في مسار المفاوضات لما ورد سالفا من أسباب استحالة أو صعوبة البدائل الأخرى كما يضيفون سببا آخر وهو: "إعلان إثيوبيا عن خفضها لارتفاع الممر الأوسط من جسم السد ليصبح 573 مترا بعد أن كان الارتفاع المستهدف 595 مترا وذلك لأسباب لوجيستية خاصة بأديس أبابا".
ويقول: "هذا الارتفاع سيخزن فقط نحو 4 مليارات متر مكعب من المياه خلال موسم الفيضان بعد ما كان يستهدف نحو 13.5 مليار متر مكعب وهذه المليارات الأربعة قد يأتي بها الفيضان دون أن تتأثر حصة مصر كما أن بحيرة ناصر خلف السد العالي ممتلئة بالمياه وبالتالي فمرحلة الملء الثاني لسد النهضة يرجح ألا تضر بحصة مصر من المياه.
ويضيفون بأنه في حال الاستمرار في التفاوض بأن تبقى مصر والسودان موحدين في موقفهما وأن يعملا على حشد ضغط دولي على إثيوبيا بهدف التوصل لاتفاق ملزم وأن يستخدما - في سبيل ذلك - الانسحاب أو التهديد بالانسحاب من اتفاق المبادئ كورقة ضغط على أديس أبابا.

إثيوبيا تحشد قواتها
وكانت اثيوبيا قد أعلنت في 4 يوليو 2021 م رفع مستوى تأهب قواتها المنتشرة في منطقة سد «النهضة»؛ بهدف تأمين المرحلة الثانية من عملية ملء سد النهضة.
جاء ذلك وفق الجنرال أسرات دينيرو القائد العسكري في منطقة «متكل» بإقليم بني شنقول (غرب) التي يُقام فيها السد بحسب ما نقلت عنه قوات الدفاع الإثيوبية على صفحتها في «فيسبوك».
وقال دينيرو خلال اجتماع عقده مع عسكريين إثيوبيين إن بلاده «رفعت مستوى تأهب القوات المنتشرة في المنطقة التي يقع فيها سد النهضة بهدف تأمين المرحلة الثانية من ملئه».
وأضاف أن «القوات في المنطقة بحالة تأهب قصوى لتنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة بنجاح».
ولفت دينيرو إلى أن أعمال بناء السد «تجري بوتائر متسارعة من دون أي عوائق».
 وهكذا فإن أديس أبابا تصر على ملء ثانٍي للسد بالمياه يُعتقد أنه في يوليو الجاري واغسطس المقبل بعد نحو عام على ملء أول حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بينما تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي للحفاظ على منشآتهما المائية وضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل.
حثّ الأطراف على الحوار
يُذكر أن مجلس الأمن قرر جلسة حول سد «النهضة» هي الثانية من نوعها بعد الأولى قبل عام التي انتهت بحثّ الأطراف على الحوار تحت قيادة الاتحاد الأفريقي.
وشدد مجلس الأمن الدولي في جلسة خصصها يوم الخميس (8 يوليو2021) للنظر في أزمة "سد النهضة" الإثيوبي على أهمية إطلاق حوار بناء بين أطراف النزاع الثلاثة برعاية الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.
وأوضح مندوب تونس في مجلس الأمن خلال الجلسة أن بلاده "تؤيد اتفاقا ملزما بشأن سد النهضة ويحفظ الحقوق المائية للدول الثلاث".
من جهتها قالت مندوبة بريطانيا في مجلس الأمن إن "التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة يتطلب تسوية وتنازلات من كل الأطراف".
ودعا مندوب كينيا في المجلس جميع الأطراف إلى "العودة لطاولة المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الإفريقي".
وأعرب المندوب الروسي عن قلق موسكو من تنامي الخطاب التهديدي في أزمة سد النهضة مضيفا أن بلاده تتفهم موقف السودان ومصر من ملء وتشغيل سد النهضة كما شدد على أن حل الخلاف لا يكون إلا عبر الدبلوماسية وأضاف أن السلطات الروسية "قلقة من تنامي الخطاب التهديدي في أزمة سد النهضة".
من جهتها شددت المندوبة الأمريكية في المجلس على أن واشنطن تؤمن أن "الاتحاد الإفريقي هو الأنسب لتسوية أزمة سد النهضة".
وأعرب مندوب فرنسا عن قناعته بـ"إمكان التوصل السريع إلى حل تحت مظلة الاتحاد الإفريقي" فيما قال مندوب الصين إن بكين "تدعم الوساطة الإفريقية في أزمة سد النهضة وتدعو الدول الثلاث الصديقة للحوار".
وكان وزير الري الإثيوبي سليشي بيكيلي قد رفض مناقشة قضية السد في مجلس الأمن معتبرا ذلك "تضييع للوقت".
بينما قالت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق إن المفاوضات فشلت مع إثيوبيا لرفضها كافة المقترحات المقدمة .
وفي كلمة أمام مجلس الأمن قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن بلاده تواجه تهديدا وجوديا فقد بني كيان هائل على الشريان الذي يهب الحياة لشعب مصر . وحذر شكري من أنه " إذا تضررت حقوق مصر المائية أو تعرض بقائها للخطر فلا يوجد أمام مصر بديل إلا أن تحمي وتصون حقها الأصيل في الحياة .
وفي أول تعقيب له على ما دار في الجلسة نشر رئيس الوزراء الإثيوبي رسالته باللغة العربية عبر حسابه في تويتر قائلا: "يمكن أن يكون سد النهضة الإثيوبي الكبير مصدرا للتعاون بين دولنا الثلاث وأبعد".
ومضى أبي أحمد مُضيفا: "أود أن أطمئن الشعبين السوداني والمصري أنهم لن يتعرضوا أبدا لضرر ذي شأن بسبب ملء السد لأنه لن يأخذ سوى جزء صغير من التدفق".

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا