أخبار وتقارير

أوكرانيا على خط الأزمة بين موسكو وواشنطن «2»

أوكرانيا على خط الأزمة بين موسكو وواشنطن «2»

ضم موسكو لشبه جزيرة القرم مثل استباقا استراتيجيا لقطع أي سيطرة غربية على البحر الاسود سيما وأن شبه الجزيرة كان جزءًا من روسيا السوفيتية حتى 1954م.

ويبدو أن أوكرانيا لم تقدر حجم الاهتمام السوفيتي بالوحدة مع أوكرانيا عندما اتخذ الرئيس السابق خروتشوف( الأوكراني) قرارا بضمها إلى جمهورية أوكرانيا السوفيتية من أجل تعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين بينما ترى أوكرانيا أن ذلك استحقاقا تاريخيا وجغرافيا لجعلها مسرحا للتدخلات الأجنبية وأساطيلها وسفنها الحربية لفرض أمر واقع للصراع وخنق روسيا من بوابة البحر الأسود ولا يبدو- حتى الآن على الأقل- أن موسكو ستتحرك للسيطرة على إقليم الدنباس فقد قرر سكان الإقليمين الاستقلال عن أوكرانيا واعلانهما جمهوريتان شعبيتان مستقلتان عنها.

المستقبل الجيوسياسي لأوكرانيا
يبدو التدخل الروسي في الدنباس محدودا نظرًا لعدم وجود أغلبية روسية قاطعة ولما تمثله مثل هذه الخطوة من تصعيد للأزمة. كما لا يبدو هناك بروز قيادة أوكرانية سياسية تجد طريقا للموازنة بين الضروريات الاستراتيجية الروسية والتقارب مع الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي أصبح فيه مثل هذا التوجه أقل احتمالاً بعد استفتاء القرم وإن كان لا يجب استبعاده في المدى المتوسط. والواضح أن أوروبا والكتلة الغربية قدمت من المساعدات لأوكرانيا لعودة الاستقرار النسبي وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية سريعة ونصحت القادة الأوكرانيين الجدد بالتعايش مع فقدان القرم لكن من دون الاعتراف بشرعية الاستفتاء لضم شبه جزيرة القرم لروسيا انتظارًا لجولة تفاوض أخرى تصل إلى توافق حول المستقبل الجيوسياسي لأوكرانيا وهذا بالتأكيد له دلالة في قرار البرلمان الأوكراني قبل يوم واحد من الاستفتاء بحل برلمان شبه جزيرة القرم بمعنى أنه أصبح كيانًا غير شرعي من وجهة نظر كييف وكل ما يصدر عنه من قرارات هي بالتالي غير شرعية.
وعلى خلفية الأزمة الأوكرانية منذ 2014 م فرضت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وغيرها كثيرا من العقوبات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية على روسيا التي أُبعدتها بداية عن مجموعة الثماني الكبار ثم عن المشاركة في أروقة البرلمان الأوروبي وتأجيج الصراعات ودعمت تلك الدول أوكرانيا بمساعدات مالية كبيرة موجهة بشكل رئيس نحو الإصلاحات الرامية إلى تطبيق معايير العضوية في الاتحاد الأوروبي والناتو وكذلك نحو مجال مساعدة النازحين عن مناطق الحرب والتوتر في الدنباس.
ولعل أكبر هذه المساعدات وأكثرها "قوة" كانت من طرف الولايات المتحدة وجاءت على شكل مساعدات عسكرية ونظم أسلحة وصواريخ وتدريبات مشتركة بحجم بلغ نحو 2 مليار دولار وفق السفارة الأمريكية لدى أوكرانيا.
وهنا يبرز تساؤل آخر كيف لروسيا أن تواجه هذا التحدي الغربي وخصوصا وأنها ترى في دعم أوكرانيا سبيلا لمواجهة روسيا ومحاولة مد نفوذها للسيطرة على إقليم الدنباس ؟

مواجهة الأخطار
أمام هذا الوضع الناشئ فإن روسيا تجد نفسها مضطرة لمواجهة الأخطار التي تتهددها لا سيما ما تفرضه أوكرانيا من تحديات كبيرة ومحاولاتها المستميتة السيطرة على إقليمي الدنباس (دانسك) و(لوجانسك) خاصة وإن من بين أسباب التوتر بين روسيا وأوكرانيا خط أنابيب الغاز - نورد ستريم 2-[السيل الشمالي 2] إلى ألمانيا الذي تعمل عليه روسيا منذ أوائل 2020م وكانت على وشك الانتهاء من خط أنابيب الغاز الذي يمر عبر بحر البلطيق وتعتبر أوكرانيا أن هذا الخط سوف يحرمها من الإيرادات الأساسية للغاز الروسي بينما كانت ألمانيا أكثر بلدان أوروبا حماسا له وتحاول الولايات المتحدة فرض ضغوطات على المانيا بشتى الطرق لإيقافه كما لجأت السلطات الأوكرانية إلى فرض قيود كبيرة على اللغة الروسية ومنع تداولها أو التحدث بها بين السكان الأوكرانيين وفرضت غرامات مالية على المخالفين حسب ما أورده موقع آر تي من جهة ثانية قامت  بإغلاق القنوات التلفزيونية الصديقة للكرملين حسب ما أوردته وكالة بلومبرغ الأمريكية بالإضافة إلى استهداف رجال الأعمال الروس وعلى ذات السياق يتبنى الرئيس الأوكراني الحالي فلاديمير زيلنيسكي ومؤسساته خطابا قوميا وتحريضيا ضد روسيا.
وتشهد منطقة شرقي أوكرانيا اشتباكات متقطعة على نطاق ضيق بين القوات الأوكرانية الحليفة للغرب وقوات اقليم الدنباس المدعومة من روسيا. تصاعد هذا الصراع خلق المزيد من تفاقم الأزمات وتوتير الأجواء بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية وهو ما أدى إلى اتخاذ إجراءات متبادلة لطرد الدبلوماسيين من الجانبين والتلويح بإجراءات عقابية إضافية لإيقاف التحويلات المالية عبر بروكسل إلى روسيا كما لجأت الولايات المتحدة إلى رفع   حالة التأهب للقوات الأمريكية في أوروبا مبررة ذلك ردا على "تصعيد العدوان الروسي" في منطقة الدنباس وشبه جزيرة القرم ولا تخفي الولايات المتحدة تحويل أوروبا لساحات مواجهات جيوسياسة حادة مع روسيا.
قال مسؤول في حلف شمال الأطلسي لوكالة رويترز للأنباء إن روسيا تقوض الجهود الرامية إلى التخفيف من حدة التوترات في شرق أوكرانيا. بينما تحذر  موسكو حلف شمال الأطلسي (الناتو) من إرسال قوات لمساعدة أوكرانيا وسط تقارير تشير إلى احتشاد قوات من الجيش الروسي على الحدود الأوكرانية وعلى الوجه الآخر تدفق المساعدات الأمريكية والتركية  لأوكرانيا بالأسلحة والمعدات الحديثة.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف المسؤول في الرئاسة الروسية :" إن روسيا سوف تتخذ إجراءات إضافية إذا أقدم الناتو على مثل تلك الخطوة ونوه إلى أي تصعيد يمكن أن يكون بداية النهاية لأوكرانيا وليست رصاصة في الساق لكن في الوجه حسب تعبيره.

الخطر الحقيقي
التصعيد المتبادل هو ما جعل روسيا ترى هذا التحدي هو الخطر الحقيقي الموجه ضدها من قبل حلف شمال الأطلسي في تنامي هذا الصراع ودعمه اللامحدود عسكريا واستخباراتيا ولوجستيا لأوكرانيا في إدارة حروب بينية طويلة في منطقة الدنباس وتعمل روسيا في المقابل على تحشيد قواتها على حدود أوكرانيا بشكل واسع وتعزز في نشر قطعها الحربية وغواصاتها في البحر الأسود الذي تعتبره منطقة مغلقة أمام التدخلات الأجنبية. هذا التصعيد يعود إلى عدة عوامل ومستجدات من أهمها: تشدد إدارة بايدن مع موسكو فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية والانتخابات إضافة إلى تنامي العلاقات العسكرية بين أوكرانيا والولايات المتحدة وتركيا حيث باتت تركيا مصدرا رئيسا للطائرات المسيرة بالنسبة للجيش الأوكراني والعامل الأخير هو الحملة الإعلامية التي أطلقتها السلطات الأوكرانية ضد نفوذ ورموز المعارضة الموالية لروسيا حيث يصف مراقبون التصعيد الأخير بأنه استعراض للعضلات بين موسكو وواشنطن وهذا قد يفسر حجم التصريحات وتبادل الاتهامات بين الجانبين إلى جانب التصريحات الأوكرانية.
وينظر المراقبون باهتمام إلى تطور موقف أنقرة من الأزمة وهي المعنية أيضا بالحد من تنامي النفوذ الروسي شرقا وشمالا وجنوبا في البحر الأسود وسوريا. وفي هذا الصدد تتعاون تركيا مع أوكرانيا في مجال الصناعات العسكرية حيث باعت لأوكرانيا طائرات مسيرة وسفنا حربية وهناك مشروعات مشتركة لإنتاج صواريخ كروز بينهما مقابل تزويد كييف لأنقرة بمحركات لأسلحتها ويتوقع المراقبون بزيادة الدعم الأمريكي لأوكرانيا دون المخاطرة بضمها إلى الناتو وهو ما تلعبه واشنطن من خلف الكواليس في توسيع دائرة الصراع وبالمقابل فإن روسيا تزحف شيئا فشيئا بقواتها استعدادا لحرب يبدو أنها حتمية في المستقبل القريب أو البعيد.

حجم التحدي
إن أقصى ما تستطيع فعله الدول الغربية هو معاقبة روسيا اقتصاديا وماليا مثل تعطيل منتدى الثمانية الكبار وبالرغم من أن القدرات الغربية على العقاب في المجالين المالي والاقتصادي يمكن أن يوقع أذى كبيرًا بروسيا لكن في المقابل ينعكس تأثير هذه العقوبات على أوروبا الشريك المالي والاقتصادي والاستثماري وشريك الطاقة مع روسيا ستكون كبيرة أيضا وبالفعل فقد فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا حزمة من العقوبات التي تستهدف الافراد الروس والدبلوماسيين فضلا عن قطاعي الطاقة والبنوك وحتى وإن ذهبت أوروبا لخيار العقوبات منع التحويلات المالية إلى روسيا فالواضح أن موسكو ترى حجم التحدي الذي تواجهها في أوكرانيا أكبر من أي عبء مالي واقتصادي محتمل.
أخيرًا ومهما كان موقف روسيا قويا فإنها لن تسمح في اللعب بالورقة الأوكرانية ومع ذلك فإن الازمة الأوكرانية لن تنتهي قبل أن تترك أثرًا بالغًا على روسيا وأوكرانيا وعلى جوارها الإقليمي والأوروبي. ولم تكن تقديرات موسكو بعيدة عن الصواب عندما قدرت منذ نهاية التسعينات أن مشكلتها الكبرى هي في الجوار المهدد لأمنها القومي من جهة أخرى تعيد الأزمة الأوكرانية الأهمية الجيوستراتيجي لتركيا التي ينصب اهتمامها في الوقت الراهن على حقوق ربع المليون تتاري من سكان القرم وهذا ما جعل الموقف التركي من الأزمة أقل حدة نسبيًا في التعامل مع موسكو. ولكن الصورة الأكبر للأزمة هي الأهم في النهاية سيما وأن لتركيا صلات مباشرة بكل مواقع التوتر في الجوار الروسي القريب سواء في أوكرانيا أو شمالي القوقاز. وبالرغم من أن الولايات المتحدة والكتلة الغربية لا تجد الآن وسيلة لانتزاع القرم من روسيا وليس من المستبعد أن تجد وسيلة أخرى لمعاقبة روسيا على محاولاتها إفساد عرس ذهاب أوكرانيا غربًا.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا