أخبار وتقارير

اليمن .. في زمن التحديات!

اليمن .. في زمن التحديات!

  استراتيجية أمريكا تجاه الشرق الاوسط واحدة مهما تغيرت الأدوات
, فشلت دول العدوان العربي في استخدام القوة على مدى السنوات الست الماضية في التوصل لأهدافها وفرض أجنداتها كما فشلت جهود الوساطات العديدة

إذ لم يكن من السهل تطويع اليمن في سباق المشيخات على مركز الهيمنة والنفوذ.

اليوم تحاول الإدارة الأمريكية إعادة تقييم سياستها الخارجية في منطقة الخليج المضطربة لحل الخلافات البينية التي بلغت مستوى الخطر في التفكك والعداء والخروج من تحت المشيخة السعودية إذ أن  محاولات ترميم التصدعات قد لا تجعل طريق العلاقات سالكا تماما في ظل المتغيرات والصراعات الدولية والحروب المشتعلة في المنطقة وخروجها عن السيطرة وهو ما قد يهدد بانفجار كبير كل ذلك يتزامن مع مخاوف الأمريكان من التحولات الكونية وما يطرأ عليها من تبدلات متسارعة وظهور قوى دولية منافسة صناعيا واقتصاديا وتجاريا وعسكريا وآخذه بالتشكل بتوجهات اقتصادية جديدة. وفي المدى المنظور لا تبدو هناك استراتيجية أمريكية مختلفة تجاه الشرق الأوسط فهي واحدة مهما تغيرت الإدارة بين جمهوري يميني متطرف أو ديمقراطي ليبرالي ويأتي في مقدمتها ضمان أمن اسرائيل ونهب ثروات العرب وخاصة النفط والأموال النفطية وزيادة عدد القواعد العسكرية التي تحمي إسرائيل ومصالح الغرب وأن أي محاولة للتمرد أو الخروج عن طوع أمريكا معناه الغزو والاحتلال وما حدث للعراق وسوريا وليبيا واليمن مثال لذلك.

تناقض واضح  
ويبدو أن المتفائلين بالرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن قد صدموا بأول تصريح لوزير خارجيته الذي قال : إننا ملتزمون بأمن إسرائيل ولن نتراجع عن نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل وتشجيع التطبيع مع إسرائيل فالفرق هنا بين اليميني الجمهوري والليبرالي الديمقراطي أن الجمهوري يكشر عن مخالب حادة بعكس الديمقراطي الذي يستخدم مخالب ناعمة وكل هذه الأحلاف العدوانية تمولها دول النفط في الخليج والسعودية بما يعني نفط العرب يمول العدوان على العرب وشواهدها على الأرض مشتعلة في حروب الوكالة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وهذا ما أوصل المنطقة لحالة من الاضطراب وجعلها على حافة الانفجار وبالرغم من التناقض الواضح  في سياسة الإدارة الأمريكية  تجاه حل الأزمة اليمنية  بالضغط لإنهاء الحرب في اليمن وما بين الدفاع عن حليفتها السعودية كل ذلك قد جعل التحالف الذي تقوده السعودية مترددًا في الالتزام بوقف إطلاق النار وشن الضربات المستمرة لاستهداف المدنيين في مأرب بالغارات الجوية ولا تزال الأضرار الجانبية لهذه الغارات كبيرة للغاية في الوقت الذي تجد الدول العربية نفسها منشغلة في تكوين علاقات قوية مع الإدارة الجديدة في واشنطن أكثر من رغبتها في مساعدة اليمنيين على المضي قدمًا في إنهاء الحرب ووضع حد لاستمرار السلوك الفاشي ودعم الرياض لشركائها اليمنيين في عملية عسكرية كاملة وما هو مطلوب أن يشمل الضغط على هؤلاء الحلفاء القبول بعملية السلام وهو ما ترحب به حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء وتدفع به في مبادرات حثيثة لإنهاء الكارثة الإنسانية وإطلاق مسار سياسي ينهي الأزمة سلميا بالرغم من ضبابية السياسة الأمريكية وفرض الضغوط للقبول بشروطها وما يكتنف هذه الرؤى من مناورات سياسية لكسب الأوراق لصالحها ومصلحة حلفائها.
توافق الزمن التاريخي
ومع حالة الشد والجذب الكل ينتظر ما سيلوح في الأفق لإنهاء الحرب وتمهيد الطريق لإحلال السلام وتهيئة المناخات لخارطة سياسية جديدة في اليمن ترجّح أوساط سياسية يمنية بأنها ليست بالسهلة لكن بات من الضرورة أن تبدأ عملية مسار السلام بإتفاق على ما يمكن أن نسميه توافق الزمن التاريخي مع لحظة التفجر الحاسم الذي تنتهي معه الأدوار الوظيفية للوكلاء في إنهاء مهمتهم في مسلسل التدمير الذي حول اليمن إلى بيئة غير قابلة للحياة بعد أن تعمد الغزاة اقتلاع البنية الكاملة لاقتصاد البلد من جذورها وتخريب البنية التحتية والعودة باليمن إلى زمن الغزاة الذي توارى من حياة البشرية لنزع وإزالة معالم السيادة الوطنية كما يفعل كل محتل في التاريخ الإنساني خلافا لتجاوز صيغ الشرعية الدولية لفرض الهيمنة والنفوذ في ظاهرة تحالفات سياسية وعسكرية تجري بالوكالة عن واشنطن المركز الإمبريالي الذي يقتات من الحروب ومبيعات الأسلحة ونهب الثروات وهو ما يؤكد تحول الرأسمالية إلى رأسمالية متدهورة وطفيلية نستخلصها اليوم في الدول القومية لدول أوروبا الغربية التي تقودها أمريكا كعصابات في إشعال الحرائق أو تهديد الخصوم والبحث خارج جغرافياتها للتفتيش عن المواد الخام والوقود وإيجاد أسواق المنتجات المصنعة لتصريف فائض الإنتاج وتصدير رأس المال المتراكم والفائض لجني الأرباح هذه معركتها الأساسية لفرض الهيمنة والسيطرة على الدول ولعل ما يزيد من وحشيتها التنافس الاقتصادي والتقني والتجاري للدول الصاعدة وأبرزها الصين التي أغرقت الأسواق العالمية بمنتجاتها وهو ما جعل المنتجات الرأسمالية تغادر الأسواق هذا بالإضافة إلى التنافس الحاصل ما بين الدول الرأسمالية نفسها والرغبة في الاحتكار وطرد المنافسين واحتكار الأسواق وهل هناك من لم يدرك أن الغرب في يوم من الأيام لم يكن نصيرا للشعوب أو نصيرا للحرية ؟!  لقد كان ومازال مستعمرا وتاجرا يبحث عن مصالحه في قرصنة نهب ثروات الغير واستعباد أبنائها فالتاجر الغربي يشحن بضاعته وبجانبها المدفع لقتل من يعترضه وهذا هو الأمر الذي قاد إلى التدخلات في شؤون الدول وفرض الهيمنة بواسطة موظفين وجنود وشركات بأفكار التفوق الرأسمالي وسميت المناطق التابعة للمركز الإمبريالي بالأمم الملحقة أو بالحلفاء الوظيفيين.

عقبات كبيرة
وعلى الرغم من النجاحات الكبيرة التي حققتها الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على علاقتها الدولية لصالح استمرار مصالحها وتربعها على عرش قيادة العالم إلا أنها تصطدم اليوم بعقبات كبيرة استنزفت الكثير من زخمها وقوتها وأدت إلى تفاقم أزماتها مع معاركها في مواجهة القوى الاقتصادية والصناعية القائمة على المنافسة في مختلف المجالات ما أثر تأثيرا دراماتيكيا على ميزان المدفوعات الأمريكي وانحسار تصدير المنتجات الأمريكية وبلغ التأثير على قيمة الدولار وعلى مستوى معيشة المواطن الأمريكي نفسه واتساع حجم البطالة في ظل الأزمات المتفاقمة والانقسام المجتمعي الحاد هذا بالاضافة إلى ظهور دول تعارض وتقاوم سياسة الهيمنة كل ذلك قد حد من هيبة الولايات المتحدة الأمر الذي دفع بقادة النظام الأمريكي إلى محاولة تغيير التوجهات الاستراتيجية في سياستها الخارجية ومحاولة إعادة  تقييم علاقتها  في الشرق الأوسط وبالذات مع الوكلاء الاقليميين في موقع الأنابة من نظرية المؤامرة لإنتاج الحروب ونشر الفوضى والفساد واستخدام السلطة وعدم الاستقرار .
ما ورد على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في حديثه الأربعاء الماضي يؤكد هذا الطرح عندما قال :" إن إدارة الرئيس جو بايدن لن تشجع الديمقراطية حول العالم من خلال التدخلات العسكرية أو محاولة الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية بالقوة.
وأضاف :"لقد جربنا هذه التكتيكات في الماضي ومهما كانت النوايا الحسنة إلا أنها لم تنجح وقال إن "الاستبداد والقومية آخذان في الازدياد في جميع أنحاء العالم وأصبحت الحكومات أقل شفافية وفقدت ثقة الناس بها والانتخابات هي على نحو متزايد لبؤر التوتر والعنف والفساد آخذ في الازدياد .
وأكد أن بلاده ستسعى إلى تجديد الديمقراطية "لأنها مهددة" منوها في الوقت ذاته إلى "تآكل الديمقراطية وهذا لا يحدث فقط في أماكن أخرى. إنه يحدث أيضًا هنا في الولايات المتحدة وعلى نطاق أوسع وأن الأمريكيين مستقطبون بشكل متزايد".
وأشار إلى أن: "الأمريكيين قلقون بحق من التدخلات العسكرية الأمريكية المطولة في الخارج وقد رأينا كيف أنها تأتي في كثير من الأحيان بكلفة باهظة للغاية سواء بالنسبة لنا أو للآخرين".
وقال: "عندما ننظر إلى العقود الماضية من تدخلنا العسكري في العالم وخاصة في أفغانستان والشرق الأوسط يجب أن نتذكر ما تعلمناه عن حدود القوة لبناء سلام دائم.
وأكد بأن : " التدخل العسكري يكون كبيرا دائمًا وأصعب مما نتخيل لذلك فإن أهمية السعي وراء كل السبل الممكنة للتوصل إلى حل دبلوماسي".
ومثل هذا القول ليس بجديد ولا يمكن البناء والتعويل عليه فالسياسة الأمريكية تنظر لمصالحها القومية بشكل انتهازي لتبرير انتفاعها أينما وجدت.   

كارثة إنسانية
إعلان التبرعات لمواجهة الأزمة الإنسانية في اليمن" في (المؤتمر الافتراضي) الذي عقدته حكومتا السويد وسويسرا الإثنين الماضي  بالتعاون مع الأمم المتحدة وشاركت فيه العديد من الدول والمؤسسات المانحة لم يكن عند المستوى المطلوب لتمويل خطة الاستجابة الأممية للأوضاع الإنسانية في اليمن فما هو مفترض عدم تخلي دول العدوان التي تحاول التهرب عن مسؤوليتها من هذه الكارثة التي يفترض على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أن يلزما تلك الاطراف عن تبعات أفعالهم العدوانية وأضرارها المستقبلية وأن مثل هكذا مساعدات شحيحة لا تساوي بيع صفقة سلاح للسعودية وبمثل هكذا فتور في المساعدات لن تعيد اليمن إلى وضعها الطبيعي فهول الدمار وحجم الخراب كان كبيرا للغاية بينما بلغت المآسي التي أكلت وشربت الكثير من دم اليمنيين ومعيشتهم ارقاما مهولة وخضعت لسياسة العقاب الجماعي في الحصار الاقتصادي الشامل وقطع رواتب الموظفين لإنتاج كارثة إنسانية بلغ تأثيرها لتصل إلى الموت الجماعي وهناك ما هو أفظع في الحياة الاجتماعية الطافحة بالمآسي التي لن يتعافى منها المجتمع بسهولة.
لقد حولت دول العدوان العربي اليمن إلى خرابة ودولة غير صالحة للحياة كشجرة منخورة بالسوس تأكلها من الداخل.
تفاصيل إعادة بناء الدولة المستقبلية يحددها اليمنيون أنفسهم بناءً على مبادئ الديمقراطية واللامركزية ويمكن للمجتمع الدولي أن يساهم بسخاء في إعادة بناء اليمن وضمان الاحتياجات والخدمات الأساسية الضرورية للتخفيف من المعاناة التي جلبتها سنوات الحرب والأوبئة والمجاعات وأن يؤدي دعم المانحين الدوليين دور مباشر في إعادة إعمار اليمن وضمان حدوث ذلك.
 ودون بناء قضية وطنية يجتمع عليها اليمنيون ورفضهم ومقاومتهم للوصايا ومشاريع التفكيك والتقسيم وتمكينها من أداء دورها في إطار برنامج وآليات كفؤة تنقذ الوطن وتعيد بناءه على أسس العمل الوطني التضامني لإنقاذ اليمن معززة بالروح الوطنية ومؤهلة للنهوض بواجبها الوطني والتصدي لحالة الانهيار والتردي وإعادة تعبئة الشعب في مشروع إنقاذ وطني شامل.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا