أخبار وتقارير

إيقاف الحرب ورفع الحصار نقطة البداية في إحلال السلام

إيقاف الحرب ورفع الحصار نقطة البداية في إحلال السلام

  المساعي الأمريكية لحلحلة الأزمة في اليمن لا يمكن تؤتي ثمارها بصورة عاجلة لارتباطها وتشعباتها وارتباطها بالصراع الإقليمي والدولي
, اليمن البلد الذي عرفه العالم منذ وقت مبكر كأحد أقدم الحضارات الإنسانية التي عاصرت حضارات الشرق والغرب

واحتفظت بزخمها على امتداد أزمنة التاريخ القديم في حضورها اللافت بين الأمم والشعوب بالإضافة إلى ذلك تكتسب اليمن أهميتها من موقعها الجيوستراتيجي المطل على البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي وخليج عدن ومضيق باب المندب الذي يعد من أهم المواقع على مستوى العالم بالنسبة لخطوط الملاحة البحرية.

وكذلك بالنسبة للمنطقة العربية وشرق أفريقيا إلى جانب ما يتمتع به هذا البلد من كنوز هائلة وهو ما جعل العصابات الأوروبية تأتي لنهب نفائسه من التوابل والبخور والعطور والعقيق وغيرها من النقوش والتماثيل والآثار المختلفة ولا يزال حتى اللحظة محل أطماع الغزاة وتسابق القوى الدولية والإقليمية على الجزر والسواحل اليمنية والمناطق الغنية بالنفط والغاز والمعادن الثمينة كل ذلك جعل اليمنيين في مواجهة دائمة مع قوى الغزو والحملات العسكرية الخارجية والامبراطوريات الكبيرة التي انكسرت في أوج مجدها.
 هذا الإرث التاريخي يؤكد حيوية الشعب اليمني ونزعته الثورية التحررية التي تأبى الظلم والضيم والاستكانة والعبودية فكان فاعلا في انجازاته الحضارية المتجددة عبر العصور وكان اتصاله المبكر بالعالم الخارجي عميقا كل ذلك كان تعبيرا واقعيا عن غريزته الفطرية وتطلعاته غير المحدودة إلى الازدهار الحضاري وعندما جاء الإسلام كرمه الله ورسوله بحمل الراية الإلهية إلى مختلف بقاع الأرض مقدما تضحيات جسيمة حربا وسلما وكان نموذجا رائدا لأمة بكاملها التي قال فيها سبحانه وتعالى : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" آل عمران آية (110).
ولايزال الإنسان اليمني أكثر حبا وارتباطا بالأرض في وجدانيته المتفاعلة مع الوجود وحلمه إلى النماء والتطور وبالرغم مما مرت به اليمن من مراحل حروب وصراعات وضعف ووهن لم تصل لحالات الضعف والتفكك إلا في حالة الحروب والصراعات الداخلية ومع ذلك لا تصل لمراحل إنكار تاريخها أو التنصل عنه وذلك ما يستدعي ضرورة ضبط عودتنا للتاريخ في المعايير الجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية وهناك فرق بين من ينبش التاريخ لتغذية النزعات المريضة وبين من يتصفحه بعناية والاستفادة منه ونحن اليوم بحاجة للتخلص من شوائب التعصب والانحرافات ومخلفات الانغلاق الذهني الذي أصاب البعض بالتليف الفكري في التشويش على الأذهان بإنكار الهوية في واحدية الجغرافية والتاريخ المشترك اللذين تثبت حقاقهما وأحداثهما النقوش اليمنية وهي أصدق الحقائق الناطقة لحالات الخفقان السياسي والقفز على الحقائق فذلك تغريد خارج التاريخ بذخيرة من الرؤى والتصورات غير السليمة والاستنتاجات الخاطئة لقراءات في معظمها متحيزة لا تخدم حاضرنا ولا مستقبلنا بل بالعكس تغذي مشاريع استعمارية طموحة كانت بالأمس واحدة من أجنداتها التمزيقية والتفكيكية لاستدامة وجودها.

هجمة عدوانية شرسة
ست سنوات واليمن تتعرض لهجمة عدوانية شرسة وتآمرات دولية متعددة مصادرها وأشكالها لم تكتف بكبح جموع تطلعات اليمن النهضوية التحديثية بشروطها وآلياتها الديمقراطية بل بإبقائها أسيرة للوصايا والتحكم في مصيرها ضمن واقع الأسر التاريخي في دوامة التخلف والصراعات والتمزقات الداخلية لتدمير كيانها الوطني في حصيلة التوجهات الامبريالية التي تستهدف في أولوياتها دول وشعوب ومواطن الحضارات الإنسانية القديمة في المنطقة التي تشكل القاعدة التاريخية والحضارية والسكانية وتختزل في وجدانها مختلف عناصر القوة والإمكانات المادية والروحية والبشرية اللازمة للنهوض ابتداء من العراق وسوريا ولبنان ومرورا باليمن وهو ما يجعلنا نرى ذلك تحديا إنسانيا وتاريخيا ووطنيا أمام شعبنا للدفاع عن نفسه وأرضه من الغرباء الذين تقاطروا بآلاتهم الحربية وأساطيلهم وبوارجهم وغواصتهم إلى المنطقة في ظاهرة عسكرية دولية استثنائية هي الأولى من نوعها في التاريخ الحديث والمعاصر في حشد هذا الكم الهائل لأدوات الحرب والدمار ومن دول متعددة الجنسيات ضمن هذا التحالف الذي تقوده السعودية وهو ما يعبر بجلاء عن حقيقة السباق بين أقطاب القوى الدولية للسيطرة على المنطقة ودفع الأطراف الإقليمية إلى إذكاء نار الحرب وأهدافها الخفية التي لم تهدأ وتيرتها ويخبو فعلها لتظهر مشاريعها على الجغرافية اليمنية في سياق متصل ومتكامل مع القوى الدولية للسيطرة والنفوذ على المناطق الحيوية والاقتصادية.
كانت منظمة العفو الدولية قد صرحت بأن :"الجرائم في اليمن هي انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني بقيام "التحالف" الذي تقوده السعودية بقصف البنية الأساسية المدنية وتنفيذ هجمات بدون تمييز وهو ما أدى إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين".
وتعتبر منظمة العفو الدولية مشكلة تسليح الأطراف المتنازعة في اليمن من الهواجس الكبرى والعوائق أمام حل الأزمة على الرغم من أن هناك أدلة دامغة على أن هذه الأسلحة تُستخدم في ارتكاب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة في اليمن فإن دولاً من قبيل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية لا تزال تزوِّد قوات التحالف بالأسلحة في انتهاك لالتزاماتها الدولية.
وكانت منظمة العفو الدولية قد حثت جميع الدول بعدم تزويد أي طرف من أطراف النزاع في اليمن- سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- بالأسلحة أو الذخائر أو المعدات العسكرية أو التكنولوجيا للمساهمة في حل هذا النزاع كما تعتبر منظمة العفو تداعيات هذه الحرب إلى حد الآن كارثية على المستوى الإنساني بالدرجة الأولى وقد وصلت إلى مستوى متقدم من العجز الاقتصادي ووصل عدد القتلى بعشرات الآلاف منذ 2015م وأن هناك 16 مليون شخص يعانون من الجوع والفقر المدقع.

اجندات مختلفة
يتوقع المراقبون بأن المساعي الأمريكية لحلحلة الأزمة في اليمن لا يمكن تؤتي ثمارها بصورة عاجلة لارتباطها وتشعباتها وارتباطها بالصراع الإقليمي والدولي التي كشفت الوقائع عن مشاركة هذه الأطراف الدولية في الحرب ضد اليمن وأن القوات الأمريكية كانت متواجدة في الحد الجنوبي للسعودية ومنخرطة في دعم الأعمال القتالية منذ بداية الحرب وبالتالي كان لصعود الجمهوريين بغطاء الشعبوية اليمينية المتطرفة التي عبَّر عنها بفجاجة دونالد ترامب الرئيس القادم من خارج السياسة الذي عمل على إنهاء المبادرة السياسية في أغسطس 2016م التي عرفت حينها باسم "بمبادرة جون كيري" وزير الخارجية الأمريكية أواخر إدارة أوباما كان ترامب قد تعامل معها بكثير من النزق السياسي واستثمار الحرب لرفد الخزانة الأمريكية بعقلية رجل الأعمال مقابل غطاء سياسي وعسكري لاستمرار العدوان على حساب الدم اليمني وكان وقتها طموح محمد بن سلمان الوصول إلى السلطة وإزاحة خصومه ومنافسيه من أفراد العائلة المالكة ومنهم محمد بن نائف في يونيو 2017م والتخلص من أدواتهم الأمنية والمالية بتهمة الفساد وانتهى بهم الأمر إلى السجون والإقامة الجبرية ليصعد محمد بن سلمان وليا للعهد كان ثمن ذلك الصعود الصفقات المرتفعةً للغاية على شركات انتاج الأسلحة الأمريكية. واتخذ ابن سلمان من الحرب اليمنية وما يسميه بخطر التمدد الإيراني ذريعة للقبض على كل مفاصل السلطة وإن كانت الكلفة المالية باهظة على الخزينة السعودية فإن ذلك لا يساوي شيئا أمام طموحه في الوصول لعرش السلطة ومد نفوذه بجافل الغزاة على أراضي المهرة وحضرموت لابتلاع الأراضي اليمنية وثرواتها التي ظلت السعودية لسنوات تبحث عن موطئ قدم لها على بحر العرب لمد أنبوب النفط من عمق الأراضي السعودية ويمر بالأراضي اليمنية وصولا إلى بحر العرب إضافة لطموح السعودية بحفر قناة مائية من بحر العرب إلى الأراضي السعودية لمرور السفن بديلا عن مضيق هرمز وإقامة مشاريع استثمارية هذه وغيرها من الأجندات ما كانت تحلم بها السعودية لولا هذا العدوان الذي كان مبررا لتلك الأجندات التي تحرسها القواعد العسكرية على أراضي المهرة التي قسمتها إلى مربعات أمنية واقتضمت منها ومن أراضي حضرموت حوالى 42 ألف كم مربع وهذه المشاريع الاحتلالية تزامنت مع الأجندات الإماراتية لتقسيم اليمن تماهيا مع الانتقالي الجنوبي الحالم باستعادة دولة الجنوب العربي وتبدو السياسة الإماراتية أكثر وضوحا في الوصول لأهدافها من خلال الاتجاهات التالية :
الاتجاه الأول : إحياء المشروع البريطاني القديم《 اتحاد الجنوب العربي الذي لم تدخل فيه حضرموت والمهرة وهذا ما يجعل الانتقالي مصرا على إلغاء الهوية اليمنية عن الجنوب اليمني وهي نفس الرؤية الاستعمارية في عملية التقسيم الجغرافي لفصل الشمال عن الجنوب وهو ما تسعى الإمارات الوصول إليه للحصول على العقود طويلة الأجل.
الاتجاه الثاني: السيطرة على الممر المائي بين البحرين العربي والأحمر والجزر اليمنية (أرخبيل سقطرى ميون وميناء عدن) لقطع الخط أمام المشروع الصيني وهذا ما سيجعل الإمارات تمرر شروطها مع الجانب الصيني بتوقيع الاتفاقيات معها وإذا تعثر ذلك ستلجأ لتعطيل عمل الموانئ والجزر اليمنية المستهدفة كمحطات تجارية لطريق الحرير الصيني.
الاتجاه الثالث: بسط سيطرة الإمارات على الساحل الغربي القريب من الخطوط الملاحية وإقامة مشاريع استثمارية وتحاول الإمارات بالتنسيق مع بريطانيا اقتطاع الساحل الغربي عن الجغرافية اليمنية التي تكشف المسوحات أن هذا الشريط غني بالنفط والغاز .
الاتجاه الرابع : تطبيع الإمارات علاقتها مع الكيان الصهيوني في سياق الشراكة الثنائية الفاعلة في الجوانب الاقتصادية والتجارية والمشاريع الاستثمارية ومنها على جزيرتي سقطرى وميون وعلى الممر المائي الحيوي في باب المندب.

إحباطات متتالية
تبدو الدبلوماسية الأمريكية بصدد إعادة بناء سياستها الخارجية في التعاطي مع الدول لإحداث توازنات بتفاهمات متفقة عليها مع الاتحاد الأوروبي وكان الرئيس جو بايدن قد خاطب العالم بلغة دبلوماسية لحل قضايا عديدة ومنها إيقاف الحرب في اليمن وإنهاء الدعم العسكري للسعودية والتفاوض بشأن السلاح النووي الإيراني ومع ذلك تبدو تلك التوجهات تفتقر إلى القراءة الواقعية للصراعات أما من الناحية المثالية ستجد الولايات المتحدة وشركاؤها طريقة للحصول على الأقل على قدر من القبول للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة للتوسط في وقف إطلاق النار وانهاء الحرب وأن تحضر الأطراف على طاولة المفاوضات وجها لوجه هذا إذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن إحلال السلام في اليمن وأن أي تسوية سياسية شاملة ستتطلب عملا دبلوماسيا مكثفا مع جميع أطراف النزاع وقد تواجه سلسلة من الإحباطات المتتالية ومن المحتمل أن تكون هناك حاجة عملية متعددة المراحل تبدأ بوقف إطلاق النار للتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية وتسهيل العودة للمحادثات السياسية وإلى أن يحين موعد تلك المحادثات يفترض أن تعكس الجهود وجهات نظر الأطراف المحلية التي سيكون قبولها ضروريا لضمان نجاح التسوية حتى لو كان ذلك يعني عملية تفاوض طويلة الأمد.
وبالرغم من الحديث عن مسألة السلام ووقف الحرب والدعوات الأمريكية والأوروبية لذلك إلا أننا لا نجد شيئا عمليا على الواقع يشير إلى أن الحرب سوف تضع أوزارها قريبا وإذا كان هناك من تفاؤل لإحلال السلام في اليمن وهذا ما هو مرحب به ووضع حد لإنهاء المأساة الإنسانية الكبيرة في اليمن بانتفاء الدوافع المسببة لها بالتوازي مع رفع سقف المبادرات الإنسانية للوقف الفوري أولا للحرب بصورة شاملة ورفع الحصار البري والبحري والجوي ومغادرة القوات الأجنبية الأراضي اليمنية وتطبيع الأوضاع بفتح المنافذ البرية بين المدن اليمنية وإعادة تشغيل المطارات والموانئ إلى وضعها الطبيعي وإطلاق سراح المعتقلين وإعادة الإعمار والتعويضات كل هذا سيفتح نافذة للحل السياسي في الوقت الذي نتحدث فيه عن مجاعة كبيرة وأرقام كبيرة في حجم الجرائم الانسانية وغيرها من الانتهاكات التي ارتكبتها السعودية والإمارات بحق الشعب اليمني وتدني الخدمات الصحية والوضع المعيشي المأساوي مع انقطاع الرواتب وارتفاع الغلاء مع خط الفقر الذي وصل إلى المجاعة . 

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا