ومضات متناثرة: "المقالح" رحيل المبدعين.. والأجوبة الصامتة
رحيل رائد القصيدة الحديثة الأديب الشاعر الناقد الدكتور عبدالعزيز المقالح خسارة كبيرة ليس على اليمن فحسب بل على العالم العربي والعالم قاطبة..
عاش المقالح منذ طفولته خيوطاً متشابكة متناغمة من العذابات الشخصية بين الطفولة والمراهقة والشباب، واللحظة المعاصرة الحافلة بالمفاجآت المتنوعة، كاشفاً عن القلق والاضطراب، وبقية المشاهد المأساوية في هذا العالم المتخم بالفوضى واللامبالاة، والجمود الإنساني..
هكذا تظل ذكريات الطفولة منحوتةً في الذاكرة لا تُنسى، رغم بؤس الحياة وشظفها، وقسوتها.. رحل وفي نفسه شيء من حلم لن يتحقق.. رحل جسداً ولم يرحل روحاً وكلمةً ومنارةً.. كان يدرك دائماً استشراف المستقبل عبر دوامة الأحداث وخلخلة الحواس، واضطرابات الومضات الراهنة في زمن الهويات الضيقة..
أليس هو القائل: "ثقافتنا حتى بعد الانفتاح على العالم مازالت- تشكو من الجفاف والضمور بسبب إهمال المكونات الفنية، والاعتماد على الكلمة، وكأنها بذلك ثقافة البعد الواحد"..
هكذا يرحل العظماء المبدعون في صمتٍ وتواضع، دون ضوضاء.. تاركين خلفهم ميراثاً شامخاً، وبصماتٍ واضحةً للحاضر والمستقبل.. مدركين حقاً أن الأوطان لم ولن تبنى إلا بالثقافة والمعرفة والتقارب والتواصل الاجتماعي والمعرفي بين الثقافات والحضارات المختلفة.. وهذا لن يتم إلا بوجود التفاهم المشترك والاحترام المتبادل وتعزيز الرؤى المتوافقة بين الثقافات المختلفة..
رحل علم اليمن في صمتٍ، تاركاً كل شيء من بعده للأجيال الذين يحملون مشاعل الفكر والتاريخ والأدب بصدقٍ ووفاءٍ وأمانةٍ.. وصدق الشاعر القائل:
"صنعاء يا نبع الفكر والتاريخ والحضارة..
يا منبع الخير والجمال والفن..
يا مهد الحضارات..
شمسك مازالت متوهجةً..
أرضك حُبلى بالمفاجآت..
نرحل وعبق الماضي في باطن الحجب"..
رحل المقالح المسكون بعشق الوطن.. كان يؤمن إيماناً يقينياً أن الثقافة والفن هي علاج الحروب والنزاعات والعصبيات التي تخفف عنا وطأة الحروب والعنف والأزمات..
أليس هو القائل: "هل التخلف المتطور وغير المتطور الذي يعاني منه الوطن العربي يعود الى تخلف ثقافته ومثقفيه أم أن تخلف الثقافة والمثقفين هو الذي يصنع هذا الواقع المتخلف؟..- قد أكون مخطئاً- أن تخلف الثقافة وما يعانيه المثقفون من نقصٍ في ثقافتهم هو وراء ما تكابده الأمة العربية من انكساراتٍ، ومن تخبطٍ في المنطلقات المؤدية الى التحرر والتطور والمشاركة في بناء حضارة اليوم بأبعادها المادية والمعنوية"..
لا أدري برحيل علم اليمن الشامخ "المقالح" قد دخلنا عصر الصمت الأدبي؟!..
هل ويلات الحرب التي انكوينا بها، ومزقت الوطن الى كيانات متصارعة، حتى أصبح دور المثقف اليوم هامشياً، طغى عليه صوت العنف والقمع والبطش..
إذن لا سلام بدون ثقافة وتعايش ومصالحة حقيقية..
صفوة القول:
عبدالله عبدالوهاب البياتي
"لمن تبكي هذه الزنابق؟..
لمن تضيء هذه النجوم؟..
لمن تدق هذه الأجراس؟..
وأين يمضي الناس؟..
هذا بلا أمس.. وهذا غده قيثارة خرساء..
داعبها، فانقطعت أوتارها ولاذ بالصبهاء
وذا بلا وجه، بلا ملامح، بلا قناع..
أشعل في الرحيل ناراً وانتهى الصراع
سيصبح الصمت رهيباً عند الرحيل..
الريح تبكي كل يوم عند مجيء المساء..
علمتني غياب الكلمات.. عذاب الصمت والبكاء.."بتصرف".