كتابات | آراء

اليمن وتقاطع مصالح الامبريالية

اليمن وتقاطع مصالح الامبريالية

لم تكف الولايات المتحدة الأمريكية من رسم خططها الرامية إلى توسيع دائرة أطماعها ونفوذها في اليمن وفي المنطقة العربية عموما وربطها بسياستها في الصراع مع روسيا والصين،

واعتبار منطقة الشرق الأدنى والأوسط حصريا على مصالحها التي تكثف فيهما من قواعدها وتواجدها العسكري وترى ذلك مبررا وضرورة لحماية مصالحها.
ومع ذلك فإن الأمريكان يوجهون نشاطهم المحموم إلى مناطق جديدة مثل اليمن التي نشأت فيها مناخات غير مستقرة لغرز أنيابها في تربتها بواسطة الوكلاء.
انزلقت اليمن لتغرق في مستنقع الانقسامات والتشظيات الحادة نتيجة الصراعات بين الأطراف السياسية اليمنية، ولم تكن الأطراف الدولية والاقليمية ببعيدة عنها، إن لم تكن قد انغمست بتدخلاتها بشكل أو بآخر لتقويض السلم المجتمعي.
وفي الوقت الذي بدأ فيه الحراك الثوري الوطني يتنامى بشكل ظاهر وبوتيرة عالية لتعزيز مناخات الأمن والاستقرار والسلم المجتمعي، واتخاذ الاجراءات نحو بناء أركان الدولة الحديثة، وفك قيودها من الأسر التاريخي، واختيار طريق الحرية والاستقلال الوطني، وبدأ الشعب يشهد تقدما ملموسا لحل الكثير من المعضلات الاجتماعية، ومنها محاربة الفساد، واتخاذ الخطوات الناجعة في استقرار العملة الوطنية، وإصلاح أوضاع المؤسسات الحكومية والوحدات الخدمية والانتاجية، وحل الكثير من القضايا في عملية النهوض رغم شحة الامكانات، وأخذ التفاعل الجماهيري يزداد مع وتيرة التغييرات في كل المؤسسات ومرافق العمل والانتاج، وكان حق تقرير المصير التاريخي الذي لمع عنوانه البارز من بين هذه الخيارات في وهج الثورة للولوج إلى مرحلة جديدة من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية .
تلك التطلعات المشروعة نحو الحياة المعاصرة كانت بداية الوثبة التاريخية التي أغضبت أساطين مشيخات الخليج بعدم السماح بأي تحولات عن دائرة النفوذ والوصايا وفي كل صغيرة وكبيرة في شؤون البلد، واعتلت الخطوط الحمراء والموانع الكابحة، والكيد السياسي عن مآلات الأوضاع، وخطورة التوجهات السياسية في اليمن .
كان إشعال فتيل الحرب بين الأخوة الأعداء هي الفكرة التي تقاطعت عندها مصالح الدول الإمبريالية (أمريكا، بريطانيا، فرنسا، إسرائيل) مع الرجعية العربية (السعودية، الإمارات) حول مسائل عديدة أهمها: الثروات النفطية والغازية، وبعض المعادن الثمينة، وموقع اليمن الجيواستراتيجي الهام  وإشرافه على البوابة الجنوبية لمضيق باب المندب، ووقوع جزره وموانئه على خطوط الملاحة الدولية، بالإضافة إلى اختيار الصين جزيرة سقطرى وميناء عدن نقطتين تجاريتين في مشروع الحزام والطريق سترفد اليمن بالأموال الكبيرة من خلال التبادلات البينية في حلقة الاتصال مع العالم، وهذا ما جعل الإمارات تجن في جنونها في ازدهار اليمن القادم، بينما سيضمحل دور ومكانة (ميناء دبي الحر) لوقوعه في المنطقة الميتة  بعيدا عن الخطوط الدولية.
وتكاد أطماع السعودية كثيرة ولا حصر لها، فهي أولا تنطلق من فكرة "الوصية المأثورة" بحيث تبقى اليمن تحت الإبط، وثانيا أن المملكة تنساق وراء المشاريع والخطط الأمريكية في توسيع نفوذها وسطوتها على الشعوب من منظور البابوية وعلى الجميع طاعتها وعدم رفض اشتراطاتها، فهل تنظر لليمن كمنطقة هامة لوضع قواعدها في الصراع مع الخصوم ونهب ما في السطح والاعماق؟
 تلك باختصار حلقات التآمر التي زجت باليمن في واحدة من أخطر الحروب الوطنية التي كانت سببا في تشظي اليمن إلى كنتونات سياسية متصارعة، فذهبت القوى الإقليمية والدولية لاستثمار مناخات هذا الصراع المتفجر وتعد العدة لوضع خططها الاستراتيجية لمهاجمة اليمن وشن الحرب العدوانية على نطاقات جغرافية واسعة مهدت مع مرتزقة الداخل لغزو واحتلال اليمن.
كان الوقت عصيبا ومعقدا للغاية في تزامن هذه الأحداث العاصفة في الوقت ذاته سعت فيه القوى الإقليمية لتولي هذا الدور بخفة متناهية، واقتناص اللحظة التاريخية للانقضاض على اليمن في تحالف عسكري عربي بزعامة السعودية في حرب تعددت فيها القوى والوسائل والأساليب، واجتمعت فيها مقومات الحرب العدوانية الشاملة سياسيا واقتصاديا وعسكريا ضد شعبنا اليمني المسالم الذي يبحث عن سبل الاستقرار والأمن والسلام وهو يتطلع شغوفا إلى بناء دولته العادلة، وحاضره ومستقبل أجياله.
 يحاول الأعداء تمزيق اليمن ليسهل ابتلاعه والسيطرة عليه ونهب موارده الاقتصادية، وأمام تلك الخيارات الصعبة وضع الشعب مكرها أمام تحديات كبيرة وغاية في الصعوبة والتعقيد، وفي معادلات تاريخية فارقة كانت عناوينها ماثلة كحد السيف، فإما الرضوخ والاستسلام والخضوع والتبعية، وأما مقاومة الطغيان وأركان القهر والعبودية والاستبداد، واختار شعبنا طريق الكرامة والعزة والحرية وحمل راية الكفاح المسلح، والنضال الوطني للدفاع عن كرامته، هذا اللواء حمل شرف رايته الكثير من المناضلين اليمنيين الأحرار في الأزمنة التاريخية المختلفة في التاريخ الحديث والمعاصر، وقبلهما في التاريخ القديم كانت فيها اليمن عصية ومقبرة لكل الغزاة.
 ولا شك أن الرموز الوطنية والسياسية والثقافية كان لها الحضور في المقاومة الثورية فحملوا مشاعل الهدي والتنوير، وكانوا في مقدمة صفوف المقاومة الشعبية، وفي معارك التحرير والاستقلال الوطني، ومنهم الأديب العالمي الراحل الفيلسوف البردوني
واقتبس هنا من كتابه" الثقافة الشعبية" في معرض حديثه عن الحس الثوري المقاوم للطغاة والاعداء في الدفاع عن القضايا الوطنية الذي أشار إليها في الحالات الثورية لمقاومة الغزاة والمحتلين، ومنهم الساسة فيقول : " كانت الملكة اليزابيث في القرن السادس عشر تقول : إن شيكسبير أعظم من التاج البريطاني، لأنه بطاقة الكلمة، كذلك كانت تقول : إن في بريطانيا آلاف الساسة، ولكن فيها شيكسبير واحد، وفي الحرب العالمية الثانية ارتفعت اللافتات التي تحمل التعبئة الثورية : دافعوا عن وطن شيكسبير، كذلك كانت  اللافتات والشعارات السوفييتية ترتفع في الحرب الوطنية العظمى في تحشيد المواطنين في مواجهة الفاشية الألمانية وحلفائها النازيين : دافعوا عن وطن بوشكين .
ومثلما كان هؤلاء رافعة شعوبهم كان البردوني رافعة في منارة التنوير والابداع، وخصما عنيدا ومقاوما ثوريا في وجه الطغاة والمستبدين.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا