كتابات | آراء

بناء الدولة الحديثة لايتم بالتمني والكلام

بناء الدولة الحديثة لايتم بالتمني والكلام

لقد تطرقت إلى مضمون هذا المقال في تناوله سابقة لكن لما له من أهمية متعلقة ببناء الدولة إن حسنت النيات وكيف كان اليمن يحكم في العقود الماضية من خلال التحويلات

وبعقليه لا تمت بصلة إلى المفهوم الحقيقي للدولة, فقد استحسنت ان أذكر من جديد بما يجب علينا القيام به وصولاً إلى بناء دولة النظام والقانون وكيف أن الآخرين يعتقدون أن اليمن من الصعب عليه الخروج من أزمته:
لا ندري لماذا يصر المحللون والسياسيون المتابعون للأحداث من داخل اليمن وخارجه على أن اليمن اليوم أصبح على مفترق طرق نتيجة لاستمرار العدوان عليه للعام السابع على التوالي وعدم التوصل حتى اللحظة الى اتفاق يضع نهاية لهذه الحرب اللعينة وان كانت نظرة اليمنيين في الداخل تختلف تماماً عن توقعات ومتابعة هؤلاء لما يجري في الساحة اليمنية عن بعد من تفاعل وتطلعات الى المستقبل الذي سيتم صناعته بأيدي اليمنيين أنفسهم دون تدخل الخارج وذلك بعكس ما كان يحدث في السابق لأن اليمنيين ولأول مرة منذ أمد بعيد يتحركون ويضعون أقدامهم على بداية الطريق الصحيح وصولاً إلى بناء دولة وطنية حديثة افتقدوها طويلاً وإن كانت ولادة هذه الدولة ستواجه مخاضاً عسيراً نتيجة الحمل الثقيل الذي من المؤكد سيتمخض عنه مولود مكتمل النمو.
وتبشر البدايات المتمثلة في تساقط رموز الفساد ووضع حد للاستبداد السياسي الذي كان قائماً بأن الطريق سيكون ممهداً وسالكاً للانطلاق منه إلى النهاية شرط أن يكون الفساد الإداري والمالي في طليعة الأهداف التي سيتم محاربتها والقضاء عليها نهائياً.. بل إن هذا التفاعل الشعبي مع ما يحدث وتشهده اليمن من تطورات متسارعة وتحقيق الانتصارات العظيمة في كل الجبهات على تحالف العدوان قد أثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن اليمنيين منذ أكثر من نصف قرن كانوا يعيشون في ظل اللا دولة وأن تحالفاً بين ثلاثة أطراف سياسية وقبلية وعسكرية هو الذي كان يتحكم في مصير اليمن وشعبه تحت إشراف السفيرين الأمريكي والسعودي إلى أن انتهى في 21سبتمبر عام 2014م ليدخل اليمنيون بعد ذلك في مرحلة جديدة تشكلت من خلال إرادة وطنية خالصة لا تخضع لإملاءات الخارج ولا يتحكم فيها طرف بعينه ولو عدنا قليلًا إلى الوراء سنعرف كيف كان يحكم اليمن ولماذا غابت دولته بقوانينها وأنظمتها ويكفي أن نستشهد بما قاله الدكتور أحمد أبو إصبع رحمه الله الذي أورد حكاية طريفة لكن لها معنى ودلالة خطيرة كنت قد أشرت إليها في مقال سابق واستشهدت بها لأنها تسببت في إجهاض مشروع الدولة اليمنية الحديثة
يقول الدكتور أحمد أبو أصبع:عندما تم اختيار علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية العربية اليمنية في 17يوليوعام 1978م من قبل مجلس الشعب التأسيسي حينها كان البرتوكول يقتضي أن يرأس الرئيس أول جلسة لمجلس الوزراء تنعقد في عهده وكان الرئيس صالح يومها بحكم خلفيته العسكرية متهيبًا من السياسيين المدنيين الذين سيجتمع بهم خاصة أن بينهم العديد من الحاصلين على شهادات عالية.. فقيل له: فقط أنت ستلقي كلمة قصيرة في بداية الاجتماع وتنصرف ثم يواصل مجلس الوزراء مناقشة جدول أعماله فوافق.. ولكنه قبل أن يغادر الاجتماع فوجئ أن أولئك الذين كان متهيبًا منهم يدفعون إليه بمجموعة من الأوراق فكان يستلمها منهم آنذاك ويسلمها للمقدم عبد العزيز البرطي- رحمه الله- الذي كان يقف خلفه ثم توجه الرئيس إلى منزله بقرية الدجاج ولحقه البرطي بالأوراق وهناك سأل الرئيس عن الأوراق فسلمت له وبدأ يستعرضها وكانت المفاجأة بالنسبة له كبيرة حين شاهد أن كل ما جاء فيها هي عبارة عن مطالب خاصة.. فمنهم من يطلب سيارة ومنهم من يطلب أرضية ومنهم من طلب معونة فصاح الرئيس قائلاً: من أين أجيب لهم؟ فضحك عبد العزيز البرطي وقال: أنت الآن رئيس الدولة.. وبذكاء الرئيس صالح الفطري فهمها وهي طائرة ومن يومها تخلى عن مشروع الدولة اليمنية الحديثة وانقلب على ما كان قد بدأه الشهيد إبراهيم ألحمدي وحكم اليمن بالتحويلات والأزمات وبالترغيب والترهيب وهو ما يؤكد قول الشيخ سنان أبو لحوم الذي أشار في مذكراته أن الفلوس مقدسة في اليمن ونعتقد جازمين بأن هذه الثقافة مازالت قائمة حتى اليوم بل ويتم الاهتمام بها وتغذيتها وبعد صبر طويل على هذا الوضع السيئ طفح الكيل وأصبحت طاقة اليمنيين لا تحتمل هذا الصبر فجاءت ثورة 21سبتمبر عام 2014م الشعبية لتصحح المسار وتقضي على تلك التحالفات السياسية والقبلية والعسكرية التي اختصرت نفسها في الشعب والوطن لعدة عقود وإن كان ما حدث هو نتيجة طبيعية لمن يبني نظاما أو دولة على أساس هش فيخر السقف عليها ليهدمها بمجرد أن تتعرض لأول هزة فيصعب عليها المقاومة والبقاء .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا