بوح اليراع: عدم استيعاب دروس وعبر ثورة 14 أكتوبر
من الحقائق التأريخية التي يشهد بها العالم بأسره ويتمسك بها جميع أبناء العروبة بمن فيهم الأجيال المعاصرة أن اليمن السعيد هو أصلهم جميعًا،
وما يزالون -باستثناء القلة التي استمرأت العبودية للصهيوماسونية المستغلة- يفتخرون بانتمائهم إليه افتخار الفرع بأصله.
وانطلاقًا من هذه المسلمة التأريخية الملزمة المعززة بأنصع الشواهد، فإن اليمن -بشطريه- وطن واحد وشعب واحد لا ينكر واحديته إلا كل عميل وجاحد، وفي ضوء واحدية الشعب التي تحتم تكاتف الجهود في التصدي للخطر -بالإضافة إلى وقائع نضالية تأريخية تركت بصماتها في بقاع متعددة من جغرافية اليمن الأخضر- تتأكد لنا واحدية الثورة اليمنية ويتأكد لنا أن "14 أكتوبر" هي الوجه الآخر لـ"26 سبتمبر" ومن كليهما تشكلت "فسيفساء" التأريخ النضالي اليمني الأغر الذي وضع تحقيق "الوحدة العربية الشاملة" في صدارة اهتماماته واعتبر استعادة اللحمة اليمنية في الـ22 من مايو عام 1990م أولى اسهاماته.
أهمُّ وأنْفَسُّ ودُرَر ثورة "14 أكتوبر"
ما من شك أنَّ الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من مسيرة نضالية لشعب أبيٍّ حر ضد طغيان وجبروت أشرس محتل مستعمر في تأريخ البشر ستكون بليغة وكثيرة ولا يمكن استيعابها في مقالةٍ صحفيةٍ قصيرة، لذلك سيقتصر جهدي المتواضع على ذكر ما يلي:
1 - أن "14 أكتوبر" امتدادٌ حتمي لـ"سبتمبر": ممَّا لا يزال موضع اعتراف كافة الأطراف أن أبناء المحافظات الجنوبية اليمنية شاركوا إخوانهم في المحافظات الشمالية بالنهوض بثورة 26 سبتمبر، وبالمقابل مثلت "الجمهورية العربية اليمنية" في الشمال ملجأ لأبناء الجنوب ومنطلقًا لتنفيذ عملياتهم الفدائية ضد المحتلين البريطانيين بالإضافة إلى رفدهم بالأسلحة والمقاتلين.
2 - أن "14 أكتوبر" ذات بعد قومي عربي: لقد حظي ثوار 14 أكتوبر في الجنوب اليمني بتأييد عربي قوي وبدعم مالي سخي، وكان الثوار يشعرون ذلك الدعم يمتزج بما يجري في عروقهم من سائل، فيعبرون عن ذلك الشعور بكل الوسائل، منها -على سبيل المثال- (قيام فدائيين في "حضرموت" في 28 يوليو 1965 بقتل قائد جيش البادية الكولونيل البريطاني "جراي" وهو الذي نفذ عملية اغتيال المناضلة الفلسطينية "رجاء أبو عماشة" عند محاولتها رفع العلم الفلسطيني مكان العلم البريطاني أثناء فترة الانتداب البريطاني على فلسطين).
3 - أن طرد الاستعمار وامتلاك القرار مناط افتخار: النفس البشرية بفطرتها مجبولة على الحرية، وبخلاف ذلك فإن العبودية تشعر الإنسان بالكبت والحرمان على اعتبار أنه لا يملك من أمر نفسه ما يملكه الحيوان، ولأن الاستعمار هو الوجه المعاصر للعبودية واستعمار الشعوب يتسم بما يتسم به استعباد الأفراد من العيوب، فإن التحرر هو الفرصة الحياتية التي لا تتكرر، وقد اتضح هذا في حياة اليمنيين بجلاء بعد ما تحقق لهم من مكسب التحرر بعد (الجلاء).
أقبح مظاهر التنكر لمكاسب ثورة "أكتوبر"
لعل الجيل المعاصر الذي جنى ثمار نضالات الرعيل الثائر لم يستوعب دروس وعبر ثورة "14أكتوبر" كما كان ينبغي لها أن تستوعب من كافة الجوانب لما من شأنه الحفاظ على أهم ما حققته -عبر مسيرة نضالية ارتوت خلالها الأرض اليمنية بدماء الثوار الزكية- من مكاسب جديرةٍ بأن تتخلد ولا يكمن أن يفرط فيها إلا كل سفيه أو متبلد، وقد كان حدوث التفريط مستبعدا جدّا، لولا أنه أصبح -اليوم- واقعًا معاشٌا وأمرًا مؤكدا، وقد تجسدت أبرز وأقبح مظاهره في ما يأتي:
1 - استقدام الاستعمار وتوهُّم الانتصار: فقد اعتبر بعض وارثي مكاسب "14أكتوبر" من سياسيي "جنوب الوطن" إخوانهم الشماليين محتلين، فسارعوا -عند أول فرصة- لاستقدام النظامين الإماراتي والسعودي لاحتلال المحافظات الجنوبية، فلم يفتأ النظامان يحكمان على تلك المحافظات كامل السيطرة حتى عمد أولهما إلى تملك جزيرة "سقطرة" وشرع الآخر في استقطاع محافظة "المهرة"، في حين يعد مستقدمو الاستعمار قتل كل مسافر شمالي أو مار أهم مظاهر الانتصار الجديرة بالافتخار.
2 - التنكر للهوية بالتنكب للوحدة اليمنية: لقد تجاوز اعتزاز ثوار "14أكتوبر" بأصلهم اليمني وشغفهم لاستعادة لحمة وطنهم المشطَّر كل حدود التصور، وقد كان نزوعهم نحو إقامة "يمنٍ واحدٍ" عوضًا عن "اليمنين" يفوق نزوع إخوانهم الشماليين، وليس أدل على ذلك من أن نشيدهم الوطني "رددي أيتها الدنيا نشيدي" من كلمات وأداء مبدعين شماليين، بيد أن خلفهم اليوم تنكر لهويته اليمنية، مبتدعًا الجنسية الجنوبية التي سيصبح بتوهمه إياها بدون هوية.
3 - خلع رداء القومية استعدادًا لمعانقة الصهيونية: بقدر ما كانت "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" أكثر اعتزازًا بيمنيتها وفي شوق مستمر لتنصهر في نصفها الآخر، كانت شديدة الاعتداد بقوميتها ودائمة الافتخار بعروبتها، وكانت ترتبط بالبلدان العربية الشقيقة المتبنية للقومية بروابط وثيقة.
أما بعد التنكب الأرعن لوحدة الوطن والتهافت المجنون على الالتحاق بـ"إمارات طحنون"، فقد صار واضعو شطر "يمن الحكمة والإيمان" في شرنقة الارتهان لآل سعود وآل نهيان -بحسب تصريح "شبيه السليك" المدعو "هاني بن بريك"- يترسمون خطاهم ويقتفون أثرهم في الأخذ بأسباب التطبيع مع الكيان والانخراط في نادي "التصهيان".