كتابات | آراء

حديث الإثنين: علوم المسلمين أسست للنهضة الأوروبية

حديث الإثنين: علوم المسلمين أسست للنهضة الأوروبية

مقال هذا الأسبوع من حديث الاثنين سأبتعد به عن السياسة وأعود إلى الورى قليلاً لنتأمل كيف كان حال الأمة الإسلامية والمجد الذي مرت به و كيف كان الأوروبيون يتهافتون للنهل من علومها

ولكن أصبح حالها اليوم لا يسرعدو ولا صديق ، قبل ما يقارب عشرون عاما زارت اليمن المستشرقة الألمانية ( أناُ ماري شيمل ) وكلفت بإجراء حوار صحفي معها عدت إليه وقرأته من جديد فوجدت ما ورد فيه من حقائق تاريخية على لسانها حول المجد الذي وصل إليه المسلمون يجعل كل مواطن عربي ومسلم يندب حظه ويتأسى على الوضع الذي وصلت اليه الأمتين العربية والإسلامية حاليا وهو وضع عاد بهما إلى وضع الجاهلية الأولى وسأقتبس منه ما يتعلق باستفادة أوروبا من علوم المسلمين واهتمامها بتاريخ الحضارة الإسلامية .
تقول المستشرقة ( أنا ماري شيمل )في بداية حديثها إن سر اهتمامها باليمن يرتبط بتاريخه الحضاري ودور أبنائه الرائد في نشر الدعوة الإسلامية وفي الفتوحات لاسيما الدور الذي قام به أبناء حضرموت خلال هجرتهم إلى الهند وإندونيسيا وقد اتخذت من ذلك مادة قامت بتدريسها عن تاريخ الإسلام في الهند وباكستان وكذا عن دور اليمنيين في كل العصور مؤكدة أنها اهتمت بالدراسات الإسلامية وبالإسلام كدين من الناحية الثقافية والتاريخية وعظمة حضارته إلى جانب قراءتها للتراث الإسلامي بحكم إجادتها لعدد من اللغات منها العربية والتركية والفارسية والأوردية وهو ما يتوجب على كل مهتم أن يعمل على ابراز تاريخ الحضارة الإسلامية العظيمة ليعود بمزيد من المعرفة على من لايعرفون ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية من رقي وتقدم وساعدت على نهضة أوروبا ، وحين سألتها عن أهمية الحوار بين  الأديان وإمكانية التعايش السلمي قالت : الحوار والتفاهم ممكن بين الأديان إذا ما تم إبعاده عن السياسة وأنها في هذا الجانب عندما كانت أستاذة لتاريخ الأديان قامت بتدريس الطلبة المسلمين بجامعة أنقرة بتركيا تاريخ الهندوسية والبوذية والقيشانية وكذا درست الفرعونية ليعرفوا عنها وأنها تناقشت كثيرا حول ذلك مع الطلبة المسلمين وقالت لهم أنه يوجد عالم كبير في المانيا ألف كتب كثيرة عن فلسفة الأديان فأفادوا أن ذلك ليس بجديد عليهم لأن المسلمين يعلمون أن الله ذو الجلال والجمال وهذا عين الشيء خاصة أن العالم الإسلامي يمتد تاريخه الى اكثر من 1400 عام لكن المشكلة التي ربما تعيق مسيرة الحوار بين الأديان تتمثل في استغلال المسائل العقائدية وتوظيفها في أمور أخرى حتى لا  ينجح الحوار ولذلك من المهم أن يتم التركيز على جوهر الأديان  والابتعاد عن القشور بحيث يتم فهم الأديان فهما صحيحا وكذا عدم حشر الجانبين السياسي والاقتصادي أثناء الحوارات .
وحول نظرتها للحركة الصهيونية وإسلوب تفكيرها في التعامل دينيا مع الآخرين وكذلك نظرتها لحركة الاستشراق الألمانية مقارنة بحركة الاستشراق في بريطانيا وفرنسا المرتبطة بالاستعمار قالت : الحركة الصهيونية ليست حركة دينية وإنما هي حركة سياسية وهناك الكثير من المستشرقين اليهود كتبوا قبل ثمانين عاما كتابات جيدة قدروا فيها الإسلام والمسلمين لكن الحركة الصهيونية اصبحت حركة سياسية ويوجد فيها تعصبا وان كنت اجد بعض أصدقاء يهود يؤلفون كتب قيمة باللغة العربية يفصلون من خلالها الدين عن السياسة  أما بالنسبة لحركة الاستشراق في المانيا فهي تختلف عما هو موجود في بريطانيا وفرنسا المرتبط بالاستعمار فألمانيا ليس لها مقاصد استعمارية وان كانت قد اخذت قسم من افريقيا في تنزانيا وكينيا لفترة تجاوزت ثلاثين عاما ، المستشرقون الألمان يهتمون كثيرا بالأدب والإستشراق الألماني محايد وهو في قسمه الأكبر غير سياسي وليس له علاقه بما أشار اليه أدوارد سعيد في كتابه  لقد كان الغرب في القرنين الثامن والتاسع يتابع باندهاش وهلع فتوحات المسلمين في بقاع حوض البحر الأبيض المتوسط  في الوقت الذي كان يتلقى فيه أسس العلوم الطبيعية الحاضرة عبر الأندلس التي كان المسلمون ينشرون سيادتهم عليها على امتداد قرون عديدة وكانت المؤلفات الطبية كمصنفات الرازي وابن سيناء تعتبر في أوروبا حتى بداية العصر الحديث أعمالا ومراجع أساسية وقد أخصبت كتابات إبن رشد المناقشات اللاهوتية ووضعت مؤشرات تدل على الطريق الموصل الى عصر التنور والتفتح  العقلي ، ففي طليطلة تحديدا حيث كان اليهود والمسيحيون والمسلمون يتعايشون في وفاق وسلام  وعمل المترجمون على نقل العلوم العربية ووضعها بأيدي الغرب وقد علم القشتالي ( رامون بل ) مبادئ احترام الأديان لبعضها  ذلك الاحترام الذي كان يرمي  عبر الحوار الى تحقيق واجب مشترك يتمثل في السلم والوفاق .
كما تعرف الغرب من خلال الروايات الموضوعية الصادقة للتجار والرحالين على جانب آخر للشرق فقد ظهرت الترجمة الفرنسية الأولى لحكايات الف ليلة وليلة في بداية القرن الثامن عشر فسلبت الباب أوروبا بشرق الجنيات والعفاريت والإغراءات الحسية فأصبحت مصدر الإلهام لأجيال من الشعراء والرسامين والموسيقيين  وفي الوقت ذاته ساعد عصر الانفتاح والتنور على منح الدراسات العربية والإسلامية وكذلك الدراسات الهندية مكانة مستقلة في تاريخ العلوم الإنسانية فالأبحاث العلمية وأعمال الترجمة هي التي أطلقت الدوافع الى إنتاج الشعر الإستشراقي في الأدب الألماني وكان يحتل مكان الصدارة فيه الشاعر (غوتة ) الذي يعتبر عمله الديوان الغربي الشرقي مع تعليقاته وحواشيه وشروحه تحليلا للحضارة والثقافة الاسلامية لم يفوقه عمل مماثل حتى اليوم ،إننا في الغرب ندين للثقافة الإسلامية بالكثير والتي تبدو لأغلب الأوروبيين غريبة وتوصم باستمراربأنها لم تمر بطور الإصلاح  ولم تحظ بنصيب من الإنفتاح والتنور بحيث أنها كما قال (ياكوب بوركهاد ) قبل اكثر من قرن عاجزة عن التطور والتحول ولكن لا ننسى بأن للعالم الإسلامي من افريقيا العربية الى إندونسيا  اشكالا تعبيرية ثقافية تتميز بأقصى درجات الاختلاف والتباين حتى وان كانت شعوبه تتمتع بقاعدة مشتركة موحدة في ايمانها الراسخ بالله الواحد الأحد وبالاعتراف بمحمد رسول الله كخاتم للأنبياء والمرسلين .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا