كتابات | آراء

بوح اليراع: هل من روادع تُجَرِّمُ ذبح الأضاحي في الشوارع؟

بوح اليراع: هل من روادع تُجَرِّمُ ذبح الأضاحي في الشوارع؟

العاصمة صنعاء واحدة من أقدم حواضر الدنيا، ولعلها المدينة الأولى يمنيًّا من حيث عدد أسواق بيع المواشي(الأضاحي)،

وما من شك أنها الأولى بتوافرها على أكبر عدد من المسالخ والمحلات المخصصة لإراقة دماء الذبائح بأساليب أنظف وأحدث وأنجح في الحفاظ على صحة المستهلك والحفاظ على شوارع وأحياء المدينة من التلوُّث.
وذبح الأضاحي من شعائر الله التي يتقرب بها المسلمون إلى الله تشبُهًا بحجاج بيت الله حتى تظل قلوبهم عامرةً بتقواه، فشملهم قوله -جَلَّ في عُلاه-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج الآية رقم: (32).
ولعل من مقتضيات تعظيم شَعَائِرَ اللَّهِ الدالة على تقواه وعلى تمام الإيمان بما أنزله على حبيبه ومولاه -صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه- عدم تلويث الشوارع بما ينتج عن ذبح وسلخ وغسل الذبائح (الأضاحي) في أرصفتها من دماء ومياه منجَّسة تتسبب قطراتها المتطايرة عند مرور أية دراجة أو سيارة بتنجيس من تصادفه من المارة، بكل ما في ذلك الإيذاء من منافاة لهدي من لا ينطق عن الهوى القائل -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "الطهارة شطر الإيمان" والقائل -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-من حديث ابن مسعود: "النظافة تدعو إلى الإيمان" رواه الترمذي.
وليس من تعظيم شَعَائِرَ اللَّهِ -من ناحية أخرى- إغراق الكثير من الشوارع والأحياء بـ"الفرث" والدماء دون اكتراث المُضَحِّي بما يُلحِقه -بذلك الإجراء- بجيرانه وسائر أبناء حَيِّهِ من أذى، وما أجدر كل مَنْ يقع مِنْ أبناء مجتمعنا في هذا الخطأ وما في مستواه من الأخطاء بامتحان إيمانه من خلال إيلاء تعاملاته مع جيرانه وقفة تأمُّليَّة صادقة في ضوء قول الرسول الأكرم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن"، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه" متفق عليه.

"صنعاء" في عيد الأضحى مخضبة بالدماء
نظرًا لمحدودية أعداد القادرين من سكان العاصمة صنعاء -في هذه الأثناء- على شراء الأضاحي التي تؤدي إلى انخفاض ملحوظ في عدد ما يُذبح -في هذه المناسبة العظيمة- من المواشي، كان من المنطقي أن يترتب على نقص أعداد الذبائح عمَّا هو معهود تواري ظاهرة الذبح عن الأبصار إلى أدنى الحدود، فتندر رؤية الأضاحي المذبوحة والدماء المسفوحة.
بيد أن حرص ذلك العدد المحدود من الموسرين على التباهي بتميُّزهم النسبي -على الأكثرية السكانية من حولهم- بالمستوى المعيشي بأسلوب عبثي أقرب إلى السخافة -فضلاً عمَّا طرأ على مجتمعنا من آفة إهمال النظافة- قد حملهم على اتخاذ أرصفة الشوارع مذابح، فحذا حذوهم معشر الجزارين المحترفين، فإذا بهم -بعدم الالتزام بالذبح والأماكن المخصصة ومزاولة المهنة في المحلات المرخصة- قد اتخذوا من الشوارع مسالخ ومن أرصفتها ملاحم(متاجر) متسببين بعرقلة خُطى كل غادٍ ورائح، علاوةً على إغراق الشوارع بما ينتج عن ذبح الذبائح من دماء تتضاعف كمياتها أضعافًا مضاعفة بفعل امتزاجها بما ينتج عن غسل لحوم الذبائح من ماء.
والنتيجة أن تصبح بعض شوارع العاصمة في يوم عيدها الذي يُفترض أن تزهو فيه بجديدها -بـ"لا مبالاة" فئة مجتمعية سفيهة- برك ماء ملوثة تنبعث منها روائح كريهة تتجاوز بنتنها كل رقم قياسي لا سيما في حال ركودها على أثر متبقي من تسرب مياه الصرف الصحي.

البدائل الممكنة لمعضلةٍ قد تغدو مزمنة
إن شيوع هذه الظاهرة ذات الآثار البيئية الضارة في السنوات المتأخرة تتطلب -في الأغلب- جهودًا -فردية، ومجتمعية، ورسمية- متضافرة تتمثل في الآتي:
1 - الالتزام الأدبي ذاتيًّا: وهو إجراء فردي ينبع من استشعار المواطن الفرد مسؤوليته تجاه أبناء أمته والاضطلاع بدور فاعل في الحفاظ على نظافة مدينته، بما في ذلك الالتزام في قادم الأعوام بذبح أضحيته والتي تكون -في الأغلب الأعم- من (جنس الأغنام) في مكان ما من فناء أو سطح منزله، ومن ثم التخلص من الدماء وما يتطلبه غسل لحمها من ماء إلى مجاري الصرف الصحي.
2 - النهي عن المنكر جماعيًّا: وهو واجب ديني يتطلب من جميع -أو معظم- أبناء الأحياء المتضررين من برك تلك الدماء أو من أيٍّ خطإٍ سلوكيٍّ مجتمعي ما الانتقاد الجماعي الحاد الذي يشعر المخطئ بما هو عليه -في خطئه- من حالة شذوذ وانفراد، فلا يلبث -جراء ما ينتابه من الشعور بالخجل- أن يتعدَّل.
3 - تطبيق اللوائح بلا تسامح: وهو إجراء تنظيمي رسمي يعنى بمعالجة أية اختلالات ابتداعية تطرأ على المنظومة التعاملاتية المجتمعية، ويتعاطى مع الحريات بمرونة ونجاعة تقف بحرية الفرد عند مستوى الحفاظ على حرية الجماعة.
كما أنه يُعنى -أولاً بأول- بالإشراف على التطبيق الأمثل للوائح المنظمة للعمل وبما يجعلها في خدمة المواطن وتلبية مطالبه وتحول دون الإضرار به.
ولعل الجهات الرسمية مطالبة اليوم بالإشراف بحزم وجدارة على تطبيق لائحة عمل مهنة الجزارة وبما يجعلها خدمة مجتمعية نافعة ويخلصها ممَّا علق بها من ممارسات سلوكية لامهنية ضارة.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا