كتابات | آراء

وقفات تأملية مع النفس..!

وقفات تأملية مع النفس..!

لقد حرص الإسلام كل الحرص على أن يستعمل الإنسان عقله قبل عاطفته، وأن يعيش بضياء عقله، لا بنزوات غرائزه وشهواته..

وقد ذم الله عز وجل الجهل وأصحابه في قوله جل جلاله: (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) الأنفال- 22.. وقد أنزل القرآن الكريم العقل منزلة سامية وعالية، وشرفّه وكرمّه عن سائر المخلوقات، كما جاء في قوله تبارك وتعالى: (قل هي يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).. فالقرآن الكريم يحثنا على التفكر والتدبر والتأمل باستعمال العقل في كثير من المسائل الدنيوية، وفي القضايا الكونية، وفي التفكر بمخلوقاته عز وجل كما جاء في قوله جل وعلا: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها).. وفي قوله تعالى: (قل انظر ماذا في السموات والأرض).. أي نظرة تفكر وتدبر وتأمل..
ومعظم آيات القرآن ختامها أفلا تعقلون أو بل أكثرهم لا يعقلون..
فالله عز وجل جعل العقل نوراً وضياءً ونبراساً للإنسان لكي يهتدي به في ظلمات الحياة، ويفرق به بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال.. يقول الحسن البصري: "ما استودع الله أحداً عقلاً إلا استنقذه به يوماً ما".. كما اعترف أهل جهنم يوم القيامة بأنه ما جنى عليهم من العذاب والويل والثبور إلا عدم استعمال عقولهم.. قال عزوجل على لسانهم: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)..  وقديماً قال أحد العارفين: "العقل أفضل مرجو، والجهل أنكى عدو"..
فالعقل هو النعمة العظيمة التي وهبها الله تعالى للإنسان، وفضله عن سائر مخلوقاته، لذلك لابد من نمائه وغرسه بالعلوم النافعة الدينية والدنيوية، حتى يرتقي ويسمو، ويكتسب به هدىً ونوراً يرده عن سبيل الضلال والشر.. ومن غرائب وعجائب بعض الأمم أنها تعنى بقوة أجسامها، وتهمل نماء وبناء عقولها، ولو خيّر الإنسان بين قوة العقل لصنع المعجزات، وأخصب الأرض، وأبدع وابتكر.. لأن خصب العقول من خصب الأرض..
قال الأصمعي: "يخاطب فتى: أيسرك أن يكون لك مائة ألف، وأنك أحمق، فقال: لا إني أخاف أن يجنى على حمقي جناية تذهب بمالي".. فالعقل السليم به تقوى العزائم عند الشدائد والأزمات، وبه ترتقي الأمم والشعوب والدول، فإنتاج العلوم والمعارف ثروة لا تقدر بكنوز الدنيا.. وقد عرف علماؤنا القدامى قيمة العقل والعلم، وشغفوا بالعلم والفلسفة والمسائل العلمية والكونية، وأنتجوا علوماً متباينة في شتى الفروع، ومازالت آثارها حتى اليوم شاخصةً في حياتنا.. ولولا العقل الذي كرم الله به الإنسان وفضله عن سائر المخلوقات، لظل مخلوقاً مثل بقية الحيوانات الأخرى.. ولم يستحق خلافة الله في الأرض.. ولكن فضله وكرمه عن سائر المخلوقات بنعمة العقل..   
لذا علينا نماء وبناء العقول بالعلم والمعرفة، فالأوطان لا تُبنى إلا بعقول أبنائها البررة، وفي بناء العقول ترتقي الأمم والشعوب والدول الى مراقي الرقي الحضاري والعلمي والثقافي والاجتماعي..
ليست مصائبنا وأزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية إلا بسبب عدم نماء وبناء عقولنا.. لقد عطلنا عقولنا فوصلنا الى ما هو عليه الآن.. إن من يدرسون علم الاقتصاد والاجتماع والتربية يتنبأون بالأزمات قبل وقوعها، لكن المؤسف المشين، هناك أناس جبلوا على تعطيل عقولهم، واستخدام عواطفهم لأغراض ذاتية، ومصالح آنية.. وفي غياب الرؤية الصائبة تضيع الشعوب والأوطان.. من أجل أناس لا يفكرون إلا في ذواتهم ومصالحهم.. فالأمة عندما تعطل عقلها تنحرف عن جادة الصواب، وتتجرع مرارة الذل والهوان.. ولقد حذرنا رسولنا الكريم عليه وآله الصلاة والسلام من هذا الانهيار والسقوط المروع حيث قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم، فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين"..
لذا علينا أن نحذر من المرجفين الذين في كل وادٍ يهيمون، والذين يحسبون كل صيحة عليهم.. يصرخون بأفواههم، وأقلامهم ماليس في قلوبهم.. هم أشد عداوةً من العدوان وحلفائه.. يدقون طبول المدح في المقايل.. ويفرون من ساحات الوغى.. عند حمي الوطيس لا تسمع لهم إلا همساً، هم العدو فأحذروهم.. تعرفونهم في لحن القول، ومعسول الكلام، لكن قلوبهم أشد سواداً من السود..!!.
كلمات مضيئة:
لنا في قصص الأمم الغابرة عظات وعبر ودروس، فقارون عندما تكبر وتجبر وتنكر وجحد النعمة.. ماذا كان مصيره: فخسفنا به وبداره الأرض، فهو يغوص في أعماقها الى يوم النشور..
فحذار كل الحذار أن تقابلوا النعم والجاه والسلطان بالمعاصي والمفاسد والجحود.. فالطاعة والشكر والتواضع وسيلة للخير، وتتابع النعم، والمعصية والمفسدة والعصيان سبيل الشر والطغيان.. وإن العبد ليحرم الرزق والنصر بالذنب وارتكاب المعاصي..
لذا قابلوا نعم ربكم بالثناء والشكر والحمد.. وصدق رسولنا الأعظم القائل: "إن الله يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن يحب".. "وإن حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".. واحذروا التسويف والتحريف، والتخريف، فإنه يؤخركم عن الأعمال الصالحة المقربة الى الله، ويؤخر النصر، قدموا لأنفسكم خيراً تجدوه عنده بوعده الصادق.. ولا تكونوا كالذين رحلوا في غفلةٍ من زمن.. وصحائفهم ملأى بالمفاسد والمعاصي والعصيان.. غرهم طول الأماني.. وحياة الترف والجاه، والسلطان.. ورحلوا دون وداع..
"وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"..!!.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا