كتابات | آراء

البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية: (الحلقة 81)

البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية: (الحلقة 81)

ازدهار ثغر جدة على حساب ثغر عدن
في القرن الثامن الهجري ازدهرت التجارة في مينا جدة الحجازي (ثغر جدة) على حساب تدهور في ميناء عدن اليمني

يعلل المؤرخ المقريزي سبب ذلك إلى انه جرت العادة منذ عهود سابقة أن مراكب تجار الهند كانت ترد إلى ميناء عدن ولم يعرف قط انها كانت تتجاوز بندر عدن لكن بعد أن غير التعامل الطاهري والي عدن للرسوليين فكان الموظفون من قبل ديوان عدن يتعاملون مع المراكب القادمة الى الثغر بقسوة وبتعسف مع التجار الوافدين اليها ويسيء معاملتهم ويفرض عليهم رسوماً باهظة دفعتهم إلى تجاوزه والانصراف عن النزول في عدن ونفرتهم من التعامل مع هذا الديوان والتوجه بسفنهم الى ثغر جدة ويعبر ابن المجاور بقوله عن ذلك أن خروج الإنسان من البحر كخروجه من القبر فحينما كان يصل ويحط رحاله في مينا عدن كان يستلمه العسس والموظفون بالمناقشة والاسئلة والمحاسبة والوزن في العدد فبمجرد وصول المركب يقوم نواب والي عدن والموظفون بمعرفة الجهة القادم منها المركب والذاهبة اليها وبسعر البضائع التي على المركب ويستخدمون صاحب المركب يكتب اسماء التجار الذين يتعامل معهم في عدن ويبرز صاحب المركب ما فيها من بضائع ويرفع نواب الوالي كل الاخبار التي جمعوها عن كل مركب إلى الوالي ثم يقوم المفتش بتفتيش الرجال الذين على المركب تفتيشاً دقيقاً وبتعنت وتعالي وبعد ذلك تأتي للتفتيش امرأة عجوز تفتش النساء بنفس الطريقة وتضرب بيدها في اعجازهن وتحت البطن للتأكد من عدم وجود أسلحة وممنوعات أخرى لديهُن كالمخدرات والخمور, وبعد التثبت من عدم وجود ممنوعات في المركب, وبعد ثلاثة ايام تنزل البضائع فإن كانت قماشاً تعد ثوباً ثوباً وان كانت من البهار توزن وتفرض حكومة عدن رسوماً جمركية عليها (يوسف بن يعقوب) بلاد اليمن ومكة وبعض بلاد الحجاز ويسمى تاريخ المستنصر نشر في لندن 1951م.. وكتاب عصام عبدالرؤوف الفقي اليمن في ظل الاسلام..
أهمية البحر الأحمر كطريق تجاري إلى الشرق الأقصى والحضور اليماني المسيطر في هذه التجارة
عند المؤرخين القدامى أن اليمانيين كانوا يعملوا بالتجارة وكان لهم حضور واسع في ضفتي البحر الغربية والشرقية وكانوا سادات التجارة في البحر الأحمر بشكل واسع على الساحل الافريقي والساحل الأسيوي وحتى بلاد مصر والنوبة والسودان وما وراءه والمعروف عند المؤرخين أن قبيلة جهينة اليمنية وقبيلة ربيعة هاجرت من اليمن في العصر الأموي والعباسي إلى بلاد النوبة واسوان وكان لهما نشاط كبير في التجارة (تاريخ اليعقوبي ج1 ص334) وخالطوا اهل تلك البلاد وتزوجوا منهم, وكانت ثغر عيذاب لبني يونس بن ربيعة ملكوها منذ قدومهم ونزل فخذ بنو حنيفة وادي العلاقي وأسوان (بن حوقل) كما نزل بنو هلال بن عامر بالصعيد كله إلى عيذاب (المقريزي) وترتب على مصاهرة قبيلة ربيعة لأهالي النوبة ظهور أجيال من الأبناء توارثوا الامارة ثم انتقلت ربيعة إلى اسوان وزادت ثروتها وعظم في السيطرة على التجارة في البحر الأحمر والنيل وسيطرت ايضاً على كامل النوبة والعلاقي في نفس الوقت وامكنها أن تؤسس امارة شبه مستقلة اعترف بها الفاطميون وأنعموا على رؤسائهم بلقب كنز الدولة, وحافظ بنو الكنز على علاقتهم الودية مع صلاح الدين.
كذلك قبيلة جهينة اليمنية التي كان لها حضور في ينبع ثم جازت من ينبغ الى الساحل الغربي للبحر الأحمر وانتشروا في خميم وما حوليها شمالاً وجنوباً واقام بعضهم في الصحراء الشرقية في بريت عيذاب (المقريزي) وقد كان للقبيلة هيمنة وتوسع ما أغاض عليهم المماليك ما دعا امراء المماليك في اخضاع برية عيذاب ادى ذلك الى التمرد في برية عيذاب وقطع الطرقات على التجارة ذكر بن بطوطة في سيرته انه عند قدومه الى عيذاب سنة 726هجرية بأنه شاهد جانباً من هذه المعارك مما أضطره الى العودة الى قوص ويذكر المقريزي أن الأمير المملوكي قرط متولى اسوان استبد بها ووضع سياسة العبث في البلاد والتعسف الشديد مما دفع الأهالي الخروج على الطاعة الى حد أن أسوان خرجت من يد الدولة وخربت الكثير من الحصون فما كان من المماليك الا ارسال الحملات المتكررة لإخضاعهم فكانت مقاومة الاهالي وبنو الكنز وطائفة تجار البهار العكارمة بأسوان وسواكن الاستمرار في قطع الطرق وسلب اموال المسافرين فسبب مشاكل لدولة المماليك فتأثرت التجارة مع الهند والشرق الأقصى.. فما كان من الوالي المملوكي برسباي إلا ان جهز حملة عظيمة العدد والعدة وامر بتخريب ميناء عيذاب وفرض الأمن.. ونكل وقتل من الاسر اليمانية الكثير مما أضطر طبقت التجار واصحاب المراكب العودة الى بلاد اليمن والحجاز تاركين ورائهم السواد الأعظم من الأسر اليمنية في تلك البلاد وهذا ديدن التجار ورأس المال في كل العصور..

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا