كتابات | آراء

بوح اليراع: ضرورة التحلي الأمين بالتدين والدين

بوح اليراع: ضرورة التحلي الأمين بالتدين والدين

لأن الحكمة الربانية من ابتعاث الأنبياء والرسل بالديانات السماوية إصلاح حال البشرية في حياتيها الدنيوية والأخروية، فقد جاءت كل الديانات موازنة بين «فقه العبادات» و«فقه المعاملات».


محدوديَّة غايات فقه العبادات
ممَّا لا يحتاج إلى توضيح أن لفظ «فقه العبادات» ينصرف في جميع الديانات -بعد نطق العبد بالشهادتين التي يقر بهما لله بالألوهية والربوبية ولرسوله بصدق ما ينقله عن ربه من أمور غيبية- إلى مجمل الفرائض التعبدية (من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحج) التي هي بمثابة المرتكزات أو الأركان التي يقوم عليها بنيان أيِّ دين من الأديان، فقد روى ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عن سيد ولد عدنان -متحدثًا عن الإسلام الحنيف المبرأ من أية زيادة أو نقصان- قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ» رواه البخاري (8)، ومسلم (16).
أما أهمية هذه الفرائض العبادية أو التعبدية فتتمثل فيما يتركه الالتزام بها في نفوس الذين يقيمونها حق إقامتها من آثار إيجابية تنعكس بإيجابيتها -شكرًا لله على جزيل فضله وعظيم امتنانه- على فقه المعاملات الذي هو الشق الثاني من الديانة ولا يحسن إسلام المرء وتكتمل جوانب إيمانه إلاَّ بإتقانه.
فكل ركن من هذه الأركان يهدف إلى السمو بأخلاق الإنسان سموٌا يحمله على حسن التعامل مع أخيه الإنسان، لما من شأنه التأسيس لمجتمع قوي الإيمان أشبه بتماسكه بالبنيان.
فبالإضافة إلى كون فريضة الصلاة صلة بين العبد وربه ومعراج المؤمن فإنها -من جانب آخر- ناهية عن الفحشاء والمنكر، لقول المولى -تعالى-: (َإِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) سورة العنكبوت من الآية: (45)، وقول الرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له»، وبأداء الزكاة تتزكَّى النفوس وتزداد قربًا من الله، لقوله -جلَّ في عُلاه-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) سورة التوبة من الآية: (103)، وبفريضة الصوم تقوَّى فضيلة التقوى، ومصداق ذلك قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة الآية: (183)، وبالحج يتطهر المرء من أدرانه ويتخلص من أضغانه، لقول خير البرية -عليه صلاة ربي وسلامه-: «مَنْ حَجَّ، فلَمْ يَرْفُثْ، وَلم يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدْتُهُ أُمُّهُ». متفق عليه.

شموليَّة غايات فقه المعاملات
بخلاف اقتصار غاية «فقه العبادات» -في ضوء ما سبق من سرد- على تقويم سلوك الإنسان الفرد، فإن غاية «فقه المعاملات» أشمل وأوسع، كونها تهدف إلى الارتقاء بطرق وأساليب التعامل البيني بين أفراد أيِّ مجتمع بل بينهم وبين أبناء المجتمع الإنساني أجمع إلى مستويات تعاملية مثالية تتحقق فيها -لا محالة- أنصع صور العدالة امتثالا لقول الحكم العدل -جلَّ جلاله-: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) سورة المائدة من الآية: (8)، وتسود كافة المعاملات أمانة لا يخالطها غشٌّ أو تزوير تأثُّرًا بما ثبت عن البشير النذير من تحذير في قوله -صلوات الله عليه وعلى آله-: «من غشَّنا [أو من غشَّ] فليس منَّا»، حتى نبلغ بترويض أنفسنا حدَّ إكراهها -بجدِّية- على التعامل بندِّية حتى مع من نظنهم أدنى منا منزلة وأقل منا أهمية امتثالا للنهي الرباني القائل -في مقت نماذج من التفكير الأناني-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ) سورة الحجرات من الآية: (12).
بل لقد حضَّ «فقه المعاملات» على حُسن التعامل مع الحيوانات، إذ قال النبي الكريم -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-: «إن الله كتب الإحسان في كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدُكم شفرته وليرح ذبيحته»، بل وعلى حسن التعاملات مع الأشجار المثمرة والديار العامرة، من ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام- في توصية من التوصيات التي وصى بها أصحابه حال خروجهم في إحدى الغزوات: «ولا تقطعوا مُثمرًا ولا تخربوا عامرا...».
والخلاصة يفترض أن تُفهم من كل ما تقدَّم أن مجمل الفرائض التعبدية عبارة عن محطات تربوية تهدف إلى تهذيب النفس البشرية وإعدادها للاضطلاع لإتقان الجوانب المعاملاتية باعتبارها الغاية الدينية الربانية الهادفة إلى إصلاح واقع الإنسانية، فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه- ما معناه: «الدين المعاملة».

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا