كتابات | آراء

بوح اليراع:زهو (السيسي) و(زهران) بالتطبيع مع الكيان

بوح اليراع:زهو (السيسي) و(زهران) بالتطبيع مع الكيان

لعل ما لعبه نظام ما بعد ثورة 23يوليو 1952 العسكري في القطر المصري من دور تحرري قد علَّق آمال الجماهير العربية -خلال خمسينات وستينات القرن الماضي-

في هذا النظام لتخليصها من الآثار السلبية لحقبة الاحتلالات الصليبية الغربية، لتُصدم -في غضون عدة أعوام- بإقدام ذلك النظام على توقيع اتفاقية تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني بكل ما اشتملت عليه من موافقة ضمنية على مصادرةٍ للقضية الفلسطينية، فلم يسع الأنظمة العربية الحاكمة -إزاء الغضب الجماهيري المُتحمِّس- إلا مقاطعة ذلك النظام ونقل مقرِّ «جامعة الدول العربية» من عاصمته «القاهرة» إلى «تونس».
فترة الموازنة المصرية بين العربية والعبرية
بيد أن دخول الأمة العربية عقب تلك الاتفاقية في مسار انهزامي متتابع قد خفَّف من حدة الغضب الجماهيري ضد ذلك النظام المُطبَّع، فأمكن نظام «حسني مبارك» -في منتصف عقد الثمانينات- بدعم من نظام الرئيس العراقي «صدام حسين» العودة إلى محيطه العربي المتهاون، ثم لم يلبث أن شكل -مع العراق واليمن والأردن- ما سمي آنذاك «مجلس التعاون» الذي انفرط عقده بعد تشكله بعدة سنوات بفعل غزو «العراق» لـ«الكويت».
وبالرغم من أن تلك الاتفاقية ظلت سارية المفعول ومحققةً للكيان الصهيوني الغاصب كل توخاه من ورائها من مكاسب، فقد استطاع الرئيس «حسني» -على الرغم من التزامه المبدئي في حصار الشعب الفلسطيني- الحفاظ على علاقةٍ جيدة بالأنظمة العربية والنفطية منها على وجه الخصوص وبالدولة العبرية بتوازن مدروس يضمن تدفُق الأموال إلى بلده على أوسع نطاق من دون الإخلالِ بما أبرمه سلفه مع الكيان الصهيوني من اتفاق.
مجيء «السيسي» عميلاً أكثر من قياسي
وإذا كانت ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بـ«حسني مبارك» قد صعَّدت الدكتور «محمد مرسي» كأول رئيس مدني الذي مضت فترته كسحابة صيف ولم يمر على القصر الرئاسي إلا كضيف والذي كان يعوَّل عليه في إعادة مصر إلى سياقها الطبيعي وبما يمكنها من لعب دورٍ عربيٍّ طليعي، فسرعان ما أعطي العميل «السيسي» من البيت الأبيض الأمريكي الضوء الأخضر لاختطاف السلطة -بانقلاب أحمر- وإعادة إنتاج نظام العسكر بأقبح ما يكون من الصور، فدشَّن فترة حكمه باستئناف إحكام الحصار على قطاع غزة واستهداف سكانه بكل أشكال الإيذاء بما في ذلك ردم الأنفاق التي كانت الشريان الوحيد لإمدادهم بالغذاء والدواء.
وفي الوقت الذي كان المصريون قد تناسوا الحديث عن اتفاقية «كامب ديفيد»، لم يتردد «السيسي» عن تقمُّص دور المُجدد، فلا يفتأ يذكرها حتى يتباهى بها عامِدًا إلى الإكثار من اعتبارها منجزًا مصريًّا جديرًا بالزهو والافتخار، فقد أشار الصحفي «محمد سندباد» في موقع «عربي21» -بتأريخ 15 أغسطس 2020- إلى أن «السيسي» -خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ72 عام 2017- خاطب الصهاينة -مزاوجًا بين الزهو الملاينة- بقوله: (لدينا في مصر تجربة رائعة وعظيمة في السلام معكم منذ أكثر من أربعين سنة، ويمكن أن نكرر هذه التجربة والخطوة الرائعة مرة أخرى).
وفي الفعالية ذاتها نجده يعمِد إلى إغراء الأنظمة العربية بالتطبيع ويُزيِّن لها التردي في مهاويه السحيقة قائلا: (يدُ العرب ما زالت ممدودة بالسلام، وتجربة مصر تثبت أن هذا السلام ممكن التحقق، وأنه يعدُّ هدفًا واقعيًّا يجب علينا جميعًا مواصلة السعي بجدية لتحقيقه).
فخر السفير«زهران» استجداءً للأمريكان
ومع علم «السيسي» أن الكيان الصهيوني داعم أساسي لإنشاء «سد النهضة» الأثيوبي الذي يُخاف أن يصيب مصر بالجفاف، فلم يزل يحرص على تمتين علاقته به أكثر من حرصه على مستقبل شعبه، ومع اتسام التهديد المصري «السيساوي» لـ«أثيوبيا» المعتديَة والمتحديَّة بعدم الجديَّة لافتقاره إلى ما تتطلبه المواجهة المسلحة من الندِّيَّة، فها هو نظامه -إلى الآن- يُبالغ في الارتهان للأمريكان آملاً يُمارسوا على نظام «أديس أبابا» من الضغوط ما يحدُّ من تهوره إلى الحدِّ الذي يحفظ لـ«السيسي» بعض ماء الوجه أمام جمهوره.
لكنه لم يجد من وسيلة لاستجداء دعم الإدارة الأمريكية التي يبدو أنها متهاونة ومستخفة بشأنه سوى التذكير بارتباطه بدولة الصهاينة بعلاقةٍ على درجة من المتانة، معربًا عن فخره واعتزازه بتأريخيَّة ما يربط النظامين من علاقة ممتازة وبما حققته بلاده -برعاية أمريكية- في مضمار التطبيع من ريادة، وقد عبَّر السفير المصري لدى الأمريكان «معتز زهران» عن ذلك كله –في طيات مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي»- بقوله: (يلوح عصر جديد من الاستقرار والازدهار الاقتصادي المشترك في الأفق في أفريقيا والشرق الأوسط، ويرجع ذلك في جزءٍ كبيرٍ منه إلى القيادة الثابتة للولايات المتحدة، وأحد الأمثلة على التغييرات المرحب بها التي تجتاح المنطقة هو اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، والتي ذكرتنا بمعاهدة «مصر» الرائدة مع «إسرائيل» –التي توسطت فيها الولايات المتحدة أيضًا– منذ أكثر من 40 عامًا).

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا