كتابات | آراء

بوح اليراع:هل نُفاجأ بتطبيعٍ تونسي باستدراج سيسي؟!

بوح اليراع:هل نُفاجأ بتطبيعٍ تونسي باستدراج سيسي؟!

لقد كان فوز «قيس سُعَيَّد» المرشح المستقل في الانتخابات الرئاسية التونسية -في الـ14 من أكتوبر 2019- مثيرًا للاستغراب وباعثًا على التساؤل،

إذ ليس من المنطق أن يتغلَّب مرشح مستقل وشبه أعزل على منافسين مسنودين إلى قواعد جماهيرية حزبية بأغلبية 72.71%، بيد أنَّ مناقضة أفعاله لأقواله بعد حصده الفوز قد حلَّت اللغز، وكشفت عن دور الغرب الإمبريالي في مساندة الرجل وتسخير الإعلام لتعظيم شأنه ومنحه فرصة التشدُّق بالشعارات الرنانة.
مرحلة المبالغة في الشعارات
لقد دشن «قيس سُعَيَّد» مهرجاناته الانتخابية بأشد العبارات الكلامية انحيازًا للقضايا العربية والإسلامية، فقد أعلن «سُعَيَّد» خلال مناظرة تلفزيونية بُثت في التاسع من أكتوبر 2019 -أي قبل 6أيام من موعد الاقتراع (أن «التطبيع» خيانة عظمى، ويجب أن يُحاكم من يُطبِّع مع كيان شرد ونكل شعبًا كاملا، وأن كلمة «تطبيع» هي كلمة خاطئة أصلا، وأن الكلمة الصحيحة هي «الخيانة العظمى»، ونحن في حالة حرب مع كيان غاصب).
وبقصد لفت الأنظار إلى تفرده بمناطحة الكبار وصف -في أواخر يناير 2020 ضمن خطابه بمناسبة مرور 100يوم على انتخابه (خطة الرئيس الأميركي السابق «دونالد ترامب» للسلام في الشرق الأوسط التي سميت «صفقة القرن» بـ«مظلمة القرن»، مؤكدًا -في ذات الحين- أن فلسطين ليست ضيعة أو بستانًا حتى تكون موضعَ صفقة، وأن حق الفلسطينيين لا يسقط بالتقادم).
وفي لحظة من لحظات زهوه واختياله قال «سُعَيَّد» -على سبيل التعريض بالحكام أمثاله-: (إن ثقافة الهزيمة التي تسود داخل المجتمع العربي أكثر من الهزيمة في ذاتها؛ فالفكر المهزوم لا يمكن أن يكون مقدمة للنصر، والفكر المهزوم لا يمكن أن يكون إلا فكرًا مخاتلا وفكرًا عميلا).
وهكذا استمر «قيس سُعَيَّد» على مدى شهور يدغدغ عواطف الجمهور العربي الإسلامي بهذا الخطاب الانفعالي المبهر الذي سحر الألباب وأكسبه ما لا يستحقه من الإعجاب، فاشرأبَّت إليه الأعناق، واعتُبٍر -على الإطلاق- رأس حربة الانطلاق بالأمة المأزومة المهزومة إلى رحاب التحرر والانعتاق، ولم يكن يدُر في خَلَد أحد أن ذلك كله مجرد دور تمثيلي مسنود أو مسند سيسدل عليه الستار لحظة الانتهاء من عرض المشهد.
حالة صمتٍ أو إصمات من تطبيع الإمارات
وبعد مُضي عام بالتمام أقدم نظام الإمارات بتهور جنوني على توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، وكان من المُفترض أن يتلقَّف «قيس سُعَيَّد» ذلك التصرف المُقرف بموقف هو الأعنف، لأنه قد أوحى للجمهور العربي -طيلة فترة مهرجاناته الانتخابية وما تلاها بعد فوزه من فعاليات خطابية- وكأنه الوصي على القضايا العربية.
لكنه لم يقابل هذه الفاجعة حتى باعتراض يستهدف مقترفيها بلون من النصح والمراجعة.
وإزاء كثرة (التساؤلات التي طرحها الشارع التونسي والقوى السياسية والديمقراطية حول الصمت غير المبرر للدبلوماسية التونسية ومن ورائها الرئيس «قيس سُعَيَّد»، عن خطوة التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي، على الرغم من الموقف المعلن للرئيس الداعم للقضية الفلسطينية)، لم يجد اللوبي الإعلامي الذي يعتبر تبرير الأخطاء في طليعة مهامه سوى الذهاب إلى أن إحجام الرئيس عن انتقاد ذلك الإجراء الذي يعتبر جريمة نكراء نابع من إدراكه بأن أوضاع جمهورية تونس المالية وتراكم المشاكل الداخلية لا تؤهلها للدخول مع الإمارات في نوعٍ من المماحكة.
وبقدر ما يدلُّ ذلك التبرير على أنه (عُذر أقبح من ذنب)، أكد -من ناحية أخرى- أن خطاباته كانت بهتانًا وزورا، وأنه أحوج ما يكون إلى مساندة نظام الإمارات ودعمه للحاق في طليعة المفرطين بثوابت الأمة.
وعند ما شرع في اختلاق الأزمات واستنبت -مع البرلمان والحكومة- ما ليس له من الخصومات، فقد أثبتت التحريات بصمات نظام الإمارات في تمويل المظاهرات المُغرضة والمحرِّضة والهادفة إلى إجهاض المسار الديمقراطي وحصر كافة المقاليد بيد «قيس سُعَيَّد» حتى إذا آن أوان ما هو مطلوب منه من تفريط أمكنه التصرُّف كما يريد.
تدافُع «سُعَيَّد» السريع نحو التطبيع
من المؤسف ما طرأ لدى «قيس سُعَيَّد» -في غضون عام أو عام ونصف من تبدل جذري في المواقف، فمن يصدق أن الرجل الذي حفلت خطاباته -من بداية أكتوبر 2020 إلى نهاية يناير 2021- بأشد العبارات إدانة لإجراءات التطبيع مع الكيان الصهيوني المسمى «إسرائيل» أصبح بُعيد شهرين اثنين يقدم لكل متحمس للتطبيع من ذوي السلوك الرذيل ما لم يكونوا يحلمون به من التسهيل، فقد أشارت الصُّحفيَّة «مروى الساحلي» في تقرير لها – في 17‏/03‏/2021- إلى (احتفاء الروائي التونسي كمال الرياحي مدير مؤسسة «بيت الرواية» الرسمية المفرط بالمقالة التي نشرت في صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية على هامش صدور روايته «المشرط»).
وما كان لهذا الروائي أن يعبر -في ظل تمتعه بمزايا منصب وظيفي حكومي- عن حالةٍ تصهيُنية علنية لو لم ينل من رئيس الجمهورية موافقة ضمنية.
أما زيارة سُعَيَّد برفقة مضيفه «السيسي» لقبر رائد المطبعين «أنور السادات» في أبريل الماضي فقد قوبلت بالكثير من الاستهجان والاستبشار في الوسط الصهيوني الذي تمثَّلهما بشكلٍ فظيع تعليق «إيدي كوهين» المستشار في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بقوله -ساخرًا من جملة «قيس سُعَيَّد» الرنانة «التطبيع خيانة»-: (أضحكتموني، مع من التقى «قيس سُعَيَّد» عندما كان في مصر؟)، في إشارة إلى أن الرئيس التونسي التقى شخصيات إسرائيلية.
فهل نفاجأ في القريب العاجل بتوقيع اتفاق تطبيع صهيوني تونسي باستدراج من الـ«سيسي»؟!

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا