أخبار وتقارير

الحرب الناعمة.. التدمير من الداخل

الحرب الناعمة.. التدمير من الداخل

العلامة: عدنان أحمد الجنيد
    تَفتِكُ الحربُ الناعمةُ  بالإنسانِ، دونَ أن يَشعُرَ بذلكَ التدميرِ المُمَنهجِ، الذي اتخذتهُ القوى العالمية، باعتباره من أهم حروب الجيل الرابع والخامس من الحروب غير المتكافئة،

التي تهدف إلى تدمير الفرد والمجتمع من الداخل، حتى تكون كافة المجتمعات الإنسانية، في حال استهدافها عسكرياً أو اقتصادياً، سهلة البلع، كلقمة سائغة، فهي تسلب الأفراد قدرتهم على التمييز، مما يجعلهم عاجزين عن اتخاذ الإجراءات اللازمة للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم، وبمعنىً مباشر، تجعلهم مسلوبي الإرادة، مشلولي التفكير، كسلعٍ رخيصة لا تملك لنفسها نفعاً ولا دفعاً، وهو ما يؤدي إلى تلاشي الحريات بدعاوى الحرية، وهدم الأنظمة والقيم بدعاوى بنائها.
    وإذا لم ينتبهْ كل من الفرد والمجتمع لما تحيكه تلك القوى، وبالتالي يسعى إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة والواقعية لدرئها، فكل من الفرد والمجتمع قد أصبح حينها في شركها، وضحية من ضحاياها، فهي أخطر من الحرب العسكرية الصلبة، التي تستهدف الأجساد والعمران، وكل ما يحتاجه الإنسان من الأمور الحسية الظاهرة، كما تحدثه الحروب في بعض البلدان من تدمير وسفك للدماء وتجويع وحصار.. لأن الحرب الناعمة تستهدف الأرواح والعقول والقلوب، وتجعل الإنسان والمجتمع المستهدف - إذا انخدع بها - منقاداً للقوى المنفذة لها كالبهائم أو كالآلات، وهذا للأعداء هو الهدف المطلوب.
• أشكال الحرب الناعمة
    وتأتي الحرب الناعمة في أشكال خطيرة متنوعة، خبيثة متعددة، ولكل طبقة من الناس نوع من أنواعها (لإضلالهم بالفساد، وإبعادهم عن رب العباد، وصرفهم حتى عن التقييم الواعي لواقعهم، وشلهم عن القدرة على تقويم هذا الواقع الجديد)، ومن أخطر أشكالها (سلخهم عن دينهم، تارة عبر عناوين دينية إرشادية، وتارة عبر عناوين حرية فكرية، وآراء تعددية، وأمور أخرى إنفتاحية)..
    وتركز الحرب الناعمة على إتمام السيطرة على قواهم العالية المعنوية، ويتم استبدالها بقوى منحطة دنيَّة، حتى يتجردوا من مبادئ إسلامهم، وتقل ثقتهم بمعبودهم، وتنسلخ منهم معاني العزة والكرامة والنخوة والشهامة، وحتى الإنسانية.. وبذلك لم يعد لهم دين يردعهم، ولا وطنية تردهم، ولا ضمير يؤنبهم، وبهذا ينقادون لأعدائهم، ويكونون طعمة سائغة لهم ..
• ثورة الميديا وصناعة الواقع البديل
    لقد ساعدت ثورة الميديا، أو (ثورة الإتصالات وتقنية المعلومات) تلك القوى العالمية على ترويج كل الأفكار الهَدّامة، وسعت لإيصالها، بأسعار زهيدة، إلى كافة المجتمعات، لأن هدفها هو السيطرة العالمية بشكل عام، لكن كان في طريقها عقبة كؤود، تتمثل بالإسلام، الإسلام الحقيقي الأصيل، الإسلام المحمدي الحنيف، ولكي تقوم بترويج بضاعتها في المجتمعات الإسلامية، بدأت بخلق الأزمات فيها، بشتى أنواعها، سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية، لتدفع كل فرد يرضخ تحت ضغوط الحياة إلى التسليم، أو التعلق بأقرب قشة، من أجل الخلاص، أو الإنشغال بتافهات الأمور لمحاولة نسيان الواقع المرير..
     وحين وجدت أن هناك قوىً جديدة فتيّةً بدأت بالظهور، استخدمت كلاً من الحرب الناعمة والحرب الصلبة، كما هو واقع حالياً في كل من (اليمن، وسوريا، والعراق، وفلسطين، ولبنان)، وغيرها، وذلك لكي تصل أزماتها المذكورة آنفاً إلى خنق المجتمعات، كوسيلة من وسائل التعذيب لهذه المجتمعات، ومعاقبتها على صلابتها ورسوخ قيمها وإيمانها، والتفافها حول قياداتها الشريفة المؤمنة والوطنية..
     وهي في الوقت ذاته تعمل على تمرير وترويج بضاعتها المستهدفة للأخلاق والقيم، لشل حركة الشعوب، ومحاولة إعاقة تنامي الوعي لديها، وحجبها عن الوصول إلى مرحلة الإلتفاف والدعم المباشر لقياداتها الشريفة، وذلك عبر وجهين من الدسائس:
_ أحدهما هو تزييف الحقائق، وخلق واقعٍ إفتراضي منافٍ للواقع المعاش، الذي خلقته هي بحربها الصلبة وحصارها، وتحميل الحكومات كافة أعباء ونتائج حربها واستهدافها.
_ والآخر، هو التمييع، وسلخ المجتمع من هويته، عبر نشر كافة أنواع وأشكال الغثاء الفكري، وتشجيع الإختلاط، وصناعة مواقع التواصل التي تستهدف الشباب والشابات، لتشجيعهم على إقامة علاقات غرامية، وبث وفتح مواقع الجنس، واختراق الدروع التي تعملها الدول لحجب تلك المواقع، وإقامة الحفلات والمسابقات الغنائية، وفتح دور السينما والملاهي، وترويج الخمور والمخدرات، كما هو حاصل حالياً في (مملكة آل سعود)، وصولاً إلى تشجيع (المثليّة الجنسية) للجنسين، لمحو ما تبقى لدى الإنسان من معاني العفة والشرف والدين والإنسانية، وحتى المعاني البشرية المجردة.
• أخطر حروب التاريخ البشري
    إن أخطر حروب التاريخ البشري هي ما تمر به المجتمعات الإنسانية حالياً، في كل ركن من أركان المعمورة، من حرب ناعمة، تأتي في أشكال عدة، (من حرب عقائدية، إلى حرب فكرية، إلى حرب ثقافية)، إلى غيرها من الحروب الناعمة، الممهدة لشل الكيانات التي تمثل أي تهديد للخطة الماسونية المسبقة للسيطرة على العالم، وتمهد للسيطرة التامة،  والعبودية المطلقة للمادّة، وصُنّاعها الجدد، الذين يهدفون إلى تدمير كل شيء، حتى الأسرة وتماسكها في كيان واحد، والإنتماء المطلق للحكومة العالمية الجديدة، التي يتم إنشاؤها حالياً بدماء وثروات ومبادئ الشعوب المغلوبة على أمرها.
• استهداف الأطفال
    لقد بدأت مسلسلات الأطفال، عبر فضائيات التلفزة، تأخذ منحىً جديداً من الترويج اللامسؤول، الذي يستهدف الأطفال، لمسخ عقولهم، والسيطرة على مشاعرهم، وفصلهم تماماً عن أسرهم ومجتمعهم، بمواد تدعو إلى (العنف، وإساءة معاملة الوالدين، والمدرسين، والجيران، والكبار...، حتى وصل الحال إلى بث فقرات تدعو إلى المثلية، وتشجعها).
• العالم.. قرية صغيرة
    مع بداية الألفية الثالثة انتشر مصطلح (العولمة)، وهو توحيد العالم في فكر واحد، وثقافة واحدة، وتوجه واحد، تحكمه سلوكيات مشتركة..
      وبتنا نسمع عن (العالم قرية صغيرة)، وغيره من المصطلحات الخارجة من رحم انفجار الفضائيات التلفزيونية، التي اكتسحت حدود الدول، حتى لم يعد في وسع أي دولة تحديد ما تريد بثه لجمهورها وشعبها، مهما كانت هيمنتها.. وبات العالم مفتوحاً لما تبثه وتروج له تلك العقول الشريرة، القابعة خلف الشركات العملاقة، متعددة الجنسيات، التي تدير العالم وتتحكم بالأنظمة..
     كنا نظن حينها أن الداعي لذلك هو السيطرة الإقتصادية والهيمنة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة، ولكن النتائج التي بدأت بالظهور مؤخراً، قلبت موازينَ تقديراتنا وإسقاطاتنا رأساً على عقب، فقد اتضح أن الهدف أبعد من ذلك بكثير، فمن خلال مخرجات مؤتمرات عدة، كالذي رعاه النظام السعودي مؤخراً، اتضح أن الخطة الماسونية تهدف إلى إخراج الناس من دينهم، عبر ما دعت وتدعو إليه تلك المؤتمرات، تحت مسمى (توحيد الأديان)، و(الإبراهيمية)، وغيرها من مسميات مؤقتة، لفقرات خاصة ضمن منظومة مُزَمّنة، لخطة محبوكة بعناية فائقة، تشعر أن من صاغها من المعمرين في الأرض، ونظراً لمقدار ما تحمله من شر، لا تشعر إلاّ أن (إبليس) نفسه هو من وضعها لأبنائه وعَبَدَتِهِ من الماسونيين والصهاينة والأمريكان واليهود، وخدامهم من آل سعود وآل نهيان، وخدم الخدم من الأتباع المعروفين، وكذلك العاملين خلف الظل، من (ساسة، وعلماء سوء، وكتاب، وإعلاميين، وتجار حروب).
• الإسلام.. وعلماء البلاط
    إن ما كان يمثل طوق النجاة للبشرية جمعاء، وهو الإسلام، بات الدود ينخره من الداخل، بواسطة علماء البلاط في الدول النفطية خاصة، وأتباعهم من عبيد المال والجاه، من علماء وعسكريين وسياسيين واقتصاديين ومفكرين وأدباء وصحفيين، حتى أصبح رب الدار وراعيه في العديد من الدول هو هادمه على رؤوس قاطنيه، ولو كانوا أبناءه، كما نرى في كل من (السعودية والإمارات)، التي تحولت كبريات مدنهما إلى مواقع جذب لتجارة الجنس والخمور والمسكرات، ومحط اهتمام (الأمريكيين والصهاينة) لزرع فيروساتهم الأخلاقية في قلب العالم الإسلامي، وتشجيع هذه الصناعة المنحرفة، للدفع بالعالم الإسلامي، بشكل أسرع نحو الهاوية، ومحو الإسلام، عدوهم اللدود، من الوجود.
• وسائل الخلاص
    إننا حين نتساءل عن وسائل الخلاص، نجد قرآننا وديننا المحمدي الأصيل يمد يديه إلينا، فلم يفت الوقت، ومازال في الرجال الرجال الطاقة اللازمة لتبديد كل مؤامراتهم الشيطانية..
     وهنا ننادي كل أب وأم، وكل أخ وأخت، وكل رجل وامرأة، كل شاب وشابة، كل راعٍ وكل رئيس ومرؤوس، قائلين بلسان المسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية:
  _ ألا فحصنوا أنفسكم وأهليكم وأولادكم بهدى الله الكريم، حتى تنالوا السعادة في جميع أيامكم، فالخطب جد جسيم، ولا سبيل للخلاص إلاّ بالإخلاص.
    ونشد بأيدي القيادة الثورية والسياسية والجهادية، لمواصلة الجهاد، في كافة المجالات.
• دعوة لتطوير أشكال المواجهة
    وهنا أدعو شخصياً إلى دراسة هذه الحرب دراسة أكاديمية رسمية، ودراسة كل أشكالها ووسائلها، والفئات المستهدفة بها، وعمل برنامج مناسب، توعوي توجيهي، وإدخال ما يلزم منه في المناهج الدراسية لكافة المراحل التعليمية والجامعية، ودفع وسائل الإعلام إلى تخصيص مساحات لهذا الفرع من الجهاد، حتى يعم الوعي كافة شرائح المجتمع، ولتكن تجربتنا في هذا المجال السبّاقة، كما هي تجربتنا في الجهاد، في كافة الجبهات، فهذه جبهة لا يمكن الاستخفاف بها... أبداً أبداً.
    وكما أن العدو يقوم بتطوير برامجه الهدامة،  فلنقم بتطوير أشكال المواجهة...
   (والعاقبة للمتقين).
• خاتمة
    إن كل ما يروج له بإسم الحريات، ماهو إلاّ وهم وخداع، فما وراء الخدعة الكبرى ليس إلاّ العبودية المطلقة، العبودية للمادة، العبودية للجنس والشهوات، وانتهاءً بالعبودية للشيطان نفسه.   
قال تعالى:
(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) يس [60-٦٨].

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا