الأخبار

مجزرة تنومه ... مائة عام من مظلومية اليمن !

26 سبتمبرنت: علي الشراعي ..

مجزرة تنومه  بحق حُجاج عزل قاصدين بيت الله الحرام مكبرين وملبيين لم تكن الأولى وليست الأخيرة منذ ما ابتليت اليمن بجارة السوء والتي اسسها الاستعمار الإنجليزي  في قلب الحجاز لتستهل قيامها بتلك المجزرة والمذبحة المروعة.

مجزرة تنومه ... مائة عام من مظلومية اليمن !

الجرائم المنسية كجمرة تحت رماد ما أن تهب عليها رياح الحقيقة الا وتشعلها لتذكر العالم بجرائم الطغاة والمستبدين ولتجد من ينصرها ولو بعد حين .

 خناجر الاستعمار

منذ قيام أمارة آل سعود الأولى في نجد بمنتصف القرن الثامن عشر 1746م كانت اليمن وارضها وشعبها عرضه لأطماع آل سعود فقد اجتاحوا تهامة ووصلوا إلى عدن وحضرموت وجزيرة سقطرى واحدثوا قتلا وتدميرا ونهبا وسلبا كمغول . فتاريخهم صفحات سوداء وما مجزرة تنومه وسدوان بحق ثلاثة ألف حاج يمني الا دليل على انها جارة سوء ليس على اليمن فحسب بل على جميع الدول المجاورة لها وهذا ما تثبته وقائع التاريخ واحداثه حتى تاريخنا المعاصر . فالاستعمار الإنجليزي كان له الدور الاكبر في قيامها وتأسيسها في قلب الأراضي المقدسة بأرض الحجاز (مكة المكرمة والمدينة المنورة ) بعد ان ساندهم في طرد حكام الحجاز الهاشميون - الشريف حسين واولاده - . وبنفس الوقت اعطى الإنجليز وعد بلفور لليهود وساندهم بقيام كيانهم الصهيوني الغاصب بفلسطين بالمسجد الأقصى (أولى القبلتين وثالث الحرمين ) وساندهم في طرد الفلسطينيين من موطنهم . وبذلك اصبح للاستعمار خنجرين مسمومين ومغروسين في جسم الأمة العربية والإسلامية بل وفي اماكنها المقدسة الثلاثة .

الضيوف الشهداء

يروي المؤرخ عبدالكريم بن أحمد بن عبدالله مطهر في كتابه (سيرة الإمام يحيى او ما يسمى كتيبة الحكمة من سيرة إمام الامة ) خبر الحادثة ( يوم السبت 16 او الأحد 17 شهر ذي القعدة 1341هجرية  . كان الغدر بحجاج بيت الله الحرام من أهل اليمن الأعلى والأسفل من طرف أمير بلاد اليمامة ونجد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل آل سعود في وادي تنومه وسدوان الأعلى والأسفل من بلاد بني شهر وأعمال عسير .... ويضيف بأن  أمير الحج اليمني محمد بن عبدالله شرف الدين كتب إلى امراء نجد مستوضحا عن حال الطريق وإمكان الاجتياز فيها بقصد التثبت في الأمر والدخول في تلك البلاد على بصيرة وتعيين تام من تعدي احد عليهم )

وتمضي الرواية فتذكر ( بأنه وصلت كتب من الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم تفيد اهتمامهم بتأمين طريق الحجاج وتسير مرورهم وتسهيل سفرهم وانه لا خوف عليهم مما يجري في أطراف عسير ) وعلم أمير الحج بذلك فعاد الأمر مؤكدا من سلوك الطريق المعتادة بأمان وسلام وحين توغلوا في بلاد عسير وقد تلقاهم بعض النجديين بالمسالمة وحين كانوا على مقربة من اجتياز عسير بلغهم ان جيش النجديين أمامهم اختار بعضهم السير على الساحل وأما الآخرون فقد سلكوا الطريق المعتادة وحطت القافلة الأولى في وادي تنومه والثانية والثالثة في سدوان الأعلى والأسفل وبينما هم في أشغالهم مستغرقون طلعت عليهم ألوف من جنود ابن سعود واحدقوا بهم من اعلى الوادي وأسفله ومن رؤوس الجبال وبادروهم بالرمي فاستشهد معظم من كان بالوادي من الحجاج وقتلت أكثر دوابهم وأخذت أموالهم ثم عطفوا على القافلتين الأخريين وفعلوا بهما كما فعلوا بالأولى ... وتصف الرواية ما لحق بالفارين من سلب ونهب حتى الثياب قد نهبت ...  ويشير المؤرخ ( وقل ان تخلو قرية من قرى اليمن عن مصاب بعض أهلها في هؤلاء الحجاج ). والرواية تفيد بأن الحجاج كانوا عزلا من السلاح وأنهم استوثقوا عبدالعزيز ابن إبراهيم أمير عسير من سلامة وامان الطريق ولكنها لا تذكر عدد القتلى من الحجاج بل تؤكد ( ولم يتحقق قدر الشهداء حتى الآن ) .

صرخة للثأر

و يقول المؤرخ في كتابه انه : ( قد اطلعت على رسالة مخطوطة محفوظة في المكتبة الغربية بجامع صنعاء الكبير في المجموع رقم 48 بين الأوراق 107- 108 جاءت تحت عنوان ( هذا بحث مفيد في ذكر المصيبة العظمي التي لم يقع فيما تقدم إلا في هذا العام بحجاج بيت الله الحرام في طريق الحجاز ) والرسالة مكتوبة بعاطفة عصيبة حادة فالشهداء حسب الرسالة (2800 شهيدا ) والمنهوبات قدرت بأربع مائة ألف ريال ماري تريزا . ثم تورد أشعارا تثير الحماس وتستفز الهمم للثأر . لا سيما وقد كان بين الشهداء يحيى بن أحمد بن قاسم ابن عبدالله حميدا لدين والفقيه احمد بن أحمد السياغي الحيمي . واما أمير الحج محمد بن عبدالله شرف الدين فقد عاد سالما . والوثيقة بخط العلامة قاسم بن حسين أبوطالب المعروف بقاسم العزي والتي تاريخها 4 ذي الحجة 1341 هجرية وفيها ان الحادثة وقعت في 17 ذي القعدة في الساعة الخامسة بالتوقيت الغروبي بين سدوان إلى تنومه من بلاد بني شهر وكان الحجاج ثلاث فرق فرقة تقدمت إلى تنومه وفرقة في سدوان الأعلى وفرقة في سدوان الأسفل وفيها أمير الحج محمد بن عبدالله شرف الدين ) .

تشوية الحقيقة

 ويستطرد المؤرخ في كتابه إلى كشف زيف الجانب السعودي من المجزرة حيث يشير انه وصل من أمير عسير عبدالعزيز بن إبراهيم ما أفاد التبري من هذا العمل القبيح وان وقوعه كان بغير اختيار من أحد الأمراء ووصل التبري أيضا من الملك عبدالعزيز بن سعود وأفاد بانه جاد في التحقيق من البحث عمن فعلها وقد أمر بإرجاع ما اخذ على الحجاج وطلب من الإمام إرسال من يتسلمها حيث أعيدت بعض المنهوبات من دواب ومنقولات . فالرواية السعودية والتي جاءت كردود من قبل عبدالواحد بن محمد راغب دلال في كتابه ( مطالعات في المؤلفات التاريخية اليمنية ) يروى أن حادثة تنومه أحاطت بها وقتها ظروف وملابسات عديدة ثم استغلت من قبل البعض بغرض الإثارة وإشعال الفتنة بين الطرفين ومازال البعض يثيرها للغرض بنفسه ويقول: ( وفيما رحى الحرب مشتعلة بين جيش ابن سعود وحسن بن عائض تداعت إلى الأسماع ان هناك قوات أخرى بعثها إمام اليمن لمساعدة ابن عائض بناء على مراسلة تمت بينه وبين الشريف حسين للتصدي للملك عبدالعزيز بموجب معاهدة كانت قد وقعت بينهما .. . والارجح ان خبر المعاهدة التي تولى صياغتها أمين الريحاني مع الإمام يحيى ومستشاريه والتي لم توقع بعد قد وصلت أخبارها الى بلاد الملك ابن سعود إما من قبل عيونه او سربت من قبل الإنجليز ). في حين سارع امير عسير الشيخ عبدالعزيز بن ابراهيم باستقبال القافلة على مشارف أبها واكرم وفادة الحجاج وان عبدالعزيز بادر بإسداء النصح لرؤساء القافلة بأن يسلكوا طريقا اكثر أمنا لهم ودلهم عليه ولكنهم لم يستعجلوا إلى نصيحته وعندها أخذ منهم كتابة خطية بانهم يسلكون هذا الطريق بمحض إرادتهم واختيارهم وعلى مسؤوليتهم وان السعوديين ليسوا مسؤولين عن أي خطر يحيق بهم أو شر ينالهم .... وذهب المؤلف دلال بأن المقاتلين السعوديين ظنوهم مددا لقوات الشريف حسين بموجب المعاهدة الموقعة بينهما عام 1340 هجرية وانها قوة تتخفي بلباس الحجيج وعددهم كبير وأسلحتهم ظاهرة وشاهرة .

زيف الرواية

واستند المؤلف عبدالواحد بن محمد راغب دلال روايات تنومه الى مؤلفات كل من محمد بن احمد العقيلي ( أضواء على تاريخ الجزيرة العربية الحديث ) و( تاريخ العلاقات السعودية – اليمنية ) لفتوح عبدالمحسن الخترش والذين لم يلتزموا بروح الانصاف والموضوعية في عرضهم للحادثة . ومما يكشف ويعري زيف الرواية السعودية ويكشف الحقيقة من حيث ان امير عسير قد حذر رؤساء قافلة الحجاج من مغبة مواصلة سيرهم في الطريق المعتاد وانه اخذ منهم كتابا بإخلاء طرفه ومسؤوليته عما يقع لهم من اخطار في حين يصمت عن ذكر المراسلة بين امير الحجاج محمد بن عبدالله وعبدالعزيز بن ابراهيم والتي ذكرتها الرواية اليمنية . والاهم لو كانت بحوزة أمير عبدالعزيز بن ابراهيم كتاب من امير الحج اليمني ورؤساء القوافل لأرسل به او حتي الملك عبدالعزيز بن سعود الى الإمام يحيى فإن في نشره في اليمن الحجة القاطعة لمنع التقولات بإلقاء التبعية على عساكر الملك ابن سعود ويقابل ذلك من طرف اليمنيين السكوت عم رواية امير الحج محمد بن عبدالله شرف الدين والذي عاد سالما إلى صنعاء . وان اتفقت رواية دلال  من حيث العدد مع الرسالة المخطوطة والمحفوظة في المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء  إذ قالت الرسالة اليمنية بأن عدد الشهداء  2800 شهيدا . واما دلال فيشير الى أن عدد الحجاج كان ثلاثة آلاف حاج . – فلو كان هؤلاء الحُجاج الثلاثة آلاف العزل كم زعمت الرواية السعودية انهم قوة تتخفي بلباس الحجيج وعددهم كبير وأسلحتهم ظاهرة وشاهرة فلن يستطيع وقتها ابن سعود وجيشه ان يصمدوا في وجوههم ساعة واحدة بل كانوا ضيوف الله رجالا ونساء واطفال  قاصدين بيته الحرام مكبرين وملبيين -

جرح نازف

ويظهر التروي اليمني في معالجة أثر هذه في معالجة أثر هذه الحادثة عند الإمام يحيى فقد أهتم الإمام لهذا الحادث اهتماما عظيما وأخذ في تدبير ما يكون به الانتصاف لا سيما وقد قوبل هذا الحادث بالغضب الشديد والحزن العام في اليمن ومطالبين بالثأر . وأسفر رأي الإمام يحيى عن طلبه من ابن سعود ان يكون هو الحكم في هذه الواقعة - وهذه من الأخطاء القاتلة التي ارتكبها الإمام يحيى فالتهاون في دماء حُجاج عزل رغم مطالبه القبائل اليمنية بالثأر قاد ذلك فيما بعد امراء نجد إلى احتلال عسير وجيزان ونجران  ولم يكتفوا بذلك آنذاك بل امتد شرهم وقتلهم للشعب اليمني إلى وقتنا الحاضر بعدوانهم منذ ثمان سنوات على الشعب اليمني ) . آخذا بالاعتبار بعد المسافة إذا ما فكر بالثأر. وحين افاد الإمام بأن الخصم في بلاد نجد مازال مجهولا كان قد انتهى إلى ذلك من خلال توثقه من رواية أمير الحج محمد بن عبدالله شرف الدين بعد عودته سالما . - ولربما انشغاله بتوطين اركان حكمه والقضاء على معارضيه الذين قاموا ضده في الداخل جعله غير قادر على فتح جبهة خارجية اخرى - وحتي عندما وافق الإمام يحيى بعد إلحاح بعض الزعماء العرب وكثرة الوساطات لإرسال مندوب عنه لحضور المؤتمر الإسلامي والذي عقد في مكة 1926م فقد انهى مندوب الإمام السيد حسين بن عبدالقادر الى الملك عبدالعزيز بن سعود وجوب تسوية مسألة الحجاج قبل كل شيء.

ورغم مرور اكثر من مائة عام على مذبحة تنومه وسدوان لكنها تظل جريمة تضاف إلى جرائم آل سعود بحق الشعب اليمني فمن يقتل شعب اليمن اليوم هو نفسها قاتل حُجاج بيت الله الحرام فالتاريخ يدون جرائم الطغاة حتى وان حاولوا طمسها من الذاكرة السياسية لكنها تبقي جرح نازف في ضمير الشعب والضحايا والمظلومين وجريمة حية  لا تسقط بالتقادم .

تقييمات
(1)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا