الأخبار

11ديسمبر ... إعدام رأس الخيانة بصنعاء !

26 سبتمبرنت: علي الشراعي ..

 خطأ قاتل مازال مستمر حتى وقتنا الحاضر يرتكبه بعض حكام اليمن على مر التاريخ اليمني السياسي والعسكري وهو الاستجداء بالخارج للحفاظ على سلطتهم فيرتكبون بذلك الخيانة الكبرى بحق الوطن والشعب .

11ديسمبر ... إعدام رأس الخيانة بصنعاء !

منذ مطلع القرن الثامن عشر الميلادي ادت الصراعات الداخلية باليمن وتنافس الأئمة على السلطة إلى جانب الطبيعة الجبلية والعناصر القبلية واستمرار الحروب والمنازعات إلى ضعف السلطة المركزية في صنعاء واستقلال العديد من القبائل والمشيخات والمناطق عن أئمة صنعاء .

ناقوس الخطر

يظل ساحل تهامة ناقوس خطر يهدد العاصمة صنعاء حينما يقع تحت سيطرة واحتلال خارجي فبعد القضاء على الخطر الوهابي في نجد والحجاز وساحل اليمن الغربي عام 1818م على يد قوات محمد علي باشا وسيطرتهم على تهامة ووصلوا إلى مدينة تعز مما زاد من مخاوف البريطانيين  على مصالحها الاستعمارية فبعد احتلالهم عدن عام 1839م استطاعت وبتحالف مع الدولة العثمانية ودول غربية استعمارية اخرى من اخراج قوات محمد علي باشا من الجزيرة العربية ومنها سواحل اليمن الغربية 1840م.

فخلال فترة التواجد المصري من 1818- 1840م استعادت صنعاء سلطتها على ساحل تهامة اسميا حيث بقت حاميات مصرية في الموانئ الهامة كالمخا والحديدة واثناء مغادرة القوات المصرية سواحل اليمن تم تسليم تهامة للشريف حسين بن علي بن حيدر الذي كانا مناصر لهم .

ومع دخول الشريف حسين صراع مع الإمام المتوكل محمد بن يحيى ( 1845 - 1849 م ) الذي حاول استعاده تهامة بعتبارها جزء من أراضي اليمن فعزم الشريف الحسين بن  حيدر على قرار خطير في استدعاء و طلب العثمانيين نكاية بالمتوكل ولم يتريث السلطان العثماني في اغتنام الفرصة وسرعان ما صدرت الأوامر من الباب العالى إلى والي الحجاز توفيق باشا وامير مكة الشريف محمد بن عون بالمسير إلى اليمن على رأس حملة من ثلاثة آلاف جندي وصلت إلى الحديدة في إبريل 1849م واستقبلها الشريف حسين مرحبا ومقدما كل التسهيلات وبذلك سيطرة العثمانيين على الساحل الغربي لليمن .

بداية المؤامرة

وحين بلغ الخبر صنعاء عز على الإمام المتوكل انفراد خصمه الشريف حسين بن حيدر  بالتزلف إلى العثمانيين  فبادر في إرسال مبعوث منه مع بعض الهدايا ورسائل الترحيب ولم يفكر الإمام المتوكل في العواقب او ردود الفعل التي يمكن ان تحدث من قبل اليمنيين الذين لم ينسوا مجئ العثمانيين قبل أكثر من قرنين وما دار بينهم من معارك وقتال لا زالت ماثلة في الأذهان كقصص وبطولات لأسلافهم لكن هم المتوكل الذي كثرت من حوله المشاكل والمؤامرات كان قد تبلور بأسلوبه السياسي ومذهبه النفعي في انتهاز الفرص في التعاون مع العثمانيين واحضارهم إلى صنعاء ليستريح من تعنت القبائل وتخبطهم واستطالتهم في المطالب مع عدم النفع منهم وتظاهرهم على الغدر والمكر .

ثم لم يلبث أن نزل بنفسه في يوليو 1849م ليتفق مع توفيق باشا على طلوعه مع قواته إلى صنعاء على ان يسبقهم ليفتح لهم أبواب صنعاء .

وبناء على مباحثات المتوكل في الحديدة فقد  أرسل إلى صنعاء قبله الفرمان السلطاني بتبعية اليمن إلى الباب العالي وأمر المتوكل بالنيابة في الحكم وتم بالفعل إعلان ذلك من قبل خطيب الجامع الكبير في خطبة الجمعة 21 شعبان 1265هجرية الموافق 11 يوليو 1849م . وما هي الا ستة ايام حتي اقتربت العساكر العثمانية وكان قوامها ألفا وخمسمائة جندي وضابط بقيادة توفيق باشا وخرج المتوكل بعسكره لاستقبالهم الى منطقة عصر غربي العاصمة  فدخلوا صنعاء في 24 يوليو ودخل قسم كبير منهم في قصر صنعاء كما عسكر الباقون في ميدان البكيرية وحل توفيق باشا وكبار مساعديه في بستان السلطان لمزاولة اعماله الرسمية وقرر للمتوكل أربعة آلاف ريال شهريا وكذلك مرتبات لمن معه وابلغ المتوكل الناس بأن امورهم مناطه بتوفيق باشا ومن هنا تيقن كل من سمع من المتوكل صدق الاقاويل وعلموا بخديعته لهم وخيانته لأمانته ولشعبه وطنه .

 

ثورة صنعاء

وبدخول العثمانيون صنعاء تحولت نقمة الشعب وكراهيتهم إلى ثورة عارمة

فكانت الكارثة في اليوم الثاني حينما انتشر بعض الجنود العثمانيين في المدينة للتسوق وشراء الحاجيات فقد عقد أهل صنعاء وبعض الأجناد من عسكر الحكومة اجتماعا في مسجد ازدمر باشا القريب من بابا شعوب وأجمعوا رأيهم على الفتك بالعثمانيين وثارت العامة معهم في تلك الحالة فاوقعوا بكل من وجدوه من  العثمانيين في صنعاء وبلغ القتلى نحو مائة قتيل وأخذت خيلهم وامتعتهم واشتدت الثورة فتوجه الناس لمحاصرة المتوكل في بستان السلطان للفتك به لاعتباره مسؤولا عن حضور العثمانيين إلا ان الحراسة كانت عليه شديدة واستمرت ثورة الشعب في ازدياد وحوصر الجند العثمانيين داخل قصر صنعاء .

وحينما كانت الثورة تشتد على العثمانيين اجمع أهل الحل والعقد من اهل صنعاء وقادة العسكر للتشاور في الأمر وحفظ الأمن واختيار إمام جديد وشاءت الأقدار ان تعيد الإمام علي بن المهدي لسدة الحكم للمرة الثالثة بعد ان اغتصب السلطة منه الإمام الخائن محمد بن يحيى سنة 1845م .

وتمثلت الخيانة في نظر الشعب في الإمام المتوكل محمد بن يحيى فهو المسؤول عن حضور العثمانيين إلى صنعاء  فاحكم الحصار على داره ببستان السلطان وأصبح

المتوكل رمزا للخيانة والتعامل مع الغريب الأجنبي - ولم يشفع له كل انجازاته السابقة حيث كان من أكفا الأئمة المتأخرين وأكثرهم مقدرة وذكاء إلا أنه جاء في وقت صعب داخليا وخارجيا كما ان سياسته الانتهازية أودت به في آخر المطاف إلى خيانة وطنه وشعبه فالخيانة تمحو كل آثر حسن لصاحبه - .

فثارت العامة من جديد  على بستان السلطان فهرب المتوكل ليسجن في دار الجنات لكنهم لم يقتنعوا بذلك فقد كانوا يطالبون برأسه فحوصر من جديد فاخرج إلى بيت اسماعيل الأمير ومن هناك قيد واوثق بالحديد ونقل إلى سجن القصر حيث كان في مأمن من قتل العامة .

قائد الثورة

فبعد تولى علي بن المهدي السلطة بصنعاء يوم السبت 26يوليو 1849م وتلقب بالهادي وركب الموجة الوطنية وقادثورة الشعب ضد العثمانيين واصبح يمثل الإنقاذ الوطني بنظر الشعب . هبت القبائل القريبة من العاصمة لتساهم في تشديد الحصار على جند العثمانيين من الجانب الشرقي للقصر والأبواب القريبة منه حيث تحصن الجند ونصبوا المتارس والمدافع حول الأسوار وألقيت المسؤولية بكل صعابها على الإمام الجديد فأمر المهدي بفتح ابواب المدينة بعد ان اتفق مع القبائل التي خارج الأسوار بأن الهدف والغاية محاصرة العثمانيين حتي يتم طردهم من صنعاء وليس مضايقة الأهالي وفي محاوله يائسة للعثمانيين على امل ان يصلهم دعما من تهامة خاصة وهم مازالوا يستعملون مدافعهم وإسلحتهم في محاولة يائسة لفك الحصار عنهم لكن الحصار ضيق عليهم واظهر الإمام علي بن المهدي

 من الحكمة وحسن الإدارة والتفاوض ما مكنه في أقل من أربعة أسابيع من إجلاء العثمانيين ومغادرتهم صنعاء فغادروها في اول يوم لعيد الفطر عام 1265م الموافق 18 أغسطس 1849م مهزومين وخائبين لتتحطم آمال السلطنة العثمانية بالسيطرة على صنعاء وتتحرر صنعاء منهم .

ورغم جلائهم  ظل العثمانيون مسيطرون على ساحل تهامة لقربها من مراكزهم وقواتهم في الحجاز وتعاونوا لوقت قصير مع شريف إبي عريش حسين بن حيدر الذي استدعاهم لكنهم خلعوه عن منصبه في تهامة – وهذا مصير كل خائن وعميل – فعاد الشريف حسين إلى مدينته أبي عريش بجيزان  لتصدر بعدها الأوامر من الأستانة عاصمة العثمانيين  بترحيله إليها فوصلها وقرر له راتب شهري .

لكن بقاء العثمانيين في تهامة ظل خطر يهدد العاصمة صنعاء   حيث بقت القوات العثمانية تسيطر على الساحل الغربي لليمن ثلاثة وعشرين عاما - وهذا ما يجعل من صنعاء وهي تواجه اليوم عدوان 2015م أن تستحضر الماضي لتستفيد من تلك الأخطاء وتتجنبها - وحينما تم فتح قناة السويس عام 1869م زادت اهمية اليمن استراتيجيا من قبل القوى الطامعة فيها ومنهم العثمانيون الذين مازالوا متواجدين بالساحل الغربي للبحر الأحمر . ففي ظل الفوضي في صنعاء وصراع الأئمة على السلطة   دون ادراكهم للخطر المتربص بهم في تهامة استغل العثمانيين تلك الفوضي ليعودوا لأحتلال صنعاء عام 1872م .

 

نهاية الخيانة

وفيما يخص الإمام المتوكل محمد بن يحيى(1845- 1849م ) فقد صدرت اوامر المهدي بحبسه بتهمة الخيانة الكبرى واستدعائه للعثمانيين بدخول صنعاء وحبس إلى جانبه اقربائه وابنه غالب بن المتوكل وعمه عبدالله بن يحيى وجميع آل المتوكل وصادر اموالهم لبيت المال وبعد مضى أربعة أشهر في معتقله أمر الإمام علي بن المهدي بإعدامه جراء خيانته فنفذ فيه حكم الإعدام فجر يوم 11 ديسمبر 1849م بقطع رأسه ويكون بذلك أول إمام من بيت القاسم الحاكم يقطع رأس إمام من نفس البيت منذ تسلمهم الحكم عام 1597م وقد تكرر هذا  بعد نحو قرن   عندما أقدم الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين على قتل أخويه عبدالله والعباس آثر فشل انقلاب 1955م والذي نصب فيه عبدالله إماما بدلا عنه  .

تقييمات
(0)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا